المُعِد: محمد سلمان :الطالب في السنة الأولى من الدراسات العليا
(مجلة النادي العربي السنوية عدد ممتاز عن منهج الإمام الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الدعوة والفكر الإسلامي لطلبة النادي العربي دار العلوم لندوة العلماء ، لكناؤ 1435هـ الموافق 2014م)
إذا سرحنا أنظارنا إلى
العالم كله وجدنا أن الله تعالى ما زال يبعث في هذا العالم الإنساني شخصيات
عملاقة، ونفوساً قدسية، ورجالاً من التاريخ لبقاء دينه إلى يوم القيامة، وإن الله
تعالى قد أعلن بحفظ هذا الدين القويم وصيانته، فقال تعالى: "إنا نحن
نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" فهيأ
الله تعالى بيئات وعوامل لتكوين شخصيات عظيمة تقوم بنصرة الدين وبدعوته إلى الناس
كافةً، فنشأت هذه الشخصيات في كل عصر ومصر وفي كل زمان ومكان، وأدت بمسئوليتها
وواجبتها بأساليب قوية نحو الإسلام والمسلمين، وجادت بالنفس والنفيس في سبيل الدين
المتين، وجاهدت في الله حق جهاده.
ومن
هذه الشخصيات البارزة الممتازة شخصية الداعية الرباني والمفكر الإسلامي والعلامة
الإمام شيخ العرب والعجم، وقائد الأمة، ولسانها الناطق بالحق، والداعية إلى الخير
والفلاح وهي أشهر وأعرف من أن تعرف وهي أعظم وأكبر من أن يؤدى حقها بكلمات، وهو
سماحة العلامة الشيخ السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله تعالى، فأريد أن
أتحدث عن العناصر والعوامل التي كونت شخصيته الفكرية والدعوية، و عن العناصر التي
هيأته لمقاومة أعداء الإسلام بسلاح القلم واللسان، ولتقديم حلول للقضايا المعاصرة
والمسائل الحاضرة إلتى تعانى منها الأمة المسلمة، وللقيام بالدعوة الإسلامية إلى
الإنسانية كلها.
إن استعراضاً قليلاً لحياة
العلامة الندوي رحمه الله يتوصل بنا إلى معرفة خصائصه الدعوية وفكرته النيرة
وصفاته العالية الممتازة وإسهاماته الكبيرة وخدماته الجليلة – في نشر الإسلام وتبليغه – لم نطلع على مثلها إلا في حياة قليل من الشخصيات العباقرة، وكانت
حياته تحمل في طياتها نواحي كثيرة من الفكرة النقية، والقلب الصافي، وللسان الصادق
النظيف، البعيد عن كل ما يتصف بالطعن والتجريح، كان يتميز بالسيرة الزكية وحسن
الأخلاق، والورع والتقى، وإخلاص النية، والإشتغال بالقضايا المهمة التي تشغل بال
الأمة والاهتمام بشئون الإسلام والتحرق لآلام المسلمين والإنسانية.
وإن المجال القوي الأثير الذي قد استولى على قلبه وشغل ذهنه ولا
يقرله قرار، ولا يعيش إلا فيه إنما هو مجال الدعوة إلى الله تعالى والفكر الإسلامي.
هناك أربعة عوامل كونت
شخصية الإمام الندوي رحمه الله حتى فاقت جميع الشخصيات المعاصرة البارزة، وهي كما
يلي:
1
-أسرة الشيخ الندوي:
إن أسرة الشيخ الندوي رحمه
الله أثرت في شخصيته أثراً كبيراً، فالتربية الدينية والعلمية والاجتماعية السليمة
الصحيحة ساهمت مساهمة عظيمة في تكوين عقليته العلمية، وشخصيته الإسلامية، فأصبح
عالماً كبيراً ومفكراً إسلامياً، وداعية عظيماً، بل أحد قواد الإسلام والمسلمين في
عصره، فأقدم إليكم أقرب الناس إلى الشيخ الندوي رحمه الله من أفراد أسرته الكريمة
الذين كانوا مثالاً عالياً في التمسك بالشريعة، والدين والتقوى، وفي العلم والفكر
والدعوة، والخلق الحسن، والعمل الصالح.
