ادعمنا بالإعجاب

الدولة المغولية وأسباب انحطاطها

بقلم: د، محمد عالم صديقي
لا یخفى على كل من له أدنى إلمام بتاریخ الهند أن المسلمین لهم تاریخ طویل ومجید في الهند، وكان البلاد يتمتع بسيادة سلاطين المسلمين قرونا ، وازدهر ازدهارا لم يعرف في أي بلاد إسلامي أو غيره،وطار راية الإسلام في ربوعها ردحا كثيرا وكتب أباطرها تارخ المجد والإصلاح والنجاح بخط ذهبي،  فقد حكموها لفترة طویلة تقدر بحوالي 667 سنة. وأول من وطأ  أقدامهم هذه الأرض من الأمة المسلمة كانوا هم التجار العرب الذین استوطنوا ساحل مالابار (1). فإن الإسلام انتشر في الهند الجنوبیة كنتیجة للعلاقات التجاریة والثقافیة التي وجدت بین الهند والدول العربیة منذ ثلاثة ملایین سنة قبل المیلاد والتي ازدادت بصورة ملحوظة في القرن السابع أي قبیل ظهور الإسلام. ویشهد بذلك المؤرخ الكبیر تا ا ر تشاند قائلا: " في القرن الثامن بدأ یزداد نفوذ المسلمین (في الهند) واستقروا في ساحل مالابار، وقد رحبت بهم الحكومات الوطنیة كتجار ووفرت لهم تسهیلات للاستق ا رر، ومنحتهم حق امتلاك العقار وأطلقت لهم الحریة الدینیة. وما إن استقروا حتى قاموا بالدعایة لدینهم، لأن الإسلام دین دعوة وكل مسلم بطبیعته مبشر لدینه. ونالوا كثی ا ر من الاحت ا رم من الناس إذ لم یكن شأنهم كشأن النصارى السوریین الذین اضطهدوا وطردوا من أوطانهم، بل قدم المسلمون إلى أرض الهند معززین ومحترمین تتقد أفئدتهم بحماسة دینهم الجدید، وتتقوى هممهم بعظمة الفتوح الجلیلة والبلد الوسیع. وفي بدایة القرن التاسع أنهم انتشروا في الساحل الهندي كله، وأحدثواضجة بین أبناء البلاد من الهندوس بمعتقداتهم وتحمسهم لنشر دینهم(2)." فانتشر الإسلام في سواحل الهند الغربیة والجنوبیة، وفضل هذا یعود إلى هؤلاء التجار العرب الذین لم یألوا جهدا في نشر الإسلام والثقافة الإسلامیة في الهند.

زهير الدين محمد بابرمؤسس الدولية المغولية بالهند


ولكن انتشار الإسلام في الهند الشرقیة كان نتیجة للغزوات والحملات المتعاقبة التي قام بها الغزاة المسلمون في نشر الإسلام والتعالیم الإسلامیة في الهند. وكان محمد بن القاسم الثقفي أول من دخل في الهند من الغزاة المسلمین في العهد الأموي. ثم بدأت سلسلة دخول الغزاة المسلمین (3) فیها حتى أقام فیها معزالدین الغوري عام 1190 م دولة إسلامیة راسخة امتدت إلى قرون باختلاف الأسر من الغوریة الحاكمة منذ عام 1190 م حتى عام 1208 م والمملوكیة الحاكمة منذ عام 1208 م حتى عام 1290 م والأسرة الخِلجیة الحاكمة منذ عام 1290 م حتى عام 1320 م والأسرة التغلقیة الحاكمة منذ عام 1320 م حتى عام 1414 م وأسرة السادات الحاكمة منذ عام 1414 حتى عام 1451 م والأسرة اللودهیة الحاكمة منذ عام 1451 م حتى عام 1526 م ثم قامت على أنقاضها الدولة المغولیة التي بلغت من القوة والاتساع، حدا لم تشهده أیة دولة إسلامیة سابقة في الهند والتي استمرت حتى عام 1857 م.

