ادعمنا بالإعجاب

المعاوضة عن الالتزام ببيع العملات في المستقبل

الأستاذ/ علي كوتي المسليار
(مقالة لقدمها فضيلته في الدورة الثانية والعشرين للمجمع الفقهي الإسلامي التي انعقدت في الفترة 21 – 25 رجب 1436 هـ الموافق 10- 14 مايو 2015 هـ في مقر الرابطة بمكة المكرمة)
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد،،
فإن المعاملات المصرفية وأعمال الشركات لا زالت تستجدُّ وتتطوَّرُ يوماً فيوماً وتتكثر كيفياتها وتختلف أنواعها مع تقدم الزمان ومرور الأيام، مما يضطر علماء المسلمين إلى تعمق النظر ودقة البحث في المعاملات الشرعية وشروطها وضوابطها، حتى يميزوا العقود المباحة من العقود المحرمة. وعلماؤنا المتقدمون – رحمهم الله- لم يألوا جهدهم في بيان الشروط والقيود والضوابط للمعاملات الشرعية المباحة وتدوينها في كتب الفروع الفقهية، فلا علينا إلا البحث العريض والمراجعة الدقيقة المتتالية لاستخراج أحكام المعاملات المستجدة مما وضعوه من القواعد والضوابط.

وإن قضية الالتزام ببيع العملات في المستقبل وأخذ العوض عن هذا الالتزام صارت من القضايا شائعة التداول كثيرة الاستفتاء من قبل المنتفعين منها المشتغلين في المؤسسات المالية الإسلامية والشركات الملتزمة بمزاولة النشاطات المباحة شرعاً. وصورتها: أن تعرض مؤسسة مالية التزامها بأن تبيع لعميلها عملة معينة في زمن مستقبل معين، بسعر صرف محدد، مقابل عوض لهذا الالتزام، فيتفق ذلك العميل (التاجر مثلاً) على هذا الالتزام مقابل العوض المتفق عليه، وذلك لتغطية حاجته إلى تلك العملة في المستقبل (الوقت المتفق عليه) بالمقدار المحدد. والذي يبعث التاجر على شراء هذا الالتزام هو التحوط من خسارة متوقعة الحصول نتيجة التذبذب الدائم والتقلبات السريعة في أسعار العملات، وخاصة مع الأزمات المالية التي يمر بها كثير من الدول في الوقت الراهن.
وعندما نبحث عن أحكام المعاملات المستجدة لا ينبغي لنا أن نجعل أحكام الشريعة الغراء تابعة لهوى الناس في معاملاتهم ونشاطاتهم؛ إذ إن كثيراً من المعاملات المصرفية الشائعة في الدول الإسلامية جاءت من المصارف الربوية الموجودة في الغرب والدول الأوربية، ولا يجوز لنا أن نبررها بالتأويل البعيد للنصوص الشرعية وَلَيِّ أعناق أقوال الفقهاء وحملها على المعاني التي لم يريدوها أصلاً، بل الواجب علينا – معاشر العلماء- أن نجعل أحكام الشريعة أصلاً أصيلاً فما وافقها من المعاملات نقول بحلها، وما خالفها نقول بحرمتها. ولا ينبغي للعالم أن يتبع تلك الظاهرة لتبرير كل المعاملات المستجدة بدعوى مصلحة الناس؛ لأن المصالح منها ما يوافق الشرع ومنها ما يخالفه، والمصالح المخالفة للشرع ملغاة كما بينه الفقهاء.
ولكن كثيراً من الشروط والقيود للمعاملات الشرعية اختلفت فيها المذاهب وتنوعت فيها أنظار الفقهاء المتقدمين، مما يفتح أمامنا أبواب البحث فيها وأخذ ما يوافق مصلحة الأمة ويحقق تقدمها في كل المجالات خاصة في مجال الاقتصاد.
وأحاول- بإذن الله- في هذا البحث أن أصل إلى الحكم الشرعي لما يجري في المصارف من المعاوضة عن الالتزام ببيع العملات في المستقبل، ومن الله أستمد التوفيق والسداد.
  المعاوضة عن الالتزام ببيع العملات في المستقبل
ومما لا يخفى أن الحكم على الفرع متفرع عن الحكم على الأصل؛ لأنه مادام الأصل باطلاً فالفرع باطل ولا بد، فالحكم في مسألة المعاوضة عن الالتزام ببيع العملات في المستقبل متفرع عن جواز هذا الالتزام ببيع العملات في المستقبل؛ لأنه ما دام أن الالتزام محرم فلا معنى للبحث عن المعاوضة عنه حيث إن المعاوضة عن العقد المحرم تكون محرماً البتة.
ولكن الحكم بجواز الالتزام ببيع العملات في المستقبل محل بحث وتفصيل، فإن هذا الالتزام يدخل في مسألة المواعدة في الصرف التي قد بحثها كثير من المجامع الفقهية والهيئات الشرعية.
وهناك صورتان للمواعدة في الصرف:
الصورة الأولى: أن يكون الالتزام ببيع العملات في المستقبل ملزماً للطرفين.
    الصورة الثانية: أن يكون الالتزام ببيع العملات في المستقبل غير ملزم للطرفين.
    الصورة الأولى: أن يكون الالتزام ببيع العملات في المستقبل ملزماً للطرفين:
إذا كان الالتزام ببيع العملات في المستقبل ملزماً للطرفين (أي الملتزم كالمؤسسات المالية، والقابل لهذا الالتزام كالشركات أو التجار)، وسيتم تسليم وتسلم العملات في المستقبل اعتماداً على هذا الالتزام دون إنشاء عقد جديد آنذاك فإن هذه المعاملة تكون غير صحيحة؛ لأن اتفاقهما على ذلك البيع بطريق الإلزام يكون بمثابة عقد صرف تأخر فيه تقابض البدلين، وهذا العقد باطل لأسباب:
الأول: أن تقابض البدلين قبل التفرق من مجلس العقد شرط لصحة عقد الصرف نصاًّ وإجماعاً، فقد أخرج الشيخان عن أبى المنهال قال: سألت زيد بن أرقم والبراء بن عازب- رضي الله عنهما- عن الصرف فقالا: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق ديناً"([1]). وأخرجا أيضاً عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً ولا تشفوا بعضَها على بعضٍ ولا تبيعوا الورقَ بالورقِ إلاَّ مثلاً بمثلٍ ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منهما غائباً بناجزٍ"([2])، وأخرج مسلم عن أبي المنهال قال: "باع شريك لي ورقاً بنسيئة إلى الموسم أو إلى الحج فجاء إلي فأخبرني فقلت: هذا أمر لا يصلح قال قد بعته في السوق فلم ينكر ذلك علي أحد فأتيت البراء بن عازب فسألته فقال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ونحن نبيع هذا البيع فقال: (ما كان يداً بيدٍ فلا بأس به وما كان نسيئةً فهو رباً) وائت زيد بن أرقم فإنه أعظم تجارة مني، فأتيته فسألته فقال مثل ذلك"([3]).. إلى غير ذلك من النصوص التي لا داعي لسرد جميعها.
