( دراسة أخوية :الأسرة المخدومية أصل التراث الفقهي في ولاية كيرلا)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلامُ على خاتمِ النبيين وإمام المرسلين نبينا
محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه، وسار على نهجه إلى يوم الدين أما بعد:
فإن لله تعالى نعما عظيمة على عباده لا تعد ولا تحد؛ لكن من أعظمه“ا
نعمة إنزال الكتاب المبين وإرسال الرسول الأمين، فبهذين المصدرين صلحت أحوال
الناس، واستنارت عقولهم وفهمهم. ومن أهم المهمات وآكد الفرائض والواجبات أن يعرف
العبد ربه ويهتدي إليه بهدي الأنبياء والمرسلين والعلماء والصالحين حتى يعبده على
بصيرة الموقنين.
وقد أمر الله تعالى بالتفقه في الدين وبتبليغ ذلك العلم إلى الآخرين
فقال: ﴿وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة
ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون﴾[1].
ولذلك قد قام بتعلم العلوم الاسلامية المختلفة وبتعليمها ونشرها أئمة علماء وأعلام
فقهاء من لدن الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم جيل اثر جيل وقرن بعد قرن.
ومن الحقيقة ان الاسلام وعلومه قد انتشرت في انحاء العالم بجهد
العلماء المخلصين والدعاة المتقين، ولو لم يكن جهدهم واجتهادهم في نشر العلوم
الاسلامية بين العالمين لكانت العلوم الاسلامية قد اندرست بمر الزمان، ولكن الله
اراد ان يجعلهم أسبابا لنشر دينه وورثة لأنبيائه عليهم الصلاة والسلام أجمعين،
فأدوا مسؤوليتهم وفدوا بأنفسهم لنشر دين الله تعالى في كل أنحاء العالم متمثلين
بما ورد في جوامع الكلم للمصطفى صلى الله عليه وسلم قوله من حديث معاوية رضي الله
عنه: "يا أيها الناس تعلموا إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه ومن يرد الله
به خيرا يفقهه في الدين".[2]
وعلى رأس العلماء بعد الرسل أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنهم
هم الفقهاء على الكمال، الذين تلقوا العلم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام،
وتفقهوا في كتاب ربهم وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام، وعملوا بهما، ونقلوا علومهم
فيهما إلى من بعدهم من التابعين، حتى نقلت إلينا بالطرق المحفوظة الثابتة التي لا
يتطرق إليها الشك، نقلها الثقات عن الثقات، والثقات عن الثقات، حتى وصلت إلى هذا
القرن. فإن نقل العلم من طرق الثقات عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثم عن الصحابة
إلى من بعدهم؛ إقامة للحجة، ودعوة إلى الحق، وتحذير من الباطل، وتبصير للعباد بما
خلقوا له من عبادة الله وطاعته جل وعلا.
وللقيام بهذه المهمة العظيمة ارتحل العلماء إلى الأمصار، واتصلوا
بالعلماء في كل قطر؛ فتجد الصحابة رضي الله عنهم - وهم أفضل الناس بعد الأنبياء-
ينتقلون من بلاد إلى بلاد؛ ثم جاء العلماء بعدهم من التابعين، هكذا فعلوا جيلا بعد
جيل، وارتحلوا وتجولوا في أنحاء العالم طالبين العلم لوجه الله الكريم، وتبصروا في
دين الله حتى بصروا الناس، وأرشدوهم إلى الطريق السوي، وعلموهم القواعد الشرعية
التي بها يعرف كتاب الله تعالى سبحانه وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث
أنهم اهتدوا بهدي الدين الحنيف.
فوجب علينا أن
نعرف لهم قدرهم، ونعرف جهودهم ومساهماتهم، وأن نشكرهم على علمهم العظيم، وعلى ما
قاموا به من حفظ رسالة الله وتفقيه الناس في دين الله، وأن نستفيد بما دونوه،
وخلفوه من الكتب المفيدة والعلوم النافعة، حتى نعرف بذلك الاحكام والشرائع.
وهذه محاولة تساعد الباحثين والقارئين للتعرف على إمام كبير ولد في
جنوب الهند وذاع صيته في أجواء الأرض، الإمام أحمد زين الدين بن محمد الغزالي
المخدوم الشافعي المليباري الهندي وللبحث عن خدماته ومساهماته في العلوم الإسلامية
لكي يستفيد كل من يريد الاستفادة من أعماله الدعوية والتأليفية ويستنير من نور
علومه المختلفة.
الفصل الأول: الإمام زين
الدين المليباري الهندي حياته ونشأته العلمية
إن الشيخ زين الدين بن محمد الغزالي بن زين الدين بن علي بن أحمد
المعبري٣ [3]المليباري الشافعي من
أجلّ العلماء الهنود في القرن التاسع الهجري (القرن الخامس عشر الميلادي) وصاحب
مؤلفات عديدة باللغة العربية في العلوم الإسلامية والدعوة والإرشاد والتاريخ
والنحو والصرف والعروض وغيرها وخاصة في الفقه.
المبحث الاول: مولده
وأسرته
اسمه: الشيخ أحمد زين الدين بن القاضي محمدالغزالي بن الشيخ الإمام زين الدين
المخدوم الكبير[4] بن الشيخ القاضي علي بن الشيخ أحمد المعبري الشافعي الفناني
المليباري الهندي، وهو معروف بزين الدين المخدوم الصغير أو المخدوم الثاني كما أن
جده زين الدين بن علي معروف بزين الدين المخدوم الكبير أو المخدوم
الأول.
ولد الإمام بقرية ‘جوبان’(تشومبال Chombal ) من مديرية ‘كنّورˁ (Kannur) (وهناك اختلاف
المؤرخين في موضع ولادته- بعضهم يقول انه ولد بتشومبال، وبعضهم يقول بفنّاني
والمعتمد أنه ولد في تشومبال) سنة ۹٣۸هـــ = ١٥٣٢م، وكان أبوه
محمد الغزالي الجوباني[5] عالما كبيرا ورعا مشهورا، وقد تزوج امرأة صالحة
ذات ورع من أسرة إسلامية مشهورة، وكان الإمام زين الدين المليباري إبنا لهذين
الوالدين الكريمين[6].
وكان الامام من العلماء الفائقين والائمة المحققين والصوفية المتقين،
أشرقت به وبآبائه (المخدومين) أنوار العلم والهداية في جنوب الهند خاصة في ولاية
كيرالا الهندية، ولعائلة الامام زين الدين يد طولى في نشر العلوم الإسلامية واللغة
العربية وآدابها في الهند. ولا تزال عائلته معروفة في بلدة ‘فنّاني’ (Ponnani) في مليبار’’(Malabar) بكيرالا في جنوب الهند،
عائلة علم وفقه وأدب ودعوة، ويطلق عليها أهالي ‘مليبار’ عائلة المخدومين’ ويدعى كل فرد منها بلقب ‘مخدوم’ .
مسجد فُنّانْ ( كان) مركز المخدومين على طراز قديم
ويقول المؤرخون ان جذور هذه العائلة الخادمة لدين الله تصل إلى
البلاد العربية أي إلى بلاد اليمن حيث أنهم تركوا بلادهم لنشر دين الله في أنحاء
العالم وجابوا في العالم وأتوا إلى منطقة ‘معبر’ الواقعة في الجنوب الشرقي لساحل
مليبار المعروفة الآن باسم ‘كوراماندل’[7]. وهذه الأسرة قد
وصلت إلى بلاد مليبار في أوائل القرن التاسع الهجري الخامس عشر الميلادي، ثم
استقرت فيها واندمجت أهلها بأهل مليبار حتى صاروا ملجأ لأهل هذا البلد في مشكلاتهم
وملاذا في ملماتهم، وكانا مثلا في الصدق وحب الخير وقاموا بإرشاد الناس إلى القيم
العليا وإلى الرشد والنجاح، وتقيدوا بتعاليم الإسلام في حياتهم الفردية
والإجتماعية والسياسية والثقافية بل في جميع مجالات الحياة المختلفة، وعلموا
الأجيال جيلا بعد جيل صلاحية هذا الدين لكل عصر ومصر وسماحته ويسره.
المبحث الثاني: حياته
العلمية
للرجال الأخيار صفاتهم ومناقبهم تميزهم عن غيرهم، ومن هذه الفضائل
حبهم للعلم منذ صغرهم، ومن هؤلاء الأخيار الإمام زين الدين المليباري رحمه الله
رحمة واسعة الذي كان حريصا على طلب العلم وعاشقا للدين. وقد تلقى الإمام زين الدين
المليباري مبادئ العلوم الدينية من والديه الكريمين المعروفين بالعلم والثقافة،
وبعد وفاة والده في صغر سنه تربى في حضانة عمه الشيخ عبد العزيز المخدوم المعبري
المليباري الذي كان مدرسا وشيخا في المسجد الجامع ب‘فنّاني’ عقب وفاة والده الشيخ
زين الدين المخدوم الأول والتحق بدرسه، وفي هذه المدة حفظ الإمام القرآن بكامله واشتغل
بتعلم العلوم الإسلامية الأخرى.
وحينما أنعم الله عليه بفرصة السفر إلى بلد الله الحرام للحج والعمرة
والزيارة ارتحل إلى مكة المكرمة وأدى فريضة الحج وزار مدينة الرسول صلى الله عليه
وسلم وروضته الشريفة وشاهد الآثار الإسلامية، ثم قضى الإمام مدة عشر سنوات في تلك
الأرض المقدسة منتهزا فرصته لصحبة مشائخها وفضلائها ولنيل العلوم من كبار علمائها
وأئمتها وللتبحر في العلوم الإسلامية والفنون المختلفة.
وكان للشيخ زين الدين الثاني صلة روحية وثيقة بمسالك الصوفيين
الأتقياء والأولياء الأصفياء، وقد تلقى علم التصوف من الشيخ أبي الحسن البكري
الصديقي[8] رحمه الله وأخذ منه البيعة على الطريقة القادرية قبيل فجر يوم الجمعة
العاشر من شهر رمضان المبارك في سنة 966هــــ =1587م حين كان في مكة المكرمة[9]. وكان للشيخ زين الدين المليباري اتصال دائم وعلاقات
علمية مع أعيان علماء عصره بالمراسلات والمحاورات إلى أن تم تصنيف كتاب في تلك
الأسئلة الفقهية وأجوبتها التي دارت بينه وبين أئمة زمانه الكبار، اسمه: ‘الأجوبة
العجيبة من الأسئلة الغريبة’.