الدولة المغولیة
أدى انتصار بابر (4)على السلطان إبراهیم اللودهي في حرب باني بت التي وقعت عام 1526 م، إلى تأسیس الدولة المغولیة وهي أعظم إمبراطوریة إسلامیة في الهند، دامت أكثر من ثلاثة قرون. وتنقسم هذه الفترة الطویلة للحكم المغولي إلى ثلاثة أدوار (5). والدور الأول من هذه الأدوار هو دور تأسیس الدولة المغولیة وتوطید أركانها. ففي سنة 1526 م جاء ظهیر الدین محمد بابر من كابل فاتحا الهند وأسس الدولة المغولیة التي تولى عرشها ابنه نصیرالدین همایون الذي إنهزم في حرب بلغرام التي وقعت بینه وبین شیر شاه السوري عام 1539 م وانتزع شیر شاه السوري البلاد منه، وفر همایون إلى إیران ولحق بملكها ثم عاد وقاتل سكندر شاه السوري بالقرب من "سرهند" في یولیو من عام 1555 م وهزمه ثم سار إلى دلهي وآكره وانتزع الحكومة من الس وریین بعد أن حكموا في الهند نحو 15 سنة وأسس من جدید الدولة المغولیة (6) ولكن قبل أن یقوم بتوطید أركان الدولة وافته المنیة في 26 من ینایر،عام 1556 م. فانتهى الدور الأول للإمب ا رطوریة المغولیة بوفاة الملك المغولي نصیرالدین همایون.
والدور الثاني هو دور توسیع الدولة المغولیة الإسلامیة واستق اررها وتطویر العلوم والفنون فیها، وٕان هذا الدور كان یتمتع بسیادة الأمن والسلامة وشیوع الرخاء والازدهار وأكبر دلیل على ذلك شهادة المؤرخ الكبیر  J. Sarkar الذي أدرج في كتابه  “Fall of the Mughal Empire”  ، عن انجازات الإمبراطوریة المغولیة التي  حققتها بعد وفاة همایون خلال مائة وثلاثین سنة التالیة قائلا: "بأن الإمبراطوریةالمغولیة قد قطعت شوطا كبیرا في توسیع رقعة الدولة وٕانعاش إقتصادها وتعزیز قواتها المسلحة وترویج العلوم والفنون وتطویر الصناعة بحیث أنها لم تبهر العالم  الآسیوي فحسب بل أبهرت العالم كله، فإن الهند كلها خضعت لحكم واحد، وتم تنظیم جمیع نواحي البلاد تحت نظام واحد، وتم صیاغتها في ثقافة واحدة بالإضافة إلى ذلك تم استق ا رر الأمن والسلامة في كل ناحیة من نواحي البلاد حتى أصبحت الشوارع والطرق مأمونة من خطر النهب والسرقة وتطورت الموارد الإقتصادیة وتعززت العلاقات الخارجیة. وبفضل سیادة الرخاء والسلام ورعایة البلاط تمكنت الهند من حصاد الثم ا رت الطیبة في مجال الأدب والصناعة وفن الرسم والعمارة، التي أبلغت الهند إلى القمة الرفیعة بین البلدان المتحضرة." (7)
ویجدر بالذكر أن هذا الدور قد شهد حكما لعظام الملوك المغول الأربعة الذین یعتبرون عماد الإمبراطوریةالمغولیة وعباقرة ملوك العالم، فكان لهم شأن كبیر في الحكومة مع إقامة العدل والمساواة وهم: جلال الدین محمد أكبر(   1542 - 1605 م) الذي حكم البلاد منذ عام 1555 م حتى وفاته عام 1605 م و"سلیم نو ا رلدین جهانغیر" (  1569 -  1627 ) الذي حكمها مِن عام 1605 حتى وفاته عام 1627 م وشهاب الدین خرم شاه جهان ( 1594– 1666 ) الذي حكمها مِن  عام 1628 م إلى عام 1658 م  ومحي الدین أورنغ زیب ( 1618  – 1707  م)  الذي  حكم البلاد من عام 1658 م حتى وفاته عام 1707 م.