   وأما الإجماع فقد نص عليه غير واحد من العلماء كابن رشد([4]) وابن قدامة([5]) وغيرهما، قال ابن المنذر- رحمه الله-: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المتصارفين إذا افترقا قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد"([6]).
السبب الثاني: أن هذا الالتزام مادام يعتبر بمنزلة عقد الصرف فإن العوض مقابل هذا الالتزام في الحقيقة يصير جزءاً من الثمن، مثلاً: البائع لهذا الالتزام (المؤسسة المالية) إذا اتفق مع المشتري (الشركة مثلاً) على بيع عشرة آلاف دولار (10000)، بسعر: (دولار واحد = ستون روبية هندية)، مقابل عوض قدره عشرة آلاف روبية (10000)، فصار العقد في الحقيقة بيع عشرة آلاف دولار بسعر: (دولار= إحدى وستون روبية).
قال ابن عليش- رحمه الله-: "إذَا قَالَ لَهُ إنْ بِعْتنِي سِلْعَتَك بِكَذَا فَلَكَ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا أَوْ فَقَدْ الْتَزَمْت لَك كَذَا وَكَذَا فَالشَّيْءُ الْمُلْتَزَمُ بِهِ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الثَّمَنِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ, وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتَ مِنِّي سِلْعَةً بِكَذَا فَلَكَ عِنْدِي كَذَا فَالشَّيْءُ الْمُلْتَزَمُ بِهِ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الْمَبِيعِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُهُ, وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ"([7]).
فعلى هذا يوجد هنا تأجيل أخذ بعض العوض في المصارفة، وذلك حرام، قال في روضة الطالبين: " ولو تقابضا بعض كل واحد من العوضين ثم تفرقا بطل فيما لم يقبض وفي المقبوض قولا تفريق الصفقة"([8]). وقال في المغني: "وإن قبض البعض ثم افترقا بطل فيما لم يقبض وفيما يقابله من العوض، وهل يصح في المقبوض؟ على وجهين بناء على تفريق الصفقة"([9]).
وأيضاً يكون هذا العوض كالعربون الذي إن تم البيع فهو جزء من الثمن وإلا فهو للبائع، ولكن العربون - الذي جوزه الحنابلة ومنعه الجمهور([10])- لا مجال له في عقد الصرف؛ لأنه إنما يتصور في عقد الخيار، بخلاف عقد الصرف لاشتراط قبض العوضين في المجلس، وقد نص عليه المجامع الفقهية([11]).
وقد نص كثير من الهيئات الشرعية على عدم جواز الوعد ببيع العملات في المستقبل بسعر محدد مسبقاً إذا كان الوعد ملزماً، فقد جاء في الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية من بيت التمويل الكويتي (فتوى رقم/ 28)، ما نصه:
"السؤال: ما الرأي الشرعي في مدى جواز الاتفاق على بيع أو شراء العملة وبسعر يتفق عليه مقدماً على أن تنفذ العملية في زمن لاحق ويكون التسليم والاستلام بالنقد وفى وقت واحد؟ الجواب: مثل هذه المعاملة تعتبر وعداً بالبيع فإن أنفذاه على الصورة الواردة في السؤال فلا مانع شرعاً، ولكنه إذا اقترن الوعد بما يدل على أنه عقد بيع بأن دفع بعض الثمن دون البعض فيكون من قبيل بيع الكالئ بالكالئ (المؤجل بالمؤجل) وهو ممنوع مطلقاً ولاسيما في عقد الصرف الذي يشترط لصحته تقابض كلا البدلين في مجلس العقد ويعتبر اشتراط التأجيل مفسداً له عند جميع الأئمة".
السبب الثالث: أن تأخر البدلين – حتى ولو لم يكن العقد مصارفة - يدخل العقد في بيع الكالئ بالكالئ الذي هو محرم نصاًّ وإجماعاً.
    عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ([12]).
    قال ابن المنذر- رحمه الله-: "أجمع أهل العلم على أن بيع الدين بالدين لا يجوز"([13]).
ولا عبرة بتسمية اتفاقهم لذلك العقد مواعدة أو التزاماً؛ لأن العبرة بالمقاصد والمعاني دون الألفاظ والمباني. فما دام هذا العقد حراماً فالالتزام عنه يكون حراماً البتة.
وقد أفتى به كثير من الهيئات الشرعية، فقد جاء في الفتاوى الشرعية من بيت التمويل الكويتي([14]), ما يلي: السؤال: ما الرأي الشرعي في الوعد ببيع وشراء الذهب أو الفضة في المستقبل؟ الجواب: أما الوعد بالبيع والشراء للذهب أو الفضة في المستقبل فإنه فتح باب للتحايل على بيع الكالئ بالكالئ, وهو ممنوع في كل شيء فضلاً عن الذهب والفضة اللذين شددا الشارع بوجوب التقابض فيهما في مجلس العقد.
الصورة الثانية: أن يكون الالتزام غير ملزم للطرفين
إذا كان الالتزام ببيع العملات في المستقبل بسعر محدد مسبقاً غير ملزم للطرفين بمعنى أن لكل منهما أن يتخلف عن إمضاء الوعد فلا مانع منه شرعاً؛ لأن التواعد على الصرف ليس صرفاً، فإن تصارفا بعد ذلك في الموعد وبالسعر الذي حدداه, وتقابضا البدلين في مجلس العقد حقيقة أو حكماً, ترتبت على هذا العقد آثاره الشرعية من وقت انعقاده لا من وقت التواعد عليه, وعلى هذا الأساس, إذا كان تنفيذ الوعد أو الاتفاق يتم بإنشاء الطرفين عقد بيع من جديد بتراضيهما عند الأجل ويتم تسليم واستلام البدلين في مجلس العقد فإن هذه المعاملة تكون صحيحة.
   وقد نص على ذلك عدد من الهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية. ففي الفتاوى الشرعية من  دله البركة (فتوى رقم 13 ص83) ما يأتي: السؤال: ما هو الرأي في المواعدة بشراء العملات مختلفة الجنس بسعر يوم الاتفاق (يوم المواعدة) على أن يكون تسليم كل من البدلين مؤجلاً لكي يتم التبادل في المستقبل يدا بيد, وذلك في حالة كون مثل هذه المواعدة ملزمة, وحالة كونها غير ملزمة؟ الفتوى: إن هذه المواعدة إذا كانت ملزمة للطرفين فإنها تدخل في عموم النهي عن بيع الكالئ بالكالئ (بيع الدين بالدين) فلا تكون جائزة, وإذا كانت غير ملزمة للطرفين فإنها جائزة.
