ادعمنا بالإعجاب

دراسة مقارنة بين رواية ‘ما تبقى لكم’ لغسان كنفاني ورواية ‘الصخب والعنف’ لوليـم فوكـنر

عبد الجليل ت
غسان كنفاني

غسان كنفاني هو الأديب الفلسطيني الشهيد في سبيل حرية وطنه، المناضل بملكاته الفنية ضد القوات الصهيونية، والصحافي الثائر، والرسام الماهر، والكاتب السياسي، والواعي قومه عن القومية والمقاومة، وصاحب مؤلفات عديدة في فنون متنوعة، ودراسات عميقة عن المقاومة الفلسطينية والأدب الصهيوني، على الرغم من حياته القصيرة التي لم تتجاوز على الستة والثلاثين سنة.
وقد نال غسان كنفاني عام 1966 جائزة ‘أصدقاء الكتاب في لبنان’ لأفضل رواية عن روايته ‘ما تبقى لكم’، كما نال جائزة ‘منظمة الصحافيين العالمية (I.O.J)’ عام 1974، ونال جائزة ‘اللوتس’ التي يمنحها اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا عام 1975م[1].  ومن مؤلفاته المشهورة:
روايات:
1.     رجال في الشمس، بيروت، 1963
2.     ما تبقى لكم،  بيروت، 1966.
3.     أم سعد،  بيروت، 1970.
4.     عائد الى حيفا،  بيروت 1970.
5.     الشيء الآخر، صدرت بعد استشهاده، بيروت 1980.
6.     العاشق 1966.
7.     الأعمى والأطرش.
8.     برقوق نيسان 1971-72
 (الروايات الثلاثة الأخيرة غير كاملة نشرت في مجلد أعماله الكاملة)
مجموعات قصصية:
1.     موت سرير رقم 12، بيروت، 1961.
2.     أرض البرتقال الحزين، بيروت، 1963.
3.     عن الرجال والبنادق،  بيروت، 1968.
4.     عالم ليس لنا،  بيروت، 1970.
مسرح:
1.     الباب ومسرحيات أخرى،  بيروت، 1964.
2.     جسر إلى الأبد، 1965.
3.     القبعة والنبي ، 1967 .
الدراسات:
1.     أدب المقاومة في فلسطين المحتلة 1948- 1966، بيروت، 1966
2.     الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال، بيروت، 1968.
3.     في الأدب الصهيوني، بيروت، 1967.
4.     المقاومة ومعضلاتها 1970.
5.     ثورة 36 - 49 في فلسطين، خلفيات وتفاصيل وتحليل، 1972.
راوية ‘ما تبقى لكم’
رواية ‘ما تبقى لكم’ هي الثانية من سلسلة روايات غسان كنفاني. صدرت في عام 1966، العام الذي له دلالته الكبيرة في حياة الشتات الفلسطيني، تحقق فيه ظهور المنظمات الفلسطينية بتشكيلاتها العسكرية الضارية والسياسية المنظمة[2].
وهي أولى الروايات العربية التي تنتمي إلى روايات تيار الوعي، من حيث مضمونها ولغتها وأسلوبها. ولم صدرت قبلها – في العربية – رواية مثلها في الأسلوب واللغة. فهي تناول محاولة الفلسطيني للخلاص من عقدة ذنبه التاريخي – وقوع الأرض الفلسطيني في أيدي الصهيوني وحياة الفلسطيني في المنفى وعدم المحاولة لإعادة وطنه.  فـ‘حامد’ – الشخصية الرئيسية – يحاول لعبور حدود غزة إلى قريته القديمة هادما كل المعوقات التي قامت دون الوصول إلى هدفه، وللخلاص من أخته الدنئة بالحمل ليهودي اسمه ‘زكريا’، أما ‘مريم’ - الشخصية الثانية وأخت ‘حامد’ – تحاول للطهر من دنيئاتها بقتل زوجها النتن ‘زكريا’.
فرواية ‘ما تبقى لكم’ رواية تالية لرواية غسان كنفاني الأولى ‘رجال في الشمس’ التي تصور الحالة النفسية القلقة للشعب الفلسطيني إثر النكبة عام 1948. أما هذه الرواية فهي تصور وعي الشعب الفلسطيني في الستينات، الفترة التي بدأت الأعمال النضالية تنبت في نفوس الشعب وحاولوا للنهوض نحو واجباتهم للوطن.