الملك المغولي جلال الدین أكبر (8) قد تولى عرش الدولة بعد أبیه همایون عام 1556 م، ثم قام بتوطید أركانها وقضى على الثوار، وأقر الأمن والسلام وأوجد الإتحاد الدیني والإنسجام الطائفي ومازال یحكم بهذا الأسلوب البدیع حتى وافاه الأجل عام 1605 م ثم خلفه ابنه سلیم نورالدین جهانغیر الذي حكم نحو 22 سنة، وأول شيء قام به هو القضاء على الخارجین علیه وعلى الدولة، ثم كرس اهتمامه على توسیع رقعة الدولة، ففتح كانغره، وأحمد نغر،ثم قام بالإصلاحات، فأبطل أشد العقوبات مثل المثلة، (9) وحرم سجدة التحیة للملك، كما حرم الأفیون والمسكرات وأقام خانات في كل منطقة من مناطق المملكة وحفر آبارا لتوفیر المیاه العذبة لعامة الناس وأبناء السبیل، وأبطل جمیع المحاصیل غیر اللازمة (10) . وتوفى الملك المغولي جهانغیرعام 1627 م. فصار ابنه خرم شاهجهان خلیفة له وأخذ زمام الحكومة بعد أن تمكن من الانتصار على أخیه شهر یار، ثم فتح بلخ وبخارا  وكان یرید أن یوسع مملكته إلى حدود قندهار في الغرب وٕالى دكن في جنوب الهند ولكن القدر لم یمهله فانه مرض مرضا شدیدا حتى وجد إبنه محي الدین أورنغ زیب فرصة أن یستولى على السلطة وأن یحبس أباه، فعزله وسجنه في قلعة آجره ولم یطلق سراحه إلى أن توفى بعد ثماني سنوات (11) . وكان عهد شاهجهان عهد الخیر والإصلاح التدریجي واستمر بأبهته وعظمته 31 سنة، وكان صاحب الآثار الجمیلة في الهند، بنى الجامع الكبیر الشهیر بالمسجد الجامع والقلعة الحمراء في دلهي والتاج محل في آجره، وهي الدرة الیتیمة في البناء. كما أنه وظف القضاة والمعلمین لیعلموا الناس أحكام الشریعة وآداب العبادة، وأجرى الأرزاق على المعلمین والمتعلمین، فتقدمت العلوم من الحساب والهیئة والطب بكثیر في عصره، فلذلك یعتبر عهد شاهجهان العهد الذهبي للمغول (12) . وأخذ محي الدین أورنغ زیب زمام الحكومة عام 1658 م وحكم نحو 50 سنة عاكفا على تنفیذ الأحكام الشرعیة وناشرا العلوم والفنون وقائما بالفتوحات العظیمة حتى نجح في توحید الهند كلها تقریبا تحت حكمه، مما لم یسبق له مثیل من قبل، وحكم البلاد حكما إسلامیا، لم تحكم مثله من قبل ولا من بعد، وكان لذلك هدفا للانتقاد من المؤرخین غیر المسلمین (13) المتعصبین.
