ادعمنا بالإعجاب

مبادئ التربية الإسلامية ومزاياها



محمد شافع . في . ك. الولمكي (الباجث بجامعة كليكوت تحت إشراف الدكتور عبد المجيد إي . الأستاذ المساعد في القسم العربي بجامعة كاليكوت)
بسم الله الرحمن الرحيم
  مقدمة :
الإسلام دين البشرية ، وهولا لعصر من العصور ولا لجيل من الأجيال،  وإنما هو للبشرية جمعاء والعصور المتتالية إلى يوم القيامة . وللشريعة الإسلامية نظرية خاصّة في جميع مراحل الحياة الإنسانية، ولها مناهج ممتازة في جميع نواحي الحياة البشرية، ولم تترك جانبا من جوانب الحياة إلا وقد أرشدت الناس إليه ودلّتهم عليه. ومن فضل هذه الشريعة السمحة البيضاء على البشرية أن جاءتها بمنهاج شامل قويم في تربية النفوس ، وتنشئة الأجيال ،وتكوين الأمم، وبناء الحضارات ،وإرساء قواعد المجد والثقافة والمدنية  وما ذاك إلا لتحويل الإنسانية التائهة من ظلمات الشرك والجهالة والضلالة إلى نور التوحيد والعلم والهدى والاستقرار ،ولا تضعف جدية هذه الشريعة أمام أيّ حقيقة من الحقائق العلمية الحديثة  في أيّ بلد متمدن أو لدى أي جيل محتضر لأنها من حكيم حميد لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها تنزيل من حكيم حميد.        
ويكفي شريعة الإسلام فخرا وتِيها أن شهد الخصوم بنمائها واستمرارها ، واعترف الأعداء بحويتها وخلودها، واعترف النابهون والمثقفون حتى من غيرالمسلمين بشموليتها ووسعتها. وإليكم طائفة من أقوالهم  وطاقة من أريج مدحهم وطيب ثنائهم ، لتعرفوا ماذا يقول المنصفون من غير المسلمين عن رسالة الإسلام الخالدة وتعاليمه السامية ؟          
* نقل الأستاذ (غوستاف لوبون ) عن الأستاذ (ليبري) قوله " لو لم يظهر العرب   على مسرح الحياة لتأخرت نهضة أوربا الحديثة عدة قرون ".           .   
* وقال (لين بول ) في كتابه (العرب في أسبانيا ) " فكانت أوربا الأمية تزخر بالجهل والحرمان بينما كانت الأندلس تحمل إمامة العلم ، وراية الثقافة في العالم ".              
*وقال (إلياس أبوشبكة )في كتابه (روابط الفكر والروح بين العرب والفرنجة )" إن زوال الحضارة العربية كان شؤما على إسبانيا وأوربا ،فالأندلس لم تعرف السعادة  إلا في ظل العرب ،وحالما ذهب العرب حلّ الدمارمحل الثراء والجمال والخصب "      
* وقال (سيديلوت )" كان المسلمون في القرون الوسطى منفردين في العلم والفلسفة والفنون ،وقد نشروها  أينما حلّت أقدامهم وتسربت عنهم إلى أوربا ، فكانوا سببا لنهضتها وارتقائها "                                                                               
*والكثير من المثقفين يعلمون شهادة الفيلسوف الإنكليزي المشهورة (برنادشو)، اسمعوا إلى ما يقوله بالحرف الواحد  " لقد كان دين محمد موضع تقدير سام لما ينطوي عليه من حيوية مدهشة ،وإنه الدين الوحيد الذي له ملكة الهضم لأطوارالحياة المختلفة ، وأرى واجبا أن يدعى محمد " منقذ الإنسانية "، وإن رجلا كشاكلته إذا تولى زعامة العالم الحديث لنجح في حل مشكلاته...." .[1]
فهذه الأقوال ،وأقوال غيرها ،تعطي لكل ذي فهم وبصيرة البرهان تِلْوَالبرهان على ما انطوى عليه نظام الإسلام من قوة دفع حضارية ،ومبادئ تطويرية شاملة ،وتعاليم خالدة .