وجاء في بيت التمويل الكويتي الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية الصادرة من بيت التمويل الكويتي, فتوى رقم (96) ما يلي: السؤال: مواعدة بشراء عملة محددة بكمية محددة وبسعر محدد خلال فترة محددة مع التزام البائع بتسليم المبلغ عند الطلب خلال هذه الفترة المحددة على أساس أن يدفع المشتري مبلغاً معيَّناً يسمى حق الشراء ويخسر هذا الحق إذا لم يكمل عملية الشراء. الجواب: هذه المعاملة غير جائزة شرعاً؛ لأنها وعد بشراء عملة والصورة التي يجيزها الشرع هي البيع البات مع القبض الفوري في بيوع الصرف (بيع النقد بالنقد).
وكذا جاء في الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية (1/50) بيت التمويل الكويتي، الفتوى رقم: (28) و(98) ما يلي: السؤال: ما الرأي الشرعي في مدى جواز الاتفاق على بيع أو شراء العملة, وبسعر يتفق عليه مقدماً على أن تنفذ العملية في زمن لاحق, ويكون التسليم والاستلام بالنقد في وقت واحد؟ الجواب: مثل هذه المعاملة تعتبر وعداً بالبيع, فإن أنفذاه على الصورة الواردة في السؤال فلا مانع شرعاً والله أعلم .
فما دام هذا الالتزام مباحاً فالاعتياض عنه لا يكون محظوراً من هذه الناحية إذا توفر فيه بقية شروط جواز الاعتياض، ومنها أن يكون لهذا الالتزام قيمة معتبرة يجوز أخذ العوض عنها؛ لأن كثيراً من العلماء أجازوا أخذ العوض مقابل بعض الالتزامات إذا كانت لها منفعة مقصودة، قال الكاساني- رحمه الله-: "لو أن صانعاً تقبل عملاً بأجر، ثم لم يعمل بنفسه، ولكن قبله لغيره بأقل من ذلك (يعني المقاولة من الباطن) طاب له الفضل، ولا سبب لاستحقاق الفضل إلا الضمان"([15]). فقد نص على أن الربح (الفرق بين الأجرتين) طاب للمقاول الأول بسبب التزامه العمل في ذمته، وإن لم يقم بالعمل أصلاً. وكذلك المؤسسة المالية يطيب لها العوض مقابل التزامها بدفع عملة معينة بسعر محدد مسبقاً في الوقت المحدد.
   ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في مسألتنا هو ما مدى قيمة هذا الوعد (الالتزام) إذا كان غير ملزم للطرفين حتى يصح الاعتياض عنه؟، وأنه مادام الالتزام غير ملزمٍ للطرفين فما فائدة الإقدام على هذا العقد؟ وكيف يتصور أن الشركات والمؤسسات تدخل في المعاملات الموازية اعتماداً على هذا الوعد غير الملزم؟ وتطبيقياًّ هل يوجد في الأسواق المالية وعود غير ملزمة؟ فالصواب- فيما أرى- أن هذا الوعد (المسمى بالالتزام) مادام أن لكل من الطرفين الخيار في إمضائه أو إلغائه- لا يتقوم بقيمة معتبرة، وبالتالي لا يجوز  بيع هذا الالتزام (الوعد) ولا شراؤه ولا الاعتياض عليه.
  طبيعة الالتزام في المسألة المبحوث عنها:
وفي الحقيقة أن كون هذا الالتزام غير ملزم للطرفين – وبالتالي غير متقوم - مسألة فرضية تخالف الواقع والجانب التطبيقي في العرف التجاري والقانوني؛ لأن الجانب العملي التطبيقي في الوعود في الأسواق المالية أنها ملزمة؛ وغاية ما يقال في مسألتنا هي أن هذا الالتزام يكون ملزماً من طرف الملتزم (المؤسسة المالية) غير ملزم من الطرف الآخر (مشتري الالتزام وقابله)، فعلى هذا لا شك أن لهذا الالتزام قيمة معتبرة عرفاً؛ لأن المشتري (الشركة مثلاً) يستفيد منه، حيث هو في يقين وثقة من حصول هذه العملة المطلوبة بالسعر المحدد في وقت الحاجة، وبالتالي يدخل في عقود موازية بناء على هذا الالتزام، فهذه منفعة مقصودة يصح الاعتياض عنها.
ولا يخفي أنه قد ازدادت أهمية الالتزام والضمان في العصر الحاضر خصوصاً في الأوساط المالية والعرف التجاري، بحيث أصبحت له قيمة معتبرة وإن كان مجرد الالتزام والضمان مما لا يتقوم في القرون الماضية، والفقهاء إذ حكموا بعدم جواز الجعل على الضمان وعللوه بأن الضمان ليس له قيمة حتى يجوز الاعتياض عنه نظروا إلى عرف زمانهم، قال القرافي- رحمه الله- في الذخيرة: "ومن القسم الثاني – ما لا يقبل العوض- الضمان، فإنه وإن كان مقصوداً للعقلاء لكنه غير متقوم عادةً، فلا يجوز أن يقابل بالأعيان"([16]). فقد بنى هذا الحكم اعتماداً على عادة زمانه، ولا شك أن العادات تتغير، فقد أصبح الضمان والالتزام اليوم من أهم الحاجات بل الضروريات لدى التجار والشركات، بحيث صار ذا قيمة عالية، فلا بد من القول بأنه مال يجوز الاعتياض عنه.
إضافة إلى أن كثيراً من العلماء أجازوا أخذ العوض مقابل بعض الالتزامات إذا كانت لها منفعة مقصودة، ومنها ما تقدم من قول الكاساني- رحمه الله-: "لو أن صانعاً تقبل عملاً بأجر، ثم لم يعمل بنفسه، ولكن قبله لغيره بأقل من ذلك (يعني المقاولة من الباطن) طاب له الفضل، ولا سبب لاستحقاق الفضل إلا الضمان"([17]).
ولكن الحكم بحل هذا العقد والمعاوضة عنه مشروط بخلوه من المحظورات الشرعية التي تعرضه، وهذا العقد – بيع العملات في المستقبل والمعاوضة عنه- بهذه الصورة الجارية يكتنفه كثير من المخاطر التي لا بد من أخذ الحيطة منها؛ لأن العقد وإن كان أصله مباحاً ربما يكون حراماً بأسباب عارضة، وأما إذا كان في أصله أيضاً بعض المخالفات الشرعية فالأمر أشد.
