ادعمنا بالإعجاب

"الرجوع إلى البيت"؟ (ghar wapsi)

محمد أنصار الرحماني

"تعهدت كبرى الجماعات الهندوسية في الهند بمواصلة حملة لتحويل المسلمين والمسيحيين عن دياناتهم و"إقناعهم" باعتناق الهندوسية، التي قالت إنها الدين الوحيد للبلاد. وقال موهان بهاجوات من حركة راشتريا سوايام سيواك سانغ التي تمثل الجناح العقائدي لحزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي إن الهند "أمة هندوسية" وإن الكثير من الهندوس فيها "حولوا قسرا" إلى ديانات أخرى. وأضاف "سنعيد من ضلوا الطريق إلى سواء السبيل. فهم لم يذهبوا من تلقاء أنفسهم. بل أُغروا على الذهاب ".

ومن المتوقع أن تؤدي تصريحات بهاجوات إلى استياء أحزاب المعارضة التي عطلت عمل البرلمان بسبب هذه القضية. ويقول المنتقدون إن هذه الجماعات تقوض الأسس العلمانية للدولة متعددة الديانات، وإنها أصبحت أكثر نشاطا منذ صعود حزب بهاراتيا جاناتا -الذي ينتمي إليه مودي- إلى السلطة في مايو/أيار...الخ
يُذكر أن أغلب سكان الهند -البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة- من الهندوس، لكن من مواطني الدولة نحو 160 مليون مسلم ونسبة صغيرة من المسيحيين. ويريد بعض المتشددين أن تصبح الهند بأكملها أرضا للهندوس."
(الجزيرة.نت 21/12/2014م)
الأضواء
نسمع في أيامنا هذه كثيرا عن هذه الكلمات "ارجعوا إلى بيوتكم". يجري ضجيج في مختلف أنحاء بلاد الهند بسبب هذا الشعار الذي تولاها الحزب الهندوكي – لا الهندوسي – العالمي. و الكلمة تحمل في مفاهيمها تهديدا و تخويفا و مداهنة و إكراها. و ترتفع بعض الأسئلة بالطبع في نفس الوقت عن هذه النعرة. السؤال الأول بسيط جدا. ما المراد بهذا البيت؟ أي بيت يوحد سكان الهند بمختلف أنواعهم و أجناسهم و دياناتهم و مبادئهم و اعتقاداتهم و شخصياتهم و ما إليها. لأن الهند قد استقبلت في غابر الأزمان كل من أتاها مؤمنا أو كافرا. فيها السيخ والبوذ والمنبوذ والمسيحي واليهودي والمسلم والهندوسي بمختلف الأنواع و الأجناس و الطبقات و فروعها. الهند كما قال المؤرخون ما رفضت أي وفد على كر الدهور و مر العصور. و من ادعى بأن الدين الأصيل للهند ديانة الهندوس فهو جاهل بالتاريخ و سائم في مسارح السفهاء.
سئل بعض أحبتي خلال حوار الفسفسة (الفسفسة او الفسبكة  يراد بها الدردشة عبر الفيسبوك الذي يعد اكبر وسيلة اجتماعية لتبادل الآراء في هذا الزمن، و يقال لمستخدم "الفيسبوك" المفسفس البوكي) سؤالا فيه الممازحة و الفكاهة. أظن أن حكايته جديرة بالسياق. الخلاصة هكذا : " من بدل دينه و التحق بالهندوسية فرضا و تقديرا فإلي أي الفرق ينتسب. هل إلى البراهمن  التي هي الطبقة الأعلى المخلوقة من رأس الـ"ّبرهماو" أو إلى الـــ"شودرا" الذين خلقوا من قدم الـ"برهماو" أو إلى الطبقتين الباقيتين "كشاتريا" و "وايشيار" التين خلقتا للحكم و التجارة. و رأى بعض الأصدقاء أن الهندوكيين المتطرفين يحاولون تعقير صفوة جو الأمن و السلامة في بلادنا، فعليهم أن يخرجوا من هذا البيت الجميل الذي يسكنه أتباع مختلف الديانات في وحدة و إخاء و مودة و إلفة. و "الوحدة في التعدد" هو الشعار الوحيد المقبول لدينا. لأن هذه البلاد الشاسعة التي يحدها من الشمال سلسلة جبال الهماليا و الغرب كشمير أو باكستان ثم تمتد إلى الجنوب في شبه جزيرة، يقع بحر العرب في غربها و خليج البنغال في شرقها و سيلان في طرفها الجنوبي و يتجه الأقليم الشمالي منها إلى الشرق حتى جبال آسام، تحتوي على آلاف من الطقوس و المذاهب و الأديان. فعلى القاطنين في هذه البلاد التعهد بإفشال أي محاولات تهدف تكدير جوها و تلويث بيئتها و تدنيس مياهها متكاتفين في مصاف واحد.