المبحث الثالث: شيوخه
وأقرانه
إن الإمام المليباري قد أخذ العلم من مشايخ متعددين وعلماء متبحرين،
وتلمذ على أئمة العصر وشيوخ الإسلام والمسلمين وصار متبحرا في العلوم الإسلامية
والفنون المختلفة واستطاع أن رسم مسار المسلمين في ديار مليبار وأضاء لهم نور
الرشد والصلاح وأثّر فيهم بمؤلفاته الثمينة إلى أن بقوا على منهج الإسلام السليم
حتى الآن.
ومن أبرز شيوخه:
1.
شيخ الإسلام والمسلمين خاتمة المحققين مفتي الحرمين الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر
الهيتمي المصري مولدا المكي مدفنا[10]. وكان معجبا
بتلميذه المليباري لفرط ذكائه وحرصه على طلب العلم، وقد ذكر غير واحد من مؤرخي
مليبار أن الشيخ ابن حجر الهيتمي قد زار مليبار وجلس في المسجد الجامع بفنّاني
الذي كان تلميذه زين الدين المليباري الثاني مدرّسا فيه[11]،
ويقول البعض انه صنف بعض فتاواه، وربما تكون النسخة القلمية من فتاوى ابن حجر
الموجودة في مكتبة أحمد كويا الشالياتي المليباري هي تلك التي ألفها الإمام الشيخ
ابن حجر الهيتمي أثناء اقامته في فنّاني[12] .
2.
الشيخ عز الدين بن عبد العزيز الزمزمي (900هـــ - 976)[13].
3.
الإمام مفتي الحجاز واليمن وجيه الدين عبد الرحمن بن زياد (943هــــ - 975).[14]
4.
شيخ الإسلام عبد العزيز بن زين الدين المخدوم الكبير (914هــــ - 994)[15]
5.
الشيخ أبو الحسن البكري الصديقي[16]، وهو تلميذ شيخ
الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى.
6.
الإمام المفتي السيد عبد الرحمن الصفوي.
وقد استفتى الشيخ المليباري في بعض المسائل المهمة لعلماء عصره
الكبار مثل الإمام شمس الدين محمد بن أحمد الرملي (919هـــ - 1004) الملقب
ب‘الشافعي الصغير’ وصاحب ‘نهاية المحتاج في شرح المنهاج’، والإمام شمس الدين محمد
بن أحمد الشربيني الشهير بالخطيب المتوفى سنة977هــــ صاحب ‘مغني المحتاج في شرح
المنهاج’، والإمام العلامة مفتي اليمن تقي الدين عبد الله بن عبد الله بن أحمد
بامخرمة الشيباني الحميري(907هــــ - 972)، والإمام العلامة عبد الرؤوف بن يحيى بن
عبد الرؤوف المكي الشافعي تلميذ الشيخ أحمد بن حجر الهيتمي.
ومن أقران الإمام
المليباري:
وقد استطاع الإمام أثناء حياته الدراسية أن يعايش مع أصحاب كبار
وشركاء أجلاء، وكان من أشهر أقرانه الشيخ السيد أبو بكر بن سالم الحضرمي، والشيخ
العيدروسي الأحمدآبادي، والإمام ملّا علي القاري، والإمام الشيخ ابن عبد الله
السقاف الحضرمي، والشيخ العلامة عبد العزيز والد الشيخ القاضي محمد الكاليكوتي،
والشيخ عبد القادر الثاني الكنّوري، والشيخ أبو الوفاء محمد بن علاء الدين الحمصي،
والشيخ السيد شاه الحميد ميران الناغوري.
المبحث الرابع: وفاته
وآراء العلماء عنه
وفاة الإمام: وقد اختلف أقوال المؤرخين في تاريخ وفاة الشيخ الإمام
زين الدين المليباري، وقد كتب المؤرخ المصري الدكتور عبد المنعم النمر في كتابه
‘تاريخ الإسلام في الهند’ ان الشيخ المليباري قد توفي سنة ۹۹١هــــــ = ١٥۸٣م[17]،
وهذا القول مخالف لما كتبه المؤرخون المشهورون جورجي زيدان وكارل بروكلمان وخير
الدين الزركلي حيث انهم ذهبوا إلى أن الإمام قد توفي سنة 987هـــــ = 1579م.
وأما ما ذكره جورجي زيدان ومن معه فليس بصحيح لأن الشيخ زين الدين
المليباري قد تحدث في آخر كتابه ‘تحفة المجاهدين’ عن حوادث سنة ۹۹١هـ = ١٥۸٣م، وكيف يكتب عن الحوادث
التي وقعت بعد وفاته، ويحتمل أن يكون رأي الدكتور عبد المنعم النمر المصري مستنبطا
من هذه الوجهة.
ولكن القول المعتمد والمتجه ما ذكره المؤرخ المليباري الكبير الشيخ
محمد علي مسليار النّليكوتي في كتابه الجليل ‘تحفة الأخيار في تاريخ علماء
مليبار’من أنه توفي سنة 1028هــــ، فيكون عمره عند وفاته قرابة تسعين سنة[18].
آراء العلماء عن الإمام
المليباري:
قال الإمام السيد أبو بكر بن محمد شطا الدمياطي الشافعي في مقدمة
حاشيته على فتح المعين ‘إعانة الطالبين’ عن الإمام المليباري: "العالم
العلامة العارف الكامل مربي الفقراء والمريدين والأفاضل، الجامع لأصناف العلوم، الحاوي
لمكارم الاخلاق مع دقائق الفهوم"[19]، وقال أيضا في
خاتمة حاشيته عندما يتكلم عن دعاء الإمام في خاتمة كتابه ‘فتح المعين’: "وقد
أجاب الله المؤلف بعين ما طلب فعم النفع بالشرح المذكور شرقا وغربا، وشاما ويمنا،
وذلك لانه رضي الله عنه كان من أكابر الصوفية، وكان مجاب الدعوى رضي الله عنه
ونفعنا بتراب أقدامه آمين"[20].
وقال الإمام علوي بن أحمد بن عبد الرحمن السقاف في حاشيته على فتح
المعين ‘ترشيح المستفيدين’ عن كتاب الإمام ‘فتح المعين’: "ان كتاب فتح المعين
للإمام العلامة والحبر الفهامة الشيخ المليباري رحمه الله تعالى مما كثر نفعه وعظم
عند أهل العلم وقعه لاتيانهمن مذهب الإمام الشافعي بالزبده، ومن كلام المتأخرين
بالصفوة مع تجنبه النوادر واقتناصه الشوارد....".[21]
الفصل الثاني: خدمات
الإمام العلمية
ان الإمام المليباري كان نجما يهدى به الى الحق ومصباحا يستضاء به في
طريق الخير ومتميزا بسمات الشرف والكرامة والهيبة والوقار، وقد ترك لنا عددا من
آثاره الرائعة في المجالات العلمية والثقافية والسياسية والإجتماعية. وخدماته قد
رفعته إلى مكانة عالية في قلوب المليباريين بل في قلوب العالمين حتى اشتهر عالما
راسخ القدم في علوم الفقه والتصوف والتاريخ وسياسيا حكيما ضد ظلمة المستعمرين
واجتماعيا مؤثرا في حياة المليباريين، ويرجع هذا الشرف والعظمة إلى- الأول: تعدد
منابع ثقافته وعلمه، فقد درس علوم اللغة العربية والقرآن والأحاديث النبوية والفقه
الإسلامي والتصوف من علماء العرب والعجم، وتبدو هذه المنابع في ثروته الضخمة التي
تركها لمن وراءه في مؤلفاته العديدة. الثاني: مؤلفاته في مختلف العلوم الإسلامية.
الثالث: تدريسه بالجامع الكبير بـ‘فناني’، وأعماله الدعوية في أنحاء الديار المليبارية.
الرابع: خدماته في المجال السياسي والإجتماعي.
المبحث الأول: مجلسه
للتدريس
وقد أقام الإمام رحمه الله في مكة زهاء عشر سنوات مغتنما أيام إقامته
فيها للحصول على ألوان من العلوم النافعة المختلفة ومن الثقافة الرفيعة من روافد
متعددة، منها شيوخه وأساتذته ومنها مطالعاته وقراءاته ومنها مناظراته ومناقشاته
ومحادثاته لغيره من الفقهاء والمحدثين والصوفيين، وخلال هذه الفترة الطويلة التي
قضاها بمكة علا قدره واتسع علمه وتبحر في شتى فنون العلوم الإسلامية، ثم رجع إلى
بلده ملازما رغبته في خدمة العلوم الإسلامية تدريسا وتأليفا، فبدأ يعمل في الخدمات
الدينية في مجالات مختلفة، وجلس رحمه الله للتدريس مع عمه وشيخه عبد العزيز
المخدوم المليباري في الجامع الكبير بــ‘فنّاني’ الذي كان ملجأ لطلاب العلم الشرعي
من شتى أنحاء العالم،
الجامع الكبير بــ‘فنّاني’ الذي كان يدرس فيه المخدامة
وقد أجمع علماء ‘كيرالا’ الذين عاصروا الإمام المليباري والذين جاءوا
من بعده على عظيم منزلته في الفقه الإسلامي وجلالة درجته في العلوم الإسلامية
الأخرى، فلذا لا يوجد فقيه من فقهاء ‘كيرالا’ إلا وقد اعتمد على مؤلفاته أو استفاد
من خدماته القيمة التي قدمها للأمة الإسلامية. وقد نصر الإمام المليباري العلوم
الإسلامية لانتشارها في أنحاء الديار المليبارية بغزير علمه وبالغ حكمته من خلال
حلقات دروسه المؤثرة ومؤلفاته القيمة وتلامذته المهرة.
المصباح
المشهور الذي كان يتخرج الطلاب من هنا
ومن كبار
تلامذته:
وكان للإمام كثير من التلاميذ الكبار النجباء في البلاد المختلفة،
الذين سمعوا منه، ورووا عنه، ونهلوا من منهل علمه وثقافته، وساروا على نهجه،
وتأثروا بزهده وعلمه وتواضعه وتقواه، ومن أبرزهم:
1) الشيخ الإمام العلامة عبد الرحمن بن عثمان المعبري الفناني
المليباري (948هــ=1541م-1029=1619)، وهو ابن فاطمة بنت زين الدين المخدوم الأول
المليباري جد الإمام أحمد زين الدين المخدوم الثاني. وكان عالما كبيرا من علماء
أسرة ‘المخدوم’، قد أخذ العلم أولا عن والده الشيخ عثمان المعبري، وبعد وفاته
التحق بدرس خاله الشيخ عبد العزيز بن زين الدين المليباري في الجامع الكبير
بــ‘فناني’، ثم تلمذ على الإمام أحمد زين الدين المليباري وأخذ منه فنونا من
العلوم الإسلامية، وقد تولى الشيخ عبد الرحمن منصب ‘المخدوم’ بعد شيخه وأستاذه
الإمام المليباري[23]
2) الشيخ العلامة القاضي جمال الدين بن الشيخ عثمان المعبري الفناني،
هو أخو عبد الرحمن بن عثمان المعبري الفناني المليباري المذكور قبله.
