ادعمنا بالإعجاب

إسهامات الكاتب ثروت أباظة في فن الرواية

رفيق الفيضي. م
تمهيد          
هذه المقالة تلقي بعض الأضواء على براعة الكاتب الشهير ثروت أباظة الدسوقي في استخدامه الأدب الإسلامي فنا نقيا في معالجة القضايا الاجتماعية في قصصه ورواياته. ومن الحقيقة التي لاغبار عليها أن هذا الأديب العملاق فاق غيره من معاصريه أمثال نجيب محفوظ وطه حسين وتوفيق الحكيم وغيرهم في جعله مبادئ هذا الدين الإلهي ونظمه حلّا كاملا لكل المشاكل التي يعانيها المجتمع الإنساني المعاصرفي الحياة الفردية والاجتماعية. وقبل الولوج إلى الموضوع أود التقديم إلى القارئ بعض المعلومات عن حياة الكاتب وسيرته وآثاره الضخمة.

هو الكاتب الكبير الذي ذاع صيته في عالم الأدب العربي الحديث كروائي وقصصي وسياسي شديد التأثير في سياسة مصروحكومتها. وقد ولد ببلدة "غزالة الخيس" بمركز الزقازيق بإقليم الشرقية بمصر في اليوم الخامس عشر من يوليو سنة 1927الميلادي .وكانت ولادته في أسرة ازدهرت بأزهار الفن والأدب حيث نشأ متنفسا هواء الأدب الصافي ومتطيبا طيب السياسية الساحر، ولم يكن ثروت طفلا مثل باقي الأطفال يتمتعون بطفولتهم ولم يلعب كثيرا معهم، وإنما كان يصاحب والده الأديب الدسوقي أباظة في كل مكان يذهب إليه حتي نال فرصا كثيرة لمجالسة الوزراء والكبراء والأدباء والشعراء أمثال الكاتب الكبير عباس محمود عقاد وعميد الأدب العربي طه حسين وأحمد أمين بك ومصطفي هيكل وغيرهم، ولذلك لم يتهيب المناصب في كبره لأنه نشأ بينها. 
بعدما تخرج ثروت في كلية الحقوق بجامعة القاهرة سنة 1950 الميلادي بدأ حياته العملية بالعمل بالمحاماة ثم تولي العديد من المناصب العليا في الهيئات السياسية الأدبية الصحفية ,وكان وكيل مجلس الشوري كما كان عضوا بالمجلس الأعلي للثقافة والمجالس القومية المختصة ومجلس أمناء إتحاد الإذاعة والتلفيزيون والمجلس الأعلي للصحافة. وكان رئيس مشرف رابطة الأدب الحديث وعضو نادي القلم الدولي الي جانب رئاسته إتحاد كتاب مصر حتي قدم استقالته عام ‍1997م، وقد رأس تحرير مجلة الإذاعة والتليفيزيون عام1974م كما رأس القسم الأدبي بجريرة الأهرام ما بين عام1975و 1988م.وظل يكتب في الصحيفة  حتي وفاته.
وبالنسبة إلي أدبه أنه بدأ الكتابة قبل أن تخرج من الجامعة حينما كان طالبا في المرحرلة الثانوية ونشرت أول مقالته في مجلة الثقافة التي كبرت شهرتها في مصر وأقطاعها وخارجها معا،وأما أول أعماله الأدبية فكانت بعد زواجه بقليل، كتب قصة تاريخية عن ابن عمار حيث تقررت وزارة التربية والتعليم تدريسها أوائل الستينات علي تلاميذ الشهادة الإعدادية .وإلي جانب هذا، ألف عدة قصص ورويات تحول عدد منها الي أفلام سينمائية ومسلسلات تلفيزيونية وكان أهمها رواياته الشهيرة ‘هارب من الأيام،ثم تشرق الشمس،الضباب،وشيئ من الخوف،أحلام في ظهيرة،طارق من السماء ,الغفران ,لؤلؤة وأصداف ’. وتبلغ مؤلفاته أكثرمن أربعين مؤلفات،منها ثلاثون رواية ومسرحيتان وعشرة كتب في الدراسات الأدبية والتراجيم، وكتب أيضا سيرته الذاتية  باسم ذكريات لا مذكرات. وجديربالذكرهنا ما قالت عن أدبه الناقدة المعروفة هالة مرعي "لقد تنوع إبداع ثروت أباظة ما بين الرواية والقصة والمسرحية والمقالة والدراسة، ولكنها من خلال هذا التنوع تتسلل إلي أعماق النفس وإلي خلجات المشاعر ونأمات الضمير، لتكون أخلاق الناس وتريهم الكون جميعاً في أحرف وكلمات "[1] كما أنه كان لا يمنع في رواياته المجرم والفاسق والفاسد من الفكرة نهائيا وانما دائما يترك لهم بصائص من الأمال ليحاسبهم علي اعتبار الأمل في الندم والتوبة.
