ادعمنا بالإعجاب

الرسول الفاتح


حبيب الله الفيضي
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه اجمعين وبعد،    

يا حبذا الرسول الفاتح الذي رفع راية الإسلام أم القرى بدون اي سفك الدماء! ولا حبذا من رموا نبلهم نحو هذا النبي الفاتح قاذفين أن شمس الإسلام قد أشرقت في كثير من البلدان تحت ظلال السيوف مستمدين من موقف النبي في غزوته وفتحه، فبُعدا لهذا الادعاء ضد النبي حيث إن التاريخ سجل فتحه النبيل بمداد لا يعقبه كر الليالي والأيام.
هنا بون بعيد بين فتح النبي  وبين فتوحات أخرى ولا سيما حروب العصر الحديث، وبين أساليبهما، وبين استراتيجياتهما..وبين .. وبين..

فجدير بالذكر أن سلاحه في ميدان القتال وفي ميدان حياته الزاهية لم يكن سلاحا ماديا فحسب بل روحيا مقتبسا من الوحي الإلاهي ولم يكن سيفه كسيف باقي الملوك بل إنه كان سيفا قد قطع القلوب لا الاجساد وقد خضع تحته الارواح لا الأجسام ولم يكن سيفه حاد الجانب بل كله حاد ينحدر حق الانحدار إلى أعماق الضمائر، إنه لم يغلب على بلدان لها بداية ونهاية فقط بل غلب على وجدان ليس لها بداية ولا نهاية.
ولا شك أن فتح النبي لا ينحصر في جزيرة العرب ولا في خارجها بل إنه سار إلى جوار رب العالمين حتى كان قاب قوسين أو أدنى وصار نعله فوق كل مخلوق كما قال الشاعر: على رأس هذا الكون نعل محمد  علت فجميع الخلق تحت ظلاله
حبيب يبدأ بالدعوة الإسلامية
من حديث ابن عباس : قال لما نزلت هذه الآية " وأنذر عشيرتك الأقربين " خرج رسول الله  حتى صعد الصفا فهتف يا صباحاه فقالوا من هذا الذي يهتف قالوا محمد فاجتمعوا إليه فقال يا بني فلان يا بني فلان يا بني عبد مناف يا بني عبد المطلب فاجتمعوا إليه فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي قالوا : ما جربنا عليك كذبا قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فجوابهم ما جربنا عليك كذبا يدل على رؤيتهم عن النبي منذ نعامة ظفره أنه صادق وسموا بالأمين، فلا بد من الصدق في ميدان الدعوة حيث صار صدقه مفتاحا لفتح قلوب من لهم قلوب يفقون بها.
وللأسف الشديد منذ هذه اللحظة التي أعلن فيها النبي عن الإسلام انفجرت مكة بمشاعر الغضب ودارت الحرب على الرسول  بشتى أنواعها وأشكالها تارة بإيذائه والإساءة إليه وتارة بمحاولة قتله وتارة بحربه وتارة باتهامه في أهل بيته وتارة بوضع السم له في الطعام وتارة ... وتارة،  وعلي الرغم من أنه واجه تحديات عديدة في رحاب الدعوة لم يكن شاكي السلاح إلا لما لا بد منه.
حبيب يدافع عن نفسه       
ولم تضع الحرب أوزارها بل مازالت مستمرة على المصطفى ودارت حوله.. حتى حاول عقبة بن أبي معيط الجار الثاني لرسول الله خنقه وقتله فقد أخرج البخاري عن عروة بن الزبير قال : سألت ابن عمرو بن العاص : "أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي ، قال: بينا النبي يصلي في حجر الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط ، فوضع ثوبه في عنقه، فخنقه خنقا شديدا، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه، ودفعه عن النبي وقال اتقتلون رجلا ان يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات؟
حبيب يدافع الله عنه ويجعله فرجا ومخرجا
لما كاد المشركون للرسول الأمين واجتمعوا على قتله وعزموا على ذلك ليحلوا بينه وبين الوصول إلى أصحابه في المدينة إذ بجبريل عليه السلام ينزل بوحي من الله عزَّ وجل " لا تبت في فراشك الليلة " ويخرج النبي من بين أظهرهم ويذري التراب على رؤوسهم وهو يتلو قول الحق سبحانه وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ فيخطف الله أبصارهم وما من رجل إلا ويضع رأسه على صورة ويغط غطيطاً ويخرج النبي سالماً يكلؤه الله بحفظه ورعايته . اليس اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ حتى استمرت الرعاية الربانية لخير البرية من ملك الملوك إلى أحب خلقه إليه ويحفظه عن كيد الكائدين ومكر الماكرين ، كيف لا وهو القائل :وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وكيف يكون النبي فاتحا بدون العصمة من الله

