ادعمنا بالإعجاب

الإسراء والمعراج: رحلة من مقاساة الإنسان إلى مواساة الرحمان

شرف الدين بن عبد الرحمان فوضفادم
هل هلال رجب، فقلوبنا مزدحمة بأورع  ذكرى الإسراء والمعراج، إن في ذكرى الإسراء والمعراج  معانيا وأفكارا متزاحمة فيها آيات بينات ودلائل واضحات وعبر رائعة وعظات بالغة تبهر العقول وتأخد بالألباب.

لقد كان الإسراء والمعراج النعمة العظمى التى فضل الله تعالى نبيه خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد بن عبد الله ÷ وحده، واصطفى الله بها قبل أن يهاجر المسلمون من مكة إلى المدينة حين كانوا يصابون ألوان الذل والهوان، فأصبحت هذه النعمة الربانية تسلية لقلوبهم وراحة لأنفسهم وطمأنينة لجوارحهم.
إن الإسراء والمعراج واقعة جليلة تاريخية ونعمة فضل الله بها الرسول الأمين، وتكريم
 خصه الله من بين رسله وأنبيائه بحيث لم يظفر بمثلها ملك مقرب ولا نبي مرسل سواه، لقد ميزه الله تعالى بهذه النعمة العظيمة في أصعب مرحلة من مراحل نبوته تخفيفا لحزنه العميق على فراق عمه وزوجته وما لاقاه من سفهاء مكة والطائف، وتجديدا لنشاطه حتى يسعى في دعوتهم وتزكيتهم
    واقعة الإسراء والمعراج
إن النبي ÷ بات ليلة الاثنين ليلة السابع والعشرين من رجب في بيت أم هانئ بنت أبي طالب، فجاءه جبريل تلك الليلة بدابة بيضاء ’البراق‘ وركبها ÷ وأخذ في رحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى المباركة حوله، ورأى  في سيره في الدنيا كثيرا من العجائب التى لم يكن  ÷ يراها من قبل حتى نزل ÷ في بيت المقدس، فدخل مسجد الأقصى وأحيا الله له آدم ومن دونه من الأنبياء عليهم السلام، فرآهم في صورهم فسلموا عليه وهنأوه بما أعطاه الله تعالى من الكرامة، فأمر جبريل عليه السلام بالصلاة إماما لهم فصلى ÷ بهم ركعتين إماما.
وبعد ذلك صعد جبريل عليه السلام برسول الله ÷ إلى السماوات العلى، وهذا هو ابتداء المعراج، وفتحت له أبواب السماوات السبع فرأى في السماء الأولى آدم عليه السلام، وفي الثانية عيسى عليه السلام، وفي الثالثة يوسف عليه السلام، وفي الرابعة إدريس عليه السلام، وفي الخامسة هاورن عليه السلام، وفي السادسة كليم الله موسى عليه السلام، وفي السابعة خليل الله إبراهيم عليه السلام ، فرأى ما رأى من العجائب فرحبوه بأعلى ترحيـبات وحيوه بأعلى تحيات، ثم ارتقى إلى العلى ورأى بيت المعمور وسدرة المنتهى وسائر عجائب الله تعالى.
ثم ثنى عليه السلام من تبارك وتعالى بأطيب التحيات، وسلم على نبيه المصطفي بأحسن التسليمات، حتى كلم الله جل شأنه وفرض على أمته هذه الليلة خمس صلوات كل يوم وليل.
فهذا هو الإسراء والمعراج الذين ذكرهما تبارك وتعالى في محكم تنـزيله "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع العليم"، وقوله "ما زاغ البصر وماطغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى".
خلفية الإسراء والمعراج
 إن مما لايخفى على وعي أي عاقل وحاكم أن السياحة هي اطمئنان لقلب قلق وتسلية لنفس حزين، فلا غرو أن الإسراء والمعراج  كان سياحة للنبي ÷ من قبل ربه تعالى بعد سنوات الأسى والمشقة، هنا نسوق انتباهاتكم إلى تلك السنوات.
   دخلت الدعوة الإسلامية إلى عامها العاشر، وبدأت أشعة الإسلام تدخل في بيوت المكيين شيئا فشيئا، ونبي الله محمد ÷ بين ظهراني مكة، انقلب الناس أعداء له، واستمرت معاداتهم له واشتدت حتى بلغت إلى حد كاد يتجاوز صبره ولم يظفر ÷ براحة وسعة، وقاموا خلافه ÷ سخرية واستهزاء وصدودا وعنادا ومقاطعة وإيذاء.
  ووقع ذلك بصورة  خاصة  عندما توفي عمه أبو طالب الذي أخذ على نفسه عهدا أن لا يسلم رسول الله
÷ لشيء يكرهه، وكانت حمايته بمثابة سد أمام الناس عداوة لرسول الله ÷ شهد له رسول الله إذ قال: ما نالت مني قريش شيءا أكرهه حتى مات أبو طالب، فلما مات أبوطالب اشتد المشقات من قبلهم".