والدور الثالث هو دور الإنحطاط للإمب ا رطوریة المغولیة وتفككها ویبتدئ هذا الدور بوفاة أورنغ زیب عام 1707 م وینتهي بنهایة الإمب ا رط وریة المغولیة عام 1857 م، ومما یؤسف للحكم الإسلامي المغولي أن الإمبراطور أورنغ زیب كان آخر إمبراطور قوي بین أباطرة المغول المسلمین. فقد جاء بعده خلفاء ضعاف، لم یكونوا مثله في القوة والحزم والتدبیر، فأخذت الدولة الإسلامیة تتهاوي من القمة التي أقعدها فوقها وبدأت رقعتها الواسعة تتفتت شیئا فشیئا ویستقل هنا أوهناك أمیر بحكم ولایته. (14) وتتاح الفرصة لبعض الأمراء الهندوس والسیخ لیجمعوا الجیوش ویشنوا حروبا على الدولة ویقتطعوا لهم من جسمها الكبیر ولایات یحكمونها، والملوك المسلمون في دهلي یضعفون شیئا فشیئا وینحسر نفوذهم وینكمش، حتى لم یعد لهم سلطان ولا نفوذ. (15)
الحُرُوْب الداخیة
في الحقیقة جابهت الإمبراطوریةالمغولیة بعد وفاة أَوْرَنْغَّ زِیبْ عدیدا من المشكلات الخطیرة، منها الحروب الداخلیة التي اندلعت بین الأمراء للإستیلاء على عرش الحكم، لأن الإمبراطوریةالمغولیة لم یكن یتواجد لدیها نظام الوراثة للحكم مثلما وجد لدى الخلافة الأمویة والعباسیة. فبدأ أبناء أورنغ زیب الثلاثة یتقاتلون فیما بینهم لتولى الحكم حتى انتصر علیهم بهادر شاه الذي تولى العرش عام 1707 م واستمر في حكمه أربع سنوات (16) . وخلال حكمه واجه ثورات قام بها الراجبوت والمراهتا ولم یتمكن من القضاء علیها تماما حتى بدأ السیخ یستعدون لشن الحرب ضد الجیش الملكي، فأرسل الملك بهادرشاه جیشا كبيرا تحت قیادة ابنه الذي هزمهم هزیمة نكراء وتوفى الملك بهادر شاه الأول بعد ذلك بعدة شهور عام 1712م(17).
 فدخل أبناءه الأربعة في التعارك فیما بینهم ، وادعى "محمد عظیم الشان" السلطة لنفسه ولكن رئیس القواد "ذوالفقار علي خان نصرت" خالفه، وأجلس محمد معز الدین على العرش بخطاب جهاندار شاه الذي حارب إخوانه الثلاثة وقام بقتلهم جمیعا في معارك مختلفة، ثم استقل بالحكم وحكم عشرة أشهر حسب رغبة زوجته "لال كنور"حتى قتله الأخوان: رئیس القواد "حسین علي" و"السید عبد الله"- اللذان  كانا في الحقیقة یدیران الحكومة – وأجلسا "فرخ سیر" على عرش الهند عام 1712 م ثم قتلاه خنقا عام 1719 م عندما حاول أن یستبد أویتحرر بنفسه بعد أن حكم نحو سبع سنوات (18).
أمواج ا لثورات ضد الدولة المغولیة
خلال فترة هذه الحروب الداخلیة بین الطامحین في العرش، انتهز الراجبوت فرصة، فثار أجیت سنغ على الدولة وطرد المسلمین من جودهبور،وفرض الحظر على الأذان وسیطر على أجمیر، فأرسل إلیه الملك المغولي "فرخ سیر" جیشا كبیرا بقیادة السید حسین مغل خان، ففر أجیت سنغ إلى غابات بیكانیرتاركا عیاله في الجبال قرب جودهبور، ثم تصالح مع الملك وزوجه ابنته " راني اندر كنور". وفي هذا الوقت قام السیخ في الشمال بثورة جامحة وأخذوا في الإعتداء على المساجد والمقابر وقتلوا ألوفا من المسلمین والهندوس دون التمییز بین الصغیر والكبیر.
