ادعمنا بالإعجاب

الشيخ الندوي ومكانته في التفسير

معد الدراسة: عبد الحي ،الطالب في السنة الأولى من الدراسات العليا قسم التفسير
مجلة النادي العربي السنوية عدد ممتاز عن منهج الإمام الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي في الدعوة والفكر الإسلامي لطلبة النادي العربي دار العلوم لندوة العلماء ، لكناؤ 1435هـ الموافق 2014م)
يعرف سماحة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي كأديب وداعية ومفكر إسلامي ولكن المعرفة بشخصيته لا تتم إلا إذا علم باعه الطويل في مجال التفسير وذوقه الأنيق للقرآن الكريم وفهمه الدقيق لمعاني آيات الله الحكيم. وكانت خدماته في ميدان التفسير ليست بقليلة لا يعبأ بها بيد أنه لم يفرد التصنيف لتفسير القرآن الكريم بكامله ولكنه انصبغ بصبغة القرآن وانصهر في قالبه. وقد نشأ وترعرع في التذوق بالقرآن الكريم وفي بيت الإيمان والعرفان وكانت أمه تكلفه لحفظ سور القرآن في صباه كما يذكر سماحته في كتابه "في مسيرة الحياة" ثم وفق بفضل الله تعالى أن يتم حفظ القرآن بكامله وهو في السنة الأربعين من عمره. هذا الذي جعل الشيخ أن يفرغ من أوقاته قدرا لا بأس به لتلاوة ايات الله كل يوم وكان من فضل الله أنه لما توفي رحمه الله كان يتلو سورة "يس".
تلقّى الشيخ الندوي تفسير سور مختارة من شيخه خليل الأنصاري، ثم تلقّى دروساً في التفسير من الشيخ عبد الحي الفاروقي، وحضر دروس البيضاوي للمحدث حيدر حسن خان، ودرس التفسير الكامل للقرآن الكريم حسب المنهج الخاص للمتخرجين من المدارس الإسلامية  على العلامة المفسر أحمد علي اللاهوري في لاهور عام 1351هـ/ 1932م. واستفاد في مجال التفسير من الشيخ حسين أحمد المدني والعلامة السيد سليمان الندوي والعلامة عبد الباري الندوي والأستاذ عبد الماجد الدريابادي والعلامة مناظر أحسن الكيلاني.
وقد شغل منصب رئيس قسم علوم القرآن خلال تدريسه في دار العلوم ندوة العلماء وكان من اجتهاده أنه لما ولي تدريس تفسير بعض الأجزاء من محكم التنزيل يطالع عددا جليلا من كتب التفسير ويراجع إلى أمهات كتب التفسير لنسمع حكايته من لسانه: أخذت من المكتبة مراجع التفسير القديمة الكبيرة والمصادر الأساسية المهمة قرأت بعضها كتفسير "الكشاف" و"معالم التنزيل" للبغوي و"المدارك" من أولها إلى اخرها حرفا حرفا واستفدت كثيرا من تفسير "المنار" و"ترجمان القران" لمولانا أبي الكلام آزاد من التفاسير الجديدة ، وكتب الشيخ بحوثا عن عدد من سور القرآن الكريم، نشر جانب منها في كتابه: " تأملات في التنزيل" والف كتابا باسم: " المدخل إلى الدراسات القرآنية" ، وقد جاءت نتف علمية مفيدة لشرح آيات من القرآن الكريم في كثير من خطبه ومحاضراته الدعوية والفكرية التي ألقاها في مختلف المناسبات العلمية والدعوية في حياته، ظهرت فيها من استدلالاته العلمية والدعوية واستشهادا ته من آيات من كتاب الله العزيز مقدرة له علمية جليلة، وقد ساعده في هذه الاستدلالات ما كان يمتاز به من دقة الفهم البلاغي للقرآن الكريم. وذلك لاختصاصه في الأدب العربي أيضا، وكان مدرسا له أيضا في زمن تدريسه في دار العلوم ندوة العلماء ومعنيا به. فقد ظهرت معرفته الواعية للأدب