دكتور
معراج أحمد معراج الندوي
الأستاذ
المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها
جامعة
عالية – كولكاتا
----------------------------------------------------------------------------------------
طلعت النهضة النسائية في العالم
العربي في أواخر القرن الماضي عند ما بدأت المرأة العربية دخلت في مجال التعليم وأدركت
بأن لها الحق أن تساوي الرجل في كل مجال من مجالات الحياة. برزت السيدة هدى هانم
شعراوي إلى الميدان بشخصيتها القوية وجعلت تدعو سيدات النساء للمشاركة في النشاطات
الوطنية بقدر ما أمكن لهن من إعداد المظاهرات والإسعاف والتبرع بالمال. وبدأت
العمل في انهاض المرأة المصرية والعربية ولم تحجم عن بذل أي مجهود أو تضحية على
تحقيق هذه الأهداف المنشودة. قامت هدى شعرواوي بالدفاع عن قضة المرأة المصرية خاصة
والمرأة العربية عامة بكل جراءة وإخلاص فاستيقطت نخبة من السيدات المصريات من
سباتها العميق وأدركت أن لها كيانا وشخصية من الواجب الإعتراف بها وتأمين حقوقها
بتمام الحرية. ومن أهم خدماتها البارزة إنشاءها الاتحاد النسائي عام 1923م الذي
لعب دورا كبيرا لتحقيق حقوق المرأة المصرية. وكان من أهم أهداف هذا الاتحاد حق
الترشيح والتصويت للمرأة المصرية وبناء المدارس والمعاهد التعليمية فبفضل جهود
الاتحاد الدائبة أخذت أبواب التعليم تفتح شيئا فشيئا وجعلت الفتيات المصريات يدخلن
في المدارس ويحصلن على العلوم والفنون المختلفة. يعتبرها بعض الباحثين والمحققين
أنها لم تكن رائدة النهضة النسائية في مصر فقط بل في جميع العالم العربي ولها أكبر
الفضل في إعداد جيل جديد من المرأة المصرية المثقفة. في تاريخ النهضة النسائية
العربية لا يمكن الاستغناء عن ذكر هذه الرائدة العظيمة.
هدي شعراوي |
مدخل:
كلما نتحدث النهضة النسائية في العالم العربي لا يمكن الاستغناء عن ذكر الرائدة
العظيمة هدى شعراوي. وهي الزعيمة المصرية التي كافحت طيلة حياتها لأجل قضية المرأة
وتحريرها ورفع مكانتها و تمكينهخا من إدراك حقوقها الواجبة ومسؤليتها نحو المجتمع.
هناك كثيرات من الرائدات اللاتي شاركن في بعث الوعي والحرية بين أخواتها في العالم
العربي ولكن السيدة هدى شعراوي أصبحت خالدة
في تاريخنا المعاصر . بدأت النهضة النسائية الحديثة في العالم العربي
خطواتها الأولى في أواخرعهد إسماعيل حيث فتح باب التعليم أمام المرأة المصرية
فارتقت المرأة العربية في صعودها إلى طريق التقدم الحضاري والتحرر الفكري. ولعل
أول بوادر إسهام المرأة في الحياة اليومية العامة كان في مصر حينما خرجت مجموعة من
النساء من بيتوها وشاركت مشاركة فعالة في ثورة عام 1919م لتعلن تائيدها لمظاهرات
السيدات المصريات. كانت هذه المظاهرات للسيدات هي الشرارة الأولى التي لهبت نيران
الثورة وأوصلتها في كل ناحية من أنحاء البلاد العربية.
حياتها:
ولدت هدى هانم شعراوي في المينا عام 1879م في أسرة غنية ومثقفة. وهي ابنة محمد
سلطان باشا المجلس النيابي الأول في مصر في عهد الخديوي توفيق. تلقت تعليمها
الإبتدائي في منزلها وتزوجت مبكرا في سن الثالثة عشرة بإبن عمتها علي الشعراوي
الذي يكبرها ما قارب الأربعين عاما. كانت في التاسعة من عمرها عندما ختمت القرآن.
لكنها لم تستطع، كما تقول في مذكراتها، من قراءة أي كتاب غير القرآن. ثم تعلمت
اللغة التركية وعملت بدأب على تثقيف نفسها. فكانت تشتري الكتب من الباعة المتجولين
خلسة، لأن تعليم المرأة وتمتعها بالثقافة والمعرفة كانا من الأمور غير المرغوبة في
الأسر المحافظة. لكنها مع ذلك تابعت كفاحها من أجل التعلم ومن أجل امتلاك المعرفة.