ویجدر بالذكر أن السیخ كانوا یضمرون في قلوبهم حقدا وك ا رهیة للمسلمین منذ عهد جهانغیر الذي قام بإعدام غوروأرجن سنغ عام 1606 م بتهمة معاونته لخسروشهر یار الذي ثار على جهانغیر،ثم قام أورنغ زیب بإعدام غورو تیغ بهادر لتورطه في النشاطات الثوریة، فزاد الطین بلة من جراء هذه الإعدامات السیاسیة وازداد العناد والفجوة بین المسلمین والسیخ، حتى اجتمع السیخ بصورة منظمة في بنجاب بقیادة غوروغوبند سنغ الذي وضع حجر الأساس لمنظمة "خالصة"، وهي منظمة دینیة تهدف إلى تزوید السیخ بالتربیة العسكریة، فعززت منظمة "خالصة" حركة السیخ، وازداد نفوذها وقواها حتى بدأت تعتدى على المسلمین والهندوس دون التمیز بین الصغیر والكبیر، فارسل إلیها الملك المغولي فرخ سیر جیشا كبی ا ر بقیادة عبد الصمد خان. وحاصرهم في قلعة "جوبلي دونى جند" ثمانیة أشهر حتى أخضعهم للدولة وأخذ قائدهم بنده بهادر مع جمیع أعوانه أسرى، وقام بإعدامهم جمیعا في دلهي عام 1712 م. (19)
كما انتهزت قبائل الزط فرصة الحروب الداخلیة وقاموا بثورة على الدولة في الشمال، فأرسل إلیهم الملك المغولي فرخ سیر جیشا كبی ا ر بقیادة صمصام الدولة خان، وهزمهم شرهزیمة حتى ألقي القبض على "شرومن" الذي كان أحد الإقطاعیین في إله آباد وانتمى إلى قبیلة الزط وصار خلیفة ل " راجا موهن" الذي قام بقیادة حركة الزط قیادة حسنة في عهد أورنغ زیب، وأحضر صمصام الدولة شرومن في مجلس الملك فطاوعه، ثم إنقلب علیه فحاصرته جیوشه نحو عشرین شهرا (20)
 ویرجع تاریخ نشاطات قبائل الزط الثوریة إلى عهد جهانغیر، ثم رفعوا علم الثورة في عهد أورنغ زیب مرتین: المرة الأولى قاموا بثورة على الدولة تحت قیادة الإقطاعي المحلي المعروف ب"غوكلا" والمرة الثانیة قاموا بثورة على الدولة تحت قیادة راجا موهن الذي قادهم قیادة حسنة. ونحن قد نقدر مدى خطورة ثورتهم أن الملك المغولي أورنغ زیب سار بنفسه إلیهم للقضاء علیهم في كلتا المرتین. (21)
كما أن المراهتا (maratta) الذین أصبحوا ذوي شوكة قویة في الجنوب، وبدأوا یرفعون رؤوسهم ضد المسلمین في"دكن". ولكن هذه الثوراتالتي قام بها الراجبوت والسیخ والمراهتا لم تحقق نجاحا باهرا،لان ملوك المغول في هذه الفترة رغم تورطهم في الحروب الداخلیة، كانوا قادرین على القضاء علیها. ولكن السنوات القادمة قد شهدت أمواج الإستقلال وموجات الثورات، فقام حكام الولایات بإنشاء دویلات مستقلة منفصلة عن الدولة المركزیة المغولیة. وكان في مقدمتهم حكومة آصف جاه نظام الملك في "دكن" وحكومة سعادت علي برهان في"أوده" وحكومة علي وردي مهابت جنغ في بنغال، مما مهد سبلا للسیخ والمراهتا Maratta  والزط أن یقوموا بإنشاء دویلات مستقلة. فأنشأ السیخ دولة بقیادة رنجیت سنغ في بنجاب عام 1762 م، وأنشأت قبائل الزط دولة بقیادة شرومن في الشمال، كما أنشأ المراهتا (  Maratta) دولة في "دكن". وٕان هذه الدویلات المستقلة مازالت تشن الغارات على المملكة المغولیة وتنهش جسمها من كل جانب (22)