فمما يعرض لهذا العقد:
أولاً: أن هذا الالتزام مادام ملزماً للبائع (المؤسسة المالية) فقد تم العقد من جانبه، ففيه تأخر قبض العوض أو بعضه في المصارفة كما سبق تفصيل ذلك.
ثانياً: أن هذا العقد يشبه المصارفة بخيار الشرط، والمصارفة بخيار الشرط للعاقدين أو لأحدهما محرم وباطل كما نص عليه الفقهاء. قال الحصكفي- رحمه الله-: "يأتي خيار الشرط في الإجارة والبيع والإبراء والكفالة والرهن والعتق وترك الشفعة والصلح والخلع كذا والقسمة والوقف والحوالة والإقالة لا الصرف والإقرار والوكالة ولا النكاح والطلاق والسلم"([18]).
وقال الشيرازي- رحمه الله-: "ويجوز شرط خيار ثلاثة أيام في البيوع التي لا ربا فيها .... فأما في البيوع التي فيها الربا وهي الصرف وبيع الطعام بالطعام فلا يجوز فيها شرط الخيار؛ لأنه لا يجوز أن يتفرقا قبل تمام البيع، ولهذا لا يجوز أن يتفرقا إلا عن قبض العوضين، فلو جوزنا شرط الخيار لتفرقا ولم يتم البيع بينهما"([19]).
وقال ابن قدامة- رحمه الله-: "النوع الثاني: ما يشترط فيه القبض في المجلس كالصرف والسلم وبيع مال الربا بجنسه فلا يدخله خيار الشرط رواية واحدة؛ لأن موضعها على أن لا يبقى بينهما علقة بعد التفرق بدليل اشتراط القبض وثبوت الخيار يبقي بينهما علقة"([20]).
وصورة ذلك في مسألتنا أن البائع (المؤسسة المالية) ملزم بتنفيذ وعده إلا أن للمشتري الخيار في الشراء وعدمه في الوقت المحدد، وقد سبق أن الوعد مادام ملزماً فهو بمنزلة العقد؛ لأن العبرة بالمعاني لا بالمباني، فكأن البائع باع العملة بالسعر المحدد، والمشتري بالخيار في الشراء والفسخ. فتجنباً من هذه المشكلة لا بد من التحقق من وجود عقد جديد في الوقت المحدد، وأن هذا الوعد المسبق لا يعدو أن يكون وعداً فقط، فيعود السؤال السابق: إذا كان الوعد غير ملزم للطرفين فما قيمته المالية حتى يصح الاعتياض عنه؟.
ثالثاً: أنه يدخل في عموم بيع الغرر الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر"([21]).
    وبيع الغرر شامل لجميع البيوع التي تشتمل على الغرر أو تؤدي إلى الغرر. قال ابن عبد البر- رحمه الله-: "وأما بيوع الغرر فإنها لا يحاط بها ولا تحصى .... قال مالك: ومن الغرر والمخاطرة أن يعمد الرجل قد ضلت دابته أو أبق غلامه وثمن الشيء من ذلك خمسون ديناراً، فيقول رجل: أنا آخذه منك بعشرين ديناراً، فإن وجده المبتاع ذهب من البائع ثلاثون ديناراً، وإن لم يجده ذهب البائع من المبتاع بعشرين ديناراً، قال مالك: وفي ذلك عيب آخر إن تلك الضالة إن وجدت لم يدر أزادت أم نقصت أو ما حدث بها من العيوب فهذا أعظم المخاطرة"([22]).
وقال النووي- رحمه الله-: "النهي عن بيع الغرر أصل عظيم من أصول كتاب البيوع، ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة كبيع الآبق والمعدوم والمجهول وما لا يقدر على تسليمه وما لم يتم ملك البائع عليه وبيع السمك في الماء الكثير واللبن في الضرع وبيع الحمل في البطن ونظائر ذلك، وكل ذلك بيعه باطل؛ لأنه غرر من غير حاجة"([23]).
ووجه الغرر في المعاوضة عن هذا الالتزام هو أن العملات ربما تنهار أكثر مما يتوقع، فالملتزم (بائع العملات في الوقت المحدد مسبقاً) يخسر خسارة كبيرة ربما لا تعوضه ما أخذه عوضاً على الالتزام كما يحتمل أن يرتفع سعر العملة فوق ما يتوقع، فالمشتري يخسر العوض الذي أعطاه للملتزم.
ويمكن تقليل احتمال هذا الغرر باشتراط بعض القيود في العقد، بأن يكون الاتفاق على السعر المحدد مقيداً بحد معين من التذبذب، بأن يشترط العاقدان بالبيع والشراء إذا كان التذبذب في سعر العملتين دون عشر في المائة أو خمس في المائة أو نحو ذلك، وبذلك لا يوجد هناك إلا غرر يسير، والغرر اليسير مغتفر للحاجة؛ لأن الشارع أباح السلم والمضاربة وبيع العرايا والجعالة مع أن هناك احتمالاً لغرر يسير، وقد نص الفقهاء على أن الغرر اليسير مغتفر في البيوع للضرورة أو الحاجة إذا لم يكن الغرر مقصوداً.
قال القرطبي – رحمه الله-: "وبيع الغرر: هو البيع المشتمل على غرر مقصود، كبيع الأجنَّة، والسمك في الماء، والطير في الهواء، وما أشبه ذلك. فأمَّا الغرر اليسير الذي ليس بمقصود فلم يتناول هذا النَّهي؛ لإجماع المسلمين على جواز إجارة العبد والدار مشاهرة ومساناةً، مع جواز الموت وهدم الدار قبل ذلك، وعلى جواز إجارة الدَّخول في الحمَّام مع تفاوت الناس فيما يتناولون من الماء، وفي قدر المقام فيه، وكذلك الشرب من السقاء مع اختلاف أحوال الناس في قدر المشروب. وأيضًا: فإن كل بيع لا بدَّ فيه من نوع من الغرر لكنَّه لما كان يسيرًا غير مقصود لم يلتفت الشرع إليه. ولما انقسم الغرر على هذين الضربين فما تبين أنه من الضرب الأول منع. وما كان من الضرب الثاني خُيِّر. وما أشكل أمره، اختُلف فيه، من أي القسمين هو، فيلحق به"([24]).
قال في التاج والإكليل: "والغرر اليسير إذا انضاف إلى أصل جائز جاز بخلافه إذا انفرد"([25]).
    وقال الماوردي- رحمه الله-: "والغرر اليسير في البيع مجوز للضرورة"([26]).
  وقال شيخ الإسلام- رحمه الله-: "وجوز النبي صلى الله عليه وسلم إذا باع نخلاً قد أبرت أن يشترط المبتاع ثمرتها، فيكون قد اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها، لكن على وجه البيع للأصل، فظهر أنه يجوز من الغرر اليسير ضمناً وتبعاً ما لا يجوز من غيره"([27]).
