ادعمنا بالإعجاب

في ذكرى الشيخ إبراهيم الفيضي الأريكلي بقلم: محمد سراج الدين الرحماني وينغور


          بقلم:    محمد سراج الدين الرحماني وينغور 
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: إن الله عز وجل لا ينتزع العلم انتزاعا من الناس بعد أن يؤتيهم إياه ولكن يذهب بذهاب العلماء فكلما ذهب عالم ذهب بما معه من العلم حتى إذا لم يبق إلا رؤساء جهالا إن سئلوا أفتوا بغير علم فيضلون ويضلون- رواه الشيخان
العلماء مشكاة العالم، انطفائها يؤديه إلى وهدات الاكفهرار والديجور. مصداقا للحديث النبوي الشريف المعمورة لا تبرح تهوى إليها يوما فيوما بانتزاع العلماء ..... فينة بعد فينة ينزع العلماء والعلوم ونباريس الدراية والعرفان تكاد تتضائل وتضمحل في مر الأعوام والعقود. وفي الآونة الأخيرة (21\ مايو \ 2011 – يوم السبت ) انطفئ نبراسها فضيلة الشيخ الأستاذ الحبر المتبحر العالم الوقور الراحل إبراهيم الأريكلي وانتقل إلى رحمة الله وجواره مخلفا ثلمة لا تسد وخسارة تفدح في الأوساط العلمية والروحية.
مسيرة حياته ودراسته
كما أنجبت ديار كيرالا بوجه عام والمليبار الشمالي بوجه خاص جما غفيرا من العلماء الجهابذة والفضلاء العباقرة ، أنجبت الأرومة الأريكلية في دفعتها الممتازة فضيلة الأستاذ إبراهيم الفيضي الأريكلي. ولد سعادة الأستاذ ابنا للشيخ أحمد مسليار والسيدة عائشة سنة 1935 م في أسرة عريقة في العلم والأدب والعرفان وشهيرة بالتقوى والزهد والتكلان، تدعى "الأريكل". وكان أبوه من أبرز علماء عصره وقضاته وأدبائه حتى تولدت من يراعه المتين مؤلفات شتى مثل "الدر المنظم في مناقب الغوث الأعظم" و"الدرر النفيسة في مناقب سيدة النفيسة" و"النور الأول" و"نجم قرة العين لفتح المعين". وكان له شوكة في البلدان المجاورة في الشؤون الروحية والمادية حتى كان الناس يقطعون عتبة بابه حينا حينا، ولله در من قال: "الولد سر أبيه"
وكان بيته أول مهد للاستفادة  والتعلم وتلمذ أولا على أبيه نفسه حيث تعلم على يده الكتب الابتدائية من بينها الميزان في الصرف، وبعد ، لازم فضيلة الأستاذ العالم البارز الشيخ إبراهيم مسليار الأتيوتي حينما اشتغل مدرسا بشرونور وقرأ عليه ألفية ابن مالك رحمه الله. وبعد تعلماته الابتدائية قد تبحر وتمهر في شتى الفنون والعلوم بواسطة الدروس المختلفة بأماكن متنوعة من بينها الدروس المشهورة بنادافرم و فاركدو و تاليفرمب وغيرها. وقد أجدف مجداف حياته التربوية مع أخيه الكبير لأبيه أيضا سعادة الشيخ الفاضل الشهير في العلم والآداب العربية من الشعر والنثر الراحل عبد الرحمن الأريكلي حيث تعلما معا في الدرس المسجدي بنادافرم تحت إشراف الشيخ العالم النحرير كنجي عبد الله المشهور ب"كيزنا اور" طوال خمس سنوات. وكان من الأقدار الربانية أن يشتغلا معا بمنصب الأستاذ بكلية الرحمانية العربية بكدميري طول عقود.
وقد حظي فضيلة الأستاذ في حياته التربوية باقتباس العلوم والفنون مباشرة من شفاه كبار علماء كيرالا مثل فضيلة الشيخ شمس العلماء وفضيلة الأستاذ أبو بكركوتو مالا وفضيلة العلامة كنجي عبد الله الكيزني وسعادة السيد إسماعيل شهاب الدين الفانوري وفضيلة العالم أحمد مسليار الشهير ب"كزكل أور"- تغمدهم الله بغفرانه وجمعنا بهم في فسيح جنانه.
باكورة لخريجي الجامعة النورية العربية