3) الشيخ القاضي جمال الدين محمد بن الشيخ القاضي ناصر الدين عبد
العزيز الكاليكوتي المليباري (980هــ/1572م= 1025/1616) أشهر قضاة ‘كاليكوت’
اطلاقا، الفقيه الأصولي، الحكيم المتكلم، المفسر المحدث المؤرخ، الأديب اللغوي
الشاعر، الصوفي المربي، وصاحب مؤلفات عديدة تنيف على خمسين، وأكثرها منظومات،
منها: ‘الفتح المبين للساموتري’، و‘نظم قطر الندى’، و‘ونظم الأجناس في علم الصرف’،
وغير ذلك[24].
4) الشيخ الإمام عثمان لبّا القاهري[25]،
وهو من كبار علماء عصره، وكان عالما لغويا وأديبا ماهرا، وقد وصفه تلميذه القاضي
محمد الكاليكوتي بأنه شخصية عديمة المثل، وكان يلتف حوله خلق كثير دائما يستفيدون
من علومه[26]
5) الشيخ القاضي سليمان القاهري، وغيرهم من العلماء والفقهاء
الأجلاء.
فهكذا قد تخرج من مدرسة الإمام أحمد زين الدين المليباري كثير من
المفسرين والمحدثين والفقهاء والأصوليين والأدباء واللغويين والمتكلمين والصوفيين،
وانتشروا في كل أنحاء مليبار، بل في كل أرجاء العالم هادين الناس إلى طريق الحق
والصواب، وناشرين المذهب الشافعي في بلادهم، وصاروا سببا لنشر دين الله تعالى في
مشارق الأرض ومغاربها. وإن الديار المليبارية قد استفادت من هذه المدرسة ومن شيخها
منهجا موافقا لجوها في مجالها التربوي والتعليمي، حيث اقتبست من شعلتها نور
التجديد والتحديث في مجالات الدعوة والإرشاد. والمسلمون المليباريون قد بدءوا
إقامة حلقات الدروس في جوامعهم في مدنهم وقراهم تبعا للمدرسة التي أُقيمت في
الجامع الكبير بـــ‘فناني’، وتبعوا منهجها ونظامها حتى اشتهر هذا النظام في مختلف
أرجاء الديار المليبارية باسم ‘منهج المخدوميين’ أو ‘منهج فنانيˁ.
المبحث الثاني: مؤلفاته
وآثاره العلمية
ولقد توسعت خدمات الإمام المليباري رحمه الله العلمية من براعته
ومهارته في التدريس والمحاضرات إلى إمامته في التأليف والتصنيف، فنزل منزلة لائقة
به في هذا المجال، وعلى الرغم من أنه لم يكن عربيا في المولد والمنشأ، أصبح عربي
التثقف والتحضر بجده واجتهاده، وكان يحب اللغة العربية حبا صادقا إلى أن صارت
حياته العلمية مبنية على الثقافة العربية الإسلامية في كل ربوعها، وان سيرة حياته
دالة على هذه الحقيقة، لأنه لم يترك من آثاره العلمية إلا وقد يخطر ببال القارئ
أنها من مؤلفات كاتب عربي مبين وليس من أعجمي أبدا، لدقة عباراتها وحسن اختيار
ألفاظها وجزالة أساليبها اللغوية، وقد وقع ذلك حقا ان بعض المؤرخين قد أظهر ترددهم
في أنه من علماء بلاد العرب أو من بلاد الصين[27].
هذا شأن كل عالم مسلم يريد أن يحقق نهضة علمية وثقافية، يختار اللغة
العربية لغته المفضلة، يتعمق في علومها- من صرف ونحو وبلاغة وأدب- ويقوم بتدرسها
على وعي وعلم، ويطلق بها لسانه ويكتب فيها بفصاحتها وبلاغتها، ويخدم لها ويجتهد
لنشرها، حرصا على انتشار لغة القرآن ولغة رسول الإسلام ولغة أهل الجنة ولغة ثقافة
المسلمين أجمعين في كل أرجاء العالم، وهذا ما يمكن أن يرى كل من ينظر إلى الإمام المليباري
رحمه الله أنه قد استمد لغته العربية من معينها عند العرب الخلص بالمكث بينهم
حوالي عشر سنوات[28] ثم قام بتدريسها وأطلق لسانه بها وكتب فيها
مؤلفاته القيمة التي اشتهرت بسلامة لغتها وسهولة عباراتها وقوة استدلالاتها في شتى
بقاع الأرض.
فإن دورالإمام رحمه الله واضح في إثراء المكتبة الإسلامية واللغة
العربية وإشعال الحركات العلمية والنهضة الثقافية بمؤلفاته المؤثرة، وقد نالت كتبه
مكانة عظيمة عند العلماء والفقهاء والطلاب من العرب والعجم لأنها قد ظهرت فيها
غزارة علم مؤلفها وتوقد ذهنه، ولأنها ذات قيمة عالية في مستواها العلمي والثقافي،
وبعضها قد أخذ عناية كبيرة من العلماء الكبار حتى من علماء العرب بوضعهم الحواشي
والشروح عليه، وبعضها قد أُدرج في المناهج الدراسية في بعض الكليات والجامعات
الإسلامية وغير الإسلامية.
ومصنفاته هذه تتناول شتى فروع العلم والمعرفة، لا سيما الفقه
الإسلامي حسب مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، ولقيت إعجاب القراء والباحثين على
مدى القرون ومدار الأزمان، وحلت محل القبول في الدوائر العلمية في العالم
الإسلامي، ولا تزال مقبولة عند المسلمين وغيرهم في شتى أنحاء العالم، وخاصة لا
تزال مؤلفاته الفقهية متداولة لدى الشافعية في كثير من البلدان العربية والإسلامية
وغيرها.
مؤلفاته الفقهية
ولا شك في ان الشيخ المليباري رحمه الله إمام الشافعية في الديار
المليبارية على الإطلاق لأن مؤلفاته الفقهية قد نالت مكانة كبيرة عندهم حيث يرجعون
إليها في مسائلهم الفقهية ويرجحون أقوالها عند اختلاف الآراء في الأحكام ويفتون
بآرائها في فتاواهم[29]. وحقا ان المؤلفات والمصنفات هي
طرق علمية ووسيلة حقيقية إلى التعرف بآثار مؤلفها في طريقه العلمي وإلى المعرفة عن
جهوده المنشودة التي تركها وراءه، فإن الإمام المليباري رحمه الله قد خلّف آثاره العلمية
مفيدة لجميع العالمين بعده، ونورا يمشون به في طرقهم إلى الحق والخير. وللإمام
المليباري رحمه الله مشاركة في التأليف في الفقه والتصوف والحديث والتاريخ وغيره،
ولكن مؤلفاته الفقهية هي التي كسبت له شهرة كبيرة أكثر مما كسبتها مؤلفاته الأخرى.
ومن هذه المؤلفات الفقهية:
1) قرة العين بمهمات
الدين
إن الإمام المليباري رحمه الله قد صنف كتبا قيمة نفيسة في الفقه
الإسلامي على مذهب الإمام الشافعي رحمه الله أثناء حياته العامرة بالعلم والعمل،
ومن أبرزها ‘قرة العين بمهمات الدين’، وهذا الكتاب خير شاهد على براعته ومهارته في
فن التصنيف والتأليف حيث طوى الكتاب سعة بحار الفقه بين دفتي كتاب صغير حجمه وكثير
نفعه وعظيم شأنه، فهو كتاب مختصر في الفقه على مذهب الإمام الشافعي رحمه الله كما
أشار إليه المصنف نفسه في مقدمته: "الحمد الله الذى هدانا لهذا وما كنا
لنهتدي لولا أن هدانا الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله
وصحبه الفائزين برضا الله. وبعد، فهذا مختصر في الفقه على مذهب الامام الشافعي
رحمه الله تعالى، وسميته بــ‘قرة العين بمهمات الدين’ راجيا من الرحمن أن ينتفع به
الأذكياء وأن تقر به عيني غدا بالنظر إلى وجهه الكريم بكرة وعشيا"[30]. ويقول الشيخ السيد أبو بكر ابن السيد محمد شطا
الدمياطي [31]المحشي المشهور لـ ‘فتح
المعين بشرح قرة العين’ عن سبب تسمية الإمام رحمه الله لكتابه هذا بــ‘قرة العين’:
"وسماه بهذا الاسم لأنه يحصل به سرور وفرح لمن يطلع عليه"[32].
ثم لما رأى الإمام رحمه الله أن كتابه ‘قرة العين بمهمات الدين’ يصعب
على طلبة العلم فهمه وتحليل مسائله، لأنه كتاب موجز ومختصر مع ما فيه من معظم
الأبواب الفقهية، ورأى أنه قد مست حاجة العامة والخاصة إليه، فشرحه بنفسه شرحا
كافيا حل مشاكله وبين غوامضه وسهّل على طلبة العلم فهمه، وسماه ‘فتح المعين بشرح
قرة العين بمهمات الدين’. ونال هذا الشرح شهرة فائقة لم ينلها كتاب آخر من مؤلفات
علماء مليبار، وهناك مؤلفات قيمة من كبار العلماء والفقهاء حول هذا المتن الفقهي
شرحا ونظما[33].
فإن كتاب ‘قرة العين بمهمات الدين’ للإمام المليباري رحمه الله
يعتبر من أهم المتون الفقهية في مذهب الإمام الشافعي رحمه الله الصادرة من أقلام
علماء مليبار، بل من أقلام علماء الشافعية في العالم، حتى أنه حصل على مكانة كبيرة
عند المليباريين وغيرهم.