الحملات الخارجیة ضد المملكة المغولیة
وزاد الطین بلة من جراء حملات نادر شاه الذي بدأ بالهجوم أولا على قندهار وكابل، ثم تتابع هجومه على الهند الشمالیة حتى وصل إلى لاهور وكانت دلهي تغط في نوم عمیق في حین كان نادر شاه على مسافة 125 میلا منها، فأعد الملك محمد شاه جیشا لمواجهة نادر شاه، وتلاقى الجیشان عند "كرنال" في بنجاب، ولم یستمر القتال طویلا حتى انضم حاكم أوده إلى نادرشاه، فهزم نادرشاه الملك محمد شاه و اعتقله (23) . ثم دخل دلهي منتصرا فأباح المدینة لجنوده، فعاثوا فیها الفساد ونهبوا وقتلوا ودمروا، فشهدت مدینة دلهي من البأساء مالم تشهده من قبل. فقد قتل من أهلها أكثر من مائة ألف، وسلب منهم ملایین من الروبیات، هذا ما عدا عرش الطاؤوس الثمین الذي بناه الملك شاهجهان من الذهب الخالص والجواهر النادرة والذي توارثه الملوك منذ عهده. ثم رجع نادر شاه تاركا الهند جثة هامدة لا حراك فیها بعد أن مكث فیها أي في دلهي حوالى شهرین من 20 مارس إلى 15 مایو من عام 1740 م (24) .
وٕان الملك لم یفق من ضربة نادر شاه القاسیة التي هزت كیان الدولة ودمرت قواتها وأزالت هیبة المسلمین من النفوس حتى هاجم أحمد شاه الأبدالي الهند ثلاث مرات، وبدایة تمكن المغول من هزیمة الأبدالي وأجبروه على العودة إلى أفغانستان إلا أنه عاد مرة أخرى عام 1756 في عهد "عالم غیر" الثاني الذي أجلسه عماد الملك على العرش بعدما قام بعزل الملك أحمد شاه الذي كان تقلد العرش إثر وفاة أبیه، منفذا المؤامرات التي قام بها مع المراهتا، ففتح الأبدالي بنجاب وشن الغارات على دلهي وضواحیها، ثم تقدم إلى ماتور(Mathura (وآجرا(agra)، وعاد إلى وطنه "إیرhن" بعدما عین نجیب الدولة نائبا له على سرهند أو روهیل كهند.
وفي أثناء هذه الفترة ان المراهتا  Maratta إزداد لهم النفوذ والقوة إلى حد أنهم استولوا على دلهي بمساعدة من المتآمرین ضد نائب أحمد شاه ونائب الملك وفر نائب أحمد شاه الأبدالي مع ولي عهده إلى المشرق. أما الملك فقد ألقي القبض علیه، ثم قتله المتآمرون. فلما سمع الأبدالي عن هذه الفعلات الشنیعة استشاط غیظا وغضبا، وسار على رأس جیش عظیم إلى الهند. فوقعت عدة معارك بین الأبدالي والمراهتا
وهزمهم في جمیعها حتى كسر شوكتهم في المعركة الحاسمة التي وقعت في ساحة باني بت عام 1761 م (25) .
وبقیت دلهي أیاما بدون ملك، ولما انتصر الأبدالي في الحرب ضد المراهتا Maratta نادى بشاه عالم الثاني سلطانا على دلهي وكان في بنغال، فأقام مقامه ابنه "جوان بخت". ثم رجع إلى أفغانستان حیث توفى عام 1773 م.