هكذا للشريعة الإسلامية وجهة خاصة بينة ظاهرة إلى جانب التربية .وأما التربية فقد عرفها الفقهاء بأنها : تنشئة الولد حتى يبلغ التمام والكمال شيئا فشيئا ، وهذه التنشئة لابد أن تكون ذات أبعاد أخلاقية، واجتماعية، ونفسية ،وعقلية، وجسدية،فهي العملية التي تسمح للكائن الإنساني  بتنمية قدراته الجسمية والعقلية وكذلك عواطفه الاجتماعية والأخلاقية بهدف تحقيق مهمته كإنسان فهي أيضا من المهمات الاجتماعية ،فإن الأبناء هم النعمة التي وهبها الله لنا ،وهم رجاؤنا ورجاء بلادنا ،وقوام مستقبلها وهم أمانة في أيدينا وغرس كدّنا ما نزرعه فيهم نجنيه منهم وما نربيهم عليه ونبثه فيهم من قيم ومبادئ يساهم في تكوين شخصياتهم العبقرية فإن الأبناء يولدون صفحة بيضاء فما ينقش عليها الآباء والأمهات من قيم ومبادئ يؤثر فيهم تأثيرا بالغا لا ينكره ذو عقل سليم .
أهداف التربية الإسلامية :  
وتهدف التربية الإسلامية إلى إعداد الإنسان الصّالح الفاضل ذي الخلق الكريم، والعزيمة القوية، القادر على التلاؤم مع حياة المجتمع الذي ينتمي إليه، وممارسة دوره النافع فيه، وهو الذي يكون بحق خليفة الله في هذه الأرض، لذلك ينبغي أن يكون هذا الإعداد شاملا لجميع جوانب الحياة لأن الأصل في التربية أن تكون شاملة لحياة الطفل في جوانبها كافة الخاصة والعامة، غير أنها أضحت عند بعض المربين في الأيام الراهنة مقتصرة على بعض الجوانب فحسب، وابتعد أكثر المربين عن منهجية الإسلام في التربية ومع ذلك وقدعجزت النظريات التربوية الحديثة المفسرة لسلوك الطفل عن الوصول به إلى المستوى التربوي والأخلاقي المتوقع منها، وظهر من يردد عبارات الغرب وتجاربهم المؤقتة بدعوى التقدم والمدنية وتحرير الطفل من سلطة الوالدين، فكان لابد من عرض موجز لمزايا النهج التربوي الإسلامي الذي ينبغي على المربين إتباعه وبيان للسياسات التربوية الخاطئة التي يتبعها بعض المربين مع أولادهم، وبيان الرأي الإسلامي فيها .