(2 فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين
كما أشير إلى أن الإمام المليباري رحمه الله لما رأى أن كتابه ‘قرة
العين’ صعب على طلاب العلم فهمه وتحليل عباراته قد توجه إليه بشرح كاف وبيان واضح،
وسماه بــ‘فتح المعين بشرح قرة العين’. وقد نال هذا الكتاب منزلة عالية بين كتب
الفقه على مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، حيث أنه يبقى متداولا بين
الشافعية في كثير من البلدان الإسلامية وغير الإسلامية، ويدرّس في كثير من المعاهد
والكليات والجامعات الإسلامية في بلاد مثل مصر والحجاز والشام وبغداد وإندونيسيا
وماليزيا وسنغافورة وسريلنكا وسوماليا وغيرها، وطبع مرارا في مليبار وفي البلاد
العربية. وفي الديار المليبارية يعتبر هذا الكتاب مرجعا أساسيا في المسائل
والأحكام الفقهية، وكتابا يفتى به في جميع ما يتعلق بحياتهم مما يحتاج إلى رأي
فقهي. وقد تم فراغ المصنف من تبييض هذا الكتاب –كما ذكره هو في خاتمة هذا الكتاب-
ضحوة يوم الجمعة الرابع والعشرين من شهر رمضان في عام اثنين وثمانين وتسعمائة من
الهجرة (982هـ)[34].
وإن هذا الكتاب قد لعب دورا عظيما في نشر مذهب الإمام الشافعي رحمه
الله في جنوب الهند خلافا لبقية أنحائها حيث ان السواد الأعظم من مسلمي الهند على
مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان رحمه الله. وكان هذا الكتاب قد دُرّس في القرون
الماضية في كثير من حلقات الدروس المشهورة في مستوى العالم مثل الحلقات بالحرمين
الشريفين وبجامع الأزهر الشريف بمحضر كثير من طلاب العلم من شتى أنحاء العالم، إلى
أن أدى بعض هذه الحلقات إلى وضع التقارير والحواشي على هذا الكتاب من قبل أساتذتها
وعلمائها الكبار، وبعضهم قد أشار إلى ذلك في مقدمة حاشيته على ‘فتح المعين بشرح قرة
العين بمهمات الدين’ حيث قال: "...وبعد فيقول أفقر الورى إلى ربه ذي العطا
أبو بكر بن المرحوم محمد شطا: إنه لما وفقني الله تعالى لقراءة شرح العالم العلامة
العارف الكامل مربي الفقراء والمريدين والأفاضل الجامع لأصناف العلوم الحاوي
لمكارم الأخلاق مع دقائق الفهوم الشيخ زين الدين بن الشيخ عبد العزيز[35] بن العلامة الشيخ زين الدين مؤلف ‘هداية الأذكياء إلى طريق الأولياء’
بن الشيخ علي بن الشيخ أحمد الشافعي المليباري الفناني المسمى بــ‘فتح المعين بشرح
قرة العين بمهمات الدين’ بمحفل من طلاب العلم العظام تجاه البيت الحرام كتبت عليه
هوامش تحل مبناه وتبين معناه، ثم بعد تمام القراءة طلب مني جملة من الأصدقاء
والخلان أصلح الله لي ولهم الحال والشان تجريد تلك الهوامش وجمعها فامتنعت من ذلك
لعلمي بأني لست ممن يرقى تلك المسالك واعترافي بقلة بضاعتي وإقراري بعدم أهليتي،
فلما كرروا علي الطلب توسلت بسيد العجم والعرب فجاءت البشارة بالإشارة وشرعت في
التجريد والجمع مستعينا بالملك الوهاب وملتمسا منه التوفيق للصواب..."[36].
وهذا أيضا مما يزيد من منزلة هذا الكتاب وأهميته عند الشافعية في
العالم كله أن كثيرا من العلماء العرب وغير العرب قد قاموا بوضع الحواشي على هذا
الشرح الفقهي وأفادوا بتدريسه لطلاب العلم في حلقات دروسهم. ولا شك أن هذه الحواشي
والشروح قد سهلت للمسلمين طرق الوصول إلى عمق معاني هذا الكتاب وإلى الإستفادة به
في حياتهم العلمية بل في جميع مجالات حياتهم المختلفة، فزادت اهتمام الشافعية بهذا
الكتاب القيم في شتى أنحاء العالم.
وقد قام بعض علماء المليباريين بترجمة هذا الكتاب إلى اللغة المحلية
(لغة ‘مليالم’) لكي يستفيد منها عامة الناس ويتتبعوا منه المسائل والأحكام بسهولة،
وبعض هذه الترجمات قد تم عمله مع شروح بسيطة، وهذه أيضا تدل على شعبية هذا الكتاب
عند الشافعية في ديار مليبار وعلى اهتمامهم به. ولم يوجد أي كتاب فقهي من علماء
مليبار قد نال هذا الإقبال العظيم من قبل العلماء والفقهاء. وإن علماء المليباريين
لايزالون يهتمون بقراءة هذا الكتاب وبتعلمه وتعليمه حتى انهم لا يعتبرون من لم
يدرس هذا الكتاب عالما أوفقيها مهما كان متبحرا في مختلف فنون العلم.
وقد أثنى على ‘فتح المعين’ كثير من العلماء العرب والعجم، فهذا شاعر
يمني من كبار علماء الفقه الإسلامي من الجزيرة العربية يصفه بقوله:
يا من يريد
النجاحا
وللــــــــــــــــــــعلـــــــــــــوة افــــــــــتتــــــــاحـــــــا
فتــــــــح المعـــــين
فــلازم
لـــــــــــــــه مســــــــــــاء وصـــــــــــبــاحــــــــــا
واجعله خيـــــــــر
سيــر
تعطى الهــــــــدى والفـــــــــلاحا
غـــــــص فــــي معانـــــــــــيه
تلق كنوز فتوى صحاحا[37]
فهذه الأبيات تدل على مدى القبول الذي حصل عليه ‘فتح المعين’ بين
العلماء والفقهاء وعامة الناس بما فيه من الكنوز العلمية والمعارف الفقهية حيث ان
العلماء اعتبروه مخازن العلم والفقه، كما قال فيه الشاعر العالم الفاضل المولوي
فريد بن محيي الدين البربري[38] المتوفى سنة 1300هــ في
قصيدته المشهورة:
فتـــــــــــح المعــــين كتــــــاب
شـــــــــأنــــــــــه عـــــــجـــــــب
حوى من الفضل ما لم يحوه كتــــــب
وقد رقى في اخــتـــــصـــــار اللفــــــظ
ذروتـــــــــه
حتــــــــــى تهون على حفاظــــــه الكــــــرب
كــــــــــم مــــــــــــــــن لآلي
حســـــــان فيــــــــــــه
كامــــــنــــــــــة
عن غــيـــــــــر أهل لها تخفى
وتحتــــجب
وقد حوى من نصوص الشافــعي
ومن
منصوص أصحابه ما كان ينتخب
أحــــــــــــــــــــكام
مــــــــــــــــذهـــــــــــــــــــبنــــــــــــــــا فـــيــــــــــــه
مبوبة
أثنى على حسن تأليــف لـــــه
العــرب
فــــــــــــــلا
تبــــــــــــــــــــــــــال بـــــــــــمــن زاغــــــــــت
بصيرته
عن قدره فهو أعـمى فاتــــه
الشـــــنب
فيـــــــــــــــــه الغــــــــــنى
غــــــــالبا عـن سـائر
الكتب
وذاك فضل عليـــــــنا شكــــــــــــره يجـــــــب
فهذه كلها شهادة العلماء الكبار على قبولية ‘فتح المعين’ بين
الشافعية من العرب والعجم، فلا شك في أنه كتاب قل في وجه الأرض وجود مثله وجل في
العالم فضله وشرفه.
---------------------------
زيادة : مشاهدة فيديو "الشيخ محمد شقير كتاب فتح المعين
للشيخ زين الدين المليباري "المضاربة" 24-2-2009 فراس السقال
( دراسة أخوية :الأسرة المخدومية أصل التراث الفقهي في ولاية كيرلا)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلامُ على خاتمِ النبيين وإمام المرسلين نبينا
محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه، وسار على نهجه إلى يوم الدين أما بعد:
فإن لله تعالى نعما عظيمة على عباده لا تعد ولا تحد؛ لكن من أعظمه“ا
نعمة إنزال الكتاب المبين وإرسال الرسول الأمين، فبهذين المصدرين صلحت أحوال
الناس، واستنارت عقولهم وفهمهم. ومن أهم المهمات وآكد الفرائض والواجبات أن يعرف
العبد ربه ويهتدي إليه بهدي الأنبياء والمرسلين والعلماء والصالحين حتى يعبده على
بصيرة الموقنين.
وقد أمر الله تعالى بالتفقه في الدين وبتبليغ ذلك العلم إلى الآخرين
فقال: ﴿وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة
ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون﴾[1].
ولذلك قد قام بتعلم العلوم الاسلامية المختلفة وبتعليمها ونشرها أئمة علماء وأعلام
فقهاء من لدن الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم جيل اثر جيل وقرن بعد قرن.
ومن الحقيقة ان الاسلام وعلومه قد انتشرت في انحاء العالم بجهد
العلماء المخلصين والدعاة المتقين، ولو لم يكن جهدهم واجتهادهم في نشر العلوم
الاسلامية بين العالمين لكانت العلوم الاسلامية قد اندرست بمر الزمان، ولكن الله
اراد ان يجعلهم أسبابا لنشر دينه وورثة لأنبيائه عليهم الصلاة والسلام أجمعين،
فأدوا مسؤوليتهم وفدوا بأنفسهم لنشر دين الله تعالى في كل أنحاء العالم متمثلين
بما ورد في جوامع الكلم للمصطفى صلى الله عليه وسلم قوله من حديث معاوية رضي الله
عنه: "يا أيها الناس تعلموا إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه ومن يرد الله
به خيرا يفقهه في الدين".[2]
وعلى رأس العلماء بعد الرسل أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنهم
هم الفقهاء على الكمال، الذين تلقوا العلم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام،
وتفقهوا في كتاب ربهم وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام، وعملوا بهما، ونقلوا علومهم
فيهما إلى من بعدهم من التابعين، حتى نقلت إلينا بالطرق المحفوظة الثابتة التي لا
يتطرق إليها الشك، نقلها الثقات عن الثقات، والثقات عن الثقات، حتى وصلت إلى هذا
القرن. فإن نقل العلم من طرق الثقات عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثم عن الصحابة
إلى من بعدهم؛ إقامة للحجة، ودعوة إلى الحق، وتحذير من الباطل، وتبصير للعباد بما
خلقوا له من عبادة الله وطاعته جل وعلا.
