ادعمنا بالإعجاب

جماعة الديوان:التأسس والتفكك

بقلم: منصور أمين.ك

المقدمة
جماعة الديوان حركة نقدية شعرية جديدة تجمع بين شعراء المثلث المجددين في مصر في السنوات العشر الأول من القرن العشرين، وقد اعتبرت هذه الحركة النقدية امتدادا لدعوةخليل مطران في تجديد الشعر. وتعرف أيضا بـ’مدرسة الديوان‘وفقا لتكونها من عبد الرحمنشكري  وعباس محمود العقاد  وإبراهيم عبد القادر المازني. وإنما هو نسبة إلى الكتاب النقدي المعنون باسم: 'الديوان: كتاب في الأدب والنقد'أيضا.وقبل الخوض إلى التفسير عن مدرسة الديوان ينبعي  البيان عن التيارات المتنوعة الموجودة في النصف الأول من القرن العشرين.
التيارات النقدية المتنوعة
وشهد العالم الأدبي العربي لظهور أربعة تيارات نقدية كبرى، وكان لها دور بارزفي تطور الحركة الشعرية المعاصرة والحديثة. وهذه التيارا ت التجديدية هي :
1.   تيار خليل مطران: ويضم فيه أحمد زكي أبو شادي وخليل شيبوب.
2.   تيار الشعراء الثلاثة الذي أطلق عليه اسم مدرسة الديوان: وهم عبد الرحمن شكري وعباس محمود العقاد وعبد القادر المازني.
3.   مدرسة المهجر: ومن أبرز أعضائها ميخائيل نعيمة،وجبران خليل جبران،وإليا أبو ماضي.
4.   التيار التقليدي: بما أدخل عليه من تجديد في ظهور المسرحيات الشعرية لشوقي، والشعر التجديدي والمرسل عند الزهاوي والرصافي.[1]
وعندما بدأ الاتصال الثقافي المصري بالغرب، كانت الثقافتا الفرنسية والإنجليزية تعملان عملهما في العقول العربية. وما كاد العقد الأول من القرن العشرين ينتهي حتى كانت هناك مسارات، قد كونتهما مدارس النقد الأدبي منها:
1.   المدرسة العربية: محمد المرصفي، وفتح الله الجر، وأمير شكيب إرسلان، ومصطفى لطفي المنفلوطي، وإبراهيم اليازجي.
2.   مدرسة فرنسية: طه حسين، ومحمد حسين هيكل، وخليل مطران.
3.   مدرسة إنجليزية: عباس محمود العقاد وعبد الرحمن شكري وإبراهيم عبد القادر المازني.
جماعة الديوان
قد عملت مدرسة الديوان منذ نشأتها على التمرد في وجه القصيدة العربيةالتقليدية شكلا ومضمونا وبناء ولغة، وربما لأن روادها فتنوا بنماذجالشعر الغربي الذي لا يغرق في هذه القيود، والتي كانت القصيدة العربيةاصطنعتها لنفسها أو اصطنعتها لها عصور التخلف والانحطاط والتقليد.وسجل كل من أعضاء الديوان آراءه النقدية نحو بعض الشعراء والكتاب.نقدالعقاد أحمد شوقي في جزء كبير من الكتاب، كما نقد مصطفي صادقالرافعي. ونقد المازني مصطفي لطفي المنفلوطيوزميله في مدرسته عبد الرحمن شكري.
وفي ’ضوء الفجر‘ لعبد الرحمن  شكري ظهر أول محاولة لتأسيس مدرسة الديوان، فقد جرى فيه صاحبه في هذا الذوق الجديد كما عالجت قصائده معاني  إنسانية عامة، تنبع من قلب صادق الإحساس بمشاعره، وبما توحي به الطبيعة من حوله. فهو شعر ذاتي كامل الذاتية، ليس شعرا لمجتمع ولا شعرا غيريا كأكثر ما أنتجه شعراء البعث.[2] وقد عزم العقاد والمازني أن يصدرا "كتاب الديوان في الأدب والنقد" في عشرة أجزاء، ولكنه لم يصدر منه إلا جزآن فقط، فقد ظلت آراؤها النقدية البنائية  مجهولة، ولو قدر لتلك الآراء أن تظهر حسب الخطة الموضوعة لها، لربما ربح الأدب والمتأدبون ربحا عظيما.[3]
الجذور العربية القديمة والحديثة