ويليام كتبيرت فوكنر  William Cuthbert Faulkner:
 هو روائي  أمريكي  وشاعر  وأحد أكثر الكتاب تأثيراً في القرن العشرين. حصل على جائزة نوبل في الأدب عام1949، ونال جائزة بوليتزر في عام 1955 عن حكاية خرافية، وفي عام 1963 عن الريفرز. تتميز أعمال فوكنر بمساحة ملحوظة من تنوع الأسلوب والفكرة والطابع.
واستلهم فوكنر معظم أعماله من مسقط رأسه، ولاية ميسيسبي Mississippi، حيث يعد أحد أهم كتاب الأدب الجنوبي بالولايات المتحدة الأمريكية، وينضم إليه في نفس القائمة مارك توين[3] Mark Twain، ووبرت بين وارين[4]Robert Penn Warren  . وكان فوكنر قليل الشهرة قبل فوزه بجائزة نوبل للأدب لعام 1949، بالرغم من أن أعماله نشرت منذ 1919، وفي عشرينات وثلاثينات القرن العشرين. هذا، ويعتبره البعض الآن أعظم روائي في التاريخ
رواية الصخب والعنف (The Sound and The Fury)
هي الرواية الشهيرة للكاتب الأمريكي وليـم فوكـنر (William Faulkner). وهي التي تعد نموذجا يحتذي به في كتابة الرواية الحديثة أيُّ رواية بداية القرن العشرين حيث ظهرت رواية (اللاوعي). وقد نشرت هذه الرواية في عام 1929م. سماها النقاد بـ ’رواية الروائيين‘ اعتبارا من رائعة البناء والأسلوب فيها.  وهي رواية صعبة للفهم، فتحتاج من القارئ الأناة والمثابرة وإلى حساسية مرهفة لكي يتمكن من تذوقها نظرا لصعوبة تركيبها الفني، فوصفها النقاد المعجزة الخيالية. واستجابة للطلب من القراء كتب لها فولكنر ملحقا بعد ستة عشر عاما من كتابتها، يلخص فيه الأحداث ويرسم شخصيات الرواية بدقة فجاء هذا الملحق قطعة رائعة جديدة؛ فكأن أبطال الرواية مازالوا يعيشون حتى ما بعد قراءة الرواية والانتهاء منها[5].
ويتميز الكتاب من حيث الأساليب وملامح الفترة فيما بين عامي 1920 و 1930 والتي شاعت فيها أساليب عديدة من حيث الأسلوب والشكل، وهي من أهم الفترات التي مرت بتاريخ الرواية لكثرة التجارب ونجاح الكثير منها في فن القصة، وهي أيضا الفترة التي أصبحت فيها نظريات فرويد عن اللاوعي حافزا على معالجة مشاكل النفس الخفية، وبالتالي أخذ الكتاب في الاستفادة منها في فن الرواية خاصة بالتغلغل في نفوس الشخصيات وتصوير أعماقها بما تحتوي من تجارب وحبرات وذكريات وأحلام.