وللقيام بهذه المهمة العظيمة ارتحل العلماء إلى الأمصار، واتصلوا
بالعلماء في كل قطر؛ فتجد الصحابة رضي الله عنهم - وهم أفضل الناس بعد الأنبياء-
ينتقلون من بلاد إلى بلاد؛ ثم جاء العلماء بعدهم من التابعين، هكذا فعلوا جيلا بعد
جيل، وارتحلوا وتجولوا في أنحاء العالم طالبين العلم لوجه الله الكريم، وتبصروا في
دين الله حتى بصروا الناس، وأرشدوهم إلى الطريق السوي، وعلموهم القواعد الشرعية
التي بها يعرف كتاب الله تعالى سبحانه وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث
أنهم اهتدوا بهدي الدين الحنيف.
فوجب علينا أن
نعرف لهم قدرهم، ونعرف جهودهم ومساهماتهم، وأن نشكرهم على علمهم العظيم، وعلى ما
قاموا به من حفظ رسالة الله وتفقيه الناس في دين الله، وأن نستفيد بما دونوه،
وخلفوه من الكتب المفيدة والعلوم النافعة، حتى نعرف بذلك الاحكام والشرائع.
وهذه محاولة تساعد الباحثين والقارئين للتعرف على إمام كبير ولد في
جنوب الهند وذاع صيته في أجواء الأرض، الإمام أحمد زين الدين بن محمد الغزالي
المخدوم الشافعي المليباري الهندي وللبحث عن خدماته ومساهماته في العلوم الإسلامية
لكي يستفيد كل من يريد الاستفادة من أعماله الدعوية والتأليفية ويستنير من نور
علومه المختلفة.
الفصل الأول: الإمام زين
الدين المليباري الهندي حياته ونشأته العلمية
إن الشيخ زين الدين بن محمد الغزالي بن زين الدين بن علي بن أحمد
المعبري٣ [3]المليباري الشافعي من
أجلّ العلماء الهنود في القرن التاسع الهجري (القرن الخامس عشر الميلادي) وصاحب
مؤلفات عديدة باللغة العربية في العلوم الإسلامية والدعوة والإرشاد والتاريخ
والنحو والصرف والعروض وغيرها وخاصة في الفقه.
المبحث الاول: مولده
وأسرته
اسمه: الشيخ أحمد زين الدين بن القاضي محمدالغزالي بن الشيخ الإمام زين الدين
المخدوم الكبير[4] بن الشيخ القاضي علي بن الشيخ أحمد المعبري الشافعي الفناني
المليباري الهندي، وهو معروف بزين الدين المخدوم الصغير أو المخدوم الثاني كما أن
جده زين الدين بن علي معروف بزين الدين المخدوم الكبير أو المخدوم
الأول.
ولد الإمام بقرية ‘جوبان’(تشومبال Chombal ) من مديرية ‘كنّورˁ (Kannur) (وهناك اختلاف
المؤرخين في موضع ولادته- بعضهم يقول انه ولد بتشومبال، وبعضهم يقول بفنّاني
والمعتمد أنه ولد في تشومبال) سنة ۹٣۸هـــ = ١٥٣٢م، وكان أبوه
محمد الغزالي الجوباني[5] عالما كبيرا ورعا مشهورا، وقد تزوج امرأة صالحة
ذات ورع من أسرة إسلامية مشهورة، وكان الإمام زين الدين المليباري إبنا لهذين
الوالدين الكريمين[6].
وكان الامام من العلماء الفائقين والائمة المحققين والصوفية المتقين،
أشرقت به وبآبائه (المخدومين) أنوار العلم والهداية في جنوب الهند خاصة في ولاية
كيرالا الهندية، ولعائلة الامام زين الدين يد طولى في نشر العلوم الإسلامية واللغة
العربية وآدابها في الهند. ولا تزال عائلته معروفة في بلدة ‘فنّاني’ (Ponnani) في مليبار’’(Malabar) بكيرالا في جنوب الهند،
عائلة علم وفقه وأدب ودعوة، ويطلق عليها أهالي ‘مليبار’ عائلة المخدومين’ ويدعى كل فرد منها بلقب ‘مخدوم’ .
مسجد فُنّانْ ( كان) مركز المخدومين على طراز قديم |
ويقول المؤرخون ان جذور هذه العائلة الخادمة لدين الله تصل إلى البلاد العربية أي إلى بلاد اليمن حيث أنهم تركوا بلادهم لنشر دين الله في أنحاء العالم وجابوا في العالم وأتوا إلى منطقة ‘معبر’ الواقعة في الجنوب الشرقي لساحل مليبار المعروفة الآن باسم ‘كوراماندل’[7]. وهذه الأسرة قد وصلت إلى بلاد مليبار في أوائل القرن التاسع الهجري الخامس عشر الميلادي، ثم استقرت فيها واندمجت أهلها بأهل مليبار حتى صاروا ملجأ لأهل هذا البلد في مشكلاتهم وملاذا في ملماتهم، وكانا مثلا في الصدق وحب الخير وقاموا بإرشاد الناس إلى القيم العليا وإلى الرشد والنجاح، وتقيدوا بتعاليم الإسلام في حياتهم الفردية والإجتماعية والسياسية والثقافية بل في جميع مجالات الحياة المختلفة، وعلموا الأجيال جيلا بعد جيل صلاحية هذا الدين لكل عصر ومصر وسماحته ويسره.
المبحث الثاني: حياته
العلمية
للرجال الأخيار صفاتهم ومناقبهم تميزهم عن غيرهم، ومن هذه الفضائل
حبهم للعلم منذ صغرهم، ومن هؤلاء الأخيار الإمام زين الدين المليباري رحمه الله
رحمة واسعة الذي كان حريصا على طلب العلم وعاشقا للدين. وقد تلقى الإمام زين الدين
المليباري مبادئ العلوم الدينية من والديه الكريمين المعروفين بالعلم والثقافة،
وبعد وفاة والده في صغر سنه تربى في حضانة عمه الشيخ عبد العزيز المخدوم المعبري
المليباري الذي كان مدرسا وشيخا في المسجد الجامع ب‘فنّاني’ عقب وفاة والده الشيخ
زين الدين المخدوم الأول والتحق بدرسه، وفي هذه المدة حفظ الإمام القرآن بكامله واشتغل
بتعلم العلوم الإسلامية الأخرى.
وحينما أنعم الله عليه بفرصة السفر إلى بلد الله الحرام للحج والعمرة
والزيارة ارتحل إلى مكة المكرمة وأدى فريضة الحج وزار مدينة الرسول صلى الله عليه
وسلم وروضته الشريفة وشاهد الآثار الإسلامية، ثم قضى الإمام مدة عشر سنوات في تلك
الأرض المقدسة منتهزا فرصته لصحبة مشائخها وفضلائها ولنيل العلوم من كبار علمائها
وأئمتها وللتبحر في العلوم الإسلامية والفنون المختلفة.
وكان للشيخ زين الدين الثاني صلة روحية وثيقة بمسالك الصوفيين
الأتقياء والأولياء الأصفياء، وقد تلقى علم التصوف من الشيخ أبي الحسن البكري
الصديقي[8] رحمه الله وأخذ منه البيعة على الطريقة القادرية قبيل فجر يوم الجمعة
العاشر من شهر رمضان المبارك في سنة 966هــــ =1587م حين كان في مكة المكرمة[9]. وكان للشيخ زين الدين المليباري اتصال دائم وعلاقات
علمية مع أعيان علماء عصره بالمراسلات والمحاورات إلى أن تم تصنيف كتاب في تلك
الأسئلة الفقهية وأجوبتها التي دارت بينه وبين أئمة زمانه الكبار، اسمه: ‘الأجوبة
العجيبة من الأسئلة الغريبة’.
المبحث الثالث: شيوخه
وأقرانه
إن الإمام المليباري قد أخذ العلم من مشايخ متعددين وعلماء متبحرين،
وتلمذ على أئمة العصر وشيوخ الإسلام والمسلمين وصار متبحرا في العلوم الإسلامية
والفنون المختلفة واستطاع أن رسم مسار المسلمين في ديار مليبار وأضاء لهم نور
الرشد والصلاح وأثّر فيهم بمؤلفاته الثمينة إلى أن بقوا على منهج الإسلام السليم
حتى الآن.
ومن أبرز شيوخه:
1.
شيخ الإسلام والمسلمين خاتمة المحققين مفتي الحرمين الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر
الهيتمي المصري مولدا المكي مدفنا[10]. وكان معجبا
بتلميذه المليباري لفرط ذكائه وحرصه على طلب العلم، وقد ذكر غير واحد من مؤرخي
مليبار أن الشيخ ابن حجر الهيتمي قد زار مليبار وجلس في المسجد الجامع بفنّاني
الذي كان تلميذه زين الدين المليباري الثاني مدرّسا فيه[11]،
ويقول البعض انه صنف بعض فتاواه، وربما تكون النسخة القلمية من فتاوى ابن حجر
الموجودة في مكتبة أحمد كويا الشالياتي المليباري هي تلك التي ألفها الإمام الشيخ
ابن حجر الهيتمي أثناء اقامته في فنّاني[12] .
2.
الشيخ عز الدين بن عبد العزيز الزمزمي (900هـــ - 976)[13].
3.
الإمام مفتي الحجاز واليمن وجيه الدين عبد الرحمن بن زياد (943هــــ - 975).[14]
4.
شيخ الإسلام عبد العزيز بن زين الدين المخدوم الكبير (914هــــ - 994)[15]
5.
الشيخ أبو الحسن البكري الصديقي[16]، وهو تلميذ شيخ
الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى.
6.
الإمام المفتي السيد عبد الرحمن الصفوي.
وقد استفتى الشيخ المليباري في بعض المسائل المهمة لعلماء عصره
الكبار مثل الإمام شمس الدين محمد بن أحمد الرملي (919هـــ - 1004) الملقب
ب‘الشافعي الصغير’ وصاحب ‘نهاية المحتاج في شرح المنهاج’، والإمام شمس الدين محمد
بن أحمد الشربيني الشهير بالخطيب المتوفى سنة977هــــ صاحب ‘مغني المحتاج في شرح
المنهاج’، والإمام العلامة مفتي اليمن تقي الدين عبد الله بن عبد الله بن أحمد
بامخرمة الشيباني الحميري(907هــــ - 972)، والإمام العلامة عبد الرؤوف بن يحيى بن
عبد الرؤوف المكي الشافعي تلميذ الشيخ أحمد بن حجر الهيتمي.