والد
الشيخ الندوي: وهو
العلامة الشريف السيد عبد الحي الحسني رحمه الله فكانت حياته تصويراً صادقاً تجلت
فيه ملامح عالم مصلح ومفكر إسلامي حر، وأديب ناقد بارع، وكان صاحب المؤلفات
والمصنفات، ومن كتبه الشهيرة العظيمة "نزهة
الخواطر" في ثمانية مجلدات، فقد سار الشيخ الندوي على نفس نهج
والده العظيم في سبيل خدمة الإسلام والمسلمين في مجال العلم والفكر والعمل[1].
والدة الشيخ الندوي: وهي السيدة خير النساء بنت السيد الشيخ ضياء النبي
الحسني رحمه الله، كانت حافظة القرآن الكريم، ونشرت لها كتب إسلامية عديدة، وكانت
تتميز بين سيدات أسرتها بقيام الليل وكثرة الدعاء، والمناجاة إلى الله تعالى،
واهتمت بتربية ولدها تربية دينية إسلامية، وصقلت قلبه، وفكره، وذهنه[2].
الأخ الكبير للشيخ الندوي: وهو الدكتور السيد عبد العلي الحسني الندوي رحمه الله اعتنى بتربيته
الدينية التعليمية والفكرية اعتناءاً كاملاً، ويتحدث الشيخ نفسه عن ذلك فيقول: فقد نشأت في حضانته وتحت إشرافه،
فقد مات والدي، وأنا في التاسعة من عمري، وقد كفلني كفالة الآباء للأبناء ..... وهو الذي هيأ الله لي عن طريقه
وسائل التعليم والدراسة.[3]
خال
الشيخ الندوي: وهو السيد عبيد الله
الحسني رحمه الله وقد أثر كثيراً في ثقافة ابن اخته وتربيته الخلقية والعقلية
والفكرية،[4] وألقى الضوء على حياته الشيخ الندوي في كتابه "المصابيح المنطفئة".
حرم
الشيخ الندوي: وهي إبنة
خاله السيد أحمد سعيد الحسني كانت سيدة صالحة كريمة مخلصة شاركت زوجها في العسر
واليسر والسراء والضراء، وقامت بخدمته بغاية من المحبة والمودة والإخلاص.
2
-أبرز أساتذة الشيخ الندوي الذين كونوا شخصيته:
الشيخ
خليل عرب: بدأ
الشيخ الندوي بتعليم العربية –في الثانية عشرة من
عمره على يد
الشيخ خليل بن محمد اليماني رحمه الله حفيد الشيخ المحدث حسين بن محسن الأنصاري
اليماني نزيل الهند، يقول عنه سماحة الشيخ الندوي: "لقد كان
الشيخ فريداً، لا يوجد له مثيل في تطعيمه للطلاب بذوقه ورأيه فكان يملك صلاحية
غريبة مدهشة في صبغ الطلاب بأفكاره وآرائه بحيث تتغلغل في أحشائهم وتمتزج بلحومهم
ودمائهم ونفخ الروح في الكتاب الذي يدرسه".[5]
الشيخ محمد تقي الدين الهلالي: وأتم دراسته
الأدبية على يد الشيخ الدكتور محمد تقي الدين الهلالي المراكشي فيقول الشيخ الندوي
عنه:
"والواقع أن العمل الذي بدأ
به الشيخ خليل من نشر الطرق الصحيحة لتعليم العربية وإنشاء ذوقها وملكتها، ثم بلغ
كماله على يد الأستاذ الهلالي، وقد استفدت منه كثيراً في غير نظام فكنت أحضر
يومياً وانتفعت بصحبته ومجالسه ولقد قرأت عليه ديوان النابغة بنظام، وقيدت فوائده
ونكته، وكان يعطف علي بصفة خاصة لأجل العلاقة بأخي الأكبر الشيخ خليل".[6]
الشيخ
أحمد علي اللاهوري: ودرس
التفسير على يد الشيخ أحمد علي اللاهوري لمدة أربع سنوات، ودروساً من كتاب حجة
الله البالغة للشيخ ولي الله الدهلوي.[7]
الشيخ
المحدث حسين أحمد المدني: ودرس
الحديث الشريف على يد الشيخ المحدث الكبير حسين أحمد المدني رحمه الله في الجامعة
الإسلامية دار العلوم بديوبند، يقول عنه الشيخ الندوي: "وكانت
تغشى دار الحديث غاشية من الدين وسحابة من الروحانية، ولا يزال يرن في أذني صوت
الشيخ العذب الرنان ولحنه العربي الجميل".[8]
3 -أبرز الشخصيات المعاصرة التي أثرت
في حياة الشيخ الندوي رحمه الله:
الشيخ
محمد الياس الكاندهلوي رحمه الله: ويقول عنه الشيخ الندوي: "أكثر من
تأثرت به هو إمام الدعوة إلى الله الشيخ محمد الياس الكاندهلوي رحمه الله كان هذا
الرجل مأمور من الله، ويواصل قائلاً: رأيته في حالة عجيبة
من التألم والتوجع والقلق الدائم، كأنه على حسكِ السعدان يتململ تململ السليم ..... فمن أغرب ما رأيت يقينه الذي استطعت به أن أفهم يقين
الصحابة".[9]
الإمام
الشهيد حسن البناء رحمه الله: وهو
مؤسس جماعة "الإخوان المسلمون" وإن كان
سماحة الشيخ الندوي قد عزم على لقاء الشيخ حسن البناء، ولكن الله لم يشأ ذلك، فقد
تعرف على تلامذته وجماعته وآثاره، وبث إليهم آماله وآلامه، ونصح لهم بما ينبغي أن
لا يتغافلوا عنه[10].
