ادعمنا بالإعجاب

علماء أعلام من الصين خدموا الإسلام والمسلمين (1/ 3)

  بقلم: الدكتور يونس عبد الله ما تشنغ بين الصيني
  
المصدر: مجلة"الرابطة"  العدد: ٦٠٤ جمادى الأولى ١٤٣٨ ه  فبراير ٢٠١٧ م
إن بقاء الإسام، ورغبة المسلمين في الحفاظ على عقيدة الإسلام، وشريعته السمحاء في الصين راجعة إلى جهود علمائنا الأجلاء الذين نَهَلُوا العلم الصافي من مَعِينِ القرآن والسنة. وأئمتنا الأجلاء أمثال: الشيخ سعيد إلياس وانغ جينغ تشايو والشيخ محمد تواضع بانغ شيء شيانغ والشيخ محمد مكين،... إلخ، وخدمتهم من خلال ترجمة معاني القرآن الكريم، وتبسيط العقيدة والشريعة باللغة الصينية خير دليل على ذلك. يحاول الكاتب تسليط الضوء من خلال هذه المقالات على طبيعة الإسلام في أرض الصين، كاشفا أمر وضع الإسلام وطبيعة حال المسلمين، مبينا محاولتهم الحفاظ على دين الإسلام، وأداء شعائره.
            وترجع أهمية هذا الموضوع إلى ظروف المسلمين الحالية في مختلف أنحاء العالم الإسامي، نتيجة التنافس الإعلامي العالمي في نقل أحداث العالم الإسلامي السلبية المستمرة، الأمر الذي جعل المسلمين وخاصة العلماء والباحثين ينادون بضرورة التعاون على البر والتقوى دون الإثم والعدوان. فقد اضطرت الأمة الإسلامية نتيجة ما تواجه من انتقادات داخلية وخارجية إلى تأكيد العالم بأن الإسام دين قائم على الوسطية، وداع إلى التعايش السلمي. وانطلاقا من هذه الخلفية تحاول هذه المقالات تقديم صورة موضوعية لوضع الإسلام والمسلمين في الصين عبر التاريخ.
 ويؤمن الكاتب من خلال توصيف حالة الإسلام والمسلمين، أن صلاح المسلمين، وبقاءهم كأمة مسالمة لا رغبة لها إلا في الإصلاح، والتعمير في الأرض، لا يتحقق إلا بإصلاح النفس، وعودتها إلى طاعة الله سرا وعلانية دون الانغماس في تحقيق الرغبات المادية، وإشباع المطامع الشهوانية بجمع حطام الدنيا دون الالتفات إلى حلال وحرام، وطاعة ومعصية.
إن وجود المسلمين محافظين على عقيدة الإسام وشريعته وأن يكون لهم ثقل وتأثير في تاريخ الصين وسياسته إن دل على شيء؛ فإنما يدل على جهود العلماء الربانيين الذين استطاعوا تربية المسلمين بما وهب الله لهم من علم وهيبة حتى لا يذوبوا في المجتمع الإلحادي الكبير. وهو يدفعنا إلى معرفة جهود هؤلاء الأئمة في خدمة الإسلام والمسلمين.    
             أما جهود العلماء المسلمين في التاريخ الإسلامي الصيني الحديث فهي ترجع إلى القرن التاسع عشر، وابتداءً من هذا القرن بدأت عيون المسلمين في الصين تتجه إلى الأزهر بمصر، وبالفعل بفضل الله، وتوفيقه، وفد إلى الأزهر أبناء المسلمين من الصين، وعادوا إلى بلادهم علماء ربانيين، يخدمون الإسلام من خلال تربية المسلمين، وتعليمهم، وتثقيفهم. ومن هؤلاء العلماء: الشيخ ما فوتشو ( 1791 - 1872 م) لذي سافر إلى الأزهر الشريف عام 1836 م، والشيخ عبد الرحمن وانغ هاو رن ( 1848 — 1919 م ) الذي سافر إلى الأزهر الشريف عام 1905 م، والشيخ الإمام يعقوب وانغ جينغ تشاي 1879 — 1949 م الذي سافر عام 1922 م، والشيخ محمد تواضع بانغ شي تشيان 1902 — 1958 م والشيخ محمد مكين 1906 — 1978 م . ولا تزال جهود هؤلاء وغيرهم باقية لدى المسلمين إلى الآن.