 ومن بعدها بقليل ماتت زوجته ÷ السيدة خديجة الكبرى خليلته المعاونة على تبليغ الرسالة الحنيفة، وبموتها فقد رسول الله ÷ مؤاساتها وكانت تقوم بتهدئة الهم الذي كان يساوده من أنواع الإيذاء والإهانة التي كانت تصيبه من أبناء قومه، ووصفها ÷ بقوله : آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ أحرمني أولاد النساء، وقد قال جبريل: ليبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب ولا نصب، وأصبح موت عمه وزوجته عثرة شديدة في حياته ÷ واستمرت معاداتهم له ولم يجد رسول الله ÷ سدا يدفع بها وآنسة يؤنس بها، وحينئذ لم يكن له بد إلا أن ينطلق إلى أرض جديدة بعيدة من مكة تبلغ بها دعوة الإسلام، ويرتاح فيها نفسه فآثر ÷ مدينة الطائف- وهي تقع إلى الجنوب الشرقي من مكة على بعد خمسة وسبعين ميلا- وبها كانت تعيش قبيلة ثقيف ذات المكانة العظيمة التى تقارب مكانة قريش، وانتظر بالطائف آذانا صاغية لدعوته، وأفواها مجيبة لسؤاله وقلوبا واعية لرسالاته،  ولكن الآمال تبدلت بأضدادها حين بدأت الرحلة المباركة ومعه مولاه زيد بن حارثة يسيران على قدميهما، وبعد جهد جهيد ومسيرة أربعة أيام وصلا إلى الطائف بقلب مزدحمة بالآمال والأحلام.
ولكن لم يجيبوا لدعوته ولم يجد ÷ بها قلوبا واعية وآذانا صاغية، وجعل السفهاء يتبعون وراءه يرمون رسول الله لجبينه الشريف بالحجارة، حتى سال الدم من قدميه الشريفين، وتوالت المشقات بعضها فوق بعض ولم يفرغ من واحد إلا تبعها الآخر، وتتابعت البليات الإلهية بلية إثر أخرى، وفي هذه الآونة الحزينة اختار الله نبيه محمدا للإسراء والمعراج، وفضله بتلك السياحة الربانية حتى صار تلك الرحلة تسلية لقلبه وراحة لنفسه وتبشرة من الله تعالى، وهو معه يؤيده ويقويه، ولن يتخلى سبحانه وتعالى من نصرة عبده الخاضع للمحن والبليات حيث قال "حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء " (سورة يوسف 110).
علمية الإسراء والمعراج  
أما الإسراء والمعراج بمقاييس العقل ومعايير الفكر البشري  وانتصاراته العلمية في مجالات علم الفضاء واختراقه معجزة كبرى، وكان النقل السريع إحدى ملامحها بما لا يمكن للعلم مهما ارتقى وتقدم أن يلاحقها، فالإسراء والمعراج إعجاز للجن والإنس إلى قيام الساعة.
 فيوم سمع الناس بعروجه ÷ اعتبروا الصعود والعروج ضربا من الخيال واستعمالا مجازيا لا حقيقيا ولكنها تحققت في حياة الناس فيما بعد،
فعروجه ÷ معجزة باهرة لأن الارتفاع في الجو لمسافات عالية يسبب ضيقا في النفس وشعورا بالاختناق يزدادان كلما زاد الارتفاع حتى يصل الضيق إلى درجة حرجة وصعبة جدا، أما سبب ضيق التنفس فيعود لسببين رئيسين هما انخفاض نسبة الأكسيجين في الارتفاعات العالية، وانخفاض الضغط الجوي، وكل منهما يؤدي لصعوبة في التنفس وضيق يزدادان كلما صعد الإنسان عاليا حتى إنه يحصل نزوف من الأنف أوالفم يؤدي إلى الوفاة أيضا.
أنه  ÷ رغم هذه الصعبة والضيق في التنفس عرج إلى العلى فتجاوز السموات السبع وعاد سليما وأصبح صحيحا، فههنا يعجب العقلاء ويدهش الفحول والعلماء، كيف استطاع ÷ العروج بدون الهواء والتنفس, فيجيب الله تعالى بجواب مفحم "يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان"، وذلك معجزة من الرسول الأمي أيده الله بسلطانه القويم لا يدركه الفحول والعقلاء مهما طال بحثهم ودار عقلهم.
رسالة الإسراء والمعراج
إن العصر الذي يمر بها المسلمون اليوم  يعتبر من أخطر العصور التى مرت بهم في تاريخهم الطويل لأنهم مع هول الفاقة التى يعيشون فيها لم يدرك الكثير الخطر الماحق الذي يحيط بهم، وقد ظلمنا في عقر ديارنا، وقد نفينا عن بلداننا بإسم الاستعمار الجديد الذي يترأسه أمريكا.
فالإسراء والمعراج إنذار للمسلمين وتنبيه لهم لأن مسرى رسول الله أسير في أيدي اليهود، فعلى عنق كل مسلم أن يحموا المسجد الأقصى ويدافعوا عنه ويخلصوه من قوى الشر والبغي والعدوان.
فيا أيها المسلمين لا تتركوا الأرض المقدسة المباركة حولها لفساد اليهود والنصارى، فإن اليهود لا تقف مطامعهم عندما اغتصبوه من أرض فلسطين بل يحلمون بخريطة من النيل إلى الفرات ثم يثبون على العالم كله .
فعلى المسلمين أن يتخذوا العظة والعبرة ويتعظوا من واقعة الإسراء والمعراج، ويعتروا بها في زوايا عيشهم.
فأضع على ذمة كل المسلمين تحرير الأماكن المقدسة فعلينا أن نعيد لأمتنا مجدها ووقارها، وأن نرد لها عظمتها وقهرها عملا بقوله تعالى "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" نسأل الله تعالى أن يعز دينه ويعلى كلمته ويؤيد المسلمين والله ولي التوفيق


مواضيع ذات صلة
أدبيات, الأشعار, الكتب, دراسات, مقالات, نداء الهند،،نداء الهند,

إرسال تعليق

0 تعليقات