رابعاً: أن هذا العقد يشبه القمار والميسر الذي حرمه الله تعالى بنص القرآن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)([28]). والميسر هو كل معاملة لا يخلو الداخل فيها من أن يغرم أو يغنم بناء على المخاطرة فقط؛ وهذه المعاملة - وإن تكن قماراً حقيقياًّ- إلا أنه لا ينكر شبهها به؛ لأن ارتفاع سعر الصرف أو انحطاطه - وربما انهيار العملات- ليس لأحد من العاقدين دور ولا عمل فيه؛ وكل منهما دخل في العقد رجاء النصيب في جانبه حيث إن الملتزم إنما دخل في الالتزام رجاء أن يرتفع سعر العملة المحددة حتى يفسخ المشتري العقد، فيربح الملتزم عوض ذلك الالتزام المأخوذ مسبقاً، وأما المشتري فإنما دخل في شراء الالتزام متوقعاً انحطاط – أو انهيار- سعر الصرف في الوقت المحدد حتى يربح.
ويمكن حل هذه المشكلة بالطريق السابق باشتراط بعض القيود في العقد، وبذلك يخف شبهه بالقمار؛ لأنه لا يوجد هناك إلا احتمال ربح يسير، مع أن العاقدين إنما دخلا في العقد بغرض صحيح، وهو بالنسبة للبائع الاستفادة من العوض المأخوذ مسبقاً، وبالنسبة للمشتري التحوط من الخسارة الممكنة أو المتوقعة في سعر العملات.
خامساً: أن المبلغ الذي يأخذه بائع الالتزام باسم العوض عن الالتزام هو في الحقيقة كالعربون؛ لأن المشتري إذا تأخر عن العقد يخسر هذا المبلغ، وإذا نفذ البيع فهو جزء من الثمن- كما سبق عن فتح العلي المالك-"إذَا قَالَ لَهُ إنْ بِعْتنِي سِلْعَتَك بِكَذَا فَلَكَ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا أَوْ فَقَدْ الْتَزَمْت لَك كَذَا وَكَذَا فَالشَّيْءُ الْمُلْتَزَمُ بِهِ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الثَّمَنِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتَ مِنِّي سِلْعَةً بِكَذَا فَلَكَ عِنْدِي كَذَا فَالشَّيْءُ الْمُلْتَزَمُ بِهِ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الْمَبِيعِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُهُ, وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، ففي مسألتنا أن السعر المحدد مسبقاً هو معتبر مع هذا العوض كما سبق تفصيله ومثاله، والعربون لا مجال له في عقد الصرف؛ لأن تقابض كامل الثمن مطلوب في الصرف، ولا يجوز تأخير بعض الثمن لئلا يدخل في ربا النساء. 
 تكييف المسألة على أنها جعالة.
وأرى أن الأقرب إخراج هذا العقد - المعاوضة عن الالتزام ببيع العملات في المستقبل- من باب البيع، ونظمه في سلك الجعالة([29]) التي جوزها الفقهاء، حتى يكون حلاًّ لأكثر المشاكل السابقة؛ لأنه يغتفر في الجعالة من الغرر ما لا يحتمل في غيره، ولأن الجعالة كما يجوز فيها أن يكون العامل غير معين – وهو الأصل- يجوز أن يكون العامل معيناً كما بينه الفقهاء.
قال النووي- رحمه الله-: "وأما العامل فيجوز أن يكون شخصاً معيناً وجماعة، ويجوز أن لا يكون معيناً ولا معينين"([30]).
وقال ابن قدامة- رحمه الله-: "ويجوز أن يجعل الجعل في الجعالة لواحد بعينه فيقول له إن رددت عبدي فلك دينار فلا يستحق الجعل من يرده سواه"([31]). قال في كشاف القناع: "سواء جعله لمعين بأن يقول من تصح إجارته وهو جائز التصرف لزيد مثلاً إن رددت لقطتي فلك كذا فيستحقه إن ردها ولا يستحق من ردها سواه أي سوى المخاطب بذلك"([32]).
فلو قال شخص لزيد: "إن رددت ضالتي فلك كذا.. " أو "إن عملت لي هذا العمل فلك كذا" تكون جعالة صحيحة([33]). ويمكن قياس مسألتنا على هذه الصورة حيث إن مقدم العوض كالجاعل والمؤسسة المالية (الملتزم) بمنزلة العامل في الجعالة، فهنا يقول الجاعل: إن بعتَ لي عملة كذا (دولار مثلاً) مقابل عملة كذا (روبية هندية مثلاً) في تاريخ كذا على سعر كذا (دولار واحد= 60 روبية مثلاً) فلك كذا ... فيقبله الملتزم. فالمؤسسة المالية تستحق المبلغ إذا وفى بالتزامها إزاء العميل.
وكذا تحديد الأجل للعمل في الجعالة جائز عند الحنابلة- وإن كان الأصل أن يكون الأجل مجهولاً؛ لأن الجعالة غالباً تكون على عمل مجهول، فيقتضي أن يكون الأجل أيضاً مجهولاً-؛ لأن العقد إذا جاز مع جهالة الأجل فمع علمه أولى، قال في المغني: "وإن علَّقه بمدةٍ معلومةٍ فقال: من رد لي عبدي من العراق إلى شهرٍ فله دينار، أو مَن خاط قميصي هذا في اليوم فله درهم صح؛ لأن المدة إذا جازت مجهولة فمع التقدير أولى"([34]).
وأما الشرط الآخر الذي اشترطه العلماء وهو وجوب كون العمل في الجعالة مما فيه كلفة ومشقة فهو شرط صحيح؛ لكن التعب والكلفة مما يختلف باختلاف الأحوال والعادات والظروف، وباختلاف الزمان والمكان، فبيع العملة في المستقبل بالسعر المحدد مسبقاً وإن لم توجد فيه كلفة حسية إلا أن فيه كلفة معنوية، وهي كلفة الالتزام وتحمل الضمان طيلة هذه الفترة- والله أعلم.
ولكن هناك - بالنسبة إلى ما يجري في المؤسسات المالية- بعض الموانع الفقهية في إدخاله من الجعالة. الأول: أن الجعالة عقد جائز من الطرفين، قال الدردير- رحمه الله-: "(ولكليهما الفسخ) قبل الشروع في العمل (ولزمت الجاعل بالشروع) فيه دون العامل"([35]).
وقال النووي- رحمه الله-: "ولكل منهما الفسخ قبل تمام العمل فإن فسخ قبل الشروع أو فسخ العامل بعد الشروع فلا شيء له"([36]).