وتدور أحدث الرواية حول عائلة (آل كمبسن:  Compson family) وهم ثلاثة إخوة وأخت تدعى كانديس وأب مشغول بكتبه وشرابه، والأم هي سيدة حريصة على التمسك بالمظاهر الاجتماعية ولكنها دائمة المرض. وفي خدمة العائلة مجموعة من الزنوج. وأحد الإخوة متخلف عقليا، والثاني فظ شرس الأخلاق، أما الثالث فهو طالب في الجامعة مفرط الحساسية، كثير الاهتمام بشرف الأسرة، يحب أخته الوحيدة أشد الحب، ويبذل جهده في العناية بها، وحين يكتشف أنها تعلقت برجل غريب وفرطت في عرضها معه يصيبه هم شديد ويحاول الدفاع عنها أمام أبيه، بعد ذلك،  ويفشل في تحمل صدمة تفريطها في عرضها وإساءة سمعة العائلة فينتحر بإغراق نفسه في النهر بعد أن يمر بمتاعب نفسية عديدة، أما الأخت فيهجرها الرجل ويتزوجها رجل آخر غني لا يلبث أن يطلقها بعد أن اكتشف حملها من غيره، وتضع بنتا تسميها باسم أخيها المنتحر وفاء له، وتترك الطفلة عند أهلها وتهجرهم وتنتقل إلى مكان آخر  وقد ساءت سمعتها، وترسل لأهلها نقودا للصرف على ابنتها فيأخذها الأخ القاسي ويحتفظ بها لنفسه ويدفع منها مصروفا قليلا للصرف على الفتاة التي أخذت تكبر وتفهم. ومع الوقت يزداد هذا الأخ استبدادا بالعائلة كلها، فيراقب الفتاة التي أصبحت فتاة شابة ويسيء معاملتها ويتهمها بالفساد كأمها، ويعمل على إجراء عملية تعقيم لأخيه المتخلف بعد موت أبيه، وينتظر موت أمه ليضع هذا الأخ في مصح عقلي، رغم أنه لم يكن خطرا على أحد، ثم يتخلص من الخادمة الزنجية الأمينة التي كان يكرهها. وقبل ذلك تكون ابنة أخته قد اكتشفت المكان الذي كان يحتفظ فيه بالنقود التي كانت والدتها ترسلها لها، فتقتحم غرفته في غفلة منه وتسرق النقود وتهرب مع ممثل يعمل في السيرك. وتنتهي الرواية بتفكك العائلة وتشتت شملها خاصة وأن الأخ الشرس يبيع البيت لشخص ما يحوله إلى نزل. وحين تنتهي الرواية نجـد الخادمة العجوز تردد: ( لقد رأيت البداية والنهاية ). هذه هي الخطوط الأساسية للقصة والصعوبة في فهمها تأتي من أن المؤلف قسَّمها إلى أربعة أقسام كل قسم يتلوه أحد الإخوة بطريقته،على شكل (مونولوج داخلي) والقسم الأخير يتلوه المؤلف[6].
ومن أهم ما تميزت به هذه الرواية أن فوكنر وضع لهـا حدودا جغرافية، وأرقاما للمساحة وعدد السكان وأوجـد للمقاطعـة عاصمـة وقرى كلهـا من مخيلتـه هو وأسمى هذه الولاية (بوكناباتوفا) وعاصمتها (فرسن) وهي تقع في الجنوب حيث الرق كان لايزال منتشرا. وهو بذلك يريد أن يصور الجنوب على أنه زراعي يعتز شعبه بالشرف بينما الشمال يمثل المادية الآلية ويهدد بالقضاء على تقاليد الجنوب العريقة .
وقد نال فوكنر جائزة نوبل عام 1950وهو في الثالثة والخمسين من العمر بعد أن قضى أكثر من ربع قرن في كتابة الروايات والتي أنجز منها عددا يزيد عن العشرين روايةومن بين هذا العدد الكبير من الروايات التي ألفها على مدى أكثر من ربع قرن من الزمن تعد رواية ( الصخب والعنف) هي الأفضل .