وانتقل هذا الكاتب الكبير الي جوار ربه في يوم الأحد 5/3/2002بعد صراع طويل من المرض اثر اصابته بورم خبيث في المعدة ونقل جثمانها من المستشفي الصفي بالقاهرة الي مسقط رأسه في المدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية حيث أوصي بدفنه.
 قراءة عامة عن  رواياته
بعدما تحولت ثروت من كتابة المقالات النقدية والثقافية إلي الرواية أصبح أحد أكبر كتابها باللغة العربية بأسلوبه الجزل وغزارة انتاجه . وقد تميزت رواياته بالمستوى الفني الرفيع وبالنجاح الجماهري الواسع في آن واحد، ولم يختلف علي قيمته الأدبية أحد.
والمسار الفنى فى روايات ثروت يحتضن الوقائع الريفية بمصر وينطلق من رؤيا قضاياها التى يعانى منها ضميره إزاء مختلف التناقضات التى تتماوج داخله مع الرصد الواعى لكافة الظواهر المعوقة أو الدافعة لحرية التفكير والتعبير،ولايعنيه مطلقا أنه جعل هذا المحور يدور حول الريفى المصرى الذى يتلذذ حلوى الحياة فى قريته متخذا من مبادئ تراث وطنه السامى هاديا ومرشدا، بل كان قاسيا على الجيل الجديد الذى يرى الحياة أحلى تلذذا إذا امتزجت بالثقافات الغربية المنتشرة فى جميع زوايا مدن مصر بسبب الإحتلالات الأجنبية المتوالية كما يبدو فى تحليله لشخصية الحاج والى عبد الهادى فى رواية الضباب التى تمثل مأساة البطل المنسق وانهزامه حينما يرى  التمزق الإجتماعى والأخلاقى قد جاوز كل حدود اللإنسانية والمروؤة فى أمر وارثيه ‘حسين ومحمد’. وهما يمثلان حلوى الحياة الحديثة المتأثرة بالمدنيات الأجنبية بما فيها ما تشتهى الأنفس وما يهتك جميع ما نال أبناء الوطن من الأخلاق السامية ومبادئ دينهم الإسلام العالية – من الخمر والشرب والدعارة والقمار والرقص وأندية ليالى الحمراء.
بالرغم أن شخصية حسين قد حفظ القرآن الشريف والتحق بجامعة الأزهر ليكون عالما وفقيها كبيرا فى الدين، فإن حياته فى القاهرة قد أجبرته أن يختار طريقا غير طريق الذى تمناه  وجدانه الذاتى حتى أصبح زانيا يزنى فى زى العالم الكبير  بينما أن أخاه الصغير شخصية محمد الطبيب  المتزوج من امرأة القرية التى التزمت  فى حياتها بعرف الريف وعاداته، ثم أصبح مطلقها ، فقد اختار طريقا غير طريق الذى كان  قد جربه فى طفولته  من والده شخصية الحاج والى ومن بيئاته الريفية، حيث وجد كلما يشتهى نفسه من حلويات الحياة الغربية  وملذاتها  بما فيها الخمر والمرأة والرقص والقمار وما عدا ذلك، حتى أصبح زانيا آخر مثل أخيه .         
وكان من امكانية الكاتب أن يترك هتين الشخصيتن على حدتهما مصورا بهما أحوال مصر الراهنة كما هى فى الواقع بدون أن يلتفت إلى الحل الكافى لإزالة تلك الشرارات التى انتشرت بين الأجيال الحديثة من أبناء مصر إثر مخالطتهم بالغربيين وثقافاتهم، غير أنه ألقى إليهما بصائصا من الأمال والأرجاء للعود إلى حياة سليمة بالندم والتوبة وبالرجوع إلى الأصالة الدينية والوحدة الشعورية معا .