             وتاريخ الإسام في الصين يذكر إرسال البعثة الرسمية إلى الأزهر للدراسة عام 1930 م. وهذا التوجه إلى الأزهر ما زال مستمرا وإن تراجعت هذه الرحلة المباركة أيام الثورة الثقافية. وجهود هؤلاء العائدين كانت تتنوع من ترجمة آي القرآن ومعانيه وتفسيره،
وتأليف وتصنيف كتب في العلوم الشرعية، وترجمة كتب في السيرة النبوية وغيرها. ونبدأ بسيرة أحد هؤلاء العلماء الأعلام، ثم ننشر لاحقًا سيرة شيخين آخرين كانت لهما بصمات خالدة في خدمة الإسلام والمسلمين.
 وأول هؤلاء العلماء الشيخ سعيد إلياس وانغ جينغ تشاي( 1879 —1949 م).
يقول الأستاذ محمود شمس الدين تشانغ تشيهوا الصيني في كتابه «تاريخ الإسلام في الصين ماضيه وحاضره »: عندما ذكر سيرة الشيخ سعيد إلياس وانغ جينغ تشاي أنه: «غادر بلده مدينة تيانجينغ عام 1895 م وهو في الخامسة عشرة من عمره إلی الخارج لتحصيل العلم، ودرس على أيدي مشاهير العلماء في مساجد محافظة تونتشو ببكين، وقرية منغتسون، ومحافظة شيوانهوا، ومدينة تسانغتشو في مقاطعة خبي على التوالي، حيث درس الكتب الإسلامية باللغتين العربية والفارسية بجد واجتهاد، وكل الدروس التي يطلبها التعليم المسجدي؛ العقائد، وتفسير القرآن، والحديث، والكلام، والفقه، وتاريخ الإسلام، وغيرها. وبدأ دراسة اللغة الصينية بنفسه منذ كان في العشرين من عمره. وعند ما بلغ السادسة والعشرين من عمره أكمل دراسة كافة الدروس، وأجادها فتخرج. وفي تلك الفترة أتقن ثلاث لغات-العربية والفارسية والصينية- وألم باللغة الإنجليزية .
            ومنذ سنة 1905 م أخذ الشيخ إلياس وانغ جينغ تشاي يعمل إماما في أكثر من عشرة مساجد في مقاطعة خبي، وبكين، ومقاطعة لياونينغ، ومقاطعة هيلونغجيانغ، ومقاطعة شاندونغ، ومدينة تيانجن، ومدينة تايبي في جزيرة تايوان لمدة ثلاثين سنة. وفي تلك الفترة كان الشيخ إلياس يواصل طلب العلم، وإعداد الأكفاء من الشباب المسلمين، ونشر الإسام، وترجمة الكتب الإسلامية، وقد أصبح وقتئذ عالما معروفا للداني والقاصي. وكان عند الشيخ أمنية طال التشوق لتحقيقها منذ أيَّام شبابه، وهي شد الرحال إلی البلدان الإسلامية للتعمق في دراسة العلوم الإسلامية ومشاهدة العالم الإسامي ؛ رغم أنه قد تقدم به العمر إلی عتبة العقد الخامس. ففي سنة 1922 م توجه الشيخ بمرافقة تلميذه ما هونغ داو بدعم مالي من أقربائه وأصدقائه وأصحاب الفضل إلی مصر والتحقا بجامعة الأزهر ؛ حيث كان يستنسخ كل ما يفيد من الكتب الإسامية والمعلومات التي كان يستخرجها من مكتبة الأزهر والمكتبة الحكومية مما لا يجدها في الصين، إلی جانب تلقي الدروس في الأزهر كل يوم. وكان الشيخ إلياس يلقي المحاضرات عن أحوال المسلمين في الصين لطلاب الأزهر ويستقبل الصحفيين ويجيب على أسئلتهم عن أحوال مسلمي الصين. لقد جمع الأمير
شكيب أرسلان في كتابه «حاضر العالم الإسلامي » كلمة الشيخ إلياس وانغ جينغ تشاي في جامعة الأزهر قبل 85 سنة، حيث قال الشيخ إلياس وانغ جينغ تشاي: «اسمي الصيني وانغ جينغ تشاي، واسمي الإسلامي سعيد إلياس، وعدد مسلمي الصين نحو سبعين مليونا... أما كونفوشيوس فله أتباع كثيرون في الصين، ويطلق عليهم اسم «أصحاب كونفوشيوس... .»