وقال البهوتي- رحمه الله-: "(وهي) أي الجعالة (عقد جائز) من الطرفين قال في الشرح لا نعلم في ذلك خلافاً (لكل واحد منهما) أي من الجاعل والمجعول له المعين (فسخها) متى شاء كسائر العقود الجائزة"([37]).
وفي مسألتنا يختلف الأمر، بل ينعكس تماماً؛ فإن الالتزام لازم من جانب البائع – الملتزم- على الأقل.
ويمكن حل ذلك بأخذ القول بأن الجعالة عقد لازم، قال في منح الجليل: "ولكليهما أي الجاعل والمجعول له الفسخ لعقد الجعالة قبل شروع المجعول له في العمل؛ لأنه جائز على المشهور، وقيل لازم لهما، وقيل: للمجعول له فقط، ولزمت الجعالة الجاعل بالشروع من العامل في العمل"([38]).
فإنه مادام أن من العلماء من ذهب إلى أن الجعالة عقد لازم فلا مانع من الأخذ به خصوصاً فيما فيه مصلحة للأمة.
الثاني: أن العامل – البائع في مسألتنا- لا يستحق الجعل إلا بعد تمام العمل، وهنا يأخذ العوض قبل تمام العمل، حتى ولو لم يتم العمل لا يرده ما أخذ.  قال الرملي- رحمه الله-: "وهي- الجعالة- تفارق الإجارة من أوجه جوازها على عمل مجهول وصحتها مع غير معين وعدم اشتراط قبول العامل وكونها جائزة لا لازمة وعدم استحقاق العامل الجعل إلا بالفراغ من العمل فلو شرط تعجيل الجعل فسد العقد"([39]).
ويمكن حل هذه المشكلة بأن نقول: أن المأخوذ أولاً هو سلفة ومبلغ تحت الحساب، وليس ذلك على سبيل الاستحقاق والملك([40])، ولا يملكه الملتزم إلا بعد الأداء بالتزامه، فإن أخل في تنفيذ التزامه فللمشتري (الذي دفع العوض) الرجوع فيه، وأما إذا كان الذي أخلف الوعد هو المشتري فكذلك، أي لا يستحق البائع ما أخذه على أنه جُعل الجعالة، ولكن له أن يأخذ من المشتري التعويض عن الضرر الحاصل كما قال ابن المسيب وابن سيرين- رحمهما الله-: "لا بأس إذا كره السلعة أن يردها ويرد معها شيئاً"([41]).
وقد ذكر الفقهاء على أن الجاعل (ملتزم العوض) إذا فسخ الجعالة بعد شروع العامل في العمل يستحق أجرة المثل لعمله، قال النووي – رحمه الله-: "ثم إن اتفق الفسخ قبل الشروع في العمل، فلا شيء للعامل. وإن كان بعده، فان فسخ العامل، فلا شيء له؛ لأنه امتنع باختياره ولم يحصل غرض المالك. وإن فسخ المالك فوجهان. أحدهما: لا شيء للعامل كما لو فسخ بنفسه. والصحيح أنه يستحق أجرة المثل لما عمل، وبهذا قطع الجمهور، وعبروا عنه بأنه ليس له الفسخ حتى يضمن للعامل أجرة مثل ما عمل"([42]).
وقال ابن قدامة –رحمه الله-: "لكل واحد منهما الرجوع فيه قبل حصول العمل، لكن إن رجع الجاعل قبل التلبس بالعمل فلا شيء عليه، وإن رجع بعد التلبس به فعليه للعامل أجرة مثله؛ لأنه إنما عمل بعوض، فلم يسلم له، وإن فسخ العامل قبل إتمام العمل فلا شيء له؛ لأنه أسقط حق نفسه حيث لم يأت بما شرط عليه العوض"([43]).
والتزام المصرف أو المؤسسة المالية بهذا البيع – بيع العملات في المستقبل- يعتبر شروعاً في العمل، فيستحق أجرة المثل إذا أخلف الجاعل (ملتزم العوض) وعده بالشراء.
الثالث: ما جاء في الفتح العلي المالك: "إذَا قَالَ لَهُ إنْ بِعْتنِي سِلْعَتَك بِكَذَا فَلَكَ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا أَوْ فَقَدْ الْتَزَمْت لَك كَذَا وَكَذَا فَالشَّيْءُ الْمُلْتَزَمُ بِهِ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الثَّمَنِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتَ مِنِّي سِلْعَةً بِكَذَا فَلَكَ عِنْدِي كَذَا فَالشَّيْءُ الْمُلْتَزَمُ بِهِ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الْمَبِيعِ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطُهُ, وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ"([44]). فهذه العبارة نص في عدم جواز نظم مسألتنا في الجعالة؛ لأن العوض المقدم إذا كان جزء الثمن فلا يجوز ذلك في الصرف لاشتراط قبض العوضين تماماً قبل التفرق من المجلس. وفي مسألتنا يؤخذ بعض الثمن ويؤجل الباقي. والله أعلم بالصواب، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه.
نتائج البحث
1-                أن الحكم على المعاوضة عن الالتزام ببيع العملات في المستقبل متفرغ عن جواز هذا الالتزام؛ لأن هذا الالتزام مادام محرماً فالمعاوضة عنه محرم ولا بد.
2-                إذا كان الالتزام ببيع العملات في المستقبل ملزماً للطرفين- كما هو المعهود في المصارف- فهو بمنزلة العقد؛ لأن العبرة بالمعاني لا بالمباني، ففيه تأخر قبض العوضين في عقد الصرف، وذلك لا يجوز، إضافة إلى ما يكتنفه هذا العقد من الغرر وبيع الكالئ بالكالئ وشبهه بالقمار والعربون في الصرف إلى غير ذلك، فلا يجوز هذا الالتزام ولا المعاوضة عنه.
3-                وأما إذا كان الالتزام غير ملزمٍ للطرفين فلا مانع منه شرعاً؛ لأن المواعدة بالصرف ليست صرفاً، لكن الوعد مادام غير ملزمٍ فكونه متقوماً يعتاض عنه محل نظر، وأرى- والله أعلم- أنه لا يوجد له قيمة مالية حتى يصح الاعتياض عنها.
4-                أرى أن الأقرب نظم هذا العقد - المعاوضة عن الالتزام ببيع العملات في المستقبل- في عقد الجعالة الذي جوزه الشرع، بشرطين: 1- القول بأن عقد الجعالة عقد لازم للطرفين، وهو قول عند المالكية، 2- أن يكون ما يأخذه البائع سلفةً فقط، فعليه أن يرده إلى المشتري إن لم يتم العقد في الوقت المحدد؛ لأن العامل في الجعالة لا يستحق الجعل إلا بعد تمام العمل، وأما إذا كان مشتري الالتزام هو الذي أخلف الوعد فيجوز للبائع أن يأخذ منه التعويض عن الضرر الحاصل .