وقد أضافت إلى امتلاكها اللغة التركية لغة جديدة هي اللغة الفرنسية، ثم فيما بعد
اللغة الإنجليزية. أثرت بعض الحوادث في طفولتها في ريعان شبابها على ذهنها أثرا
عميقا حيث لعبت هذه الحوادث دورا كبيرا في تكوين شخصيتها المتمردة فجلعت تؤمن
بتحرير المرأة ايمانا كاملا. شعرت هدى شعراوي بأن التقاليد القاسية سلبت كل الحقوق
عن المرأة. في الواقع أن هدى شعراوي لم ترض عن أوضاع المرأة في المجتمع العربي
التي كانت سائدة في أواخر القرن التاسع عشر. ولم تستطيع أن تحتمل التمييز الجنسي
في المجتمع العربي الذكوري. وقد ذكرت عن بعض هذه الحوادث في مذكراتها قائلة
"وأشار الطبيب الذي كان يعالج أخي بأن يشتروا له مهرا صغيرا "سيسي"
ليتعلم ركوب الخيل. ولم يكن أخي إذ ذاك قد جاوز السابعة من عمره ولكن الطبيب أكد
أن رياضة الركوب تقوي الجسم وتنشط حركة الأمعاء وفي نفس الوقت لا تتطلب جهودا
كبيرا. فطلبت أنا أيضا أن يشتروا لي مهرا لأركب مثل أخي. فحاولوا اقناعي بأن ركوب
الخيل لا يليق بالبنات ولكني دحضت زعمهم بحجة دامغة إذ ضربت لهم مثلا بجارتنا ابنة
الضابط لمعي بك التي تركب الخيل وتقود عربتها الصغيرة بنفسها. ولما عجزت والدتي عن
اقناعي بالمنطق احتالت لذلك بين"سيسي" والبيانو وكانت تعرف ميلي الشديد
للموسيقى فنجحت حيلتها وفضلت البيانو على الحصان قائلة لنفسي البيانو ثم أتمتع
بركوب مهرأخي كلما أردت".[1] توفيت الرئدة العظيمة في 12
ديسمبر عام 1947م ولكنها لا تزال تلعب ككوب لامع في سماء النهضة النسائية في
العالم العربي. ولها فضل كبير في إعداد جيل من المرأة المثقفة في البلدان العربية.
النهضة النسائية في العالم العربي:
إن فجر النهضة النسائية طلعت في العالم العربي إلا في أواخر القرن الماضي عند ما
بدأت المرأة العربية دخلت في مجال التعليم وأدركت بأن لها الحق أن تساوي الرجل في
كل مجال من مجالات الحياة لكي تلعب دورها الاجتماعية والثقافية والفكرية. ولها
الحق أن تسلك مع الرجال جنبا إلى جنب في حياتها العامة. وكما يقول دكتور ماهر حسن
فهمي "ظهرت بوادر النهضة النسائية العربية أولا في مجال التعليم حينما دعا
رفاعة الطهطاوي إلى تعليم المرأة ورفع قاسم أمين لواءه في مصر يدعو أبناء أمته إلى
وجوب تعليم الفتاة وتخفيف الحجاب أورفعة وتنظيم الزواج والطلاق ومنح المرأة حقوقها
الاجتماعية وحريتها الطبيعية.[2] قامت هدى شعراوي مع قاسم أمين بالدفاع عن قضية
المرأة المصرية خاصة والشرقية عامة بكل جراءة وأخلاص.
هدى شعراوي ومشاركتها في النشاطات
الوطنية: برزت السيدة هدى هانم شعراوي إلى الميدان بشخصيتها
القوية وجعلت تدعو سيدات النساء للمشاركة في النشاطات الوطنية بقدر ما أمكن لهن من
إعداد المظاهرات والإسعاف والتبرع بالمال. وبدأت العمل في انهاض المرأة المصرية
والعربية ولم تحجم عن بذل أي مجهود أو تضحية على تحقيق هذه الأهداف المنشودة.