حبيب يعفو الظالمين:
يدعو النبي أهل الطائف من عبادة العباد إلى  الى عبادة ربّ العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخر ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام يمشي إليهم في حر الظهيرة غير أن أهلها لم يجبوا بل وسلطوا عليه صبيانهم وعبيدهم وسفهاءهم يسبونه ويصيحون به واجتمع عليه الناس ورشقوه بالحجارة وأصيب الرسول في قدمه الشريفة واختضب نعله بالدماء حتى ألجئوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابنا ربيعة ويأتيه جبريل وقال: " إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، قال : فناداني ملكُ الجبال فسلم علىّ ثم قال : يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملكُ الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت ؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين   -الأخشب من الجبال : الخشن الغليظ وهما جبلا مكة أبو قبيس والجبل الذي يقابله - ؟ فقال رسول الله : "بل أرجو أن يُخرج اللهُ من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا "، فما كان احسن ما قال النبي حتى لم يجب لجبريل عليه السلام بإهلاك قوم طائف! ولو قال بـنعم لا يبقى احد فيها بعده لمعانقة الاسلام في المستقبل العاجل كما شاهد التاريخ.
وفي أثناء هجرته إلى المدينة يلحق به سراقة بن مالك لينال منه رجاء الفوز بالمكافأة التي أعلنت عنها قريش وهي مئة ناقة لمن يأتي بالنبي وصاحبه حيين أو ميتين. ولكن بأمر من الله ساخت وغاصت قائمتا فرس سراقة بن مالك في الرمال فخر عنها ثم زجرها حتى نهضت فلم تكد تخرج يديها حتى سطع لأثرهما غبار أرتفع في السماء مثل الدخان فعلم سراقة ان عمله ضائع سدى وداخله رغب عظيم فنادى بالأمان ثم أمر النبي أبا بكر أن يكتب له كتاب أمان... حتى بعد سنوات فتح الله ملك كسرى في خلافة عمر رضي الله عنه ولبس سراقة سوار كسرى كما قص النبي في ذلك الوقت.
ولما تم فتح بدر عامل النبي لمن لم يكن معه فداء معاملة لا نظير لها في تاريخ العالم وذلك أنه من يحسن القراءة والكتابة من اسرى بدر أعطاه عشرة من غلمان المدينة يعلمهم بدل الفدية.
وفي يوم الفتح الأعظم دخل النبي مكة على قريش ودخل الكعبة ثم جلس في المسجد والناس حوله والعيون شاخصة إليه ينتظرون ما هو فاعل بمشركي قريش، الذين آذوه وأخرجوه من بلده وقاتلوه ولكن هنا تظهر مكارم الأخلاق حتى قال : يا معشر قريش؟ ما تظنون أني فاعل بكم قالوا : خيرا أخ كريم وابن أخ كريم فقال : أقول كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم  اذهبوا فأنتم الطلقاء.
وفي ذلك اليوم  أغلق عثمان بن طلحة باب البيت وصعد السطح فطلب رسول الله صلعم مفتاح الكعبة، فقيل : إنّه مع عثمان ، فطلب منه علي  رضي الله عنه  فأجاب : لو علمت إنه رسول الله لم أمنعه المفتاح، فلوى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يده ، فأخذ منه المفتاح وفتح الباب ، ودخل رسول الله وصلى فيه ركعتين ، فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح وجمع له بين السقاية والسدانة بل سأل رسول الله أين عثمان بن طلحة فدعى له فقال: هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم بر ووفاء  ولم يلتفت إلى أنه لم يسلم فقال عثمان : أشهد أن لا إلاه إلاّ الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله ، وأسلم.
وفي خطبته حجة الوداع قال: "يا أيها الناس، أيّ يوم هذا؟" قالوا: يوم حرام. قال: "أيّ بلد هذا؟" قالوا: بلد حرام. قال: "فأيّ شهر هذا؟" قالوا: شهر حرام. قال: "فإن أموالكم ودماءكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا". ثم أعادها مرارًا. ثم رفع إصبعه إلى السماء فقال: "اللهم هل بلغت!" مرارًا -قال: يقول ابن عباس: والله لَوصِيَّةٌ إلى ربه عز وجل-ثم قال: "ألا فليبلغ الشاهدُ الغائِبَ، لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض" فالنبي ينهى عن المقاتلة وسفك الدماء والرجوع بعده كفارا.