سیطرة الإنجلیز على البلاد كلها
خلال هذه الفترة، وسَّع الإنجلیز نفوذهم وعززوا قواهم واستغلوا هذه الخصومات، فبینما كان الأبدالي یقضي على قوة المراهتا ((  Marattaفي ساحة "باني بت" كان الإنجلیز یحتلون بنغال بعد قتل سراج الدولة، ثم بدأوا یوسعون نفوذهم في البلاد بسرعة فائقة حتى شكلوا خطرا للحكومة الم ركزیة، فاندلعت الحرب عام 1664 م في ساحة باكسر  (Buxor)  بین الجیش الإنجلیزي و الجیش الملكي شاه عالم الثاني  الذي انهزم هزیمة نكراء حتى اضطر إلى تحویل حق الإشراف المالي على ولایات بنغال وأ وریسا وبیهار إلى الإنجلیز.
ثم هاجم الإنجلیز دلهي عام 1803 م وتسیطروا علیها وجعلوا الملك أسی ا ر في القلعة الحمراء (26) ، ودفعوا له مرتبا شهریا على أن یتولوا ادارة الشؤون للبلاد نیابة عنه، ثم لم یمكث طویلا حتى توفى عام 1808 م. وتولى الملك ابنه محمد الثاني الذي عاش طویلا كوالده في كفالة الإنجلیز الذین بلغت سیطرتهم حدا شمل الهند كلها تقریبا ومكث مدة طویلة في الحكم وتوفى عام 1837 م. ثم تولى العرش ابنه سراج الدین بهادر شاه ظفر الذي حكم البلاد نحو عشرین سنة بدون أیة سلطة في أمور الحكومة، فكان ظلا لا نفوذ له، وأصبح زمام السیطرة في أیدي الإنجلیز تماما، وبدأوا یعتدون على الهنود ولا سیما المسلمین إعتداء حتى قام الناس بثورة على الإنجلیز بقیادة الملك المغولي بهادر شاه ظفر عام 1857 م، ولكن خدعه بعض المسؤولین العسكریین، فانهزم الملك وجنوده بعد معارك دامیة بین جنود الإنجلیز وأهل الهند استمرت بضعة أشهر، وخضعت الهند كلها لإمرة الإنجلیز مع انهزام الجیش الهندي. فاستولى الإنجلیز على الهند كلها إثر فشل الثورة، والقي القبض على الملك، ثم قدم للمحاكمة، فحكم علیه بالنفي إلى "رنجون" (27) ، وبقي هناك حتى توفي في 7 نوفمبر من عام 1862 م فكان آخر ملك مسلم تولى الهند، وانتهت به الإمبرطوریة المغولیة.
المصادر والمراجع
1)      حركة التعلیم الإسلامي في الهند وتطور المنهج، الأستاذ محمد واضح رشید الحسني الندوي،المجمع الإسلامي العلمي، لكناؤ،الهند، عام 2006 م، ص 31
2)      الثقافة الهندیة ووصول المسلمین إلى الهند، تارا تشاند، ثقافة الهند، العدد الأول من المجلد الأول، مارس من عام 1950 م، ص 24
3)      فشن الغزنویون حملات متكررة بعد أن قام السبكتین بانشاء الدولة الغزنویة في غزنة عام 977 م التي إنشقت عن الإمب ا رطوریة السامانیة، ثم كون جیشا قویا لیحقق به رغباته التوسعیة ووجد الهند میدانا واسعا لتنفیذ خططه التوسعیة. فقام بشن الغا ا رت المتتابعة على الهند، وأعظمهم هجوما على الهند إبنه محمود الغزنوي الذي غ ا زها سبع عشرة مرة خلال سبع وعشرین سنة، وضم السنده وبنجاب إلى مملكته، وغنم ثروة واسعة. أنظر للتفاصیل The history of India, A.C. Banergy,p-308
4)      بابر لقبه، و معناه : النمر وٕاسمه ظهیر الدین محمد بن عمر شیخ میر ا ز، ینحدر من سلالة تیمور لنك وجنكیز خان.
