ادعمنا بالإعجاب

الشاه وليّ الله الدهلوي: قطب الحديث النبوي في الهند



(باحث في مرحلة الدكتوراه بجامعة جوهرلال نهرو، نيودلهي)
            الشاه ولي الله الدهلوي هو مسند الهند، الإمامالمجدّد أحمد بن عبد الرحيم بن الشهيد وجيه الدين بن معظم بن منصورالمعروف بـالشاه ولي الله الدهلويوذكرت مصادر ترجمته اسما آخر، وهو قطب الدين، وقدسمّى نفسه في أغلب كتبه بوليّ الله بن عبد الرحيم، وهو لقبه، وأحمد اسمه الأوّل، واسمهالتاريخي عظيم الدين، ويكنّى بأبي محمد، وذكر بعض من ترجم له أنه كان يكنّى كذلك بأبيالعزيز.
نسبه وسيرته الذاتيّة
ذكر الشاه ولي الله في أغلب تصانيفه أنسلسلة نسبه تصل إلى عمر بن الخطاب، وصرّح أن نسبه يصل إلى عمر رضي الله عنه باثنتينوثلاثين واسطة، وقد نقد البعض هذه السلسلة بأنه لم يوجد من بين أولاد عبد الله بنعمر بن الخطاب رجل اسمه "محمد" الذي ورد اسمه في سلسلة نسبه، وقد روى الإمام هذهالسلسلة ونقلها ولم يتأكّد من صحّتها ولم يدرسها.
أسرة الإمام ولي اللهالدهلوي كانت أسرة علم وفضل، تذكر كتب التراجم أن مناصب الإفتاء والقضاء كانت مختصّة بهذهالأسرة من القرن السادس الهجري بعد هجرة جدّه الأعلى المفتي شمس الدين إلى الهندواستقراره في منطقة "روهتك".
والده هو الشيخ عبد الرحيم بن الشهيد وجيهالدين، كان من معاصري السلطان أورنك زيب العالمالكبيرالسلطان المغولي الشهير، شاركلفترة في مشروع تقنين الفقه الإسلامي، والذي ظهر بعد ذلك في صورة الفتاوىالعالمكيريّة أو الفتاوى الهنديّة، ثم ترك هذا العمل بتوجيه من شيخه، وكان منالمبرزين في العلوم العقليّة والنقليّة، وكان حنفيّا من أهل الطريقة النقشبنديّة، وقدجمع ابنه الشاه أهل الله -شقيق الشاه ولي الله- مكاتيبه وأحاديثه العرفانية في كتابسماه "أنفاس رحيمية"[1].
ولد الشيخ ولي الله يوم الأربعاء لأربعة خلت من شوالعام 1114هـ/1703 م في قرية بهلت بمديرية مظفر نكر، الهندية، وكان ذلك قبل وفاةالسلطان عالمكير بأربع سنوات، ويعني هذا أن الشيخ عاش في فترة ضعفت الدولة المغوليةالهندية وشيخوختها[2].
وأخذ الشيخ الدهلوي قطرات العلوم الابتدائية من مناهل مياه أبيه الشيخ عبد الرحيم وأكمل دراسة عدة كتب على يديه حتى أكمل القرآن الشريف ولم يتجاوز من عمره السبعة وبعد وفاة أبيه تولّى منصب التدريس في المدرسة الرحيمية حيث كان مديرا واستغرق الدهلوي في هذه المدة المباركة فوق عشر سنوات في البحث العلمي والتدريس والتعمّق في المجالات العلمية المختلفة حتى تبلورت قريحته العلمية والفقهية وأثناء زيارته لأداء فريضة الحج زار المدينة المنورة وأخذ الحديث النبوي عن علماء الحرمين فحضر دروسالشيخ أبي طاهر المدني، ودرس عليه كتب الحديث كـ"صحيح البخاري"، و"صحيح مسلم"،و"سنن الترمذي"، و"سنن أبي داود"، و"سنن ابن ماجة"، و"موطأ الإمام مالك"، و"مسندالإمام أحمد"، و"الرسالة" للإمام الشافعي، و"الأدب المفرد" للإمام البخاري، و"الشفافي حقوق المصطفى" للقاضي عياض، وحصل على الإجازة من الشيخ لرواية كتبالحديث[3].