5-                ما يجري في المصارف حالياًّ من أخذها العوض عن الالتزام ببيع العملات في المستقبل- سواء تم العقد أو لم يتم-لا يجوز إلا بالشروط السابقة في الجعالة؛ لأن الوعد الملزم بمنزلة العقد، ففيه تأخر قبض البدلين في المصارفة والله أعلم.
المراجع والمصادر
1-                الاستذكار، الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري المالكي، تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة الأولى 1421هـ  2000م.
2-                أسنى المطالب في شرح روض الطالب، أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد زكريا الأنصاري السنيكي الشافعي، تحقيق: د. محمد محمد تامر، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1422 ه  2000م.
3-                الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، أبو الحسن علاء الدين علي بن سليمان المرداوي الدمشقي الصالحي الحنبلي، دار إحياء التراث العربي بيروت ــ لبنان، الطبعة الأولى 1419هـ.
4-                بداية المجتهد ونهاية المقتصد، أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الأندلسي المالكي، ملتقى أهل الحديث.
5-                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين الكاساني الحنفي، دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان، 1982م.
6-                التاج والإكليل لمختصر خليل، أبو عبد الله محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري أبو عبد الله المالكي، دار الفكر، بيروت- لبنان، 1398 هـ.
7-                التلقين في الفقه المالكي، أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي، تحقيق: أبو أويس محمد بو خبزة الحسني التطواني، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1425هـ -2004م.
8-                حاشية الجمل على المنهج، الشيخ سليمان الجمل، دار الفكر ، بيروت- لبنان.
9-                الحاوي الكبير، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي الشافعي، تحقيق: علي محمد معوض، عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1414هـ 1994م.
10-          الدر المختار، محمد بن علي بن محمد علي الحصني الدمشقي الحنفي الشهير بالحصكفي، دار الفكر، بيروت- لبنان، 1386هـ.
11-          الذخيرة، شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي المالكي، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب، بيروت- لبنان، 1994م.
12-          روضة الطالبين، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي الشافعي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض، دار عالم الكتب، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى 1423هـ 2003م.
13-          سنن الدارقطني، الحافظ أبو الحسن علي بن عمر أبو الحسن الدارقطني البغدادي، تحقيق: السيد عبد الله هاشم يماني المدني، دار المعرفة، بيروت- لبنان، 1386هـ   1966م.
14-          السنن الكبرى، الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، مجلس دائرة المعارف النظامية الكائنة في الهند ببلدة حيدر آباد، الطبعة الأولى ـ 1344 هـ.
15-          الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي، أبو البركات أحمد بن محمد العدوي، الشهير بالدردير، موقع يعسوب.
16-          شرح معاني الآثار، الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبدالملك الطحاوي، تحقيق: محمد زهري النجار، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1399 هـ.
17-          صحيح البخاري، الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، الطبعة : الأولى 1422هـ
18-          صحيح مسلم، الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان.
19-          الفتاوى الكبرى، شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني الحنبلي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا - مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى 1408هـ  1987م.
20-          فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (فتاوى ابن عليش)، محمد بن أحمد بن محمد عليش المالكي، تحقيق: علي بن نايف الشحود. بدون.
21-          القواعد النورانية الفقهية، شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني الحنبلي، تحقيق: محمد حامد الفقي، مكتبة السنة المحمدية، القاهرة- مصر، الطبعة الأولى 1370هـ 1951م
22-          كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، تحقيق: هلال مصيلحي، مصطفى هلال، دار الفكر، بيروت- لبنان، 1402 هـ.
23-          المستدرك على الصحيحين، الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1411 هـ - 1990م.
24-          مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمد الخطيب الشربيني الشافعي، دار الفكر، بيروت- لبنان، بدون.
25-          المغني، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الدمشقي الحنبلي، دار الفكر – بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1405 هـ.
26-          المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، الحافظ أبو العبَّاس أحمَدُ بنُ أبي حَفْصٍ عُمَرَ بنِ إبراهيمَ الأنصاريُّ القرطبيُّ، بدون.
27-          منح الجليل شرح مختصر خليل، محمد بن أحمد بن محمد عليش المالكي، دار الفكر، بيروت- لبنان 1409هـ  1989م.
28-          منهاج الطالبين وعمدة المفتين، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي الشافعي، دار المعرفة، بيروت- لبنان.
29-          المهذب في فقه الإمام الشافعي، أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي الشافعي، دار الفكر، مكان النشر، بيروت- لبنان.
30-          النتف في الفتاوى، أبو الحسن علي بن الحسين السغدي الحنفي، تحقيق: صلاح الدين الناهي، مؤسسة الرسالة- بيروت، 1404هـ - 1984م.
31-          النكت على مقدمة ابن الصلاح، أبو عبد الله بدر الدين أبي عبد الله محمد بن جمال الدين عبد الله بن بهادر الزركشي، تحقيق: د. زين العابدين بن محمد، أضواء السلف – الرياض، الطبعة الأولى 1419هـ - 1998م.
32-          نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة ابن شهاب الدين الرملي الشافعي.دار الفكر ، بيروت- لبنان، 1404هـ - 1984م.





([1])   صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الورق بالذهب نسيئة، برقم: (2180)، صحيح مسلم، كتاب المساقاة، باب النهي عن بيع الورق بالذهب ديناً، برقم: (1589).
([2])   صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الفضة بالفضة، برقم: (2177)، صحيح مسلم، كتاب المساقاة، باب الربا، برقم: (1584).
([3])   صحيح مسلم، كتاب المساقاة، باب النهي عن بيع الورق بالذهب ديناً، برقم: (1589).
([4])   ينظر: بداية المجتهد (1/499).
([5])   ينظر: المغني (4/192).
([6])   ينظر: المغني (4/192).
([7])   فتح العلي المالك لابن عليش (2/186).
([8])   روضة الطالبين للنووي (3/48).
([9])   ينظر: المغني لابن قدامة (4/192).
([10])   والعربون أن يشتري سلعة من غيره ويدفع إليه مبلغاً على أنه إن أخذ السلعة فهي من الثمن وإلا فهي للمدفوع إليه مجاناً، وهذا محرم عند الحنفية والمالكية والشافعية، وجوزه الحنابلة، يراجع: النتف في الفتاوى (1/472)، التاج والإكليل (4/369)، التلقين (2/153)، روضة الطالبين (3/65)، نهاية المحتاج (3/476)، الإنصاف (4/258)، كشاف القناع (3/195)، وذهب إلى جوازه بعض المجامع الفقهية- كمجمع الفقه الإسلامي بجدة، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية وكذا أكثر الفقهاء المعاصرين رعاية للمصلحة والحاجة الماسة في الأوساط المالية.