وإليك ما صنع النبي في ذلك اليوم  بمن أهدر دماؤهم لشدة عداوتهم للإسلام ، والتأليب على المسلمين فمنهم صفوان بن أمية الذي اختفى وأراد أن يذهب ليلقي بنفسه في البحر ، فجاء ابن عمه عمير بن وهب الجمحي وقال: يا نبي الله ، إن صفوان سيد قومه ، وقد هرب ليقذف نفسه في البحر فأمِّنه ، فأعطاه عمامته ، فأخذها عمير حتى إذا لقي صفوان قال له: فداك أبي وأمي. جئتك من عند أفضل الناس وأبر الناس، وأحلم الناس، وخير الناس، وهو ابن عمك، وعزه عزك، وشرفه شرفك، وملكه ملكك فقال صفوان: إني أخافه على نفسي. قال عمير: هو أحلم من ذلك وأكرم، وأراه علامة الأمان و هي العمامة؛ فقبل برده، فرجع إلى رسول الله فقال: إن هذا يزعم أنك أمنتني، فقال النبي: "صدق". فقال صفوان: أمهلني بالخيار شهرين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أربعة أشهر، ثم أسلم بعد وحسن إسلامه فهل بعد هذه الحجج الدامغة يتقوَّل متقوِّل على الإسلام زاعماً أنه قام على السيف والإكراه؟!
ومنهم عكرمة بن أبي جهل الذي هرب، ولكن خرجت وراءه زوجته وبنت عمه أم حكيم بنت الحارث بن هشام، وكانت قد أسلمت يوم الفتح، وقد أخذت له أماناً من رسول الله فلحقته، وقد أراد أن يركب البحر، فقالت: جئتك من عند أبر الناس، وخيرهم، لا تهلك نفسك، وإني قد استأمنته لك فرجع، ولما رآه عليه الصلاة والسلام وثب قائمًا فرحًا به، وقال: "مرحبًا بمن جاءنا مهاجرًا مسلمًا" ثم أسلم رضي الله عنه، وطلب من رسول الله أن يستغفر له كل عداوة عاداه إياها فاستغفر له، وكان رضي الله عنه بعد ذلك من خيرة المسلمين وأغيرهم على الإسلام.
ومنهم هبَّار بن الأسود الذي هرب، واختفى، حتى إذا كان رسول الله بالجِعِرَّانة جاءه مسلمًا، وقال: يا رسول الله، هربت منك وأردت اللحاق بالأعاجم ثم ذكرت عائدتك وصلتك وصفحك عمن جهل عليك، وكنا يا رسول الله أهل شرك فهدانا الله بك، وأنقذنا من الهلكة فاصفح الصفح الجميل، فقال عليه الصلاة والسلام: "قد عفوت عنك" .
ومنهم كعب بن زهير الذي جاء المدينة بعد ان قدمها رسول الله نازلا برجل من جهينة فقال يا رسول الله أرأيت إن أتيتك بكعب بن زهير مسلما أتؤمنه قال نعم قال فأنا كعب بن زهير فتواثبت الأنصار تقول يا رسول الله ائذن لنا فيه فقال وكيف وقد أتاني مسلما وكف عنه المهاجرون ولم يقولوا شيئا فأنشد رسولَ الله قصيدة : وقال  إن الرسول لسيف يستضاء به  مهند من سيوف الله مسلول  فألقى صلى الله عليه وسلم بردة كانت عليه صلى الله عليه وسلم
حبيب يقبل شروط الأعداء!
ولما داخل رعب عظيم في قريش حينما سمعوا بيعة أصحاب النبي على الموت – بيعة الرضوان- ارسلت قرش سهيل بين عمرو للمكالمة في الصلح وعرض الشروط التي تريدها قريش فقبل النبي كل هذه الشروط حتى داخل المسلمين امر عظيم وقالوا سبحان الله! كيف نرد عليهم من جاءنا مسلما ولا يردون من جاءهم مرتدا؟  فرد النبي ردا جميلا: .... فسيجعل الله له فرجا ومخرجا. وقال النبي لمن هرب للمسلمين من مكة اصبر واحتسب غير أن المسلمين علموا أن رأي رسول الله أفضل وأحسن من رأيهم حتى قال ابوبكر رضي الله عنه ما كان فتح في الإسلام أعظم من فتح الحديبية، ولكن الناس قصر رأيهم عما كان بين محمد وربه، والعباد يعجلون، والله لا يجعل لعجلة العباد حتى تبلغ الأمر ما أراد. وفي رجوعه من الحديبية نزلت "انا فتحنا لك فتحا مبينا". فقال رسول الله : لقد أنزلت علي آية أحب إليّ من الدنيا وما فيها
حبيب يقوم بإرسال الرسالة إلى ملوك الأرض.
بعد رجوع المسلمين من الحديبية في أواخر سنة ست وأمن الطريق من قريش كاتب ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام ولما وصل الكتاب احترمه بعض الملوك غاية الاحترام كالنجاشي ملك الحبشة واحتقره بعضهم مثل كسرى ملك فارس ودعا النبي على ملكه أن يمزق الله ملكه وقد كان، ولم يتول النبي ولاية بل كان يولي على قوم كبيرهم ويريد تزكيتهم وتربيتهم وقيادتهم من جور الأديان إلى عدل الإسلام.
حبيب يعامل أسيرا معاملة الأخ