وفي السنة التالية أيضا توجّه الى مكة المكرمة ودرس "الموطأ" على الشيخ وفد الله المالكي، وحصل منه على الإجازة لجميع مرويّات والده من الأحاديث،وشارك في درس "صحيح البخاري" للشيخ تاج الدين القلعي. ودرس الشيخ على عدد كبير منالمشايخ في الحرمين المكي والمدني، منهم الشيخ حسن العجيمي، والشيخ أحمد النخلي،والشيخ عبد الله بن سالم البصري، والشيخ أحمد بن علي الشناوي، والشيخ أحمد بن محمدبن يونس القشاقشي، والشيخ السيد عبد الرحمن الإدريسي، والشيخ شمس الدين محمد بنعلاء البابلي، والشيخ عيسى الجعفري المغربي، والشيخ محمد بن محمد سليمان المغربي،والشيخ إبراهيم الكردي، وغيرهم. أشرت إلى مشايخه في الحديث ليتسنّى لنا بعد ذلكالكلام على العمل التجديدي الذي قام به في الهند في مجال نشر الحديث النبويّ الشريفبعد عودته من سفر الحجّ، بل من رحلته في طلب الحديث النبويّ الشريف إلى بلادالحرمين.
وإبان هذه التعليمات والتعمق العلمي خصوصا في مجال الحديث الشريف من المشايخ في الحرمين طلب الشيخ ولي الله الدهلوي من أستاذه إجازة السفر إلىالهند في شهر رجب عام 1145هـ وانبثق على لسانه هذا البيت:
            نسيت كل طريق كنت أعرفه                   إلا طريقا يؤدّي الى ربعكم[4]
تزوّج الإمامالشاه وليّ الله الدهلوي باثنتين: الأولى عندما كان عمره خمسة عشر عاما، وولدت لهبنتين -هما صالحة وأمة العزيز- ثم محمّدا عام 1146هـ، وتوفّيت سنة 1149هـ.
وبعد وفاتها تزوّج الثانية، فأنجبت له بنتين وأربعة أولاد.                                                       

عمله التجديي والإصلاحي
أن الدور الفعّالللإمام ولي اللهالدهلوي الذي قام به في مجالالتجديد والإصلاح في الهند أمر عظيم غيّر مجرى حياة المسلمين وأرشدهم الى الصراط الحميد المستقيم، ولا يمكن تخيّل ضخامة ذلك العمل التجديدي مالم نطلع على أحوال المسلمين في الهند وحالتهم السياسية والاجتماعية والدينية والفكرية في تلك الفترة وكان المسلمون في شمال الهند في حالة بعيدة عن مبادئ عظمى للدين الحنيف والعقائد الدينيّة اختلطت بالخرافات والأباطيل والأحاديث النبويّة ليست في متناول أياديهم وليست وافرة كما كانت خارجها وكانت ولادة ومجيئ الإمام الدهلوي حتميّة قضائيّة من الله تعالى للهنود وتاريخهم الجليل وعند التدقيق في الأمور والحقائق يفهم أن الانحلال السياسي المغولي في القرن الثامن عشر تسبّب للانحطاط الخلقي والاجتماعي وكان الإمراطوريون المغوليون منهمكين في الجرائم الخلقيّة ويقول أحد الكتّاب بعض الأسباب لهذا الانحطاط:"إن الأموال الهائلة والحياة الترفة والتمتّع بكمال الراحة والعيش الرغد قد ألان حياتهم وأياّمهم فصاروا منهمكين في شرب الخمر بمقدار وافر وقضوا أوقاتهم دائما في ميادين القتال فانحلّت النبالة والشرافة بسرعة هائلة[5]".
وأن قرائة ودراسة نشاطات مكثّفة إصلاحية وتجديديّة للشاه ولي الله الدهلوي تتيسّر مع معالجة ثلاثة عناوين: التدريس، والإصلاح الفكري والعلمي، والتصنيف.