وكما نعلم جيدا إن النصوص وحدها لا تصنع شيئا ، وإن المصحف وحده لا يعمل حتى يكون رجلا ،وإن المبادئ وحدها لا تعيش إلا أن تكون  سلوكا . ومن ثم جعل محمد صلى الله عليه وسلم هدفه الأول أن يصنع رجالا لا أن يلقي  مواعظ،وأن يصوغ ضمائر لا أن يدبّج خطبا ،وأن يبني أمة لا أن يقيم فلسفة .ومن أراد أن يعرف شيئا عن تربية الرعيل الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ومن جاء بعدهم بإحسان ،فاليستقرئ  التاريخ ليسمع الكثير عن جليل مآثرهم  وكريم فضائلهم .  فهل عرفت الدنيا أنبل منهم وأكرم ،أوأرأف أو أرحم،أو أجلّ أو أعظم ،أو أرقى أو أعلم؟!  ويكفيهم شرفا وفخرا وخلودا أن يقول القرآن العظيم في حقهم: (محمد رسول الله والذين معه أشدّاء على الكفّاررحماء بينهم تراهم رُكّعا سُجَّدًا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ( . [2]
فالتربية الإسلامية  تمثل المنهج الذي يحقق التطبيق الفعلي للتشريع الإسلامي ،لأن الإسلام ليس جانباعلميا فقط  بل يهدف على التطبيق العملي والعلم وسيلة لتحقيق الجانب التطبيقي الصحيح الذي يرسم للإنسان  سبيل الهدى الذي جاء به جميع الأنبياء والمرسلين وآخرهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه جل وعلا ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم  يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة  وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)[3]  فعلم النبي أصحابه ورباهم فأحسن تربيتهم  حتى وصلوا  إلى أعلى قمة التفوق التربوي ،فكانوا يؤثرون على  أنفسهم ولو كان بهم خصاصة كما وصفهم الله تعالى " (والذين تبوّءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة ممّا أوتوا  ويُؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون )[4]  . وبهذه البعثة النبوية المباركة وبالمنهج التربوي النبوي الذي تربى عليه الصحابة رضي الله عنهم تغير مجرى التاريخ وأنقذ الله على يديه أمما ومجتمعات أنهكتها الحروب ودمرتها الرذائل وبدّدتها الشحناء والبغضاء وانحدر تفكيرهم إلى أن عبدوا مالا يسمع ولا يعقل .  
وبعد وفاة الرسول (صلعم) قام الصحابة  بالدورالمنوط بهم من توجيه وإرشاد جيل التابعين وربوهم التربية الجادة التي أظهرت منهم علماء وقادة البشرية نحو الحق والصواب حتى أصبحت سيرهم ومنهجهم يعد مصدرا تربويا لأجيال اليوم. ثم جاء التابعون من بعد الصحابة فبذلوا الجد والجهد وظهر تأثيرهم التربوي على الأجيال التي يحكيها لنا التاريخ وكتب السير والأعلام . ثم بدأت التربية  بعد العصور الثلاثة المفضلة  بين مد وجزر ،ولكن لم تخل حقبة زمنية من التاريخ الإسلامي من حفاظ على قوام التربية الإسلامية  وإن اختلفت من حيث الثبات وسعة الانتشارفي المجتمعات الإنسانية . وأما فيما يختص بتاريخ تدوين التربية الإنسانية والتأليف فيها كفن له أسسه ومنهجه ،فإن القرآن الكريم فالسنة النبوية القولية والفعلية والتقريرية تمثل لنا الأساس المرجعي في ذلك. فالقرآن الكريم قد بين لنا المنهج الذي ينبغي أن نربي عليه أنفسنا وأهلينا كما تضمن القرآن نماذج من الأساليب التربوية المتعددة كأسلوب القصة والموعظة والحوار والعبرة والقدوة وتضمن أيضا على ما يجلب للإنسان    السعادة الأبدية والنعمة السرمدية ووضح للبشرية ما تحتاج إليه في أمور معاشها ومعادها  كما تضمنت السنة النبوية المطهرة المنهج النبوي المتكامل المتمثل في حياة الرسول مع أهله في بيته ومع أقاربه ومع أصحابه ومع جيشه ومع الوفود التي تقدم إليه ومع أعدائه وفي الجوانب العقدية والتعبدية والخلقية والعلمية وفي غيرها .كماتضمنت الأساليب التربوية كالعبرة والقصة والموعظة والترغيب والترهيب والحوار وغير ذلك من الأساليب التربوية المتعددة المتنوعة .
مفهوم التربية :
يقتضي مصطلح التربية دلالات لغوية متعددة ،تشير جميعها إلى ما ينبغي أن تتضمنه العملية التربوية من أنشطة كما يتضح مما يلي :
1)   الإصلاح : يقال رب الشيئ إذا أصلحه، والإصلاح قد لا يقتضي الزيادة ،وإنما التعديل والتصحيح .