التحليل
ألخّص أولا خطبة قام بها الزعيم الهندوكي "براوين توغاديا" وروتها الجرائد اليومية والقنوات:  "إن أجداد المسلمين و النصارى هم هندوسيون. و حسب الوثائق التاريخية و المستندات القديمة أكرهوا لاعتناق الأسلام بقوة سيوف الملوك المغوليين. وأضاف "توغاديا" أثناء خطابه بمناسبة احتفال اليوبلي الذهبي، عقدها الحزب الهندوكي العالمي في"فاوناغار" من ولاية "غجرات" : و لا يوجد في الهند حاليا أي قوة تكره الهندوس على تغيير ديانتهم، و من أراد اعتناق الديانة الهندوكية و الرجوع إلى المجتمع الهندوكي فعلى الهندوكيين أن يستقبلوه بالقلب و القالب."
و أقدم أمام القراء رواية صحفية أخرى حول ارتداد مائة نسمة في "آغرا". خلاصتها  أن لجنة "دهارما جاكران مانج" عقدت حفلة في "آغرا" بتاريخ 8 ديسمبر و اعتنق فيها حوالى مائة أشخاص الديانة الهندوكية، و معظمهم المسلمون من سكان الأحياء الفقيرة. و ثارت بسبه الخصومات في السطح الدولي.
و من الجدير بالذكر مذكرة فيسبوكية (Face book post) لصقها بعض الأصدقاء نقلا عن مصدر مجهول حول الواقعة. يؤكد في ملصقه بأن رواية تحويل الديانة في "آغرا" إفتراء و تخليق و  كذبة محضة. و الحفلة كانت خدعة من زعماء "بجرنغ دل" الهندوكيين. و يحكى عن سيدة مسلمة تجاوزت ثمانين سنة من عمرها:
"لماذا فعلوا بنا هذه الخدعة؟ كنا فقراء، و لكن ما سألناهم خبزا، و كنا عراة، و لكن ما سألناهم أكسية،  و ما كانت لنا بيوت و أكواخ، و رغم ذلك ما سألنا قط ملجأ أو مأوى. يا الله! لم حاولوا لغصب إيماننا الذي هو أغلى و أثمن من أي شيئ لدينا. و هو روح حياتنا و نور عيوننا."
و صارت 57 أسرة من مسلمي "آغرا" بعد هذه الواقعة مسلمين صادقي الإيمان. وصل في كل بيت مصاحف. رسخ الإيمان في قلوب هؤلاء الذين كانت صلتهم بالدين ضعيفة قبل. أخذ تاركي الصلاة من الشبان يصلون, و طهروا المساجد المتروكة و عمروها من جديد. نعم، هؤلاء الفقراء و المساكين يتمسكون بإيمانهم و يعضونه بالنواجد و يحتفظونه كسواد العين رغم حياتهم الفقيرة في الأحياء الدنسة و السكك الملوثة.
العظات و العبر
"الرجوع إلى البيت" يرفع أمام دارسي التاريخ و كاتبيها إشكالات كثيرة. ما البيت الأصيل للهنود؟ كيف يزعم هؤلاء الهندوكيون أنه هو الديانة الهندوسية أو الثقافة الهندوكية ؟ و لو سلمنا بأنه كذلك لضرورة الدعوى ، لم خرج الملايين من ذلك البيت الضيق في غابر الأزمان؟ و التجؤوا إلى بيت الإسلام  الواسع أو بيت النصارى و اليهود. لم تركوا بيوتهم الأصيلة؟
نلخص الجواب بحكاية واقعة تاريخية فيها الجواب الشافي لهؤلاء الدجالين المردة:
أرسل سعد بن أبي وقاص ربعي بن عامر رضي الله عنهما إلى رستم بناءً على طلبه فدخل عليه وقد زينوا مجلسه بالنمارق والزرابي والحرير وأظهروا اليواقيت واللآلئ الثمينة العظيمة ، وعليه تاجه وقد جلس على سرير من ذهب ودخل ربعي بثياب صفيقة وأقبل وعليه سلاحه .