أوّلا: التدريس
أن الإمام وليّ الله الدهلوي قد أسهم بإسهامات بالغة في مجال التدريس وكان له مجالس العلم والتدريس في شتّات العلوم والفنون ولكنه عكف على تدريس القرأن الشريف والحديث النبوي ويشهد له ابنه شاه عبد العزيز الدهلوي لمهارته في التدريس:"إن الوالد المحترم كان قد أعدّ شخصا في كل فنّ وعلم، وكان يسلم طلاب ذلك الفن والعلم له، وأما هو فكان مشغولا بالوعظ والكتابة وتدريس الحديث[6]".
أن السبب الوحيد لاختيار فن الحديث للتدريس بعد أدائه فريضة الحج هو اعتكاف علماء ذلك اليوم على العلوم العقليّة والآليات الأخرى وهذا العالم الشهير أحيى الله به تدريس السنّة في الهند ونتيجة لعمليّة التدريس المستمرّة استطاع أن يصنع رجالا وأن يربي تلامذة حملوا لواء الإصلاح في كل مجالات الحياة بعده وعددهم كثير ومنهم أنجاله الأربعة[7] الذين نشير إليهم مؤخّرا.
وأنه لازم أن يشار عند البحث عن تدريس ومناهج الشيخ الدهلوي الى تقديمه نظاما متميّزا عماّ كان هنا من النظام التقليدي وأن قدّم ووضع منهج التخصّص في الدراسة وكان يدرس هنا جميع الموادّ في مدرس واحد ولكنه جعل مدارس مختلفة لكلّ مادّة من المواد وعيّن المتخصّصون في فنون مختلفة وكان هذا الأسلوب التدريسي جانب التلبية لحاجة تلك اليوم فدرس الطلبة أوّلا آلاة لغويّة ثم بعض النصوص وبعد دخلوا الى دراسة القرآن وتفاسيره وما إلى ذلك.
والإمراطور محمد شاه (1719-1748) وفّر للشاه ولي الله الدهلوي مبنى كبيرا لتدريس الطلبة في شاه جهان آباد.



ثانيا:الإصلاح الفكري العلمي
لما كان وضع الهند حينما تولّى الإمام الدهلوي مهمّة الإصلاح يغلب عليه طابع العرفاني الصوفي فاختار الشيخ نفس الأسلوب لعمليّة الإصلاح الاجتماعي والفكري العام ولكن لم يقتصر جهده على الأوراد والأذكار فقط، بل كان يهتمّ بإصلاح مريديه في كل نواحي الحياة وقد حالفه نجاج كبير في هذا الجانب وإنه قد ربّى طائفة من الرجال. وفوق هذا أن للدهلوي دور كبير في الحفاظ على الوجود الإسلامي في الهند، فإن الإمراطوريّة المغوليّة في عصره كانت قد أصيبت بالشيخوخة، فإنه ولد في أواخر عهد السلطان أورنكزيب عالمكير الذي بدأ التدهور يدبّ إلى الإمبراطورية المغوليّة بموته وبدأت تظهر قوى أخرى جديدة في الهند ولما أحسّ الإمام بهذا الخطر واستنجد "أحمد شاه أبدالي" ملك أفغانستان حينذاك، وكتب إليه خطابا يحثّه على نجدة المسلمين في الهند ليحول دون سقوطهم أمام قوّة السيخ "مرهته" فلبى أحمد دعوته ووصل الى الهند مع جيش كان قوامه حوالي ستين ألف شخص واستطاع أن يقضي على جيش "مرهته" الذي يفوقه في العدد والعدّة[8] وبذلك قضى على الخطر العاجل حينذاك[9].    

ثالثا: إحياء علوم الكتاب والسنة بالكتابة
كان العصر الذي عاش فيه الشاه ولي الله عصر تخلّف وتدهور للمسلمين في الهند،حتى المناهج الدراسيّة كان يغلب عليها طابع العلوم العقليّة والعلوم الآليّة، فأحيىالله سبحانه وتعالى به علوم الكتاب والسنّة، فترجم القرآن إلى الّلغة الفارسيّةالدارجة حينذاك، ولما رجع من سفر الحجّ -رحلته في طلب الحديث- عاد ومعهعلوم السنّة النبويّة، ومن هنا وقف نفسه بعد ذلك لنشرها، وهو عمل لا يدرك فضله إلا منيعرف الظروف التي كان يعيش فيها العلماء وطلاّب العلم في ذلك الوقت.

