ادعمنا بالإعجاب

الشيخ الندوي وموقفه إزاء الحركات الإسلامية في البلاد

الكاتب:  محمد أسامة الطالب في السنة النهائية من الدراسات العليا-قسم الحديث
(مجلة النادي العربي السنوية عدد ممتاز عن منهج الإمام الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الدعوة والفكر الإسلامي لطلبة النادي العربي دار العلوم لندوة العلماء ، لكناؤ 1435هـ الموافق 2014م)
قد سجل العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في إحدى كتاباته:
"الشيخ بطبيعته رجل معتدل في تفكيره، وفي سلوكه، وفي حياته كلها: فهو قديم جديد، وهو تراثي عصري، وهو سلفي وصوفي، ثابت ومتطور، في لين الحرير وصلابة الحديد، وهكذا يريد لجيل الصحوة أن يكون" [الشيخ أبو الحسن الندوي كما عرفته ص:92].
وكان الشيخ أبو الحسن علي الندوي له اطلاع واسع على الحركات الإسلامية المعاصرة، بل وعلاقات بها، ومواقف تجاهها، وكان بما آتاه الله من سعة القلب يرى مساعدة الحركات والجماعات في المجالات التي يتفق فيها معها، وكان أبعد الناس عن الخلافيات حتى كان يكره أشد الكراهية الشقاق والخلاف بين صفوف المسلمين.
ثم كان الشيخ أبو الحسن معترفاً بدور الأستاذ السيد أبي الأعلى المودودي في تأثيره في الجيل المسلم المعاصر، ولما أنشأ الأستاذ المودودي الجماعة الإسلامية عام 1940م وكان هدفه الأساسي السعي لإقامة دولة إسلامية، وشاركه الشيخ الندوي فترة من الزمن، ثم اعتزل عنها، وهذا لأمور أتلو بعضها ومواقفه إزائها هنا:
أولاً: لم يكن الشيخ يركز على التغيير السياسي، وإنما يراه أثراً للتغيير الإيماني والأخلاقي، بل ينكر على العلامة المودودي، وعلى الشهيد سيد قطب تركيزهما على هذا الجانب في فكرهما، وكان لشيخ الندوية شديد إعجاب بمنهج الإمام الرباني أحمد السرهندي بأن يوصل الإسلام إلى الحكام، وهو كثير الاستشهاد به والدعوة إليه وأنه عند الشيخ المنهج الأمثل لتحقيق الإصلاح، وأنه أقرب وأيسر من ذلك الطريق الذي أكثر دماءاً وجرحاً، وجه في إحدى اللقاءات في استانبول تركيا إلى الشيخ الندوي سؤال: ما هو- في رأي سماحة الشيخ- المنهج الأمثل للدعوة الإسلامية؟..... أجاب الشيخ الحكيم جواباً مقنعا بكل إسهاب و تفصيل قال فيه (لو أننا وضعنا في كفة الميزان ما بذلته الدعوة الإسلامية في العصر الحاضر من جهود وأوقات، ومن محن وسجون، ومن دماء ودموع، ثم نظرنا إلى الكفة الأخرى لما رأينا توازناً ولا ما يشبه التوازن... ولعل السبب الأكبر في ذلك أن معظم العاملين في الدعوة وضعوا نصب أعينهم الوصول إلى الحكم، وإزاحة الحاكم عن كرسيه، بحجة أن سيطرتهم على الحكم سوف تمكنهم من تحقيق أهدافهم الإسلامية... ولكن الحاكم الذي ربط مصيره وحياته بالكرسي الذي يتربع عليه ما إن يحس بما يهدد كرسيه من خطر حتى ينسى كل شيء ويستعين بكل شيء لاستبقائه حياته... ومهما كان لهذا الحاكم من إيجابيات قلت أو كثرت فإنه سوف يضعها وراء ظهره، حتى يبطش بأولئك الذين هددوه في حكمه أو في حياته، لأن كرسي الحكم يعادل عنده حياته. ولو أن الدعاة إلى الإسلام جعلوا منهجهم إيصال الإسلام إلى الجالسين على كراسي الحكم مع موالاة النصح لهم بما يصلحهم، ويعود بهم العود الحميد إلى الإسلام لكان في ذلك تحقيق كثير مما يهدف هؤلاء الدعاة من نصرة للدين وإعلاء لكلمة الله.