وقد امتاز فضيلة الأستاذ بمزايا كثيرة وشمائل غزيرة . من أهمها أنه كان الأول في سلك الفيضيين و أحد البواكير الأربع للجامعة النورية العربية بفيضاباد محظوظين بأن توجوا بإكليل شهادة الفيضي في الوهلة الأولى بأن تخرجوا في الجامعة النورية التي هي أولى الجامعات والكليات بولاية كيرالا التي لم تشهد قبل كلية أخرى للتحصيل والتخرج. وكان مع فضيلة الأستاذ في الدفعة الأولى يوسف مسليار الكاسركودي وعلوي كوتي الوالكلمي ومحمد كوتي. وقتئذ كان في دفعة المختصر فضيلة الأستاذ محمد مسليار الكمرمفتوري – وهو الآن أستاذ بالجامعة منذ  سنوات، وفضيلة السيد علوي بافقيه وفضيلة الأخ محمد الموكامي. وكان التحاقه بهذه الجامعة السعيدة للتعليمات العالية والتحقيقات الفائقة في العلوم والآداب من عند أستاذه الفاضل أحمد المسليار الشهير ب"كزكل اور" بينما يدرس بقرية كلنكل. رغم أن أخاه فضيلة الشيخ الراحل عبد الرحمن الأريكلي أشار له للالتحاق بمدرسة دار العلوم بديوبند، اختار فضيلة الأستاذ الجامعة النورية لأوليتها وأولويتها في سلك المعاهد الدينية بكيرالا للتحصيل والتخرج.
وقد أودع فضيلة الأستاذ وراء كواليس هذا الرأي الفيصل للالتحاق بالجامعة حكمات جمة وخيرات عدة كما رمز إليها نفسه في مقابلة شخصية أجازها لمجلة "سني أفكار" ومن أبرزها توفر الأساتذة العظام في عصره بل في العصور بحذافيرها والتلمذ على أيديهم. ومن بينهم فضيلة الشيخ شمس العلماء وفضيلة الشيخ أبو بكر المسليار الكوتومالي . ونضيف إلى ذلك حقيقة باهرة من أن المتعطشين إلى التروي بحياض العلوم الشرعية يقدرون التعلم بأيدي هؤلاء العلماء الكبار أعز من الزبرجد الأحمر. ومن دواعي الالتحاق بالجامعة طيفه الفائق للتوغل في ميدان اللغة العربية والغير العربية من الأردوية والإنجليزية بيد أن اللغات الغير العربية إنما كانت متوفرة لدى الجامعة بعد السنتين الأوليين تحت إشراف فضيلة الشيخ كي بي عثمان صاحب وغيره.
وجدير بالسرد هنا واقعة دالة على إقرار الأساتذة ملكاته في العلم والأدب. وقد تعجب منه الأساتذة بالجامعة في الوهلة الأولى عند ما قاموا بمقابلة شخصية لدخول الجامعة للدفعة الأولى. وكان الذي قام بالمقابلة فضيلة الشيخ عبد العزيز المسليار الأينكودي.    وكبار الأساتذة من فضيلة الشيخ كوتومالا وغيره حولهما فقرأ أمامهم كتاب المطول حسبما طلبوا، وبينما هو يقرأ وصل لفظ "سياق" فسأله الأستاذ عن مراده فأجاب فورا بقوله " آخر الكلام أو لاحقه" وأضاف قائلا أن لفظ " سباق" كثيرا ما يورد في الكتب ومراده سابق الكلام. فلما سمع الأساتذة من الطالب الأول للجامعة أجوبة شافية كافية ظهر على محياهم ملامح الهشاشة والبشاشة وقال فضيلة الأستاذ كوتوملا للجنة المقابلة : تمتعوا بإجازة هذا التلميذ، إنه يعلم الأمور بأسرها"
وكذلك وقعت حادثة أخرى تدل على براعته في العلم. هذا فصل الامتحان بالجامعة. وقد كان هناك سؤال في امتحان صحيح مسلم عن اختلاف الأئمة في محل سجود السهو – وهو في المذهب الشافعي قبيل السلام – فأجابه فضيلة المرحوم بجواب شاف كاف بما أعاد النظر والمطالعة في شرح مسلم للإمام النووي رحمه الله على تحقيقه  في هذا المبحث حاكيا عبارته بصفتها ولكن الأساتذة ترددوا في هذا الجواب بعبارة شرح مسلم هل أجابه نظرا للكتاب أم لا. أخيرا عثروا على ملكته الراسخة في الحفظ والكتابة بعد أن فتشوا الأمر وبان خلاف ما وهموا، وأغدقوا عليه شآبيب التهاني والتبريكات. وتعلم فضيلته صحيح مسلم وجامع الترمذي على يد فضيلة الأستاذ كوتومالا وكتاب الموطأ وحمد الله وكتاب النسائي على يد شيخنا شمس العلماء. وقد أقر فضيلته أن دورهم وعاداتهم في حياتهم قد أثرت فيه كل التأثير.