2)    النماء والزيادة : ربا يربو بمعنى زاد ونما وفي هذ المعنى قوله تعالى "وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج[5]  ورب المعروف والصنيعة والنعمة  أي نماها وأتمها وأصلحها  .[6]
3)   نشأ وترعرع : ربي يربى على وزن خفي يخفى  أي نشأ وترعرع .        
4)   السياسة : من رباه أي  ساسه وتولى أمره  : يقال ربيت القوم  أي سستهم  معناه  كنت فوقهم ومنه قول أحدهم " لأن يربني فلان أحب إلي من أن يربني فلان ".
5)     التعليم : قال ابن منظور: الرَّبَّانِيُّ من الرب بمعنى التربية 
وقال ابن أعرابي :   الرباني هو المعلم الذي يغذوالناس بصغارالعلوم قبل كبارها .    
ويتضح من خلاصة هذه التعريفات اللغوية أن التربية تدور حول الإصلاح والقيام بأمر المتربي ،وتعهده ورعايته بما ينميه وأن المفهوم التربوي مرتبط بجميع تلك المعاني.
التربية في القرآن الكريم:  
      وقد وردت كلمة "التربية " وبعض مشتقاتها في القرآن المجيد بمعان متقاربة  منها مايلي
1)   الحكمة  والعلم والتعليم :  منها قوله تعالى :( ولكن كونوا ربانيين  بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) [7] قال ابن عباس رضي الله عنه أي حكماء علماء حلماء .
2)   الرعاية : كما قال الله تعالى "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" [8] ، وقال فرعون لموسي في قوله تعالى " ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين  " [9]أي أما أنت الذي ربيناه فينا  وهذا يدل على أن من مدلولات التربية  الرعاية والعناية .
التربية في الاصطلاح :
      قال البيضاوي : الرب في الأصل بمعنى التربية وهي تبليغ الشيئ إلى كماله شيئا فشيئا. وقال الراغب الأصفهاني : الرب في الأصل  التربية  وهو إنشاء الشيئ حالا فحالا إلى حد التمام .  ويمكن تعريف التربية بأنها تنشئة الإنسان شيئا فشيئا في جميع جوانبه ابتغاء سعادة الدارين وفق المنهج الإسلامي .وأن هناك مصطلحات تربوية كثيرة بعضها مرادفة لكلمة التربية وأخرى تؤدي بعض معناها  يجدها القارئ في  كتب التربية الحديثة أو ضمن كتب التراث ويمكن  إيضاح بعض منها فيما يلي :                        
1)   الإصلاح : وهو ضد الفساد، وقوبل في القرآن الكريم تارة بالفساد وتارة بالسيئات قال تعالى:خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا "[10]  وقال تعالى " ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها" [11] والإصلاح يقتضي التعديل والتحسين ولكن لايلزم منه النماء والزيادة فهو إذا يؤدي جزء من مدلول التربية .
2)   التأديب : الأدب الذي يتأ دب به الأديب من الناس ،وسمي أدبا لأنه يأدب الناس إلى المحامد وينهاهم عن المقابح، يقال أدبته من باب ضرب أي علمته رياضة النفس ومحاسن الأخلاق ، قال أبو زيد الأنصاري " الأدب يقع على كل رياضة محمودة يتخرج بها الإنسان من الفضائل ،والتأديب يتضمن الإصلاح والنماء.