تأثير رواية ‘الصخب والعنف’ لوليم فوكنر في رواية ‘ما تبقى لكم’  
تعرضت رواية ‘ما تبقى لكم’ لدراسة مقارنة من عند النقاد البارزين في الأدب العربي والعالمي. وكل من درس هذه الرواية أشار إلى التقارب والتفارق بينها وبين رواية ‘الصخب والعنف’. والكاتب غسان كنفاني هو نفسه يشير إلى تأثير راوية ‘الصخب والعنف’ في رواية ما تبقى لكم، فيقول: "بالنسبة لفوكنر... أنا معجب جدا بروايته ‘الصخب والعنف’. وكثير من النقاد يقولون أن روايتِي ‘ما تبقى لكم’ هي امتداد لهذا الإعجاب بـ ‘الصخب والعنف’، وأنا أعتقد أن هذا صحيح. أنا متأثر جدا بفوكنر، ولكن ‘ما تبقى لكم’ ليست تأثرا ميكانيكيا بفوكنر، بل هي محاولة للاستفادة من الأدوات الجمالية والإنجازات الفنية التي حققها فوكنر  لتطوير الأدب الغربي"[7]
ومن الملاحظات الهامة التي تشير إلى التشابه بين الروايتين، ملاحظات نقدية للناقد والأديب الأردني يوسف سامي اليوسف، فيلاحظ فيهما التشابه في الموضوع والأسلوب واللغة، والتفارق بينهما هو أن رواية وليم فوكنر تصور الموضوع ببعد كوني، في حين أن كنفاني يصور موضوعه في الرواية ببعد محلي ثم يرفع هذا البعد إلى الكوني. يلاحظ سامي اليوسف: "فرواية ‘ما تبقى لكم’ تعالج مثل رواية ‘الصخب والعنف’ الدمار الذي يحل بأسرة معينة. وأن بناء رواية فوكنر يتجه من اللاعقلاني إلى الموضوعي. فإن رواية غسان تأخذ المعنى نفسه، إذ تتجه إلى هي الأخرى من عالم غير متوافق مع العقل نحو عالم عقلاني يبلغه الدارس بالصراع. وفي رواية ‘الصخب والعنف’ اهتمام بالزمن، وتضارب بين زمنين، وبين ساعة ‘كونتين’ المكسورة وبين ساعة ‘دلسي’ المرعبة، كذلك توجد في رواية ‘ما تبقى لكم’ ساعة ‘حامد’ المكسورة وساعة ‘مريم’ المخيفة. وتشترك الروايتان حتى في نزعة حب الأقارب، والفارق بينهما في هذا المضمار هو أن هذا الحب سافر في رواية فوكنر ومخبوء في ألياف غسان. وتشترك الروايتان كذلك في أنهما تتقدمان عالما ملغميا تتمازح فيه عدة قضايا وموضوعات. مع ذلك كله فإن غسان يمتلك خصوصية تحقق له التفرد، وهي أنه استطاع أن يطبق هذه النهاجية على وضع بعينه، أو على موضوع ذي طابع تاريخي. إن رواية فوكنر ذات بعد كلي، أو كوني كما يمكن أن يقال، أبطالها أفكار وحالات نفسية، في حين أن موضوع غسان وأبطاله هو جوانب لضمير شعب بعينه، لا للضمير الإنساني بمفهومه الكوني. وهذا يعني أن فوكنر قد تعامل مع الكوني وكفى، في حين أن غسان قد تعامل مع المحلي ورفعه إلى أفق الكونية من خلال تقديم بطله المقهور كرمز لكل أشكال القهر التاريخي.[8]
والناقدة رضوى عاشور درست رواية ‘ ما تبقى لكم’ من وجهة مقارنة على أساس المشابهة والاختلاف. فبالنسبة للطرف الأول (المشابهة)، فإن الناقدة تستعين بشهادة الكاتب التي يدين من خلالها تأثره الكبير برواية "الصخب والعنف" على وجه الخصوص، وقد سبقت الإشارة إلى هذه الشهادة. فترى الناقدة جانب استفادة غسان كنفاني من ‘الصخب والعنف’ في روايته ‘ما تبقى لكم’: "وتبلغ هذه الاستفادة حدها الأقصى في الفصل الثاني من رواية "الصخب والعنف"، لأنه في هذا الفصل بالذات يقدم لنا تيار شعور ‘كوينتين’ الأخ، وعلاقته بأخته ‘كادي’ وارتباطه الشديد بها، وحمل الأخت بوليد غير شرعي من صديق يحتقره الأخ، كل ذلك نجده وبدرجات متفاوتة في علاقات حامد أخته مريم، ومريم بزكريا (زوجها الخائن) وهذا الأخير بحامد. كما بين غسان لفوكنر بصورة الساعة التي ترمز للزمن"[9].
أما من وجهة الاختلاف بينهما ترى النقادة الاختلاف الكلي في المضمون من حيث فلسفية الموضوع وسياسيته. فتلاحظ: "إلا أن رغم هذا التأثر الشكلي بفوكنر وببعض المضامين، تسجل رضوى عاشور، أن المضمون الكلي للرواية عند غسان كنفاني كان مختلفا، كما أن الدلالات الإيحائية التي تحملها بعض الشخصيات (الساعة مثلا) تتباين تباين الرؤية التي ينطلق منها الكاتبان: فإذا كان فوكنر يتناول مادته من الزاوية النفسية والفلسفية أساسا، فإن غسان كنفاني في ‘ما تبقى لكم’ يتناول مادته من الزاوية السياسية أساسا. وما العلاقات النفسية التي تلعب الدور المحوري في روايته إلا تجسيد وانعكاسات لدلالات الرواية سياسيا وتاريخيا في الواقع الفلسطيني"[10].