ثانياً: رأي الشيخ أبو الحسن في كتابات الأستاذ المودودي، اتجاهاً يتسم بتفسير الإسلام في الأوضاع الراهنة بعيداً إلى حد ما عن منهج السلف الصالح، فانتقد أشياء من مناهجه في كتابه (التفسير السياسي للإسلام) وهو كتاب يتضمن نقد هذا الاتجاه بحرارة وخصوصاً ما كتبه المودودي في كتابه (المصطلحات الأربعة في القرآن) ويعنى بها مصطلحات الرب، والإله، والدين، والعبادة، وقد تأثر الشهيد سيد قطب بكتابات المودودي في هذا المجال.
ولكنه مع الاعتزال عنها والانتقاد على بعض آرائه ومنهج دعوته ما زالت علاقتهما جيدة.
وكذلك لم تزل أمطار عنايات قائد المسيرة وداعية الأمة تهطل وتعم على الجماعات الإسلامية من فيضان سماء رئاسة هيئة الأحوال الشخصية للمسلمين ولما حظرت الجماعة الإسلامية من قبل الحكومة الهندية تألم به هذا الرائد الجليل ورفع عقيرته ضد هذا المنع وأصدر البيان أن هذه الجماعة (الجماعة الإسلامية) هي جماعة دينية إصلاحية وتربوية فكرية.
صلته بحركة الدعوة والإرشاد:
لما التقى الشيخ أبو الحسن الندوي بالداعية الجليل محمد إلياس الكاندهلوي، فكان هذا اللقاء نقطة تحول في حياته، وأن الشيخ الندوي لم يكن متصلاً بالشعب قبل ذلك، فرأى التعليم وحده لا يكفي، والاعتزال عن الحياة مكبا على البحوث والدراسة والمغامرات العلمية لا تحقق أمله، وأنه لابد من الاتصال بطبقات الشعب، ودعوة المسلمين إلى مبادئ الدين، والخروج والعمل في سبيل هذه الدعوة، وبثها في القرى والمدن، فساهم في هذه الدعوة مساهمة فعالة، وقدم النشاطات الدعوية في هذا الميدان ولكن لما توفي الشيخ محمد إلياس رحمه الله شعر الشيخ الندوي بأن الجماعة أصابها الجمود كغيرها من الجماعات والدعوات وأن النقاط التي كانت بداية للدعوة قد حصرت نفسها فيها لا تتعداها، ولا تخرج منها، وقد وضح الشيخ الندوي هذا في كتابه  ‘مسيرة الحياة’ سجل فيه موقفه من حركة التبليغ ومنهجه في التفكير. فإن نفسه قد ضجرت  وملت بما يعارض الفكر الجامع الذي آمن به الشيخ الندوي، والذي لا يرى التبعيض أو تجزئة الإسلام، ومن ثم يقول:
"هذا عمل مشكور جداً، وإن كان يجب أن يكون فيه بعض من السعة والإلمام بنفسية الشباب المثقف الجدد، ومراعاة فهمهم وتقديرهم، ومراعاة أساليب تفكيرهم ونطاق العمل لديهم محدود، وهو الاعتقاد الصحيح والعمل بالفرائض، أما تثقيف العقول وتهيئة الشباب والجيل الجديد للتأثير في المتعلمين المثقفين وفي القادة فهذا قد يغفل عندهم".
واستلفت أنظار المسئولين عنها إلى هذه الناحية في حكمة وتواضع، وذكرهم أن عمل الدعوة الإسلامية يحتاج إلى اجتهاد في الفكر، وأن يتبنى الداعية أحسن أسلوب وأفضل منهج وفق كل ضرورة متجددة، وحسب كل مجتمع جديد، ولكنه لم ير منهم استجابة له، ومع ذلك فقد ظل متعاوناً معهم ولم يتظاهر لهم بخلاف أو شقاق.
و لما حاول بعض الانتهازين المحترقين أن يشيعوا الظنون السيئة حول حركة التبليغ في البلاد العربي ويشوهوا وجههاً مستنداً إلى بعض الأكاذيب والأباطيل قام شيخنا كالأسد الثائر في مرضه لدفع سحابة الظنون عنها وحرر رسالة سماها بصائر، ونشرها في العالم العربي.


مواضيع ذات صلة
الندويات, دراسات,

إرسال تعليق

0 تعليقات