وكانت السيدة سيزا نبراوي هانم تعاونها كل المعاناة في القيام بهذه المهمة
الجليلة. أصبحت هدى شعراوي اليد اليمنى لصفية زغلول. وقد استجابت لدعوة المؤتمرات
السنوية في الشرق والغرب. قامت هدى شعرواوي مع قاسم أمين بالدفاع عن قضة المرأة
المصرية خاصة والمرأة العربية عامة بكل جراءة وإخلاص فاستيقطت نخبة من السيدات
المصريات من سباتها العميق وأدركت أن لها كيانا وشخصية من الواجب الإعتراف بها
وتأمين حقوقها بتمام الحرية.[3]
ولعل أول بوادر إسهام المراة
العربية في الحياة العامة كان في مصرحينما خرجت مجموعة من النساء من بيوتها وشاركت
في ثورة عام 1919م لتعلن تأييدها لمظاهرات السيدات المصريات. وكذلك لم يكن نصيب
المرأة المصرية في ثورة عام 1919م أقل من نصيب الرجال. ففي يوم 9/ مارس 1919م خرجت
أول مظاهر تعبر عن احتجاج شعب مصر ضد الاستعمار البريطاني. وهي المظاهرة نظمها
طلاب مدرسة الحقوق وانضم إليها طلاب مدارس الطب والتجارة ودارالعلوم والقضاء
الشرعي. ثم انضمت إليها نساء مصر المتحمسات الغاضبات والمتعلمات يهتفن ويرفعن
بمنادلهن مشجعات. وكأن هي المظاهرة للسيدات هي الشرارة التي الهبت نيراة الثورة
وكأن هذه المشاركة للمرأة العربية أدت إلى
الحركة النسائية في مصر وفيما بعد في كل البلاد العربية.[4] بدأت النهضة النسائية الحديثة في هذه
الظروف السياسية والاجتماعية السائدة في العالم العربي كله. وفي ظل هذه النهضة
نشطت الحركة النسائية وتقدمت نحو الأمام حيث ظهرت في تلك الأيام بعض الكتب عن
المرأة والحركة النسائية ثم بدأت تتسع من مصر إلى البلدان العربية الأخرى حتى دخلت
في حقول العلم والاجتماع والصحافة.
هدى شعراوي وريادتها
في النهضة النسائية: ومن أهم خدماتها البارزة إنشاءها
الاتحاد النسائي عام 1923م. والاتحاد قد لعب دورا كبيرا لتحقيق حقوق المرأة
المصرية وكان من أهم أهداف هذا الاتحاد حق الترشيح والتصويت للمرأة المصرية وبناء
المدارس والمعاهد التعليمية فبفضل جهود الاتحاد الدائبة أخذت أبواب التعليم تفتح
شيئا فشيئا وجعلت الفتيات المصريات يدخلن في المدارس ويحصلن على العلوم والفنون
المختلفة وفي ذلك الوقت برزت بضع فتيات ناجحات متفوقات في ميادين الفن المختلفة
كالموسيقي والغناء والرسم والتمثيل ثم شجع الاتحاد تعليم البنات في الخارج وأوفد
في سنة 1936م إلى بلجيكا وتركيا بعثة مشتملة على ست فتيات نصفهن إلى بلجيكا والآخر
إلى تركيا للتخصص في التدبير المنزلي وحصلت الفتيات الست على خير النتائج. سافرت هدى
شعراوي إلى جهات العالم الأربع، في أعقاب ذلك المجد الذي حققته لشخصها وللمرأة
المصرية والعربية. وكانت تهتم في سفراتها في أمرين، طرح قضية المرأة في بلادها،
إلى جانب القضية الوطنية، والتعلم مما كانت تتعرف إليه من أمور ذات صلة بوضع
المرأة في البلاد الأخرى، ومن ثقافات تلك الشعوب ومن إنجازاتها.