مؤلّفاته في الحديثوعلومه
لقد ترك الشيخ كتبا متنوّعة في الحديث وعلومه، وهذه الكتب تدلّ علىمكانة الحديث في مشروعة التجديدي، نتعرف بصورة موجزة على كتبه الحديثيّة على النحوالتالي:
الأربعين: مجموعة من أربعين حديثا جامعا، جمعها الشيخ على طريقةالأئمّة السابقين بالسند المتّصل عن طريق شيخه أبي طاهر المدنيّ إلى عليّ بن أبي طالبرضي الله عنه، رغبة في بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: "من حفظ على أمتيأربعين حديثا فيما ينفعهم من أمر دينهم، بعثه الله يوم القيامة من العلماء"، وترجمهالشيخ عبد الماجد دريابادي إلى الّلغة الأرديّة، وطبع الكتاب في مطبعة أنوار محمدي،لكناو، الهند، عام 1319هـ.
الإرشاد إلى مهمّات الإسناد: كتيب بالّلغةالعربيّة جمع فيه الشيخ أحوال مشايخه الذين درس عليهم في رحلة الحجّ، وتكلّم فيه علىأسانيدهم، وطبع الكتاب في مطبع أحمدي، جشن خان، دهلي، عام 1307هـ.
شرحتراجم أبواب البخاري: وهو كتاب نفيس بالّلغة العربيّة، تحدّث فيه عن شرح تراجمالأبواب (عناوين الأبواب) في "صحيح البخاري"، وتحدّث فيه عن كيفيّة الاستدلالبالأحاديث الواردة في كلّ باب على ترجمة الباب، فإن هذين الأمرين يدقّ فهمهما علىالعلماء وشرّاح الحديث، ومن هنا قالوا: "فقه البخاري في تراجمه"، وقد وُفّق الإماموليّ الله الدهلوي أيّما توفيق في ذلك. هذه الرسالة تطبع باستمرار مع نسخة صحيحالبخاري المطبوعة في الهند بتعليق الشيخ أحمد علي السهارنفوري.
تراجمأبواب البخاري: رسالة مختصرة بالّلغة العربيّة، تحدّث فيها عن قواعد وأصول لفهم تراجمالإمام البخاري في كتابه "الصحيح"، طُبعت هذه الرسالة في مطبع نور الأنوار، آره،عام 1899م، ثم طبعت مع كتاب "شرح تراجم أبواب البخاري" من قبل دائرة المعارف، حيدرآباد، الدكن، الهند، عام 1323هـ.
فضل المبين في المسلسل من حديث النبيالأمين: كتاب صغير كتبه الشيخ بالّلغة العربيّة عن الحديث المسلسل.
المسوىشرح الموطأ: شرح وجيز لـ"موطأ الإمام مالك" بالّلغة العربيّة، اهتمّ فيه ببعض القضاياالمتعلّقة بشرح الحديث، طبع الكتاب عدّة طبعات، وهو كتاب متداول معروف.
المصفى شرح الموطأ: ترجمة لـ"موطأ مالك"، وشرحه الإمام شرحا وجيزا بالّلغةالفارسيّة، وهو متداول معروف طبع عدّة طبعات، منها طبعة كتب خانه رحيميّة، سنهري مسجد،دهلي، الهند. ويظهر من هذا الاهتمام أهميّة "الموطأ" لدى الإمام، والسبب في ذلك كمايقول في مقدّمة الكتاب أنه "كان مشوشا لفترة غير قصيرة لاختلاف الفقهاء، ولكثرةمذاهب العلماء وآرائهم، ومنازعاتهم الكثيرة، وسبب التشويش أن التعيين أمر مهمللعمل، ولا يمكن ذلك إلا عن طريق الترجيح، ولكنّني وجدت وجوه الترجيح مختلف فيهاكذلك، فسعيت هنا وهناك، واستعنت بكل واحد، لكن لم أعد بطائل، فتوجّهت إلى الله عزوجل أتمتم بهذه الكلمات الدعائية "لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَالْقَوْمِ الضَّالِّينَ"، "إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَالسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ"، فتمت الإشارةإلى كتاب "الموطأ" للإمام مالك بن أنس".
النوادر من أحاديث سيّد الأوائلوالأواخر: كتب هذا الكتاب بالّلغة العربيّة، وطبعته مطبعة نور الأنوار،آره.