ومن أقران الإمام
المليباري:
وقد استطاع الإمام أثناء حياته الدراسية أن يعايش مع أصحاب كبار
وشركاء أجلاء، وكان من أشهر أقرانه الشيخ السيد أبو بكر بن سالم الحضرمي، والشيخ
العيدروسي الأحمدآبادي، والإمام ملّا علي القاري، والإمام الشيخ ابن عبد الله
السقاف الحضرمي، والشيخ العلامة عبد العزيز والد الشيخ القاضي محمد الكاليكوتي،
والشيخ عبد القادر الثاني الكنّوري، والشيخ أبو الوفاء محمد بن علاء الدين الحمصي،
والشيخ السيد شاه الحميد ميران الناغوري.
المبحث الرابع: وفاته
وآراء العلماء عنه
وفاة الإمام: وقد اختلف أقوال المؤرخين في تاريخ وفاة الشيخ الإمام
زين الدين المليباري، وقد كتب المؤرخ المصري الدكتور عبد المنعم النمر في كتابه
‘تاريخ الإسلام في الهند’ ان الشيخ المليباري قد توفي سنة ۹۹١هــــــ = ١٥۸٣م[17]،
وهذا القول مخالف لما كتبه المؤرخون المشهورون جورجي زيدان وكارل بروكلمان وخير
الدين الزركلي حيث انهم ذهبوا إلى أن الإمام قد توفي سنة 987هـــــ = 1579م.
وأما ما ذكره جورجي زيدان ومن معه فليس بصحيح لأن الشيخ زين الدين
المليباري قد تحدث في آخر كتابه ‘تحفة المجاهدين’ عن حوادث سنة ۹۹١هـ = ١٥۸٣م، وكيف يكتب عن الحوادث
التي وقعت بعد وفاته، ويحتمل أن يكون رأي الدكتور عبد المنعم النمر المصري مستنبطا
من هذه الوجهة.
ولكن القول المعتمد والمتجه ما ذكره المؤرخ المليباري الكبير الشيخ
محمد علي مسليار النّليكوتي في كتابه الجليل ‘تحفة الأخيار في تاريخ علماء
مليبار’من أنه توفي سنة 1028هــــ، فيكون عمره عند وفاته قرابة تسعين سنة[18].
آراء العلماء عن الإمام
المليباري:
قال الإمام السيد أبو بكر بن محمد شطا الدمياطي الشافعي في مقدمة
حاشيته على فتح المعين ‘إعانة الطالبين’ عن الإمام المليباري: "العالم
العلامة العارف الكامل مربي الفقراء والمريدين والأفاضل، الجامع لأصناف العلوم، الحاوي
لمكارم الاخلاق مع دقائق الفهوم"[19]، وقال أيضا في
خاتمة حاشيته عندما يتكلم عن دعاء الإمام في خاتمة كتابه ‘فتح المعين’: "وقد
أجاب الله المؤلف بعين ما طلب فعم النفع بالشرح المذكور شرقا وغربا، وشاما ويمنا،
وذلك لانه رضي الله عنه كان من أكابر الصوفية، وكان مجاب الدعوى رضي الله عنه
ونفعنا بتراب أقدامه آمين"[20].
وقال الإمام علوي بن أحمد بن عبد الرحمن السقاف في حاشيته على فتح
المعين ‘ترشيح المستفيدين’ عن كتاب الإمام ‘فتح المعين’: "ان كتاب فتح المعين
للإمام العلامة والحبر الفهامة الشيخ المليباري رحمه الله تعالى مما كثر نفعه وعظم
عند أهل العلم وقعه لاتيانهمن مذهب الإمام الشافعي بالزبده، ومن كلام المتأخرين
بالصفوة مع تجنبه النوادر واقتناصه الشوارد....".[21]
الفصل الثاني: خدمات
الإمام العلمية
ان الإمام المليباري كان نجما يهدى به الى الحق ومصباحا يستضاء به في
طريق الخير ومتميزا بسمات الشرف والكرامة والهيبة والوقار، وقد ترك لنا عددا من
آثاره الرائعة في المجالات العلمية والثقافية والسياسية والإجتماعية. وخدماته قد
رفعته إلى مكانة عالية في قلوب المليباريين بل في قلوب العالمين حتى اشتهر عالما
راسخ القدم في علوم الفقه والتصوف والتاريخ وسياسيا حكيما ضد ظلمة المستعمرين
واجتماعيا مؤثرا في حياة المليباريين، ويرجع هذا الشرف والعظمة إلى- الأول: تعدد
منابع ثقافته وعلمه، فقد درس علوم اللغة العربية والقرآن والأحاديث النبوية والفقه
الإسلامي والتصوف من علماء العرب والعجم، وتبدو هذه المنابع في ثروته الضخمة التي
تركها لمن وراءه في مؤلفاته العديدة. الثاني: مؤلفاته في مختلف العلوم الإسلامية.
الثالث: تدريسه بالجامع الكبير بـ‘فناني’، وأعماله الدعوية في أنحاء الديار المليبارية.
الرابع: خدماته في المجال السياسي والإجتماعي.
المبحث الأول: مجلسه
للتدريس
وقد أقام الإمام رحمه الله في مكة زهاء عشر سنوات مغتنما أيام إقامته
فيها للحصول على ألوان من العلوم النافعة المختلفة ومن الثقافة الرفيعة من روافد
متعددة، منها شيوخه وأساتذته ومنها مطالعاته وقراءاته ومنها مناظراته ومناقشاته
ومحادثاته لغيره من الفقهاء والمحدثين والصوفيين، وخلال هذه الفترة الطويلة التي
قضاها بمكة علا قدره واتسع علمه وتبحر في شتى فنون العلوم الإسلامية، ثم رجع إلى
بلده ملازما رغبته في خدمة العلوم الإسلامية تدريسا وتأليفا، فبدأ يعمل في الخدمات
الدينية في مجالات مختلفة، وجلس رحمه الله للتدريس مع عمه وشيخه عبد العزيز
المخدوم المليباري في الجامع الكبير بــ‘فنّاني’ الذي كان ملجأ لطلاب العلم الشرعي
من شتى أنحاء العالم،
الجامع الكبير بــ‘فنّاني’ الذي كان يدرس فيه المخدامة |
وقد أجمع علماء ‘كيرالا’ الذين عاصروا الإمام المليباري والذين جاءوا من بعده على عظيم منزلته في الفقه الإسلامي وجلالة درجته في العلوم الإسلامية الأخرى، فلذا لا يوجد فقيه من فقهاء ‘كيرالا’ إلا وقد اعتمد على مؤلفاته أو استفاد من خدماته القيمة التي قدمها للأمة الإسلامية. وقد نصر الإمام المليباري العلوم الإسلامية لانتشارها في أنحاء الديار المليبارية بغزير علمه وبالغ حكمته من خلال حلقات دروسه المؤثرة ومؤلفاته القيمة وتلامذته المهرة.
المصباح
المشهور الذي كان يتخرج الطلاب من هنا
|
ومن كبار
تلامذته:
وكان للإمام كثير من التلاميذ الكبار النجباء في البلاد المختلفة،
الذين سمعوا منه، ورووا عنه، ونهلوا من منهل علمه وثقافته، وساروا على نهجه،
وتأثروا بزهده وعلمه وتواضعه وتقواه، ومن أبرزهم:
1) الشيخ الإمام العلامة عبد الرحمن بن عثمان المعبري الفناني
المليباري (948هــ=1541م-1029=1619)، وهو ابن فاطمة بنت زين الدين المخدوم الأول
المليباري جد الإمام أحمد زين الدين المخدوم الثاني. وكان عالما كبيرا من علماء
أسرة ‘المخدوم’، قد أخذ العلم أولا عن والده الشيخ عثمان المعبري، وبعد وفاته
التحق بدرس خاله الشيخ عبد العزيز بن زين الدين المليباري في الجامع الكبير
بــ‘فناني’، ثم تلمذ على الإمام أحمد زين الدين المليباري وأخذ منه فنونا من
العلوم الإسلامية، وقد تولى الشيخ عبد الرحمن منصب ‘المخدوم’ بعد شيخه وأستاذه
الإمام المليباري[23]
2) الشيخ العلامة القاضي جمال الدين بن الشيخ عثمان المعبري الفناني،
هو أخو عبد الرحمن بن عثمان المعبري الفناني المليباري المذكور قبله.
3) الشيخ القاضي جمال الدين محمد بن الشيخ القاضي ناصر الدين عبد
العزيز الكاليكوتي المليباري (980هــ/1572م= 1025/1616) أشهر قضاة ‘كاليكوت’
اطلاقا، الفقيه الأصولي، الحكيم المتكلم، المفسر المحدث المؤرخ، الأديب اللغوي
الشاعر، الصوفي المربي، وصاحب مؤلفات عديدة تنيف على خمسين، وأكثرها منظومات،
منها: ‘الفتح المبين للساموتري’، و‘نظم قطر الندى’، و‘ونظم الأجناس في علم الصرف’،
وغير ذلك[24].
4) الشيخ الإمام عثمان لبّا القاهري[25]،
وهو من كبار علماء عصره، وكان عالما لغويا وأديبا ماهرا، وقد وصفه تلميذه القاضي
محمد الكاليكوتي بأنه شخصية عديمة المثل، وكان يلتف حوله خلق كثير دائما يستفيدون
من علومه[26]
5) الشيخ القاضي سليمان القاهري، وغيرهم من العلماء والفقهاء
الأجلاء.
فهكذا قد تخرج من مدرسة الإمام أحمد زين الدين المليباري كثير من
المفسرين والمحدثين والفقهاء والأصوليين والأدباء واللغويين والمتكلمين والصوفيين،
وانتشروا في كل أنحاء مليبار، بل في كل أرجاء العالم هادين الناس إلى طريق الحق
والصواب، وناشرين المذهب الشافعي في بلادهم، وصاروا سببا لنشر دين الله تعالى في
مشارق الأرض ومغاربها. وإن الديار المليبارية قد استفادت من هذه المدرسة ومن شيخها
منهجا موافقا لجوها في مجالها التربوي والتعليمي، حيث اقتبست من شعلتها نور
التجديد والتحديث في مجالات الدعوة والإرشاد. والمسلمون المليباريون قد بدءوا
إقامة حلقات الدروس في جوامعهم في مدنهم وقراهم تبعا للمدرسة التي أُقيمت في
الجامع الكبير بـــ‘فناني’، وتبعوا منهجها ونظامها حتى اشتهر هذا النظام في مختلف
أرجاء الديار المليبارية باسم ‘منهج المخدوميين’ أو ‘منهج فنانيˁ.