العربي وقدرته في الكتابة والخطابة في اللغة العربية طيلة حياته. وكان سماحتة إضافة إلى ذلك يلقي دروسا من القرآن الكريم في مختلف العهود على وجه مستمر مرتب بدأ هذا العمل العظيم تحت راية مؤسسة التعليم الإسلامي بلكناؤ وهي أسست في عام 1943م. يشارك في درسه كثير من أهل المعرفة والعلوم وأصحاب المناصب. وبعد عودته من رحلته إلى الشرق الأوسط في سنة 1951م  انتقل إلى مركز الدعوة والتبليغ لإلقاء الدروس القرآنية وقد كانت دروسه طافحة بقوة الإيمان والاتعاظ بعبر القران وتطبيقه على القضايا المعاصرة. لقد استمرت هذه السلسلة النورانية إلى سنوات عديدة واستفاد منها كثير من الناس. وفي سنواته الأخيرة من عمره أعاد هذه الدروس للقران في رمضان في زاويته بتكية في رائ بريلي التي تكون زاخرة بمسترشديه ومحبيه والمستفيدين منه وقد جرى هذا العمل الجليل إلى ست سنوات ثم توقفت لضعف الشيخ وعلته.
وكان من اختصاصات العلامة الشيخ أبي الحسن علي الحسني النَّدْوي رحمه الله تعالى العلمية والفكرية عنايته بالدراسات القرآنية تعليما وبحثا وكتابة، وكان ذوقه القرآني عاليا رفيعا يستلهم معاني الحياة من الايات القرانية ويستنبط من مختلف الآيات المشتملة على المعاني الدقيقة إشارات إلى شؤون تتصل بواقع الحياة الإنسانية المتطورة ويستدل من بعض الآيات معاني يظهر أنها جديدة لطرافتها، كان يطبقها على أحوال من الحياة الراهنة، مع مراعاة لإطار المعاني المفهومة من الآية وقد يقول: ربما أحضر حفلات وندوات ولم يجل بخاطري موضوع للخطاب فمما يبدأ به الحفل من القران العظيم أستخرج مفاهيم هذه الايات وتدور خطبتي حولها ومن تتبع كتاباته وخطاباته يتجلى أمامه أن أسلوب القران الكريم اللغوي والدعوي يستولي على فكره وخاطره ويجد من يطالع كتبه أنها تتسم بهذه السمة المفيدة المؤثرة. إن كتابه الشهير "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" تفسير بين جليل لآيات القران الكريم في بيان أسباب ضعف المسلمين وأدوات معالجتها. ويرى سماحته أن دعوة القران غضة طرية كما كانت للرعيل الأول وهو يقول في إحدى كتاباته: يتجلى القرآن الكريم كتابا حيا غضا دائم النضارة والبقاء، لا تبلى جدته، ولا يؤثر عليه الماضي والحال، والقديم والجديد، إنه فوق التطورات وفوق الأحداث، وإنه ليخاطب كل فترة من فترات التاريخ، وكل مدنية من مدنيات الأرض، وإن دعوته حية طرية، ورسالته غضة نضرة، إنه صورة البشر الناطقة، ومرآة الفطرة الإنسانية الوضيئة الصافية، ولقد قال عنه مُنَـزِّلُه: "ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون."
كان سماحته شغوفا بدعوة القران الصافية وعكوفا على تدبر معاني ايات الله إنه يلج في خضم معاني القران ليقتني بعض دررها النيرة التي تنير سبيل الدعوة والهداية يحكي الشيخ في كتابه "قراني افادات": "أنا لست إلا طالبا صغيرا للقرآن المجيد وهذه حقيقة ثابتة أن فكري وخطابي وكتابي وكل ما يبدو مني من المعاني ليست هي إلا اقتباس من أشعة القرآن الكريم حسب معرفتي بمعانيه وكل ما وفقني الله من الكتابة والخطابة وما تيسر لي من عرض مطالعاتي لم يكن إلا من فيوض القران وبركاته". ويظن سماحته أن الهداية هي الأصل الأصيل