الدرّ الثمين في مبشّرات النبيّ الأمين: هذا الكتاب ليس في الحديث فيالحقيقة، بل هي رسالة صغيرة جمع فيها المؤلّف الرؤيا التي بشّرها فيها النبي صلى اللهعليه وسلم هو وآباؤه، وقد أورد بعض هذه البشارات في آخر كتابه "التفهيمات الإلهيّة"كذلك، وقد طبع "الدرّ الثمين" في مطبع أحمدي، دهلي، الهند.
وأظنّ أنه يجدر أن آتي في هذا الموضع ببعض من الأحاديث التي بشّرها النبي صلى الله عليه وسلم الإمام وليّ الله الدهلوي وذلك أورده الإمام في رسالته المسمّاة بالدرّ الثمين فى مبشّرات النبيّ الأمين وعددها يصل الى الأربعين.
ومنها:الحديث الأول:بينما أنا مراقب في المسجد في بلدة كهنبايت بعد العصر اذ شاهدت روحه الكريمة صلى الله عليه وسلم قد حضرت فألبسني رداء فظهر لي في ذلك الحين بعض دقائق العلوم الشرعيّة ولم تزل تتزايد حينا بعد حين [10].
الحديث الثاني:رأيت في المنام أن الحسن والحسين رضي الله عنهما نزلا في بيتي وبيد الحسن رضي الله عنه قلم قد انكسر لسانه فبسط يده ليعطيني وقال حتى يصلحه الحسين فأصلحه ثم ناولنيه ثم جيئ برداء فرفعه الحسين رضي الله عنه وقال هذا رداء جدّي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ألبسنيه فمن يومئذ انشرح صدري للتصنيف في العلوم الشرعيّة والحمد لله [11].
الحديث الثالث:أشار صلى الله عليه وسلم إشارة روحانيّة مخاطبا بهذا الفقير أن مراد الحقّ فيك أن يجمع الله تعالى شملا من شمل الأمّة المرحومة بك [12].
الحديث الرابع:سألته صلى الله عليه وسلم سؤالا روحانيّا عن سرّ تفضيل الشيخين على عليّ رضي الله عنهم مع أنه أشرفهم نسبا وأقضاهم حكما وأشجعهم خبانا والصوفيّة عن آخرهم ينتسبون إليه ففاض على قلبي منه صلى الله عليه وسلم أن له صلى الله عليه وسلم وجهين وجها ظاهرا ووجها باطنا فالوجه الظاهر إلى إقامة العدل في الناس وتأليفهم وإرشادهم إلى ظاهر الشريعة وهما بمنزلة الجوارح له فى ذلك والوجه الباطن الى مراتب الفناء والبقاء وعلومه المرويّة كلّها انما تنبع من الوجه الظاهر [13].
الحديث الخامس:سألته صلى الله عليه وسلم سؤالا روحانيا عن الشيعة فأومي إلى أن مذهبهم باطل وبطلان مذهبهم يعرف من لفظ الإمام ولما أفقت عرفت الامام عندهم هو المعصوم المفترض طاعته الموحى اليه وحيا باطنيا وهذا هو معنى النبي فمذهبهم يستلزم إنكار ختم النبوة قبحهم الله [14].
الحديث السادس:سألته صلى الله عليه وسلم عن هذه المذاهب وهذه الطرق أيّها أولى عنده بالأخذ واجب ففاض على قلبي منه أن المذاهب والطرق كلّها سواء لا فضل لواحد على الآخر [15].
الحديث السابع:رأيت العلماء المحدّثين العاملين بعلمهم المهذبين للطائفهم البارزة أحبّ عنده صلى الله عليه وسلم من كثير الصوفية الذين يفضلونهم بتهذيب لطائفهم الكامنة ولا يفضلونهم فى تهذيب لطائفهم البارزة [16].
انسان العين فيمشايخ الحرمين: رسالة مختصرة جمع فيها تراجم مشايخه في الحجاز المقدّس، وضمنه كتابهأنفاس العارفين.