حين ما تتفسح سطرات تاريخ الأدب العربي يتبين  أن لهذا المذهب جذورا عربية في العصر العباسي، وجذوراعربية فيالقرن التاسع عشر في أوروبا. فأما جذوره في الأدب العربي القديم ففي محاولات أبيتمام وابن الرومي، إذ حاولا أن يعمقا النظرة الشعرية في مجال الفكرة كماصنع أبو تمام، وفي مجال التوليد والإصابة في التشبيهات واستنكاره خفاياالطبيعة كما فعل ابن الرومي. كما أن اكثر القضايا النقدية التي أثارها هذهالمدرسة ضد شوقي وحافظ لها جذورها في النقد العربي القديم والحديث، فالتفككوالإحالة والتقليد والولوع بالأغراض دون الجواهر قد التفت إليها النقادكالآمدي والجرجاني وغيرهما، وقضية وحدة القصيدة التي تكلم فيها السابقونابن خلدون والحاتمي من علماء القرن الرابع عشر والشيخ المرصفي وخليل مطران.[4]
الثقافة الإنجليزية
تعمق أعضاء مدرسة الديوان في الأدب الإنجليزي لا سيما في المذهب الرومانطنيقي، وتأثر العقاد بأعمال وليم هازليت (William Hazlitt) الناقد الإنجليزي. وتبحر إبراهيم عبد القادر المازني وعبد الرحمن شكري أيضا في الأدب العربي والإنجليزي.ويقول العقاد عن ثقافة شكري والمازني  في الأدب الإنجليزي:" لم أعرف قبل شكري  ولا بعده أحدا من شعرائنا وكتابنا أوسع منه إطلاعا على أدب اللغة العربية وأدب اللغة الإنجليزية وما يترجم إليها من اللغات الأخرى. ولا أذكر أنني حدثته عن كتاب قرأته، إلا وجدت عنده علما به، وإحاطة بخبر ما فيه، وكان يحدثنا عن كتب لم نقرأها ولم نلتفت إليها. أما المازني هو الآخر فحظه من العربية كما حظه من الإنجليزية قوي للغات."[5]
دعوات جماعة الديوان
كانت مدرسة الديوان أول حركة تجديدية نقدية في تاريخ الأدب العربي الحديث تقوم على أسس نظرية واضحة استمد روادها الكثير منها من الأدب الغربي وخاصة من التراث الرومانطيقي والإنجليزي حيث كانوا يجيدون ثلاثتهم اللغة الإنجليزية وكانوا على معرفة واسعة بالأدب الإنجليزي.[6]
·        الدعوة إلى تخليص الشعر من صخب الحياة وضجيجها والتعبير عن الذات.
·        الدعوة إلى الوحدة العضوية للقصيدة بحيث تكون عملا فنيا تاما.
·        التحرر من القافية الواحدة والدعوة إلى تنويع القوافي أو إرسالها.
·        العناية بالمعنى وإدخال الأفكار الفلسفية والتأمل في قصائدهم ونفثات صدورهم.
·        تصوير لباب الأشياء وجوهرها والاهتمام بهذا الباب والبعد عن الأعراض.
·        تصوير الطبيعة والغوص إلى ما وراء ظواهرها.
·        التقاط الأشياء البسيطة العابرة والتعبير عنها تعبيرا فنيا جميلا يبعث فيها الحياة.
أهمية جماعة الديوان في النقد الأدبي المعاصر
ومن الجدير بالذكر أن لمدرسة الديوان مكانا مذكورا في خريطة الأدب العربي. ويقررد. محمد مندور حينما يقول:" وهي حركة التجديد التي انبثقت بإقليمنا المصري في النصف الأول في القرن العشرين، وقد اشترك فيها عمالقتنا الثلاثة؛ شكري والمازني والعقاد، بحيث يصعب كثير من الأحيان أن نميز نصيب أحدهما في هذه الحركة من نصيب زميله، وإذا كان عبد الرحمن شكري قد خلف في الشعر تراثا أكبر مما خلف في النقد، فزملاؤه ومعاصروه يحدثوننا بأن شكري قد كان له في التوجيه والنقد الشفوي ما لو دون لكونه تراثا ضخما."[7]
ويعتبر منشؤوا الجماعة أبطالاجاهدوالحرية البيان. يقول  د. شوقي ضيف: " لقد كانت مصر تجتاز دورة قائمة في حياتها بل لعلها أكثر دورات  حياتها يأسا وبأسا، وكان الشباب الطامح من أمثال شكري والعقاد والمازني يشعر شعورا عميقا بآلام الحياة التي يحياها وطنه وأثقالها، ويرى إلى أي حد قد  فسدت الحياة فيه فسادا لا يدع أملا في أن يحقق الشباب آمالهم لما يقيدهم به المستعمر وأعوانه من قيود وأغلال."[8]