ولما اسرى المسلمون في سرية من السرايا سيد بني حنيفة ـ ثمامة بن أُثال الحنفي - وهم لا يعرفونه، فأتوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرفه وأكرمه ، وأبقاه عنده ثلاثة أيام، وكان في كل يوم يعرض عليه الإسلام عرضاً كريماً فيأبى ويقول: إن تسأل مالاً تُعطه، وإن تقتل تقتل ذا دمٍ، وإن تنعم تنعم على شاكر، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن أطلق سراحه ولقد استرقت قلب ثمامة هذه السماحة الفائقة ، وهذه المعاملة الكريمة ، فذهب واغتسل ، ثم عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً مختاراً ، وقال له: يا محمد، والله ما كان على الأرض من وجه أبغض إليَّ من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلى. والله ما كان على الأرض من دين أبغض إلىَّ من دينك، فقد أصبح دينك أحب الدين إليَّ. والله ما كان من بلد أبغض إلى من بلدك، فقد أصبح أحب البلاد إليَّ.
وقد سر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه سروراً عظيماً ، فقد أسلم بإسلامه كثير من قومه ، ولم يقف أثر هذا التسامح في المعاملة عند إسلام ثمامة وقومه بل كانت له آثار بعيدة المدى في تاريخ الدعوة الإسلامية ، فقد ذهب مكة معتمراً ، فهمَّ أهلها أن يؤذوه ولكنهم ذكروا حاجتهم إلى حبوب اليمامة، فآلى على نفسه أن لا يرسل لقريش شيئاً من الحبوب حتى يؤمنوا، فجهدوا جهداً شديداً فلم يرَوا بُدّاً من الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم ترى ماذا كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم؟ أيدع ثمامة حتى يلجئهم بسبب منع الحبوب عنهم إلى الإيمان؟ لا. لقد عاملهم بما عرف عنه من التسامح، وأن لا إكراه في الدين، فكتب إلى ثمامة أن يخلِّي بينهم وبين حبوب اليمامة، ففعل .
حبيب فاتح يختار حياة ‘طيبة’!
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعبد الناس، قام في الصلاة حتى تفطرت قدماه، وكان أزهد الناس؛ لا يجد في أكثر الأوقات ما يأكل، وكان فراشه محشواً ليفاً، وربما كان كساء من شعر، وكان أحلم الناس يحب العفو والستر ويأمر بهما، وكان أجود الناس؛ قالت عائشة: "كان عند النبي صلى الله عليه وسلم ستة دنانير فأخرج أربعة وبقي ديناران، فامتنع منه النوم، فسألته فأخبرها، فقالت: إذا أصبحت فضعها في مواضعها، فقال: ومن لي بالصبح"، وما سئل شيئاً قط فقال: لا، وكان أشجع الناس؛ قال علي: "كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أقربنا إلى العدو" وكان متواضعاً في شرفه وعلو محله؛  وما دعاه أحد إلا قال: لبيك، وكان طويل الصمت، ضحكه التبسم، وكان يخوض مع أصحابه إذا تحدثوا، فيذكرون الدنيا فيذكرها معهم، ويذكرون الآخرة فيذكرها معهم، ولم يكن فاحشاً ولا يجزي السيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح؛ قالت عائشة: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً أو قطيعة رحم؛ فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما ضرت امرأة قط، ولا ضرب خادماً، ولا ضرب شيئاً قط إلا أن يجاهد، وقال أنس: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما سبني قط ولا ضربني ولا انتهرني ولا عبس في وجهي، وكان أشد الناس لطفاً؛ وقالت عائشة رضي الله عنها: كان يرقع الثوب ويقم البيت، ويخصف النعل، ويطحن عن خادمه إذا أعيا، هذا ومن بعض اخلاقه الحسنة وهو ’ملك‘ المدينة والعرب! 
من أجل أن النبي ﷺ  فاتح قلوب الناس وساكنها هانت على اصحابه الحياة وطابت لهم هجرة الاوطان وهجر الإخوان حتى قالوا عند وقعة بدر إن امرنا تبع لامرك، فوالله لئن سرت حتى تبلغ البرك الغماد لنسير معك والله لئن استعرضت بنا هذا البحر خضنا معك.
زفلا بد لنا من اتباع هذا النبي الفاتح ولا فلاح لأمة إلا باتباعه وايثاره ولا تفلح امة مهما تقدم الزمان وتقدمت الحضارة وتنوعت الفلسفات وتغيرة الأحوال إلا باتباعه، والله الموفق

مواضيع ذات صلة
النبويات, دراسات,

إرسال تعليق

0 تعليقات