والركن الركين لنزول القران المبين وأن الدعوة هي أول موضوع للقران العظيم  يقول في إحدى محاضراته في الدعوة: "إن القرآن هو كتاب هداية ودعوة قبل أن يكون كتاب أحكام وشريعة- مع كل إجلالنا وتقديرنا للأحكام والشريعة – إن الأحكام والشريعة لا غنى عنها، ولكن القضية قضية الأولية، قضية الطابع الغالب، قضية الغاية التي يدور حولها القرآن، فأنا أتقد- في ضوء دراستي القاصرة المحدودة- أن القرآن هو كتاب هداية ودعوة، قبل أن يكون كتاب أحكام وشريعة، لأن الهداية هي الأساس للإيمان، والدعوة هي الأساس لنقل هذا الإيمان، فإذا كان هو الشأن، فلا شك في أن القرآن هو كتاب هداية ودعوة قبل أن يكون كتاب شئ آخر."
دعا سماحته إلى الاستفادة من القرآن الكريم مباشرة يقول في كتابه "إفادات قرآني": لا يفتح باب فهم القرآن الحكيم ولا تنكشف حقائق التنزيل إلا إذا خوطب الإنسان من القران مباشرة من غير وساطة أي أحد. والسبيل إليه الاهتمام بتلاوة القرآن اهتماما بالغا و إكثار النوافل والسجود وصحبة أولياء الله الذين تذوقوا بحلاوة كلام الله وخاضوا في معاني التنزيل حتى بلغوا إلى أعماقه وهو الذين أشربوا في قلوبهم كلام الله. والحاجة إلى أن يأنس المرء بالقرآن ويصير شغفه بالقرآن كمن له مودة ومحبة ويحسب أنه هو المخاطب المباشر للقرآن.
وقد بين الشيخ الندوي في نفس الكتاب أن هناك ثلاث صفات تحجب المرء عن الاستفادة من القران الكريم وهي:1  الكبر والاستنكاف 2  الجدال والمخاصمة 3  والكفر بالآخرة. وأما ما ينفع الانسان في هذا السبيل فهو طلب الدين والإنصات والاتباع والخشية من الله والإيمان بالغيب والتدبر والجهد والمثابرة والاحترام والإكرام هذه هي الصفات التي يوجد في المرء الحلاوة والتذوق ولا يفتح القرآن بابه إلا لمن اتصف بهذه الصفات الحميدة.
لقد كان سماحة الشيخ ينتهج منهج القرآن الدعوي في عرض الدعوة بقوة راسخة وثقة فائقة مع أمثلة واضحة مؤثرة وكأنه يستعرض المجتمع الإنساني ثم يقابله من القران ومنهجه حتى لا يكون في البيان حجاب ولا يبقى في الدعوة ستار يصف القرآن الكريم أنه كتاب حي ناطق وهو مرآة الإنسان يرى الأفراد والأقوام فيها صورهم الحقيقية التي لا غبار عليها وتعرف بها عوامل رفع الأمة وخفضها. ومن الممكن أن نقول: هذا هو سر اعتدال فكره ووسطية منهجه وهذا هو الذي كون شخصيته شخصية جامعة عبقرية.
"إن أكبر ما يعانيه العالم الإسلامي من الفراغ والعوز، وأشد ما يقاسيه من أزمات هو الضعف الإيمانيُّ، والفساد الخلقي، والتزعزع العقائدي ،وحين أردُّ هذا الوضع الذي يعيشه المسلمون إلى الأزمة الإيمانية، فإني لا أريد به مفهوم الإيمان الكلامي والاعتقادي الذي يخرج به الإنسان من دائرة  الإسلام ، وتجري عليه الأحكام الشرعية، ويكون مخاطبا بالآداب الدينية، وإنما أريد بذالك تلك الحرارة الإيمانية،والصلابة في العقيدة، والإيمان كل الإيمان بكون الإسلام هو الوسيلة الوحيدة للنجاة والخلاص والفوز في الدنيا والآخرة، والتي كانت مزية الصحابة-رضي الله عنهم- الأمر الذي تغلغل في أحشائهم، وملك عليهم عقولهم،وجرى منهم مجرى الدم والروح".


مواضيع ذات صلة
الأعلام المسلمة, الأعلام،, الندويات, دراسات,

إرسال تعليق

0 تعليقات