5)      New Delhi, 1969, p-9 The Mughal Government, U.N.Day, Munshiram Manoharlal, 
6)      محمد یوسف كوكن، دولة المغول في الهند، دا ا رلحافظة للطباعة والنشر، مد ا رس، الهند، ص 18
7)      Private Ltd. Calcutta, 1960,Page-28 J. Sarkark, “Fall of the Mughal Empire, M.C. Sarkar &Sons
8)      أخذ اكبر زمام الحكومة في یده في عام 1556 م وكان عمره لا یناهز أربع عشرة سنة، وحكم أكبر خمسین عاما، مع أن أكبر كان أمیا ولكنه دبر أمور المملكة بالحكمة بحیث حیر الناس ، فیقول العلامة عبد الحي الحسني: "وهو أول من أظهر بالهند هیبة الملك بسعده، وأسس قواعد السلطة بعد الخلجي والسوري، ومهدها لمن بعده، وطالت أیام دولته حتى لا یعلم لأحد من السلاطین أنه مكث في الملك هذه المدة، ورزق من السعد والإقبال ما لم یرزق أحد من الملوك، واجتمع لدیه من أهل السیف والقلم مالم یجتمع عند غیره بعد الخلفاء العباسیین، وفي أیامه، فتحت بلاد كشمیر، وبلاد السند، وبلاد بنكاله، وبلاد كجرات، ومالوه وبرهانبور وغیرها، مات سنة أربع عشرة وألف، وكانت مدة حكمه إحدى وخمسین سنة"
9)      محمد یوسف كوكن، دولة المغول في الهند، دا ا رلحافظة للطباعة والنشر، مد ا رس، الهند، ص 18
10)  نفس المصدر، ص 22
11)  11 نفس المصدر،ص 27
12)    الإمام أحمد بن عرفان الشهید، الأستاذ محمد واضح رشید الحسني الندوي،المجمع الإسلامي العلمي، لكناؤ،الهند، عام 2006 م،ص 43
13)  كفاح المسلمین في تحریر الهند،عبد المنعم النمر،مكتبة وهبة شارع الجمهوریة، عام 1964 ، ص 20
14)      كفاح المسلمین في تحریر الهند،عبد المنعم النمر،مكتبة وهبة شارع الجمهوریة، عام 1964 ، ص 21
15)  Tara Chand , History of the freedom movement in India, Vol.1, p-39
16)  Tara Chand , History of the freedom movement in India, Vol.1, p-39
17)  17 A. L Srivastava,The Mughal Empire, p-414
18)  محمد یوسف كوكن، دولة المغول في الهند، دا ا رلحافظة للطباعة والنشر، مد ا رس، الهند، ص 188
19)  The Medieval India, by Satish Chandra: National Council of Educational Research and Training, New Delhi, 994, p225
20)  محمد یوسف كوكن، دولة المغول في الهند، دا ا رلحافظة للطباعة والنشر، مد ا رس، الهند، ص 192
21)  The Medieval India, by Satish Chandra: National Council of Educational Research and Training, New Delhi, 1994, p225
22)  The Medieval India, National Council of Educational Research and Training New Delhi, 1994p225
23)  History of Freedom Movement, Vol,1, p-106, compiled by Pakistan Historical Society group of editors under the chairmanship of Mahmud Husain.
24)  Jagdish Narayan Sarkar, A Study of Eighteenth Century India, Vol. 1, P-122
25)  الإمام أحمد بن عرفان الشهید، الأستاذ محمد واضح رشید الحسني الندوي،المجمع الإسلامي العلمي، لكناؤ،الهند، عام 2006 م،ص 44
26)  A. L Srivastava,The Mughal Empire, p-438-439
27)  ، البعث الإسلامي،مؤسسة الصحافة والنشر، لكناؤ، المجلد 52 ، ص 66

مواضيع ذات صلة
المغوليات, الملوكيات, دراسات, مقالات, نداء الهند،,

إرسال تعليق

0 تعليقات