هدى شعراوي وكفاحها لأجل حقوق
المرأة : ولم تساهم السيدة هدى شعراوي في النهضة النسوية
فحسب بل إنها أدت دورا فعالا في قضية استقلال بلادها وكانت تنظم مظاهرة للسيدات
المصريات شاركن حركة الاستقلال. ففي يوم 9 مارس 1919م خرجت أول مظاهرة تعبر عن
احتجاج الشعب المصري ضد الاستعمار البريطاني وكانت هدى شعراوي تقود النساء بشجاعة
بطولية فقالت لقائد الفرسان الذي أمر برد الثائرين على أعقابهم بالرصاص: "نحن
أمامكم فاضربوني كما ضربتم "حميدة" برصاصكم الغادر إننا نريد الحرية
لبلادنا ولن نرضى بكم بالهوان أيها الفرسان" فعجب القائد بجرأتها وبلاغتها في
اللغة التي خاطبته بها في عزة وكبرياء ولما رآني الموكب يموج بالهاتفات الثائرات
والأعلام المصرية فكف عن العدوان.[5] وكان جل عنايتها على التعليم والحقوق الاقتصادية
والسياسية والخدمة الاجتماعية لأنها كانت ترى أن التعليم هو الوسيلة الوحيدة
لإنارة الذهن والوعي واليقظة وهو سلاح نخوض به معركة الحياة بينما الحصول على
الحقوق الاقتصادية واسياسية يضمن للمرأة استقلالها ويحطم عبدويتها ويمكنها من
مساعدة الأسرة في رفع مكانتها الاقتصادية ومن إثبات أنها ليست مجرة عالة عليها بل
إنها عضو حيوي لها.
هدى شعراوي وريادتها في حركة
تحرير المرأة العربية: بدأت هدى شعراوي مسيرتها الجديدة
كرائدة حركة نهضة المرأة في مصر وفي العالم العربي. وكان من أوائل نشاطها في عام
1923 تلبية الدعوة التي وجهت إليها لحضور مؤتمر الاتحاد النسائي العالمي الذي عقد
في روما. لكن شعراوي لم تشأ أن تكون هي من تمثل لوحدها نساء مصر في ذلك المؤتمر.
إذ كانت تريد أن يكون التمثيل باسم نساء مصر وبمشاركة شخصيات نسائية أخرى. وجهت
هدى شعراوي رسالة إلى عدد من الشخصيات النسائية دعتهن فيها إلى اجتماع لتأسيس
الاتحاد النسائي المصري. وعقد الاجتماع وانتخب وفد نسائي مصري بقيادتها إلى ذلك
المؤتمر. وصار الاتحاد المصري عضواً في الاتحاد العالمي. وكان ذلك حدثاً مهماً في
تاريخ الحركة النسائية المصرية. وهكذا بدأت شعراوي في نضالها الجديد على رأس حركة
نسائية قوية من أجل انتزاع حقوق المرأة، كمهمة أولى، والمشاركة في الوقت نفسه بقوة
في الحركة الوطنية المصرية، جنباً إلى جنب مع الرجل.
قامت هدى شعراوي برئاسة الوفود
النسائية في المؤتمرات العالمية بعد أن كانت قد انتخبت في المؤتمر العاشر للاتحاد
النسائي العالمي عضواً في لجنته التنفيذية ممثلة للنساء في الشرقين الأدنى
والأقصى. وأهمية مشاركة المرأة المصرية في تلك المؤتمرات إنما تكمن في أنها ساهمت
في توضيح وتحديد المهمات التي تتصل بنضال المرأة المصرية من أجل الوصول إلى
حقوقها. يضاف إلى ذلك أن تلك المشاركة قد وضعت المرأة المصرية والعربية في صلب
النضال من أجل القضايا العالمية الكبرى، وفي مقدمتها قضية السلم العالمي، إضافة
إلى ما كانت قد بدأت تمارسه في النضال الوطني من أجل الاستقلال. قدمت الأديبة
المصرية أمينة السعيد في المقدمة التي وضعتها لمذكرات هدى شعراوي شهادة مهمة لهذه
الشخصية التاريخية تقول فيها: "هدى شعراوي هي بلا منازع قائدة حركة تحرير
المرأة في العالم الإسلامي قاطبة. ولقد قضت ما لا يقل عن خمسين عاماً من حياتها
وهي في صراع مرير من أجل رفع الظلم عن المرأة المسلمة عموماً، والعربية بوجه
الخصوص وكانت البادئة برفع الحجاب، والمناداة بالمساواة الكاملة بين الجنسين،
لتمكين نصف الشعب العربي من الخروج عن عزلته الاجتماعية والانطلاق إلى عالم البناء
والإنتاج. لقد خاضت هدى شعراوي مجال السياسة الذي لم تكن تجرؤ على الاقتراب منه
امرأة قبلها.[6]
ومذكرات هدى شعراوي هي من أجمل كتب السيرة. فهي تتميز بالبساطة، وبالسرد غير الممل
لأحداث حياتها ولأحداث الحقبة التي عاشت فيها. وتضم، إلى جانب ذلك، مفاصل أساسية
من كفاح المرأة المصرية والعربية والإسلامية دفاعاً عن حقوقها وعن الإنجازت التي
تمكنت من تحقيقها.