هنا يبدو لنا بتحليله هتين الشخصيتين أن الكاتب احترم الإنسان والإنسانية بإعطائه فرص الحرية للتفكير مرة ثانية للعودة إلى سلامة النفس والطمأنينة  كما قال بها عبد العزيز مصطفى بقوله هذا:‘كان الكاتب لايحرم فى رواياته المجرم والفاسد من الضمير نهائيا وإنما دائما يترك لهم شعاعا منه ليحاسبهم حتى  وإن لم تصل إليهم يد العدالة على اعتبار أن الأمل فى الندم والتوبة موجود دائما’1.
عند مقارنة روايات ثروت أباظة بروايات معاصره طه حسين ونجيب محفوظ نرى هناك جوانب الإتفاق أكثرمن جوانب الإفتراق . وقد اتفق هؤلاء الثلاث في تصوير أحوال المجتمع المصرى إجتماعية وثقافية  بصورتها الواقعية مع ترسيم مواقف الأحداث كما هى فى الوجود فى طبيعتها الخالصة .وقد نجحوا تماما فى تحريك الأقلام ضد الأشرار الإجتماعية المنتشرة بين المجتمع المصرى إثر الإحتلالات البريطانية والإستعمارات الأجنبية  بما فيها القتل والنهب والقهر والبغاوة وماعدا ذلك، غير أن ثروت سبقهما فى إلقاء بصائص من الآمال والأرجاء للطغاة والمجرمين للعود إلى حياة سليمة بالندم والتوبة.
ورغم أن النقاد هاجموا عليه على ‘أنه برجوازى لا يستحق الكتابة عن أهل الريف الفلاحين’1 فإن اختلاطه بالفلاحين ودخله فى أعماقهم ساعداه أن يعرف أنما يقوله الكتاب عن الفلاح بأنه ساذج وصف خاطئ فالفلاح المصرى ذكى وحريص، حتى وإنه بناء على معرفته العميقة له كتب رواية عن القرية وهى ‘هارب من الأيام’ التى قال عنها الأديب العالمى نجيب محفوظ بأنها ‘تميزت بالمستفى الفنى الرفيع وبالنجاح الجماهرى فى آن واحد’2 .
وقفة بين الفن والدين في رواياته
حينما يلعب الدين دورا مهما في تثقيف الأدب وتحسينه وجعله خلقيا وإجتماعيا  ويتحلي منصبا كبيرا في تميزالطيب من الخبيث والنقي من الكدر، فإن الكاتب ثروت أباظة اختار الدين الإسلامي أساسا لكل أعماله الأدبية والفكرية بني علي سطحه حدث الروايات والقصص في كل كتاباته، وعلي سبيل المثال ماقال عنه الدكتور عبد العزيز شرف" ذلك أن ثروت أباظة رحمه الله‏,‏ يمثل سيرة الضمير المصري في العصر الحديث كأنقى ما تمثله السيرة الذاتية وما تنضوي عليه من إيثار للغير‏,‏ وتمثل لضمير المجتمع وقد عبر في سيرته الأدبية والحياتية عن تمثل لمقومات الشخصية المصرية‏,‏ ومنها‏:‏ الوحدة الشعورية والأصالة الدينية‏.‏"[2]1          
ورواياته الشهيرة أمثال الضباب وقصر علي النيل وشيء من الخوف كلها المثل الأعلي لإقتدائه بالأصالة الدينية والوحدة الشعورية في بناء أحداث القصة في رواياته , حيث عالج فيها الإيمان والإخلاص والتوكل والندم والتوبة مقياسا يقاس عليه شعور الإنسان واستجاباته حينما يصادم واقعية الحياة في شتي مراحلها.  ويتضح هذا بوضوح حينما تمثل الشخصيات الأولي والثانوية فيها جيلا مصريا جديدا متقدما إلي ما فيه جودة وحداثة من الثقافات والحضارات الحديثة بل متمسكا بالمبادئ الدينية ومتأثرا بالوحدة الشعورية وبالشعورالوطنية كما تمثل جيلا قوية الهمة وشديد الرجاء ينتظر لعالم جديد فيه حرية للفرد والمجتمع بدل سلاسيل الإستعباد الذاتي والإستغلال الفكري كما ينتظر ليوم يتحلى فيه الإنصاف والعدل بتيجان الشرف والقبول ويكسى فيه الدين والوطن لباس العز والتكريم ويدفن فيه كل ماشاع في البلاد من القتل والنهب والظلم والقهر والبغاوة ,وجدير بالذكر هنا ان كل واحد من الشخصيات التي صورها الكاتب في هذه الروايات  كان لها وجود ظاهر في الواقع وتأثير شديد في المجتمع كما أن بعض التعبيرات التي استخدمها الكاتب في رواياته
أصبحت لا تزال تحيى بين أطراف لسان القارئين والسامعين أمثال التعبيرالمشهور "زواج عتريس من فؤاد باطل "[3] الذي عبره الكاتب في روايته الشهيرة شيئ من الخوف.