وتقولد. سهير القلماوي في ’حول التجديد في الشعر المعاصر‘ : " إن مدرسة الديوان كمدرسة المهاجر جعلت هدفها إعادة الشعر إلى مهمته الأولى مهمة التعبير عن النفس  وتصوير العواطف في صدق وإخلاص وواقعية، لذلك عنفت المدرسة في النعي على الموضوعات الجديدة والقديمة والدخيلة والصور المستمدة من بيئات لا يكاد يعرف الشاعر عنها إلا ما حفظ."[9] ويقول عبد القادرالمازني عنه في مقال له نشر في جريدة ’أخبار اليوم‘ :" وكان هذا الديوان كما كانت يوميات الأستاذ العقاد بداية اقتحام المذهب الجديد في الأدب للميدان وفاتحة الصراع بينه وبين المذهب القديم، ومذهب حافظ وشوقي وأضرابهما."[10]
قصور مدرسة الديوان
وأهم العيوب التي نقدت بها مدرسة الديوان من جهة النقاد المعاصرين:         
·        وقفت مدرسة الديوان على آراءعندبابالشعرالغناءيفقط.
·        لم تتعد أسوار الشعر الموضوعي أو تقتحمه لتبين رأيها فيه، ولتحدد له أصولا ومعايير ومناهج تطوره وتنهض به.
·        المنهج النفسي الذي حاولت مدرسة الديوان تطبيقه في كل شعر وشاعر والاهتمام بظهور شخصية الشاعر  في الشعر يعتبر بعدا عن الشعر الموضوعي، وقاعدة لا يصح إطلاقها في كل حالة.
·        هاجم على الأدباء بشكل قاس.
ويقال إن الدعوة الجارفة للقيم النقدية ربما تكون قد نمت من خلال التأصيل النظري لها فحسب، وهم شعراء بالدرجة الأولى لم يستطيعوا– إلا قليلا – تجسيدها في واقع شعري ممتاز يغري بمتابعها أو التشيع لها، فانصرفوا يدعون لها دعوة نقدية هائلة حتى استقرت كأساس راسخ من أسسقيمنا النقدية المعاصرة، ولقد حاولوها شعرا، ولكن قامتهم الشعرية كانت أقل من حجم الدعوة المغامرة، ومهما يكن من شيء، فإن مدرسة الديوان نهضت قضية تطور شعرنا المعاصر لأخطر الأدوار شكلا ومضمونا وبناء ولغة.[11]
الفتنة الداخلية
وكان يمكن أن تكون هذه المدرسة ذات أثر بالغ لولا أنها تفككت سريعا. فقد وقعت الخصومة بين شكري والمازني بما قضى عليها معا. فقد اتهم شكري المازني في مقدمة ديوانه الخامس بأن سرق عددا من قصائد الشعر الإنجليزي ونسبها لنفسه، وقد كشف هذه القصائد  وأبان مصادرها وحمل المازني على شكري في كتابه " صنم الألاعيب" فكان أن اعتزل شكري الأدب واعتزل المازني بعده ولم يعد الديوان غير شاعر واحد هو العقاد.[12]
الخاتمة
جماعة الديوان جسرقوي بين الأدب العربي والغربي، قامت في عالم النقد الأدب العربي بحركة وحيوية عجيبة رغم فترتهاقصيرة. وتأثر بها حركات متفرقة وأعلام متنوعة حتى بعد غيابها عن سطح الأرض.وأقر النقاد على أن هذه الجماعة ثورة على التقليد الذي قلدها القدماء رغم يذكر بعض العيوب عنها من ناحية أهدافها.
ثبت المراجع
§        أحمد قبش، تاريخ الشعرالعربي الحديث، دار الجيل-بيروت لبنان.
§        منيف موسى، نظرية الشعر، دار الفكر اللبناني، بيروت- لبنان.
§        د. شوقي ضيف دراسات في الشعر العربي المعاصر،،الطبعة العاشرة، دار المعارف.
§        د. محمد مندور، النقد والنقاد المعاصرون، نهضة مصرللطباعة والنشر والتوزيع.
§        د.حمدي السكوت، قاموس الأدب العربي الحديث، الطبعة الثانية،دار الشروق- القاهرة.
§        مصطفى السحرتي، دراسات نقدية في الأدب المعاصر، الهيئة العامة المصرية للكتاب القاهرة.
§        د. شوقي ضيف، الأدب العرب المعاصر في مصر، دار المعارف القاهرة.
§        عبد الحي دياب، فصول في النقد الأدبي الحديث، الدار القومية- القاهرة.
§        أنور الجندي، معالم الأدب العربي المعاصر، دار النشر للجامعين بيروت.