فتأتي الناقدة بأدلة لهذا الاختلاف بينهما: "فإن الساعة – النعش لا توحي إطلاقا بالزمن كحركة عابثة ولكن ترتبط بالسيطرة الخانقة للماضي عن الفلسطيني. إن ساعة فوكنر هي، في قول والد كوينتين "مقبرة كل الآمال"، أما ساعة كنفاني فهي مقبرة العجز الناتج عن الارتباط بماضي مهزوم وجريح. وحين يكسر كوينتين ساعته فهو يقوم بتحصيل حاصل، أي يؤكد ما يعتقده بالرمز؛ أما حامد حين يلقي بساعته في الصحراء فهو يلقي وراء ظهره بقيود الماضي الذي يؤكد له عجزه وهزيمته لكي ينطلق بعد ذلك ويتقدم في رحاب الحياة والفعل [...]. إن كونتين هو نقيض حامد، ففي حين تغلق دائرة اليأس حول الأول دافعة إياه للانتحار، فإن الأخير ينفلت من دائرة الموت معلنا حبه للحياة وتشبثه بها[11].
ويلاحظ الأديب والناقد جبرا إبراهيم جبرا من مقارنة بين الروايتين: "ومن الواضح أن غسان كنفاني في اتجاهه التجريبي هذا كان متأثرا إلى حد بعيد بإنجازات الرواية الأوروبية الأمريكية في الثلث الأول من هذا القرن (القرن العشرين)، وخاصة برواية ‘الصخب والعنف’ للكاتب الأمريكي ويليام فوكنر  التي أطلق عليها بعض النقاد ‘رواية الروائيين’"[12]
أما الناقد فيصل دراج يلاحظ سلبية تأثير رواية ‘الصخب والعنف’ في رواية ‘ما تبقى لكم’، ففي رأي الناقد أن هذه المحاولة من غسان كنفاني لإيجاد معادلة فنية في رواية ‘ما يتبقى لكم’ لما في رواية وليم فوكنور في ‘الصخب والعنف’ كبناء تتحرك فيه الشخصيات والأحداث والأزمنة والأمكنة بشكل متداخل، تجعل هذا العمل غير مقبولا، لعدم تناسب الموضوع مع التقنية المتبناة. فيقول: تبدأ الرواية سطورها الأولى بالغروب وتنتهي في سطورها الأخيرة بالشروق، ليلة واحدة تعيد بناء المصائر. سواء أخذ غسان بتقنية ‘تيار الوعي’ أو بمنطلق الزمن النفسي، فإن ذلك لا يغير من الأمر شيئا، بل يبرهن عن انخلاع الشكل عن المضمون، عن كتابة مأزومة لم تعثر على شكلها بعد.  فبين الغروب والشروق زمن مستقيم، غائي وواضح في غايته. وكان على الرواية كي تعطي قولها، بدون ارتباك، أن تأخذ بمنطق الزمن المستقيم، عوض أن تمثل إلى غواية "الصخب والعنف" وتأخذ بتقنية لا توافق موضوعها".[13] 
وعلى كل حال أن رواية ‘ما تبقى لكم’ قد أخذت من رواية ‘الصخب والعنف’ الشيء الكثير من الأسلوب وتقنية السرد والمضمون، ولكن غسان كنفاني عرض هذا الموضوع في طابع شعبي فلسطيني وفي بعد تاريخي وسياسي محلي في حين أن وليم فوكنر عرضه في طابع نفسي وفي بعد فلسفي كوني. وإلى هذا تشير الدراسات السابقة عن المقارنة بين الروايتين، وأيضا قول الناقدة رضوى عاشور :"أن الرؤية لدى كل من غسان كنفاني ووليام فوكنر مختلفة ومتباينة. أما التأثر فهو تأثر شكل فحسب... بمعنى أن غسان في ‘ما تبقى لكم’ استطاع أن يقول قولا فلسطينيا، لكن بأسلوب وتكنيك جديد وطليعي" [14].