المبحث الثاني: مؤلفاته
وآثاره العلمية
ولقد توسعت خدمات الإمام المليباري رحمه الله العلمية من براعته
ومهارته في التدريس والمحاضرات إلى إمامته في التأليف والتصنيف، فنزل منزلة لائقة
به في هذا المجال، وعلى الرغم من أنه لم يكن عربيا في المولد والمنشأ، أصبح عربي
التثقف والتحضر بجده واجتهاده، وكان يحب اللغة العربية حبا صادقا إلى أن صارت
حياته العلمية مبنية على الثقافة العربية الإسلامية في كل ربوعها، وان سيرة حياته
دالة على هذه الحقيقة، لأنه لم يترك من آثاره العلمية إلا وقد يخطر ببال القارئ
أنها من مؤلفات كاتب عربي مبين وليس من أعجمي أبدا، لدقة عباراتها وحسن اختيار
ألفاظها وجزالة أساليبها اللغوية، وقد وقع ذلك حقا ان بعض المؤرخين قد أظهر ترددهم
في أنه من علماء بلاد العرب أو من بلاد الصين[27].
هذا شأن كل عالم مسلم يريد أن يحقق نهضة علمية وثقافية، يختار اللغة
العربية لغته المفضلة، يتعمق في علومها- من صرف ونحو وبلاغة وأدب- ويقوم بتدرسها
على وعي وعلم، ويطلق بها لسانه ويكتب فيها بفصاحتها وبلاغتها، ويخدم لها ويجتهد
لنشرها، حرصا على انتشار لغة القرآن ولغة رسول الإسلام ولغة أهل الجنة ولغة ثقافة
المسلمين أجمعين في كل أرجاء العالم، وهذا ما يمكن أن يرى كل من ينظر إلى الإمام المليباري
رحمه الله أنه قد استمد لغته العربية من معينها عند العرب الخلص بالمكث بينهم
حوالي عشر سنوات[28] ثم قام بتدريسها وأطلق لسانه بها وكتب فيها
مؤلفاته القيمة التي اشتهرت بسلامة لغتها وسهولة عباراتها وقوة استدلالاتها في شتى
بقاع الأرض.
فإن دورالإمام رحمه الله واضح في إثراء المكتبة الإسلامية واللغة
العربية وإشعال الحركات العلمية والنهضة الثقافية بمؤلفاته المؤثرة، وقد نالت كتبه
مكانة عظيمة عند العلماء والفقهاء والطلاب من العرب والعجم لأنها قد ظهرت فيها
غزارة علم مؤلفها وتوقد ذهنه، ولأنها ذات قيمة عالية في مستواها العلمي والثقافي،
وبعضها قد أخذ عناية كبيرة من العلماء الكبار حتى من علماء العرب بوضعهم الحواشي
والشروح عليه، وبعضها قد أُدرج في المناهج الدراسية في بعض الكليات والجامعات
الإسلامية وغير الإسلامية.
ومصنفاته هذه تتناول شتى فروع العلم والمعرفة، لا سيما الفقه
الإسلامي حسب مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، ولقيت إعجاب القراء والباحثين على
مدى القرون ومدار الأزمان، وحلت محل القبول في الدوائر العلمية في العالم
الإسلامي، ولا تزال مقبولة عند المسلمين وغيرهم في شتى أنحاء العالم، وخاصة لا
تزال مؤلفاته الفقهية متداولة لدى الشافعية في كثير من البلدان العربية والإسلامية
وغيرها.
مؤلفاته الفقهية
ولا شك في ان الشيخ المليباري رحمه الله إمام الشافعية في الديار
المليبارية على الإطلاق لأن مؤلفاته الفقهية قد نالت مكانة كبيرة عندهم حيث يرجعون
إليها في مسائلهم الفقهية ويرجحون أقوالها عند اختلاف الآراء في الأحكام ويفتون
بآرائها في فتاواهم[29]. وحقا ان المؤلفات والمصنفات هي
طرق علمية ووسيلة حقيقية إلى التعرف بآثار مؤلفها في طريقه العلمي وإلى المعرفة عن
جهوده المنشودة التي تركها وراءه، فإن الإمام المليباري رحمه الله قد خلّف آثاره العلمية
مفيدة لجميع العالمين بعده، ونورا يمشون به في طرقهم إلى الحق والخير. وللإمام
المليباري رحمه الله مشاركة في التأليف في الفقه والتصوف والحديث والتاريخ وغيره،
ولكن مؤلفاته الفقهية هي التي كسبت له شهرة كبيرة أكثر مما كسبتها مؤلفاته الأخرى.
ومن هذه المؤلفات الفقهية:
1) قرة العين بمهمات
الدين
إن الإمام المليباري رحمه الله قد صنف كتبا قيمة نفيسة في الفقه
الإسلامي على مذهب الإمام الشافعي رحمه الله أثناء حياته العامرة بالعلم والعمل،
ومن أبرزها ‘قرة العين بمهمات الدين’، وهذا الكتاب خير شاهد على براعته ومهارته في
فن التصنيف والتأليف حيث طوى الكتاب سعة بحار الفقه بين دفتي كتاب صغير حجمه وكثير
نفعه وعظيم شأنه، فهو كتاب مختصر في الفقه على مذهب الإمام الشافعي رحمه الله كما
أشار إليه المصنف نفسه في مقدمته: "الحمد الله الذى هدانا لهذا وما كنا
لنهتدي لولا أن هدانا الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله
وصحبه الفائزين برضا الله. وبعد، فهذا مختصر في الفقه على مذهب الامام الشافعي
رحمه الله تعالى، وسميته بــ‘قرة العين بمهمات الدين’ راجيا من الرحمن أن ينتفع به
الأذكياء وأن تقر به عيني غدا بالنظر إلى وجهه الكريم بكرة وعشيا"[30]. ويقول الشيخ السيد أبو بكر ابن السيد محمد شطا
الدمياطي [31]المحشي المشهور لـ ‘فتح
المعين بشرح قرة العين’ عن سبب تسمية الإمام رحمه الله لكتابه هذا بــ‘قرة العين’:
"وسماه بهذا الاسم لأنه يحصل به سرور وفرح لمن يطلع عليه"[32].
ثم لما رأى الإمام رحمه الله أن كتابه ‘قرة العين بمهمات الدين’ يصعب
على طلبة العلم فهمه وتحليل مسائله، لأنه كتاب موجز ومختصر مع ما فيه من معظم
الأبواب الفقهية، ورأى أنه قد مست حاجة العامة والخاصة إليه، فشرحه بنفسه شرحا
كافيا حل مشاكله وبين غوامضه وسهّل على طلبة العلم فهمه، وسماه ‘فتح المعين بشرح
قرة العين بمهمات الدين’. ونال هذا الشرح شهرة فائقة لم ينلها كتاب آخر من مؤلفات
علماء مليبار، وهناك مؤلفات قيمة من كبار العلماء والفقهاء حول هذا المتن الفقهي
شرحا ونظما[33].
فإن كتاب ‘قرة العين بمهمات الدين’ للإمام المليباري رحمه الله
يعتبر من أهم المتون الفقهية في مذهب الإمام الشافعي رحمه الله الصادرة من أقلام
علماء مليبار، بل من أقلام علماء الشافعية في العالم، حتى أنه حصل على مكانة كبيرة
عند المليباريين وغيرهم.
(2 فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين
كما أشير إلى أن الإمام المليباري رحمه الله لما رأى أن كتابه ‘قرة
العين’ صعب على طلاب العلم فهمه وتحليل عباراته قد توجه إليه بشرح كاف وبيان واضح،
وسماه بــ‘فتح المعين بشرح قرة العين’. وقد نال هذا الكتاب منزلة عالية بين كتب
الفقه على مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، حيث أنه يبقى متداولا بين
الشافعية في كثير من البلدان الإسلامية وغير الإسلامية، ويدرّس في كثير من المعاهد
والكليات والجامعات الإسلامية في بلاد مثل مصر والحجاز والشام وبغداد وإندونيسيا
وماليزيا وسنغافورة وسريلنكا وسوماليا وغيرها، وطبع مرارا في مليبار وفي البلاد
العربية. وفي الديار المليبارية يعتبر هذا الكتاب مرجعا أساسيا في المسائل
والأحكام الفقهية، وكتابا يفتى به في جميع ما يتعلق بحياتهم مما يحتاج إلى رأي
فقهي. وقد تم فراغ المصنف من تبييض هذا الكتاب –كما ذكره هو في خاتمة هذا الكتاب-
ضحوة يوم الجمعة الرابع والعشرين من شهر رمضان في عام اثنين وثمانين وتسعمائة من
الهجرة (982هـ)[34].
وإن هذا الكتاب قد لعب دورا عظيما في نشر مذهب الإمام الشافعي رحمه
الله في جنوب الهند خلافا لبقية أنحائها حيث ان السواد الأعظم من مسلمي الهند على
مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان رحمه الله. وكان هذا الكتاب قد دُرّس في القرون
الماضية في كثير من حلقات الدروس المشهورة في مستوى العالم مثل الحلقات بالحرمين
الشريفين وبجامع الأزهر الشريف بمحضر كثير من طلاب العلم من شتى أنحاء العالم، إلى
أن أدى بعض هذه الحلقات إلى وضع التقارير والحواشي على هذا الكتاب من قبل أساتذتها
وعلمائها الكبار، وبعضهم قد أشار إلى ذلك في مقدمة حاشيته على ‘فتح المعين بشرح قرة
العين بمهمات الدين’ حيث قال: "...وبعد فيقول أفقر الورى إلى ربه ذي العطا
أبو بكر بن المرحوم محمد شطا: إنه لما وفقني الله تعالى لقراءة شرح العالم العلامة
العارف الكامل مربي الفقراء والمريدين والأفاضل الجامع لأصناف العلوم الحاوي
لمكارم الأخلاق مع دقائق الفهوم الشيخ زين الدين بن الشيخ عبد العزيز[35] بن العلامة الشيخ زين الدين مؤلف ‘هداية الأذكياء إلى طريق الأولياء’
بن الشيخ علي بن الشيخ أحمد الشافعي المليباري الفناني المسمى بــ‘فتح المعين بشرح
قرة العين بمهمات الدين’ بمحفل من طلاب العلم العظام تجاه البيت الحرام كتبت عليه
هوامش تحل مبناه وتبين معناه، ثم بعد تمام القراءة طلب مني جملة من الأصدقاء
والخلان أصلح الله لي ولهم الحال والشان تجريد تلك الهوامش وجمعها فامتنعت من ذلك
لعلمي بأني لست ممن يرقى تلك المسالك واعترافي بقلة بضاعتي وإقراري بعدم أهليتي،
فلما كرروا علي الطلب توسلت بسيد العجم والعرب فجاءت البشارة بالإشارة وشرعت في
التجريد والجمع مستعينا بالملك الوهاب وملتمسا منه التوفيق للصواب..."[36].