[1] أنور الجندي، معالم الأدب العربي المعاصر، دار النشر للجامعين بيروت، ص-45.
[2] عبد الحي دياب، فصول في النقد الأدبي الحديث، الدار القومية- القاهرة، ص-71.
[3] د. شوقي ضيف، الأدب العرب المعاصر في مصر، دار المعارف القاهرة، ص- 55.
[4] مدرسة الديوان دورها في النقد الأدبي، تاريخ الاسترجاع: 20-06-2015، الموقع: ستار تيمز، الرابط: http://www.startimes.com/f.aspx
[5] مصطفى السحرتي، دراسات نقدية في الأدب المعاصر، الهيئة العامة المصرية للكتاب القاهرة،ص-85.
[6]د.حمدي السكوت، قاموس الأدب العربي الحديث، الطبعة الثانية،دار الشروق- القاهرة، ص-555.
[7] د. محمد مندور، النقد والنقاد المعاصرون، نهضة مصرللطباعة والنشر والتوزيع، ص-42.
[8]د. شوقي ضيف دراسات في الشعر العربي المعاصر،،الطبعة العاشرة، دار المعارف،ص –111.
[9]منيف موسى، نظرية الشعر، دار الفكر اللبناني، بيروت- لبنان، ص- 101.
[10] نفس المرجع، ص- 103.
[11]مدرسة الديوان دورها في النقد الأدبي، تاريخ الاسترجاع: 20-06-2015، الموقع: ستار تيمز، الرابط: http://www.startimes.com/f.aspx
[12]أحمد قبش، تاريخ الشعرالعربي الحديث، دار الجيل-بيروت لبنان، ص-224.

مواضيع ذات صلة
الأدب العربي العالمي,

إرسال تعليق

0 تعليقات