المراجع:
1.       جبرا إبراهيم جبرا، الصخب والعنف: مقدمة توضيحية، دار الآداب للملايين، بيروت، ط: 2، 1979.
2.       رضوى عاشور. الطريق إلى الخيمة الأخرى، دراسة في أعمال غسان كنفاني.بيروت: دار الآداب، 1981.
3.       سعيدة مير حق جولنكرودي وفاطمة علينزاد جمازكتي: دراسة في رواية ‘ما تبقى لكم’ لغسان كنفاني
4.       فيصل دراج: دلالات العلاقة الروائية، مؤسسة عيبال للدراسة والنشر، ط:1، 1992.
5.       كنفاني، غسان، رجال في الشمس (مقدمة)، المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء، المغرب، ط:2، 1980م.
6.       المصطفى عمراني. مناهج الدراسات السردية وإشكالة التلقي- روايات غسان كنفاني نموذجا. المجلد 1. عمان: عالم الكتب الحديث، 2011.
7.       مقالة عن  رواية ‘الصخب والعنف’ في موقع www.ar.wikipedia.org
8.     وجدان، جسد الثقافة (aljsad.net) 30 / 07/ 2003
9.     وسف سامي اليوسف. غسان كنفاني؛ رعشة المأساة.المجلد 1. الأردن: دار المنارات للنشر، 1985.




[1] . كنفاني، غسان، رجال في الشمس (مقدمة)، المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء، المغرب، ط:2، 1980م.
     2]     سعيدة مير حق جولنكرودي وفاطمة علينزاد جمازكتي: دراسة في رواية ‘ما تبقى لكم’ لغسان كنفاني
[3]  مارك توين: (Mark Twain) اسمه الحقيقي ‘صمويل لانغهورن كليمنس’ (Samuel Langhorne Clemens) هو كاتب أمريكي ساخر ولد في 30 نوفمبر 1835 ومات في يوم 21 أبريل 1910، عرف برواياته مغامرات هكلبيري فين (1884) التي وصفت بأنها "الرواية الأمريكية العظيمة"ومغامرات توم سوير (1876) وقد نقلت عنه الكثير من الأقوال المأثورة والساخرة.
[4]  روبرت بن وارن (15 سبتمبر 1989 24 أبريل 1905) هو الشاعر والروائي والناقد الأدبي الأمريكي وكان واحدا من مؤسسي النقد الجديد. أسس مجلة أدبية مؤثرة ومراجعة الجنوبية مع Cleanth بروكس في عام 1935. حصل على جائزة بوليتزر للرواية 1947 عن روايته كل رجال الملك (1946) وجائزة بوليتزر للشعر عام 1958 وعام 1979. وهو الشخص الوحيد الذي فاز بجوائز بوليتزر عن كل من الخيال والشعر.
[5]  وجدان، جسد الثقافة (aljsad.net) 30 / 07/ 2003
[6]  مقالة عن  رواية ‘الصخب والعنف’ في موقع www.ar.wikipedia.org
[7]  المصطفى عمراني. مناهج الدراسات السردية وإشكالة التلقي- روايات غسان كنفاني نموذجا. المجلد 1. عمان: عالم الكتب الحديث، 2011، ص: 83
[8]  وسف سامي اليوسف. غسان كنفاني؛ رعشة المأساة.المجلد 1. الأردن: دار المنارات للنشر، 1985، ص: 40
[9]  المصطفى عمراني: 200
[10]  المصطفى عمراني، ص: 201
[11]  رضوى عاشور. الطريق إلى الخيمة الأخرى، دراسة في أعمال غسان كنفاني.بيروت: دار الآداب، 1981، ص: 85-86
[12]  جبرا إبراهيم جبرا، الصخب والعنف: مقدمة توضيحية، دار الآداب للملايين، بيروت، ط: 2، 1979، ص:15
[13]  فيصل دراج: دلالات العلاقة الروائية، مؤسسة عيبال للدراسة والنشر، ط:1، 1992، ص: 184-185
[14]  المصطفى عمراني، ص: 201

مواضيع ذات صلة
الأدب العربي العالمي,

إرسال تعليق

0 تعليقات