ادعمنا بالإعجاب

لمحات مع الهجرة النبويةالعاطرة

رفيق أحمد كولاري الهدوي
نائب عميد كلية شمس العلماء العربية، تودار، كرناتك
وقد شهد شهر المحرم الحرام  لعدة الوقائع الإسلامية الكبيرة التي لا تنسى على ممر الأيام وكر الليالي، أفضلها قدرا وأعظمها منزلة واقعة الهجرة النبوية. وقد أشار اليها القرآن أيضا بقوله:"والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" (الحشر :9)، وكلما يطلع علينا عام هجري جديد يلقننا دروسا وعبرا لن تبلي جدته ولن تمر حلاوته الىأبد الأباد، وهي دورس شاملة متنوعة الجوانب ومتعددة الأطراف.


وإن هذا الشهريلقننا ان السلوك على طريق الحق والاعتصام بالتعاليم الإسلامية النيرة من أشد الشدائد وأصعب المتاعب، ليس هو أمرا ميسورا ولقمة سائغة  كما يفهم كل من هب ودب. ووقعة كربلاء ومقتل إمامنا الحسين وأعوانه أفضل دليل على هذا،
ولان الدسائس العدوانية من قبل أعداء الإسلام تصرف قواتها وأسلحتها لقمع شأفة الإسلام ويجهدون على زرع العراقيل والموانع من كل نوع في سبيل الحق كي يمتنع أهل الحق عن التأسي بالإسلام وتعاليمه البناءة. ومن الحقائق الناصة التي لا ينكرها إلا جاحد معاند ان أهل الحق مع رغم تلك المصائب الشرسة والمشاكل البشعة التي واجهوها في سبيل الدين أنه اذا ثبتوا على الحق ثبوت الجبال الراسيات والتزموه فان الله تعالى جل وعلا يفتح عليهم أبواب المساندة من حيث لا يحتسبون ويمطر عليهم مطر الوسائل والأسباب التي لا يعلمون كما قال الله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا (العنكبوت :69)
والهجرة النبوية في ظاهر صورتها كانت هجرة من مكة ونعماءها الىالمدينة التي لا أنيس لهم فيها كما قال الشاعر:
أقمت بدار لا أنيس بأرضها
وان حلها بعد الوفود وفود
كانت خروجا من أوطانهم الحبيبة الى أرض الغربة وفلاحا بالدين القيم والعقيدة الراسخة الإسلامية من برثن كفار قريش ومصائبهم التي استمرت سنوات عدة بكل ضرب. ولكنها في الحقيقة  كانت تنقلا من الوهن الدنيوي الى القوة الإيمانية وتحولا من ضيق الدنيا الى سعة الاسلام. ولم تكن هذه الهجرة عن مكة المكرمة واقعة مفاجئة وقعت دونما اي تخطيط وعدة، وإنما كانت تحت خطة مستمرة نبوية وأمر رباني. ولم يقصر النبي صلى الله عليه وسلم في عملية التخطيط وإعداد العدة وتوفير الوسائل أي تقصير. فلذا اثمرت ثمرة يانعة ممتازة من نوعها لم تعهدها الجالية الانسانية قبلها ولن تراها بعدها الى يوم التناد، وشهدت البشرية كلها غربا وشرقا نتائج معسولة، ومنها بناء المجتمع البشري على الدستور الالهي القويم والذي كان فيما بعدها أسوة وقدوة للأجيال القادمة.
والدورس التي تلقننا الهجرة النبوية كل عام أمامنا فيما يلي " السعي لنفاذ عملية المشاورة بين الطوائف البشرية والمؤاخاة فيما بينهم علىأساس الدين مع اختلاف حضارتهم وتركيز خاص على تطور الحياة الروحية الربانية والوئام والانسجام بين النسمة الانسانية كافة مع اختلاف جنسياتهم وأعراقهم وألوانهم واجتثاث الطقوس الجاهلية والأخلاق الرذيلة وما اليها من ذلك نفصل بعضا منها بتفصيل موجز.