هدى شعراوي ودورها في المؤتمر
النسائي: انشأت هدى شعراوي الاتحاد النسائي عام 1923م. ولم
يكن تأسيس الاتحاد النسائي المصري شليا
عاديا حيث برزت فيه المرأة تطلب حقوقها بل
كان حدثا مهما في تاريخ مصر نفسها. طرحت هدى شعراوي سؤالاً حقيقياً مليئاً
بالمرارة يتعلق بوضع المرأة المصرية والعربية في الوقت الراهن. إن الواقع الراهن
للمرأة يتناقض مع كل ذلك التاريخ المجيد لحركة تحرير المرأة، الذي كانت قد ساهمت
فيه هدى شعراوي وسيزا نبراوي وقبلهما زينب فواز، ثم مي زيادة ونظيرة زين الدين
وباحثة البادية ودرية شفيق وسهير القلماوي وأمينة السعيد وكثيرات غيرهن في مصر وفي
العالم العربي. وبفضل الجهود
المتواصلة للاتحاد النسائي تمكنت المرأة المصرية من أن تصبح أكثر تقديرا لقيمتها
الذاتية من الناحيتين اايجتماعية واأةدبية ولمدى حقوقها وواجباتها
ولمسؤوليتها حتى بلغت إلى المستوى الاجتماعي
ما يساوي مستوى ثقافة المرأة الغربية.
تقدمت هدى شعراوي في طرح
قضية المرأة في مصر وفي العالم العربي، كانت تذكّر على الدوام بالدور الريادي
لقاسم أمين، رائد الدفاع عن حقوق المرأة، من دون أن تنسى دور السيدات اللواتي
سبقنها في حمل راية الدفاع عن حقوق المرأة. لكن قاسم أمين كان الرمز الأكبر الذي
كانت تتذكره مع زميلاتها، وكانت تحتفل في مناسبات عدة بذكراه إشادة بدوره الريادي.
واستناداً إلى ما تكوّن عند هدى شعراوي من تجارب في نضالات المرأة المصرية، ومن
خبرات اكتسبتها في سفراتها إلى الخارج ومن مشاركتها في المؤتمرات النسائية
العالمية، توصلت في عام 1944 إلى الإسهام مع زميلات لها في العالم العربي إلى عقد
مؤتمر الاتحاد النسائي العربي الذي حضرته مندوبات من عدد من البلدان العربية.
وأحدث انعقاد المؤتمر صدى كبيراً على الصعيدين العربي والدولي، إلى الحد الذي جعل
زوجة الرئيس الأميركي روز فلت تبرق إلى هدى شعراوي مهنئة إياها بانعقاد ذلك
المؤتمر. والجدير بالذكر ونحن نتحدث عن دور هدى شعراوي وعن دور الحركة النسائية
المصرية خصوصاً، أن نشير إلى أن قضية التحرر من الحجاب كانت من أول الإنجازات التي
حققتها تلك الحركة منذ البدايات. ومعروف أن سعد زغلول هو الذي بادر، لدى عودته من
المنفى في عام 1920، عندما استقبل المهنئين، إلى نزع النقاب عن وجه هدى شعراوي.
وصار ذلك التاريخ يؤرخ به كبداية في نضال المرأة من أجل تحررها، ليس لأن السفور
كان هدفاً بذاته، بل لأنه كان شكلاً من أشكال التعبير عن معنى المساواة بين المرأة
والرجل، ومؤشراً إلى بدايات تحررها، وإلى الانتقال للعب دورها في المجتمع أسوة بالرجل
في كل ميادين النشاط السياسي منه والاجتماعي والثقافي وسوى ذلك من الميادين.
وكان من أهم ما قامت به هدى
شعراوي في نضالها لإبراز دور المرأة في الحياة الاجتماعية هو إصدارها في عام 1925م
مجلة "المصرية" بالفرنسية التي سلمت رئاسة تحريرها إلى سيزا نبراوي،
تلميذة شعراوي وصديقتها ومكملة رسالتها بعد وفاتها. وقد أتيح لي أن أتعرف إلى هذه
السيدة المحترمة في أواسط ستينات القرن الماضي، إذ كانت تشارك في مؤتمرات مجلس السلم
العالمي الذي كنت في ذلك الوقت أحد المسؤولين في هيئاته القيادية. واستمرت العلاقة
معها على امتداد حياتها. وهي كانت معروفة بانتمائها منذ وقت مبكر إلى الحركة
اليسارية المصرية.