وعندما تتفرع أحداث الرواية ‘قصر على النيل’التي كتبها الكاتب سنة 1964 الميلادي الى شخصيات ثانوية أمثال ‘أحمد بن سليمان والسيد عبد البديع الأفندي الدكر وفوزي وفؤاد’ نرى الإسلامية تغلب على أفكارهم الشيوعية والإشتراكية حتى أصبحوا مذعنين لها ومؤمنين بها بعد ما صاروا رؤساء هذا المذهب الشيوعي وقد علمتهم التجربة الحياتية على ان النظام الإسلامي هو النظام الوحيد فيه العدل والمساواة والإنصاف وكلما يحتاج اليه المجتمع الانسأني في مظاهر حياته الإجتماعية والإقتصادية والسياسية كما أقر بهذه الحقيقة الطرية شخصية‘فؤاد’ أحد رفاق الخلية الشيوعية في خطبته الشهيرة حينما أعلن فصله عن الخلية حيث اختتم خطبته بهذه الكلمات :‘أيها الإخوان،سأترككم بعد أن ألقي عليكم تحية الإسلام دين المشورة، ودين الأمن والإستقرار وأرجو أن تجيبوا تحيتي وتتبعوني إلي الهواء الطلق..السلام عليكم ورحمة الله’[4].
ويتجلي هذا الإقرار والإعتراف بالنظام الإسلامي والإيمان به  حينما  قال عبد البديع الأفندي الدكر لرفيقه في المذهب الشيوعي بعدما خرج من السجن : ‘أبدأ وشرفك سأصلي الخمس وأصوم الشهر وسأحج إن استطعت  سبيلا وسأؤدي الزكاة وأشهد ان لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ’[5]      وفي نهاية الرواية نرى أيضا أن شخصية أحمد أقر بأن المذهب الإسلامي هو الطريق الوحيد الى النجاة في الحياة حينما قال لنفسه بعدما تلذذ تجربته المريرة بالسجن : "إن الله أعطى عبده حرية التفكير والعمل ثم حاسبهم ..........الحرية  أساس النظام الذي أقامه الله...سبحانك يارب...فك قيدي لأقدس الحرية.. إني ألجأ إليك يا ربي !!"
  ومن هذا كله يمكن أن يستفاد علي أن الهدف الرئيسي للكاتب في كتاباته هو إشراق أفكار الوحدة الشعورية والأصالة الدينية في نفوس المصريين  وجعلهما سلاحا حادا ضد كل ما أخذ ان يأثر على المجتمع المصري الحديث من الأفكار الشيوعية والإشتراكية والثافات الغربية وغيرها .
الأصالة الوطنية والنظريات السياسية في رواياته
عندما تعرّف الوطنية بأنها هي الحنو الى وطنك الذي ولدت ونشأت اواحساسك القوي تجاه وطنك بأنه هو أجمل وأحسن اجتماعيا وثقافيا بالنسبة الى بلاد أخرى كان الكاتب ثروت أباظة قد سبق غيره من الكتائب المصريين في ملازمته هذا الإحساس القوي في كل رواياته المكتوبة وجعلها عرضة مهمة تدور أحداث الروايات حولها.
وقد مارس السيايسة مثلما كان يمارس الأدب بل أجمل منه لأنه ولد فيها ونشر بينها وتنفس هواها حتى خاض معارك السياسية كثيرة مدافعا عن مواقف يرى صحيحا.ولم يكن ممن يغيرها لإرضاء أحد حتى أغضب منه الكثيريين وكان أكثر حروبه ضد كتائب اليسار والناصريبن والشيوعيين كما كان يصف الإخوان المسلمين في مقالته بأنهم بداية الإرهاب، كثيرا ماكانت زوجته وأولاده يحاولون ان يخففونه من هجومه إياهم بل كان جوابه هذا "أنا مع الحق الي أن أموت"1.