وله كتب ضخمة في أصول الدين وفلسفة الشريعة، وفي التصوّف والسلوك و أصول الفقه و السيرة والتاريخوالأدب و التفسير وعلوم القرآن وما إلى ذلك من الأعمال القيّمة المشهورة داخل الهند وخارجها على السواء ويدرّس بعضها في المدارس والجامعات وصفوة القول أن هذه القائمة الطويلة للكتب القيّمة في فنّ الحديث وغيره وطّد لعلم الدين في شبه القارّة الهنديّة وسار العلماء بعده على سيره ومجاله ووسّعت هذه الأعمال مجالات مختلفة لشتى العلوم وفتحت أبوابا مهمّة أمام علماء الدين وأصحاب الإصلاح والإرشاد وكل هذه لاتزال تبقى في مكانة مرموقة في المكتبات الإسلاميّة.
وفي الشيخ الدهلوي يصدق قول الشاعر:
            والجاهلون فماتوا قبل موتهم                   والعالمون وإن ماتوا فأحياء
وبعد وفاة الشيخ شاه وليّ الله الدهلوي واصل أبناءه الأربعة جهودهم في نشر علوم الحديث في شبه القارّة الهنديّة وهم:
1: شاه عبد العزيز رحمه الله
2: شاه رفيع الدين رحمه الله
3: شاه عبد القادر رحمه الله
4: شاه عبد الغني رحمه الله
جميع هؤلاء الأبناء البارّون خدموا القرأن والسنّة لكن فاق الشيخ الشاه عبد العزيز إخوانه بل جميع أقرانه من علماء شبه القارّة الهندية في خدمة الحديث وعلومه.
شاه عبد العزيز رحمه الله(1239-1159 هـ)
هو الشيخ الإمام العالم الكبير العلاّمة المحدّث عبد العزيز بن ولي الله بن عبدالرحيم العمري الدهلوي، من العلماء الكبار في عصره، لقّبه البعض بـ"سراج الهند" وبـ"حجّة الله".
ولد سنة 1159هـ، حفظ القرآن الكريم في نعومة أظفاره، وأخذ العلم عن والده -الشيخ شاه ولي الله الدهلوي- فقرأ عليه بعضاً وسمع بعضاً آخر بالتحقيق والدراية والفحص والعناية حتى حصلت له ملكة راسخة في العلوم رغم صغر عمره، لأن والده انتقل إلى جوار ربّه وكان عمر الشيخ عبدالعزيز ستّ عشرة سنة، ثم تتلمّذ على أجلّة أصحاب والده فاستفاد منهم ما فاته على أبيه.
كان الشيخ طويل القامة، نحيف البدن، أسمر اللون، أنحل العينين، كثّ اللحية، وكان يكتب النسخ والرقاع بغاية الجودة، وكانت له مهارة في الرمي والفروسية.
كان رحمه الله أحد أفراد الدنيا بفضله وآدابه وعلمه وذكائه وفهمه وسرعة حفظه، اشتغل بالتدريس والإفادة وله خمس عشرة سنة، فدرس وأفاد حتى صار في الهند العلم المفرد، وتخرّج عليه الفضلاء وقصدته الطلبة من أغلب الأرجاء.
وقد ابتلي الشيخ رحمه الله ببعض الأمراض المؤلمة وهو ابن خمس وعشرين سنة، فأدّت هذه الأمراض إلى المراق والجذام والبرص والعمي ونحو ذلك حتى عدّ منها أربعة عشر مرضاً مفجعاً، ولكنّه مع ذلك كان يدرس ويصنّف ويفتي ويعظ. وكان مع هذه الأمراض لطيف الطبع، حسن المحاضرة، جميل الذاكرة، فصيح المنطق، مليح الكلام، ذا تواضع وبشاشة وتودّد، كان باهر الذكاء، قويّ التصوير، كثير البحث عن الحقائق.
كان للشيخ عبدالعزيز رحمه الله مؤلّفات كلّها مقبولة عند العلماء محبوبة إليهم، وقد أكثر الحط على الشيعة في المسائل العقدية، وله حجّة قاطعة عليهم. ومن أشهر مصنّفاته ما يلي:
تفسير القرآن المسمى بـ"فتح العزيز": صنّفه في شدّة المرض ولحوق الضعف إملاء، وهو في مجلدات كبار، ضاع معظمها في ثورة الهند، وما بقي منها إلا مجلدان من أول وآخر.