مجلة "المصرية" ودورها
لاعطاء حقوق المرأة العربية:
لقد كان لمجلة "المصرية"دور كبير في مصر وفي الخارج. وهي كانت مجلة
شهرية نسائية تهتم بالقضايا الاجتماعية وبالفن. وهو التعريف الذي وضع للمجلة تحت
عنوانها مباشرة. وكانت تضم أعدادها مقالات تتناول مجمل القضايا التي تعالجها أية
مجلة من المجلات التي كانت تصدر في مصر. وكان من بين تلك القضايا ما يهم قضية
المرأة، حقوقها ونشاطاتها والبيانات التي كانت تصدر عن الهيئات النسائية العالمية،
وعن الاتحاد النسائي المصري، وكذلك بعض خطب هدى شعراوي. وفي عام 1937م صدرت المجلة
باللغة العربية.
رحلت هدى
شعراوي في عام 1947. وتركت للأجيال تاريخها وتراثها الغني، الذي يتمثل بالنضال
بدون هوادة دفاعاً عن حقوق المرأة. كما يتمثل بالمواقف الجريئة التي جاءت في
محاضراتها وفي مقالاتها وفي البيانات التي أصدرتها. وأقتطف فيما يلي بعض ما جاء في
تلك المواقف في بعض محاضراتها نقلتها من الجزء الثاني من الكتاب المهم الذي أصدرته
الباحثة السورية جورجيت عطية في جزأين تحت عنوان «هدى شعراوي ـ الزمن
والريادة. تقول في خطاب لها نشر في العدد
الخامس عشر من مجلة "المصرية" في عام 1926: دخلت المرأة المصرية الحياة
العامة من باب السياسة، لأننا في الوقت الذي كنا نفكر فيه في إصلاح حال المرأة
وتنويرها، قامت ثورة 1919. وكان حتماً أن يقف كل مصري ومصرية في صفوف الثوار حتى
تنال بلادنا استقلالها وحريتها، وتكون صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في أمورها
ومستقبلها. وبعد أن استقرت الأمور بعض الشيء في عام 1926م كان علينا أن نتجه
بالجهد الأكبر إلى المجال الاجتماعي وأن نهتم بالقضايا الاجتماعية والنسائية
باعتبار أن المرأة هي نصف مجموع الأمة، وكل ما تحققه ينعكس على الحياة العامة
ويدفع إلى تطور المجتمع.[7]
ملخص البحث: تأثرت هدى شعراوي بأفكار الغربية كثيرا خاصة في
قضية الحجاب لأنها تعتبر الحجاب مانع لتقدم المرأة الاجتماعي والثقافي والاقتصادي،
كما وجدت في أثناء قيامها في الغرب أن المرأة في بلاد الغرب متحررة وتتمتع بكافة
الحقوق ورأت أن المرأة الغربية تدير المكاتب وتعمل كطبية ومعلمة وتشارك في
المؤتمرات وهي سافرات الوجه، لذلك تنصح هدى شعراوي النساء المصريات أن يخرجن
سافرات الوجه في البلاد كي يتمتعن بتمام الحرية ويلعبن دورا إيجابيا في سبيل
قضيتهن وفي بناء المجتمع المصري ولكن من جهة أخرى يعتبرها بعض الباحثين والمحققين
أنها لم تكن رائدة النهضة النسائية في مصر فقط بل في جميع العالم العربي ولها أكبر
الفضل في إعداد جيل جديد من المرأة المصرية المثقفة. في تاريخ النهضة النسائية
العربية لا يمكن الاستغناء عن ذكر هذه الرائدة العظيمة. هي شخصية للسيدة هدى
شعراوي التي كافحت طوال حياتها لأجل تحرير المرأة وحل قضاياها الاجتماعية
والسياسية وبذلت كل ما في وسعها في سبيل حقوق المرأة ورفع شأنها واعطاء حقها في المجتمع
العربي الذكوري. قد شاركت كثيرات من الرائدات في بعث الوعي وتحريرالمرأة في
البلدان العربية الأخرى ولكن السيدة هدي شعراوي لها فضل الريادة في هذا الباب.
المراجع والمصادر
0 تعليقات
أكتُبْ تعليقا