([11])   فقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع للمنظمة قرار رقم (76/3/د8): "المراد ببيع العربون بيع السلعة مع دفع المشتري مبلغاً من المال إلى البائع على أنه إن أخذ السلعة احتسب المبلغ من الثمن وإن تركها فالمبلغ للبائع ... ويستثنى من البيوع كل ما يشترط لصحته قبض أحد البدلين في مجلس العقد (السلم) أو قبض البدلين (مبادلة الأموال الربوية والصرف).
([12])   أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب البيوع، باب ما جاء في النهي عن بيع الدين بالدين برقم: (10842) (5/290)، والحاكم في المستدرك، كتاب البيوع، برقم: (2342)، (2/65)، والدارقطني في سننه، كتاب البيوع، برقم: (269)، (3/71)، والطحاوي في شرح معاني الآثار، برقم: (5132)، (4/21)، وصححه الحاكم على شرط الشيخين، وقال الذهبي: "صحيح على شرط مسلم"، ولكن التصحيح مبني على أن الراوي هو موسى بن عقبة، وهو وهم، والصواب موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف، كما بينه المحققون، قال البيهقي: "موسى هذا هو ابن عبيدة الربذي، وشيخنا أبو عبدالله قال في روايته عن موسى بن عقبة وهو خطأ، والعجب من أبي الحسن الدارقطني شيخ عصره روى هذا الحديث في كتاب السنن عن أبي الحسن علي بن محمد المصري هذا، فقال: عن موسى بن عقبة"، إلا أن الحديث يقويه إجماع الأمة على تحريم بيع الدين بالدين، وتلقي الأمة الحدي بالقبول يغني عن صحة الإسناد، كما ذكره أئمة أصول الحديث: قال الزركشي في النكت على مقدمة ابن الصلاح (1/390): "إن الحديث الضعيف إذا تلقته الأمة بالقبول عمل به على الصحيح حتى إنه ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ المقطوع، ولهذا قال الشافعي في حديث "لا وصية لوارث" إنه لا يثبته أهل الحديث ولكن العامة تلقته بالقبول وعملوا به حتى جعلوه ناسخاً لآية الوصية للوارث".
([13])   ينظر: المغني (4/186).
([14])   فتوى (29) من الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية (1/51) بيت التمويل الكويتي (1/51)، وقد جاء مثله في الفتوى (359) من بيت التمويل الكويتي أيضاً: ففيها: "مثل هذه المعاملة تعتبر وعداً بالبيع فإن نفذاه على الصورة الواردة في السؤال فلا مانع شرعاً، وزيادة لإيضاح هذه المسألة: إن تنفيذ هذا الوعد على الصورة الواردة يكون مشروعاً، ولكن إذا اقترن الوعد بما يدل على أنه عقد بيع بأن دفع بعض الثمن دون البعض فيكون من قبيل بيع الكالئ بالكالئ (المؤجل بالمؤجل) وهو ممنوع مطلقاً ولاسيما في عقد الصرف الذي يشترط لصحته تقابض كلا البدلين في مجلس العقد ويعتبر اشتراط التأجيل مفسداً له عند جميع الأئمة".
([15])   بدائع الصنائع (6/62).
([16])   الذخيرة (5/478).
([17])   بدائع الصنائع (6/62).
([18])   الدر المختار (4/571).
([19])   المهذب (1/258).
([20])   المغني (4/130).
([21])   أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البيوع، باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر، برقم: (1513)، (3/1153).
([22])   الاستذكار (6/454).
([23])   شرح مسلم (3/1153).
([24])   ينظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (14/16).
([25])   التاج والإكليل (4/288).
([26])   الحاوي (5/124).
([27])   الفتاوى الكبرى (4/18)، القواعد النورانية (1/118).
([28])   سورة المائدة: الآية: (90).
([29])   وقد عرفها ابن عرفة في شرح حدوده (2/316): "عقد معاوضة على عمل آدمي بعوض غير ناشئ عن محله به لا يجب إلا بتمامه"وعرفها الرملي في نهاية المحتاج (5/465): "وهي شرعاً التزام عوض معلوم على عمل معين معلوم أو مجهول بمعين أو مجهول".
([30])   روضة الطالبين (5/279).
([31])   المغني (6/375).
([32])   كشاف القناع للبهوتي (4/203).
([33])   ينظر: مغني المحتاج للشربيني (2/429).
([34])   المغني (6/375)، الإنصاف (6/389)، كشاف القناع (4/205)، وأما المالكية والشافعية فيشترطون في الجعالة عدم تحديد الزمن، قال الدردير في الشرح الكبير (4/63). "(بلا تقدير زمن) ... وإنما ضر تقدير الزمن؛ لان العامل لا يستحق الجعل إلا بتمام العمل، فقد ينقضي الزمن قبل التمام، فيذهب عمله باطلاً، ففيه زيادة غرر وإخراج له عن سنته". وقال الرملي في نهاية المحتاج (5/471): "وعدم تأقيته، فلو قال من رد عبدي إلى شهر فله كذا لم يصح كما في القراض؛ لأن تقدير المدة مخل بمقصود العقد، فقد لا يظفر به فيها، فيضيع سعيه ولا يحصل الغرض"، وينظر أيضاً: التاج والإكليل (10/244)، منح الجليل (16/363)، روضة الطالبين (4/342)، أسنى المطالب (2/440).
([35])   الشرح الكبير للدردير (4/65).
([36])   منهاج الطالبين (1/85).
([37])   كشاف القناع (4/206).
([38])   منح الجليل (8/69).
([39])   نهاية المحتاج (5/466)، حاشية الجمل (7/511).
([40])   فلا يستحقه على أنه جعل العمل؛ لأن اشتراط تعجيل الجعل يفسد العقد، قال في نهاية المحتاج (5/466): "فلو شرط تعجيل الجعل فسد العقد واستحق أجرة المثل، فإن سلمه بلا شرط امتنع تصرفه فيه فيما يظهر".
([41])   المغني (4/58).
([42])   روضة الطالبين (4/340)، وقال في منهاج الطالبين (1/85): "ولكل منهما الفسخ قبل تمام العمل فإن فسخ قبل الشروع أو فسخ العامل بعد الشروع فلا شيء له وإن فسخ المالك بعد الشروع فعليه أجرة المثل في الأصح".
([43])   المغني (6/375).
([44])   فتح العلي المالك (2/186).

مواضيع ذات صلة
الفقه,

إرسال تعليق

0 تعليقات