الأول: السعي لنفاذ عملية المشاورة بين الطوائف البشرية: بذل النبي صلي الله عليه وسلم قصارى جهده المتواصل من أول يوم نزل بالمدينة المنورة ان تكون المشاورة أساس التحكيم والقضاء فيما بينهم. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمارس الشورى معهم في جميع شؤونه مهما كان شخصيا واجتماعيا حضاريا كان أو دينيا ثقافيا كان أو مدنيا. فجعل أصحابه شركاء في إظهار الرأي وتطوير المجتمع الإنساني والأخد بما هو الأنفع والعمل على ما هو الأصلح للناس جميعا. وذلك أمر الهي أيضا كما قال الله تعالي:"وشاورهم في الأمر فاذا عزمت فتوكل على الله" (آل عمران :159). وصف الله جل جلاله وعم نواله عباده المؤمنين بهذه  الصفة الفريدة حيث قال "وأمرهم شورى بينهم" (الشوري :38). وصهر النبي صلى الله عليه وسلم أتباعه وأعوانه وأنصاره في هذه الطريقة الربانية المتينة حتى فازوا فوزا عظيما.
الثاني : المؤاخاة فيما بينهم علىأساس الدين : مارس النبي صلي الله عليه وسلم فعلية المؤاخاة المثالية بين أصحابه المهاجرين والأنصار بأحسن طريق. وبهذه المؤاخاة الفذة المنقطع النظير مهد النبي صلي الله عليه وسلم طرفا واسعا لقلع العصبية الطائفية التي استمروا عليها سنوات لا تعد ولا تحصى. ومن خلالها جعلهم إخوة في كل نواحي حياتهم حتى صار كل فرد من الأنصار والمهاجرين عضوا فعالا وركنا ركينا في أسرتهم العريقة حيث يشارك أحدهم آلامه وأحلامه بأخيه. فالمهاجر يعتمد علىأخيه الأنصاري والأنصاري يقاسم ماله ومناله مع أخيه المهاجر حتىأزواجه او إحدي زوجيه التي كان يطلقها ليزوجها أخاه المهاجر كما شهدت صفحات التواريخ. وكل هذه الوقائع عن رضا قلب وطيب نفس من غير اي إجبار من النبي صلي الله عليه وسلم ولم تعرف الجالية البشرية مثيلا لها من قبل.
الثالث المهم : تركيز خاص على تطور الحياة الروحية : ركز النبي صلى الله عليه وسلم على الحياة الدينية والحضارة الروحية التي كان المقصد الاول من بعثته صلى الله عليه وسلم فسعى لبناء المساجد التي لم تكن مكانا خاصا للعبادة والرياضة الإلهية فقط. وانما كانت مركزا للتعليم والتعلم وصرحا دعويا لنشر التعاليم الإسلامية السمحة على مستوى الدول ومنبرا للقيادة الدينية وموضعا لدارسة القضايا العويصة الاجتماعية والعائلية. فكان المسجد في عصره المبارك مركزا بسيطا ساذجا متماشيا مع ظروف المجتمع البشري في ذلك العهد النبوي.
والرابع الأخير : اجتثاث الطقوس الجاهلية والأخلاق الرذيلة : اعتني النبي صلى الله عليه وسلم من هجرته الىالمدينة المنورة لاستئصال الأخلاق الدنية والخصائل البشعة والطقوس الفاسدة والتقاليد الكاسدة التي تجذرت في المجتمع الجاهلي منذ العصور القديمة لتعالي بالثروات الهائلة الفانية والمناصب العالية والتفاخر بالقبائل ووأد البنات وشرب الخمور والتحارب والتحارش فيما بينهم لامر هين وغير ذلك من المفاسد.  وجعل مكان هذه العادات أخلاقا قرآنية وخلة نبوية وطريقا إسلاميا من الوئام والانسجام، الصداقة والامانة، التراحم والتعاطف حتى التزم المسلمون في عصره هذه الخصائل السنية سلوكا عاما في مسار حياتهم قاطبة حتى حازوا على النعيم الخالد.
وعصارة ما قلنا ان الهجرة النبوية بجميع معانيها ومظاهريها وشعائرها ما زالت درسا وعبرة لكل جيل من الاجيال في جميع العصور مهما كانت عصرنا المتجدد المعاصر المثقف اي عصر التقنية الاختراعات الحديثة. فالضرورة الآن ان نتأسي بهذه الدورس والعبر في حياتنا الاجتماعية والفردية والعائلية والحضارية جميعا ونتخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم. وهو المدار والاساس لنجاتنا في الدارين كما قال القرآن: وما آتاكم الرسول فخدوه وما نهاكم عنه فانتهوه.



مواضيع ذات صلة
أدبيات, الأشعار, الكتب, دراسات, مقالات, نداء الهند،،نداء الهند,

إرسال تعليق

0 تعليقات