وكنت له حاسة  سياسية صادقة وكثيرا ما تنبأ بأحداث سياسية قبل وقوعها وكاف  لنا مثلا له ماكان قد تنبه بانهيار الاتحاد السوفيتي في مقالة نشرتها في الأهرام سنة 1970م .ولعل نشأته في أسرة كلها سياسية ساعدت على تنمية هذه الحاسة في ضميره، وجدير بالذكر هنا انه قد استخدم مهارته في الأدب سلاحا حادا على تدمير الأفكار الشيوعية والناصرية وتشديد الإحساس الوطني في أهل بلاده وتثبيت الحرية في مجتمعه بصفة عامة.
والى جانب كله أن الركيزة الأساسية في كتابته سواء كانت مقالة اوقصة اورواية كانت رفضه للظلم والقهر السياسي والإجتماعي والتصدى لهما  وانحيازه الكامل للديموقراطية والحرية - حرية المجتمع وحرية الفرد وحرية الرأي والتعبير التي أقامها الإسلام والدفاع عن القيمة المجتمع الرفيعة وتقاليده السامية .
وقد نجحت روايتا الكاتب ‘ قصر على النيل’‘والضباب’ في إلقاء الأضواء عن نظرياته تجاه الوطنية والسياسية المصرية نجاحا تاما، وخاصة حينما يقدم الكاتب الي القرّاء شخصية ‘وصفى،  بطل الرواية قصر على النيل بملازمته على هذا الإحساس الوطني في أقواله وآرائه واتجاهاته مع أنه سياسي كثير التأثير بين الحزب والشعب حيث تظهر قوة احساسه الوطني حينما يقول : ‘أنا رجل وطني أحببت وطني وهاجمت أعدائه واثرت القلق في نفوسهم فقبضوا علي مرات فما زادني هذا عند وطني ومواطني الا عزا وحبا’[6] ويتضح هذا بوضوح حينما يناقش ابن عمه سليمان  المتأثر بالثقافات الأوروبية في صدد حياة  المرأة في الشرق والغرب .هنا، يصرّ وصفى على اثبات شرف الثقافة المصرية وعزّ حياة المرأة فيها حينما يقول: ‘إننا هنا نحترم المرأة أكثرمما يحترمها الغربيون، نحن نراها جوهرة يجب ان تظل بعيدة عن أيدي الطامعين، وعن أنظارهم ايضا ’.‘أرأيت أننا نحب ان نثق بزوجاتنا نحبهن بجميعهن بذكرياتهن وأحلامهن وآمالهن ولا نحب هذه الذكريات ان تبدأ الا بعد الزواج فكلما قبل  الزواج لانعرف به نحن الشرقيين حتى وان كنا الطرف الآخر فيه’[7]                                                                                                        
وعندما تتفرع أحداث الرواية الى الشخصيات الثايوية نرى فيها شخصية أخرى تلتزم بالإحساس الوطني، وهذه الشخصية هي جعفر بن وصفى وهو  يمثل جيلا جديدا يتمسك بتراث وطنه القديم السامي متلازما باشعور الوطني من الأفكار  الشيوعية والإشتراكية وما عدا ذلك وقد قام جعفر بمهاراته في الكتابة والخطابة وعبقريته في الفصاحة والبلاغة بين اترابه الذين تأثروا بالثقافة الغربية والأفكار الشيوعية والإشتراكية مهاجما عليهم بأفكاره الوطنية ونظرياته الاسلامية وملازما على التراث الذي تجري عليه مصر وابناؤها منذ قديم الزمان.                                 
وتتجلي نظريات الكاتب تجاه الوطنية والسياسية بوضوح عندما يكلمنا الكاتب  بلسان فوزي أحد الشخصيات الثانوية  في الرواية قصر علي النيل بأقواله "إن فترة الانتقال في ظل الدكتاتورية لاتنتهي ,لأن الحاكم حين وصل الي كرسي الحكم يعلم انه وصل اليه علي غير حق فهو يحيط نفسه بالحرس ويفرض أوامره فاذا هو قوانين وينهب الأموال ويعيش عيشة رغدة بلا رقيب ولا حسيب ,فالذين حوله جميعا يتمتعون بما يتمتع به من رغد وتنشأ طبقة حكام أغنياء بطبقة محكومين فقراء وبناء علي نظريتكم ,لابد أن تقوم ثورة أخرى لتتم المساواة في الرزق ومستوى المعيشة ويسقط هؤلاء الحكام ويتولى الحكم حكام آخرون وتتكرر المأساة وكل حكم جديد يحتاج فترة انتقال ,فإن سألت :انتقال الي ماذا ؟ وإلي اي مدى يدوم هذا الإنتقال ؟فلن تجد جوابا ولكننا نحن نعرف الجواب ....انه انتقال الي الآخرة "[8]. ويلخص من هذه العبارات أن الركيزة الأساسية في كتابات الكاتب هي الهجوم علي نظام الدكتاتورية التي خضعت لها مصر منذ زمان  والنداء الكامل الي الديموقراتية والحرية – حرية الفرد والمجتمع .