                       أنواع التربية :                                             
  وهي في الأصل عبارة عن نقل الحضارة من جيل إلى جيل حتى يظل الإنسان في المستوى الرفيع الذي وصل إليه .ويتمثل هذا المستوى في الآداب، والعلوم،والفنون ،والصناعات ،التي بلغ من اتساعها وانتشارها أن أصبح من المستحيل على شخص واحد أن يحيط علما بكافة هذه الفروع من الحضارة . ونمكن أن نقسم التربية باعتبار مضمونها وأغراضها إلى عدة أنواع ومن أهمها مايلي:
 التربية الإيمانية : والمقصود بالتربية الإيمانية ربط الولد منذ تعقله بأصول الإيمان  وتعويده منذ تفهمه أركان الإسلام وتعليمه من حين تمييزه مبادئ الشريعة الغراء   السمحاء . فإن الطفل حين يولد يولد على فطرة التوحيد ،وعقيدة الإيمان بالله ،وعلى أصالة الطهروالبراءة، فإذا تهيأت له التربية المنزلية الواعية ،والخلطة الاجتماعية الصالحة ،والبيئة التعليمية المؤمنة  نشا الولد - لاشك – على الإيمان الراسخ والأخلاق الفاضلة والتربية الصالحة .وهذه الحقيقة من الفطرة الإيمانية قد قررها القرآن الكريم وأكدها النبي صلى الله عليه وسلم وأثبتها علماء التربية والأخلاق .أما القرآن الكريم فقد قررها بقوله تبارك وتعالى " فطرت الله التي فطر الناس عليها " [12] أمّا الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أكدها بقوله " كل مولود يولد على الفطرة ،فأبواه يهوّدانه  ،أوينصّرانه أو يمجّسانه" [13]. وأما علماء التربية والأخلاق فقد أثبتوها بوضوح ومنها ما قرره الإمام الغزالي رحمه الله  في تعويد الولد خصال الخير أو مبادئ الشر باعتبار قابليته وفطرته يقول " والصبي أمانة عند والديه ،وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ،فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة ،وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك ...وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق".
التربية  الخلقية :  ويراد بالتربية الخلقية مجموعة المبادئ الخلقية ،والفضائل السلوكية والوجدانية التي يجب أن يتلقنها الطفل ويكتسبها ويعتاد عليها منذ تمييزه وتعقله إلى أن يصبح مكلفا وإلى أن يتدرج شابا وإلى أن يخوض خضمّ الحياة . فالطفل منذ نعومة أظفاره حين ينشأ على الإيمان بالله ،ويتربّى على الخشية منه، والمراقبة له، والاعتماد عليه ، والاستعانة به ،والتسليم لجنابه فيما ينوب ويروع ......  تصبح عنده الملكة الفطرية ، والاستجابة الوجدانية لتقبل كل فضيلة ومكرمة والاعتياد على خلق فاضل كريم لأن الوازع الديني الذي تأصل في ضميره ،والمراقبة الإلهية التي ترسخت في أعماق وجدانه ،والمحاسبة النفسية التي سيطرت على تفكيره وإحساساته ...كل ذلك بات حائلا بين الطفل وبين الصفات القبيحة والعادات الآثمة المرذولة ،والتقاليد الجاهلية الفاسدة . بل إقباله على الخير يصبح عادة من عاداته ،وتعشقه المكارم والفضائل يصير خلقا أصيلا من أبرز أخلاقه وصفاته . روى الترمذي عن أيوب بن موسى عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مانحل والد ولدا من نُحْلٍ أفضل من أدب حسن "   ويؤخذ من هذا أن على المربين – ولاسيما الآباء والأمهات – مسؤولية كبرى في تأديب الأولاد على الخير ،وتخليقهم على مبادئ الأخلاق .         