الشيخ عبد القادر الرائيفوري: كان
مثالاً حياً من العلماء الربانيين ونموذجاً من نماذج الزوايا السنوسية وكان من
كبار المربين والعلماء الراسخين والقادة الروحيين، تزود منه الشيخ الندوي بالزاد
الروحي واستفاد من صحبته و مجالسه[11].
الشيخ
محمد زكريا الكاندهلوي: ويقول
الشيخ الندوي عن رحلة الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي إلى الحجاز المقدس ومرافقته معه: "وقد أسعد الله كاتب هذه السطور بمرافقته في هذه الرحلة،
فرأى من علو همته وقوة إرادته وشدة أدبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم وشدة حبه له
وشوقه إليه"[12].
الدكتور محمد اقبال رحمه الله:
يقول الشيخ الندوي في كتابه "روائع اقبال" إن أعظم ما حملني على الإعجاب بشعر محمد اقبال هو: الطموح والحب والإيمان، وقد تجلى هذا المزيج الجميل في
شعره وفي رسالته أعظم مما تجلى في شعر معاصر، ورأيت نفسي قد طُبعت على الطموح،
والحب والإيمان، وهي تندفع اندفاعاً قوياً إلى كل أدب ورسالة ..... ويبعثان على الإيمان بالله والإيمان بمحمد صلى الله
عليه وسلم وبعبقرية سيرته وخلود رسالته وعموم إمامته للأجيال البشرية كلها، إنني
أحببته وشغلت به كشاعر "الطموح والحب والإيمان".[13]
.4 الكتب التي أثرت في حياة الشيخ الندوي وكونت شخصيته:
"صمصام الإسلام" لمؤلفه
السيد عبد الرزاق الحسني عم والد الشيخ الندوي وهذا الكتاب ترجمة منظومة لكتاب "فتوح الشام" للواقدي،
و"مسدس حالي" لصاحبه
الطاف حسين حالي وهذا كتاب منظوم أيضاً، و"سيرة
رحمة للعالمين" لمؤلفه
القاضي محمد سليمان المنصور فوري، "الفاروق" و"الغزالي" للعلامة شبلي النعماني، "قيام
الليل" لمحمد بن نصر المردزي البغدادي، تفسير شيخ الإسلام ابن
تيمية لسورة النور، "الجواب
الكافي عن الدواء الشافي" لابن قيم
الجوزية، "نزهة الخواطر وبهجة السامع والنواظر" لوالد الشيخ الندوي" العلامة
عبد الحي الحسني رحمه الله.[14]
هذه هي
العوامل والعناصر التي كونت شخصية العلامة السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي رحمه
الله وقد امتازت بها بين العلماء البارزين المعاصرين، وأما قرن الشيخ الندوي "القرن العشرون الميلادي" كان
حافلاً بالمسائل المختلفة والقضايا المتنوعة التي افتقرت إلى شخصية عظيمة ذات
فكرية ودعوية تسد الفراغ في التاريخ، وتقوم بمسئولية عظيمة نحو الدعوة والفكر
الإسلامي، وأما التربية الإلهية أيضاً كانت ملازماً ومشرفاً عليه مثل الظل من
الإنسان، وهي العامل الحقيقي الذي جعله شخصية عظيمة كبيرة.
0 تعليقات
أكتُبْ تعليقا