فقالوا له : ضع سلاحك
فقال : إني لم آتكم وإنما جئتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت ،
فقال رستم : ائذنوا له فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق ، فخرق عامتها ،
فقالوا له : ما جاء بكم ؟
فقال : الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه ، فمن قبل منا ذلك قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه ، وتركناه وأرضه يليها دوننا ، ومن أبى ذلك ، قاتلناه أبدًا حتى نفضي إلى موعود الله .
قال : وما موعود الله ؟
قال : الجنة لمن مات على قتال من أبى ، والظفر لمن بقي .
فخلص رستم برؤساء أهل فارس
فقال : ماترون ؟ هل رأيتم كلامًا قط أو ضح ولا أعز من كلام هذا الرجل ؟
فقالوا : معاذ الله لك أن تميل إلى شيء من هذا ، وتدع دينك لهذا الكلب ، أما ترى إلى ثيابه ؟
فقال : ويحكم ! لا تنظروا إلى الثياب ، ولكن انظروا إلى الرأي والكلام والسيرة .
ثم اختار الفرس المناجزة ، فنصر الله المسلمين .
فأرسل ملك الفرس (( يزدجرد )) يستنجد بملك الصين ، ووصف له المسلمين ،
فأجابه ملك الصين : إنه يمكنني أن أبعث جيشًا أوله في منابت الزيتون أي الشام وآخره في الصين ، ولكن إن كان هؤلاء القوم كما تقول : فغنه لايقوم لهم أهل الأرض ، فأرى لك أن تصالحهم ، وتعيش في ظلهم ، وظل عدلهم."
ما عدلت في الواقعة أي تعديل حتى يعلم القراء موقف الأسلام كما هو. و الأمثال كثيرة في تاريخ الإسلام. و الإسلام حاول أن يحرر الناس من ضيق الدنيا إلى سعتها و من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد و من جور الأديان إلى عدل الإسلام. انجذب ملايين من الناس في مبادئ الإسلام العالية في مختلف أنحاء العالم. و قام بإشاعة هذا النور في بلاد الهند مالك بن دينار و أصحابه في ناحية و المشائخ العظام مثل معين الدين الأجميري الحسني السنجري و على الهجويري و بابا فريد الدين كنج شكر و نظام الدين البدايوني قدس الله أسرارهم في ناحية أخرى.
 نختم البحث بنبذة يسيرة من كتاب زين الدين المخدوم قدس الله سره حول انتشار الإسلام في مليبار، يحكى لنا الشيخ زين الدين قدس الله سره عن ازدهار الإسلام في هذه البلاد برغم أن حكامها لم يكونوا من المسلمين، و ذلك بفضل نشاط المسلمين و مركزهم المالي و التجاري في البلاد، فكانوا يبنون المساجد و يقيمون الجمع و الأعياد و ينفذون فيما بينهم أحكام شريعتهم. و ينظر الهندوس المحليون إليهم نظرة إكبار و تقدير، و إذا اعتنق هندوسي الإسلام و لو كان من الطبقة السفلى فأنه ينال نفس الاحترام و التقدير، مما كان سببا لدخول كثير من المضطهدين في الإسلام. و قد قام الباحث الهندي الدكتور "تاراشند" ببحث طويل نشرته له مجلة "ثقافة الهند"(مارس سنة 1950) في هذا الموضوع. أظن أن في مقالته الكفاية لكل مريب. نتيجة البحث
الهند تعاني في أيامنا هذا ارتفاع الأسعار في شتى مرافق الحياة. و الحكومة قد فشلت في السيطرة على ارتفاع أسعار السلع الغذائية و غيرها. و يعتبر ارتفاع الأسعار أكبر سبب لهزيمة الحكومة المنتهية ولايتها بزعامة حزب "المؤتمر الوطني الهندي" خلال الانتخابات العامة الأخيرة. و فاز حزب "بهاراتيا جاناتا" بزعامة مودي، بأغلبية مريحة بسبب مناداته بسياسة السيطرة على الأسعار ووعده بإنعاش الاقتصاد وتطويره. و لكن صارت أحوال البلاد الإقتصادية منكبة إلى أسوأ الحال. و الأسعار وصلت في المريخ و فوق الأفلاك مع المكوك الفضائي الإصطناعي "مانكليان". و قيمة روبيا انحطت إلى الأرض السابعة . و السوق  يختنق تحت براثن شركات متعددة الجنسيات و عفاريت الأشغال مثل الأمبهاني. و ينخفض سعر البترول، و لكن لا يتنزل رسوم الخدمة و التكالف في مجال التنقل. و المفكرون السياسيون يرون أن هذه النعرة و الخصومات كلها محاولة لستر عيوب الحكومة الإدارية و خسائرها بأستار "الرجوع إلى البيت".
و المسلم لا تقلقه هذه الإحتجاجات و الخصومات، لأنه ما ضل الطريق حتى يرجع إلى البيت. و هو على صراط مستقيم. ليست ديانته لباس يبدل أو خلعة يلبسها صباحا و ينزعها مساء. بل دينه دين حي يتدين به طوال حياته اليومية حتى الممات. نختم هذه العجالة بشعر الكاتب المليباري و الشاعر الموفق الأستاذ بشير الفيض الجيكون -حفظه الله و رعاه:
                           سلوا يوما عن الاسلام دينى
                                    سُـطور الكتب تخبر باليقين
                        تَبُوح بان دينى دينُ عدل
                                                      وديـن سلامة فى كل حـين
                    ولا إرهابَ فى الاسلام حقا
                                                       ولااكراهَ فى الـديـن المتين
(هوالاسلام يأبى كل ضيم- ندى الأحزان)

مواضيع ذات صلة
القضايا الوطنية الهندية, دراسات,

إرسال تعليق

0 تعليقات