التقوى هو زاده والوقار هو زيه
وكان فضيلة المرحوم تقيا نقيا ورعا زاهدا عما يغفل عن ذكر الله ويبعد عن رحمته. وكانت حياته حياة متواضعة بسيطة. ومما يرمز إلى زهده وقناعته صفحة من حياته نشرها فضيلته بنفسه بعد ما أكره  على التفوه عن حالات الاحتفال الاول للجامعة، الذي أتيح له الشهادة فيه. وجرى ذلك الاحتفال بينما يشتغل مدرسا في "ترولور" وكان قد ارتدى جبة بالية ولما سئل هل تأخذ الشهادة مرتديا هذه الجبة؟ أجاب قائلا : ما في الجبة من شيئ" وأخذ الشهادة من اليد المباركة للسيد أحمد فوكويا الفانكادي. وقد أضمر فضيلة الأستاذ في صميم قلبه لوعته الشخصية من أن تلك الشهادة قد تعرضت للنار بأيدي RSS الحزب الهندوسي المتطرف بينما هو يدرس في "مما كون" المجاورة لتلاشيري، ففي رمضان اندلعت اضطرابات طائفية في تلك المحلة فأطلقوا النار على المسجد حتى تعرض للنار الصندوق الذي وضع فيه فضيلة الاستاذ شهادته وكتبه عندما خرج إلى بلده في إجازة رمضان فاحترقت وهلكت.
وكان كثير الاهتمام بالعبادات مفروضة كانت أو مندوبة. ويدل على اعتنائه به تجربة طلاب كلية الرحمانية بكدميري من أنه إذا لم يستطع أن يصلي مع الجماعة الراتبة فيسأل أحدا من الطلاب أن يقتدي به في صلاته لئلا يفوته فضيلة صلاة الجماعة. وقد تعجب منه بعض الطلاب عندما رأوه يتهجد في الليالي حينما كان بمستشفى كلية الطب بكاليكوت وبرجله عصابة لما قطع الطبيب اصبع رجله من شدة مرض السكر.
  غرة مليبارية في جبهة عالم الشعر العربي
وكان فضيلة الأستاذ غرة مليبارية في جبهة عالم الشعر العربي مثل أبيه فضيلة الشيخ أحمد مسليار الأريكلي وأخيه لأبيه فضيلة الشيخ عبد الرحمن الأريكلي. وكان للأرومة الأريكلية دور هام في تطوير الشعر العربي في ضفات كيرالا. وقد نشأ فضيلة الأستاذ وتبرع في الشعر العربي على يد أخيه فضيلة الشيخ عبد الرحمن الأريكلي ( الأريكل الأول ). وكان له صولة وجولة في هذا المجال.
وقد قرض الشعر في الحوادث العصرية وفي رثاء العلماء والصلحاء. ولكن أشعاره لم تكن منشورة في الخارج بيد أنها كتبت بخط اليد  في مجلات الكلية الرحمانية وغيرها. ( وقد نشرت مجلة "النور" في عددها الأخير قصيدة له في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ) يقول في قصيدته عن الاعتداءات العنيفة بيد الفرعون المعاصر جورج بوش:
       لو كنت تنظر لا ترى إلا صوا                       ريخا أتت من حاملات دمار
                عجبا لفرعون الحديث وسعيه                     طوعا لصهـــيونــيــة الغدار
                أعني المذمم بوش جن جنونه                       في بغــضــه لـلأمـة الأبرار

وكذلك يبكي شعره "حمدا لبارينا" و"أبكاني محدثات العصر" عن التسربات العصرية في الأمة المسلمة.
________________________________________________________
رثاه الشيخ محمد طيب الفيضي كيتيري حفيد الشيخ الفقيد الأريكلي

مواضيع ذات صلة
أدب كيرالا, أعلام كيرلا, كيرالا,

إرسال تعليق

0 تعليقات