  التربية الجسمية : والمقصود بها مجموعة من المبادئ الجسمية والصحية التي يجب أن يتعلمها الأطفال منذ صغرهم لينشؤوا على خير ما ينشؤون عليه من قوة الجسم ، وسلامة البدن ،ومظاهر الصحة والحيوية والنشاط . وقد تتابعت الوصايا الإلهية والنبوية إلى حفظ الأجسام والصحة وتنمية القوة الجسدية.  ومن ذلك مارواه البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد"  وما في الصحيحين  من حديث أبي هريرة (ر) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لايوردنّ ممرض على مُصحّ ".  وبناء على هذه القاعدة وجب على المربين – ولاسيما - الأمهات – أن يرشدوا أولادهم إلى التقيد بالتعاليم الصحية والوسائل الوقائية في الحفظ على صحة الولد وتنمية قوته الجسدية وعليهم كذلك أن يستعينوا بالمختصين فيما يجب اتخاذه لوقاية الجسم من الآفات المرضية والأمراض السارية .فإذا كان أكل الفواكه فجة تؤذي الجسم وتسبب المرض فعلى المربين أن يرشدوا الأولاد إلى أن يعتادوا أكل الفواكه ناضجة . وإذا كان أكل الخضار والثمار قبل غسلها يؤدي إلى آفات مرضية  فعلى المربين أن يرشدوا الأولاد إلى أن يعتادوا أكل الخضار والثمار بعد غسلها .  وإذا كان إدخال الطعام على الطعام يسبب أمراضا في المعدة وفي جهاز التنفس وجهاز الهضم فعلى المربين أن يرشدوا الأولاد إلى أن يعتادوا الطعام في أوقات مخصوصة . وإذا كان تناول الطعام باليدين قبل غسلهما يؤدي إلى انتشار المرض فعلى المربين أن يرشدوا الأولاد إلى تطبيق هدي الإسلام في غسل اليدين قبل الطعام وبعده. وإذا كان النفخ في الإناء وفي الملعقة يؤدي إلى أضرار جسمية فعلى المربين أن يمنعوا أولادهم عن هذه العادة المؤذية .وهكذا حينما يأخذ المربون  بمثل هذه التعليمات الطبية ويعودوا أولادهم على التقيد بهذه الإرشادات الصحية  فلا شك أن الأولاد ينشؤون على الصحة الكاملة ويترعرعون على سلامة الجسم وقوة البدن وظاهرة الحيوية والنشاط.
 التربية العقلية :  
   المقصود بالتربية العقلية تكوين فكرالولد بكل ما هو نافع من العلوم الشرعية ،والثقافة العلمية والعصرية ،والتوعية الفكرية والحضارية  .....  حتى ينضج الولد فكريا ويتكون علميا وثقافيا .ومن الواجب التعليمي الذي يجب أن يحرص عليه المربون والمعلمون والآباء هو التركيز في الدرجة الأولى على تعليم الأولاد – وهم في سن التمييز- تلاوة القرآن المجيد ،والسيرة النبوية وكل ما يحتاجون إليه من العلوم الشرعية وبعض القصائد الأدبية وأمثال العرب امتثالا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الطبراني: "أدبوا أولادكم على ثلاث خصال : حب نبيكم وحب آل بيته وتلاوة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل عرش الله يوم لاظل إلا ظله " فانطلاقا من هذا الأمرالنبوي حرص المسلمون في كل العصور عبر التاريخ على تعليم أبنائهم هذه العلوم الأساسية والمواد الضرورية .ومن ذلك ما ذكره ابن سينا  في كتاب السياسة آراء ثمينة في تربية الأولاد ونصح بالبدء بتعليم الطفل القرآن الكريم بمجرد استعداده جسميا وعقليا للتعليم ،وفي الوقت نفسه يتعلم حروف الهجاء والقراءة والكتابة ويدرس قواعد الدين ثم يروي الشعر ويبتدئ بالرجز ثم القصيدة .ومن القواعد التي وضعها الإسلام في تعليم الولد البدء بتعليمه في مراحل الطفولة الأولى حيث يكون الولد أصفى ذهنا وأقوى ذاكرة وأنشط تعليما.  وإلى هذا أشار المعلم الأول صلوات الله وسلامه عليه بقوله في الحديث الذي رواه البيهقي والطبراني في الأوسط عن أبي الدرداء مرفوعا:"العلم في الصغر كالنقش في الحجر " ومما يدهشنا جميعا وقد أثبت علم التربية الحديث هذه الظاهرة وأكدها . ومن المسؤوليات الكبرى التي جعلها الإسلام أمانة في عنق المربين والآباء جميعا توعية الولد فكريا منذ نعومة أظفاره وحداثة سنه إلى أن يصل سن الرشد والنضج.والمقصود بالتوعية الفكرية ارتباط الولد بالإسلام دينا ودولة وبالقرآن نظاما ودستورا  وبالتاريخ الإسلامي عزا ومجدا وبالثقافة الإسلامية العامة روحا وفكرا  . فعلى المربين أن يهيئوا لأولادهم  وهم في سن التمييز الرفقة الصالحة الواعية التي تبصرهم حقيقة الإسلام وتعرفهم مبادئه الشاملة وتعاليمه الخالدة وتعطيهم الصورة الصادقة عن هذا الدين الذي حمل لواءه أبطال كرام وجدود أمجاد فكانوا في حقيقة خير أمة أخرجت للناس .