الفتاوى في المسائل المشكلة:
تحفه  أثناء عشرية: (نصيحة المؤمنين وفضيحة الشياطين)، وهو رد علمي قوي على الشيعة الرافضة.
بستان المحدثين: وهو فهرس كتب الحديث وتراجم أهلها ببسط وتفصيل ولكنه لم يتم.
العجالة النافعة: بالفارسية، في أصول الحديث.
السرّ الجليل في مسألة التفضيل: رسالة في تفضيل الخلفاء بعضهم على بعض.
سرّ الشهادتين: رسالة نفيسة في شهادة الحسنين رضي الله عنهما.
ميزان البلاغة: وهو متن متين في علم البلاغة.
وغيرها من المصنّفات الكثيرة في العلوم والفنون المختلفة مثل المنطق والحكمة وتعبير الرؤيا وغيرها.
الشاه رفيع الدين رحمه الله (1233-1163 هـ الموافق 1818-1759 م)
وهو الابن الثاني للشاه وليّ الله الدهلوي.وبعد مرض أخيه الأكبر الشاه عبد العزيز جلس الشاه رفيع الدين على منصب التدريس وأهمّ عمله ترجمة القرأن الكريم إلى الّلغة الأرديّة .وقد صنّف كتبا أخرى أيضا مثل سبيل النجاة ودمغ الباطل.
الشاه عبد القادر رحمه الله (1167 هـ - 1230 م)
وهو الابن الثالث للشاه ولي الله الدهلوي ، برع فى علوم الحديث والفقه والتفسير،  ترجم القرأن الكريم إلى اللغة الأردية وسمّاه (موضح القرأن).تتميز هذه الترجمة عن ترجمة أخيه الشاه رفيع الدين ، بسهولة الألفاظ والعبارات.
الشاه عبد الغني رحمه الله
وهو الابن الر ابع للشاه ولي الله الدهلوي ولا نجد ترجمته فى الكتب للأسف ، ويكفيه من الشرف والمنزلة أنه أبو الشاه محمد إسماعيل المجاهد الشهيد ، واستشهد فى معركة بالاكوت (باكستان).
المصادر والمراجع
·      أنفاس العارفين، للشاه وليّ الله الدهلوي
·      الدر الثمين، للشاه وليّ الله الدلهلوي
·      نزهة الخواطر، لمحمد الحي الحسني
·      حياة ولي الله الدهلوي، للشيخ رحيم بخش الدهلوي
·      مجلة البحوث والدراسات القرآنية، عن الإمام ولي الله الدهلوي وترجمته القرآنية، د. مصباح الله عبد الباقي، العدد السادس، السنة الثالثة.
·      VidyaDharMahajan, Muslim Rule in India






[1]نزهة الخواطر، لمحمد الحي الحسني، 6\399
[2]أنفاس العارفين، ص:193
[3]حياة ولي الله الدهلوي، للشيخ رحيم بخش الدهلوي، ص:516
[4]أنفاس العارفين، ص:400
[5]Vidya Dhar Mahajan, Muslim Rule in India, V:2, P:343
[6]د. مصباح الله عبد الباقي، مجلة البحوث والدراسات القرآنية، عن الإمام ولي الله الدهلوي، ص:160،نقلا عن ملفوظات الشيخ شاه عبد العزيز، ص:40
[7]د. مصباح الله عبد الباقي، مجلة البحوث والدراسات القرآنية، عن الإمام ولي الله الدهلوي، ص:160
[8]د. مصباح الله عبد الباقي، مجلة البحوث والدراسات القرآنية، عن الإمام ولي الله الدهلوي، ص:162، نقلا عن أفغانستان در مسير تاريخ ج 1،ص:366-370، مير غلام محمد غبار.
[9]هذه الواقعة تعرف بوقعة "باني بات" وهو اسم المنطقة التي جرت فيها.
[10]الدر الثمين ، ص : 57
[11]الدر الثمين ، ص : 57
[12]الدر الثمين ، ص : 58
[13]الدر الثمين ، ص: 58
[14]الدر الثمين ، ص : 58-59
[15]الدر الثمين ، ص : 59
[16]الدر الثمين ، ص : 59


مواضيع ذات صلة
الأعلام،, الحديث، القرأن, تراث الهند،,

إرسال تعليق

0 تعليقات