وبالجملة أن أعماله الأدبية كلها صورة متكاملة تمثل نظرياته السياسية والإجتماعية الحقيقة بصفة عامة كما ترسم الوقائع والأحداث في صورة مجردة من الضم والكسر.
الخاتمة
هذه المقالة محاولة متواضعة للدراسة التحليلية عن الكاتب المصرى الشهير ثروت أباظة دسوقى وأسلوبه الممتاز فى فن الأدب والدين مركزة على رواياته الشهيرة أمثال ‘قصر على النيل’ ‘والضباب’ .وقد أجريت فيها بحثا ودراسة عن موقف هذا الكاتب الكبير تجاه الدين والوطن عند كتابة الروايات ونسج الأحداث فيها،غير أنه ما أراد بهذه المحاولة إلا إلقاء بعض الأضواء على فن هذا الكاتب الشهير الذى ذاع صيته فى آفاق الأدب العربى الحديث عمقا وطولا.
وجدير بالذكرهنا أن هذا الأديب الكبير كان فى طريق عن نزعة الواقعية فى تناول رواياته، والواقعية، كما أشارإليها طه وادى  ‘‘ظهرت فى الأدب العربى الحديث فى مصر وتطورت فى الأدب المصرى بعد انحلال الثورة المصرية الأولى’’1 . وعلى كل حال، أن روايات الكاتب كلها نداء متكامل إلى حرية المجتمع وحرية الفرد وحرية الرأى والتعبير والدفاع عن قيم المجتمع الرفيعة وتقاليده السامية المبنية على النظام الإسلامي الصافى العذب.
المصادر والمراجع
     1.      ثروت أباظة، ذكريات لا مذكرات– دار الغريب للطباعة – القاهرة- 1992م
     2.      عفاف عزيز أباظة، زوجى ثروت أباظة– دارالمعارف – القاهرة- 2003م
     3.      ثروت أباظة، قصر على النيل– دارنهضة مصر - الفجالة- القاهرة-1977م
     4.      ثروت أباظة، الضباب– مطبعة نهضة مصر – الفجالة- القاهرة- 1976م
    5.      ثروت أباظة،لمحات من حياتى– مطبعة نهضة مصر– الفجالة- القاهرة- 1996م
    6.      الدكتور عبد العزيز شرف- النماذج البشرية فى أدب ثروت أباظة – دار المعارف- القاهرة- 2002م
    7.      محمود فوزى –ثروت أباظة الفلاح الأرستقراطى – دار الغريب للطباعة – القاهرة -2001م       
8.            -11Adnan Muhammed Abdul aziz Wazzan- Realism in Arnold Bennett and Najib Mahfuz, A comparative study in Arabic and the English Novel –University of Edin burgh –198
9.            1:Adnan Muhammed Abdul aziz Wazzan- Realism in Arnold Bennett and Najib Mahfuz , A comparative study in Arabic and the English Novel –University of Edin burgh –page 134





[1]  عبد العزيز مصطفى- قضية الحرية عند ثروت أباظة- دار المعارف- القاهرة- ص79
[2]  الدكتور عبد العزيز شرف، الأهرام، العدد 126، 2002 مارس 22  -  2: عفاف عزيز أباظة، زوجي ثروت أباظة ص160
[3]  ثروت أباظة،شيئ من الخوف،مكتبة مصر،دار مصر للطباعة،ص56
[4]  ثروت أباظة،قصر علي النيل،دارنهضة مصرللطباعة والنشر،ص 164
[5]  نفسه :ص217
[6]  عفاف عزيز أباظة،زوجي ثروت أباظة،مكتبة مصر،دارالمعارف،ص89
[7]  ثروت أباظة،قصر علي النيل،دارنهضة مصرللطباعة والنشر، ص8   2: نفسه ص117
[8]  ثروت أباظة،قصر علي النيل،دارنهضة مصرللطباعة والنشر،ص رقم7

مواضيع ذات صلة
الأدب العربي العالمي,

إرسال تعليق

0 تعليقات