التربية الاجتماعية :
  المقصود بالتربية الاجتماعية تأديب الولد منذ صغره على التزام آداب اجتماعية فاضلة، وأصول نفسية نبيلة  ..... تنبع من العقيدة الإسلامية الخالدة والشعورالإيماني العميق ليظهر الولد في المجتمع على خيرما يظهر به من حسن التعامل والأدب  والعقل الناضج والتصرف الحكيم، حتى إذا شب الولد عن الطوق وتدرّج في سني الطفولة وأصبح يدرك حقائق الأشياء ،كان تعامله مع الآخرين في غاية البر والإحسان وكان سلوكه في المجتمع في منتهى المحبة والملاطفة ومكارم الأخلاق . ومن أهم الأسس والقواعد في تلقين الولد منذ أن يفتح عينيه - حقوق المجتمع  وكيفية السلوك معه وممارسة دوره النافع فيه.  وهي من أعظم العوامل في تنمية النزعة الاجتماعية وتقوية ظاهرة المحبة في الله لدى الولد ، هذه النزعة حينما تقوم على أسس المحبة والإخلاص والوفاء والإيثاروالبذل والتعاون فإن دعائم التكافل والسلام والاستقرار تترسخ في المجتمع المسلم ،وإن مبادئ العدل والإخاء والمساواة تنتشرفي ربوع الأرض وأطراف المعمورة لأن الفرد المسلم أعطى لكل ذي بصيرة النموذج الحي عن الإسلام في سلوكه وأخلاقه وملاطفته ومعاملته.  ولاشك أن المربين إذا اشتغلوا بتخليق أولادهم على احترام الآخرين والتأدب معهم والإحسان إليهم، يتدرجون على احترام الكبير وإكرام ذي الشيبة حتى يفهموا منذ نعومة أظفارهم حق من يكبرهم سنّا  وأدب من يفوقهم علما وفضلا ومنزلة .    
فعلى المربين أن شمروا عن ساعد الجد والعزيمة ليقوموا بمسؤوليتهم الكبرى في التربية الاجتماعية على وجهها الصحيح وأن يغرسوا في أولادهم منذ نشأتهم  هذه الأسس من التربية الفاضلة والأخلاق القويمة حتى يترعرعوا على أفضل المكارم  ويساهموا في مجتمع إسلامي أفضل تقوم ركائزه على الإيمان والأخلاق والتربية الاجتماعية الفاضلة والقيم الإسلامية الرفيعة وماذلك على الله بعزيز .  
التربية الجنسية :
  المقصود بالتربية الجنسية تعليم الولد وتوعيته ومصارحته منذ أن يعقل القضايا التي تتعلق بالجنس وترتبط بالغزيرة وتتصل بالزواج، حتى إذا شب الولد وترعرع وتفهم أمور الحياة عرف ما يحل وعرف ما يحرم وأصبح السلوك الإسلامي المتميز خلقا وعادة له، فلا يجري وراء شهوة ولا يتخبط في طريق تحلل.ومن القضايا الهامة التي يجب أن يركز المربي عليها أن يعوّد الولد في سن تمييزه  على آداب النظر حتى يعلم الولد ما يحل من النظر إليه وما يحرم وأن يجنبه عن كل ما يثيره جنسيا ويفسده خلقيا ، وفي ذلك صلاح أمره واستقامة أخلاقه إذا شارف على البلوغ وبلغ سن التكليف .ومما لا شك فيه أن الولد إذا لقن منذ نعومة أظفاره أن هذا الفساد الاجتماعي والانحلال الأخلاقي الذي عمّ المجتمعات الإسلامية  في كل مكان هو من مخططات اليهودية والشيوعية والصليبية والاستعمارية  فإن الولد إذا كبريصبح عنده من النضج والفهم والوعي ما يردعه عن الاسترسال في الشهوات وما يرده عن كثير من المفاتن والمفاسد ولا شك أن وسائل هذا الإفساد عندهم هو الجنس ،والسينما ،والمسرح ،والمجلة ، والصحيفة ،وبرامج التليفزيون والإذاعة والأزياء ،ونشرالصور العارية ،ومواخيرالدعارة السرية والعلنية وما شابه ذلك.