     وفي السنة الثانية بمصر ذهب الشيخ إلياس إلی مكة المكرمة؛ لأداء فريضة الحج، وبعده عاد إلی مصر ثم توجه بصحبة تلميذه ما هونغ داو إلی تركيا للقيام بجولة فيها. وفي عام 1929 م عاد إلی بلده تيانجين بإلحاح والديه في الرسائل. رغم أن جولته هذه لم تستغرق إلا عشرين شهرا؛ ولكنها كانت فرصة جميلة بالنسبة للشيخ ، فقد استفاد فيها كثيرا من العلماء ومن بحر الكتب، وعاد بعدد كبير من الكتب الإسامية المهداة إليه من جامعة الأزهر والعلماء فيها والمؤسسات المصرية وإلی مسلمي الصين، وسُرَّ الشيخ بهذا بالغ السرور. وفضلا عن ذلك تأثر من أفكار الإصلاح المزدهرة آنذاك في العالم الإسلامي.
                  وبعد عودته إلی بلده مدينة تيانجين في مطلع عام 1924 م أسس بالتعاون مع العالم الشهير صالح يانغ تشونغ مينغ والشخصية المسلمة الشهيرة السيد خالد شي تسي تشو «الجامعة الصينية العربية » بمدينة تيانجين، ودرَّس فيها، كما أصدر مجلة «نور الإسلام » في سبتمبر 1927 م، وكان يضطلع بنفسه بتحري رها، وتنقيحها، وتوزيعها ثم أسس «دار الصين لتأليف وترجمة الكتب الإسلامية ببكين ». وبعد نشوب حرب مقاومة عدوان اليابان انتقل إلی مقاطعة خنان حيث أسس مع السيد خالد شي تسي تشو «الجمعية الإسلامية الصينية لمقاومة عدوان اليابان وإنقاذ الوطن » عام 1937 م. عكف الشيخ سعيد الياس وانغ جينغ تشاي على ترجمة الكتب الإسلامية العربية والفارسية لأكثر من 40 سنة، وأعظم إسهاماته منها ترجمة معاني القرآن الكريم إلی الصينية مع الشروح والحواشي في فترة استغرقت أكثر من 20 سنة. وخلالها نشر ثلاث طبعات لهذا الكتاب، فالطبعة الأولى التي نشرت في بكين عام 1932 م تمت ترجمتها باللغة الصينية الكلاسيكية، والطبعة الثانية هي باللغة الصينية العصرية التي نشرت في مدينة ينتشوان عام 1942 م، أما الطبعة الثالثة التي نشرت في شانغهاي عام 1946 م فهي منقحة على أساس الطبعة الثانية. وكان الشيخ يقوم بالترجمة في ظروف صعبة للغاية منتقلا من مكان إلی مكان آخر في أيّام نيران حرب المقاومة ضد عدوان اليابان، ولم يتوقف قطعا عن الترجمة. وإلى جانب ترجمة القرآن الكريم قام الشيخ بتأليف وترجمة «المعجم العربي الصيني » و «شرح الوقاية » و «الإسلام والنصارى » وديوان شعر روائي «كلستان » بقلم سعدي الشيرازي فحل الشعراء الفرس
(1203 - 1292 م) من اللغة الفارسية إلی الصينية، و «القاموس العصري - عربي- إنجليزي » تأليف إلياس أنطون إلياس، وترجم كتاب رحمة الله الهندي المشهور ب «إظهار الحق » من العربية إلى الصينية.

                      انحدر الشيخ سعيد إلياس وانغ جينغ تشاي من عائلة فقيرة، وعاش في الحقبة التي عانت الصين فيها المحن والمصائب؛ رغم ذلك لم يتوقف يوما عن نشر الإسلام، وخدمة المسلمين، وخدمة وطنه، وعن ترجمة الكتب الإسلامية وکتابة المقالات الإسلامية. إنه عالم إسامي بارز ومترجم عظيم وسامي الخلق وعالي الهمة، أوقف حياته لقضية الإسام ، وقد تركت إسهاماته العظيمة أثرا كبيرا في نفوس المسلمين. توفي الشيخ سعيد إلياس وانغ جينغ تشاي بعد مرض عضال في 25 مايو 1949 م بمدينة قوييانغ في مقاطعة قوانغشى أثناء رحلته إليها. ودفن في مقبرة المسلمين بضاحية مدينة قوييانغ.

مواضيع ذات صلة
تاريخ الاسلام العالمي, دراسات,

إرسال تعليق

0 تعليقات