خاتمة :
              فعلينا – معاشر المربين- أن نعرف مدى المسؤولية الشاقة الملقاة على عاتقنا ،وأنّ مسؤولية التربية الإيمانية هي الركيزة الأساسية التي يجب أن نوجه إليها اهتمامنا، وأن مسؤولية التربية الجسمية هي من وسائل القوة التي يجب أن نركز عليها جهودنا وعزائمنا ،وأن مسؤولية التربية العقلية هي من ركائز المجد والمدنية والحضارة في أمتنا ووطننا، وأن مسؤولية التربية الجنسية هي من القضايا الهامة الكبرى التي يجب أن ننشّئ عليها من لهم حق التربية في أعناقنا    [14]
 فبقدر العطاء الذي نعطيه ،والجهد الذي نبذله، والعزيمة التي نطلقها، والمسؤولية التي نستشعرها يتحقق الخيرلنا ولأمتنا والصلاح لنا ولأبنائنا .                                       ================================================              
 أهم  المصادر والمراجع :                         
1)   القرآن الكريم                                                
2)   الجامع الصحيح للبخاري .                                   
3)    إحياء علوم الدين للغزالي رحمه الله  .
4)   تربية الأولاد في الإسلام" للدكتور عبدالله ناصح علوان  دارالسلام للطباعة والنشر    والتوزيع والترجمة.
5)     التربية في الإسلام" للدكتور أحمد فؤاد الأهواني دار المعارف .                    
6)   أصول التربية الإسلامية " للدكتور خالد بن حامد الحازمي دارعالم الكتب        للطباعة والنشر والتوزيع.   
7)     تربية البنين والبنات" ،تأليف علي فكري ،دار إحياء الكتب العربية.
8)   أهداف التربية الإسلامية وغايتها" للدتور مقداد ياسجن ، دار الهدى للنشر والتوزيع ، الرياض
9)   المنهج الإسلامي لتربية النفس "  تأليف : عبد الباري الندوي ، مطبوعات باري بلكهناؤ
10)                 التربية الإسلامية – للمرحلة الثالثة  (الجزأ الثاني ) من منشورات جمعية الدعوة الإسلامية العالمية – الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى .




 (   1]  تربية الأولاد في الإسلام للدكتور عبد الله ناصح علوان  
[2]    سورة الفتح ،رقم الآية 29
[3]  سورة الجمعة ،رقم الآية 3
[4]  سورة الحشر ،رقم الآية 9
[5]   سورة الحج، رقم الآية  5
[6]  ابن منظور، لسان العرب1 -401  
[7]  سورة آل عمران رقم الآية 79
[8]  سورة الإسراء، رقم الآية 24
[9]  ) سورة الشعراء رقم الآية  18
[10]   سورةالتوبة رقم الآية 102
[11]   سورة الأعراف رقم الآية  56
 [12]   سورة الروم رقم الآية 30
     (13]   رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه
[14]   تربية الأولاد في الإسلام  للدكتور عبد الله ناصح علوان

مواضيع ذات صلة
شأون الخارجية, مقالات دينية,

إرسال تعليق

0 تعليقات