وهذا أيضا مما يزيد من منزلة هذا الكتاب وأهميته عند الشافعية في
العالم كله أن كثيرا من العلماء العرب وغير العرب قد قاموا بوضع الحواشي على هذا
الشرح الفقهي وأفادوا بتدريسه لطلاب العلم في حلقات دروسهم. ولا شك أن هذه الحواشي
والشروح قد سهلت للمسلمين طرق الوصول إلى عمق معاني هذا الكتاب وإلى الإستفادة به
في حياتهم العلمية بل في جميع مجالات حياتهم المختلفة، فزادت اهتمام الشافعية بهذا
الكتاب القيم في شتى أنحاء العالم.
وقد قام بعض علماء المليباريين بترجمة هذا الكتاب إلى اللغة المحلية
(لغة ‘مليالم’) لكي يستفيد منها عامة الناس ويتتبعوا منه المسائل والأحكام بسهولة،
وبعض هذه الترجمات قد تم عمله مع شروح بسيطة، وهذه أيضا تدل على شعبية هذا الكتاب
عند الشافعية في ديار مليبار وعلى اهتمامهم به. ولم يوجد أي كتاب فقهي من علماء
مليبار قد نال هذا الإقبال العظيم من قبل العلماء والفقهاء. وإن علماء المليباريين
لايزالون يهتمون بقراءة هذا الكتاب وبتعلمه وتعليمه حتى انهم لا يعتبرون من لم
يدرس هذا الكتاب عالما أوفقيها مهما كان متبحرا في مختلف فنون العلم.
وقد أثنى على ‘فتح المعين’ كثير من العلماء العرب والعجم، فهذا شاعر
يمني من كبار علماء الفقه الإسلامي من الجزيرة العربية يصفه بقوله:
يا من يريد
النجاحا
وللــــــــــــــــــــعلـــــــــــــوة افــــــــــتتــــــــاحـــــــا
فتــــــــح المعـــــين
فــلازم
لـــــــــــــــه مســــــــــــاء وصـــــــــــبــاحــــــــــا
واجعله خيـــــــــر
سيــر
تعطى الهــــــــدى والفـــــــــلاحا
غـــــــص فــــي معانـــــــــــيه
تلق كنوز فتوى صحاحا[37]
فهذه الأبيات تدل على مدى القبول الذي حصل عليه ‘فتح المعين’ بين
العلماء والفقهاء وعامة الناس بما فيه من الكنوز العلمية والمعارف الفقهية حيث ان
العلماء اعتبروه مخازن العلم والفقه، كما قال فيه الشاعر العالم الفاضل المولوي
فريد بن محيي الدين البربري[38] المتوفى سنة 1300هــ في
قصيدته المشهورة:
فتـــــــــــح المعــــين كتــــــاب
شـــــــــأنــــــــــه عـــــــجـــــــب
حوى من الفضل ما لم يحوه كتــــــب
حوى من الفضل ما لم يحوه كتــــــب
وقد رقى في اخــتـــــصـــــار اللفــــــظ
ذروتـــــــــه
حتــــــــــى تهون على حفاظــــــه الكــــــرب
حتــــــــــى تهون على حفاظــــــه الكــــــرب
كــــــــــم مــــــــــــــــن لآلي
حســـــــان فيــــــــــــه
كامــــــنــــــــــة
عن غــيـــــــــر أهل لها تخفى وتحتــــجب
عن غــيـــــــــر أهل لها تخفى وتحتــــجب
وقد حوى من نصوص الشافــعي
ومن
منصوص أصحابه ما كان ينتخب
منصوص أصحابه ما كان ينتخب
أحــــــــــــــــــــكام
مــــــــــــــــذهـــــــــــــــــــبنــــــــــــــــا فـــيــــــــــــه
مبوبة
أثنى على حسن تأليــف لـــــه العــرب
أثنى على حسن تأليــف لـــــه العــرب
فــــــــــــــلا
تبــــــــــــــــــــــــــال بـــــــــــمــن زاغــــــــــت
بصيرته
عن قدره فهو أعـمى فاتــــه الشـــــنب
عن قدره فهو أعـمى فاتــــه الشـــــنب
فيـــــــــــــــــه الغــــــــــنى
غــــــــالبا عـن سـائر
الكتب
وذاك فضل عليـــــــنا شكــــــــــــره يجـــــــب
وذاك فضل عليـــــــنا شكــــــــــــره يجـــــــب
فهذه كلها شهادة العلماء الكبار على قبولية ‘فتح المعين’ بين
الشافعية من العرب والعجم، فلا شك في أنه كتاب قل في وجه الأرض وجود مثله وجل في
العالم فضله وشرفه.
---------------------------
زيادة : مشاهدة فيديو "الشيخ محمد شقير كتاب فتح المعين للشيخ زين الدين المليباري "المضاربة" 24-2-2009 فراس السقال
---------------------------
زيادة : مشاهدة فيديو "الشيخ محمد شقير كتاب فتح المعين للشيخ زين الدين المليباري "المضاربة" 24-2-2009 فراس السقال
--------------------------------------------------
(3) الأجوبة العجيبة عن الأسئلة الغريبة
(3) الأجوبة العجيبة عن الأسئلة الغريبة
هذا الكتاب يشتمل على مجموعة من الفتاوى التي أفتاها كبار من مشاهير
علماء الإسلام في أهم الوقائع والنوازل الفقهية التي شغلت بال المجتمع والفقهاء في
ذلك الوقت أجوبة لأسئلة الشيخ المليباري رحمه الله التي رفعها إليهم وقت إقامته في
مكة المكرمة، ولا يزال الناس ينشغلون بمثلها، يصعب العثور عليها وعلى
أحكامها في كتب الفقه، ويبلغ عدد الفتاوى الموجودة فيه 177فتوى، في أبواب فقهية
مختلفة: العبادات والمعاملات والمناكحات والخ. ولهذا الكتاب دور كبير في الحفظ لنا
نقولا وأقوالا مهمة لكثير من أئمة الشافعية، وله أهمية عظيمة في الدراسات الفقهية،
وقد لا نجد هذه الفتاوى في كتب أصحابها أنفسهم، كما لا نجد – مثلا - أجوبة الإمام
ابن حجر الهيتمي رحمه الله الموجودة فيه في فتاواه الفقهية الكبرى التي جمعها بعض
تلامذته الكبار[39] في مجلدات ضخمة.
وقد نسب هذا الكتاب إلى الإمام المليباريرحمه الله معظم من ترجم له
من أهل مليبار، وفي مقدمتهم العلامة شهاب الدين أحمد كويا الشالياتي رحمه الله في
‘أسماء المؤلفين في ديار مليبار’[40]، ومما يؤكد هذه
النسبة نقل الشيخ علي بن الشيخ العارف بالله عبد الرحمن النقشبندي التانوري رحمه
الله منها عبارات كثيرة في حاشيته ‘تنشيط المطالعين على فتح المعين’ في مواضع
متعددة، مصرحا باسم الشيخ المليباري ونسبة الكتاب إليه، كما نقل غيره من علماء
الإسلام الكبار[41] .
ويقول الإمام رحمه الله في مقدمة هذا الكتاب: "بسم الله الرحمن
الرحيم الملهم حقيقة المراد لمن شاء من الأنام، الحمد لله الذي فقه في دينه من
اصطفاه من العباد، وتفضل عليه بالإرشاد والإسعاد، والصلاة والسلام على من به سعد
العباد، وعلى آله وصحبه المهتدين إلى سبيل الرشاد، وبعد.. فيقول أضعف العباد
وأفقرهم إلى رحمة الجواد، أحمد زين الدين بن محمد الغزالي المعبري الشافعي، أصلحه
الله الودود، وألهمه الصواب والسداد: هذه أجوبة عجيبة عن الأسئلة الغريبة، استفتى
عنها بعض محققي مشايخه وعلماء عصره، رضي الله عنهم وعنه.. أقول..."[42]. ثم يبدأ الإمام رحمه الله بسؤاله لشيخه أحمد بن حجر
الهيتمي رحمه الله عن أفواه الصبيان الذين تقيؤوا..الخ.
والشيوخ الذين أجابوا لأسئلته كانوا مشهورين بالإمامة في الفقه
الشافعي في زمانهم ومن أكابر علماء عصرهم في العلوم الإسلامية ومراجع معتمدة في
المسائل الفقهية. وقد ذكر الشيخ المليباري رحمه الله في آخر الكتاب أسماء هؤلاء
الشيوخ الكبار الذين أجابوا لأسئلته، وقال: "تمت الأجوبة الصادرة من الأئمة
العشرة قبل السنة السابعة والسبعين وتسع مائة من الهجرة، وهو الشيخ شهاب الدين
أحمد بن حجر، والشيخ وجيه الدين عبد الرحمن بن زياد، والشيخ عبد الله بامخرمة
تغمدهم الله برحمته، والشيخ عبد العزيز الزمزمي، والشيخ محمد الرملي، والشيخ العلامة
الخطيب الشربيني، والشيخ عبد الرؤوف بن يحيى الواعظ، والشيخ عبد العزيز المعبري،
وشيخ مشايخ الإسلام العارف بالله العليم زين العابدين أبي بكر محمد البكري، وفقيره
أبي بكر أحمد المعبري رضوان الله تعالى عنهم ونفعنا بهم، آمين"[43]. وهذه الأسئلة والإستفسارات من الإمام المليباري رحمه
الله إلى شيوخه الكبار كانت مسائل فقهية هامة، فمنها ما كان متعلقا بحياة المسلمين
المليباريين، فهو يدل على معايشته مع الناس واهتمامه بقضاياهم ومشاكلهم، ويدل أيضا
على أنه لم يكن منعزلا عن الناس بل كان يعيش بينهم ويتعامل معهم كواحد منهم.
وهذا الكتاب يعتبر أول تصنيف للإمام زين الدين المليباري رحمه الله،
وقد فرغ من تأليف هذا الكتاب قبل سنة 977هــ =1599م[44]،
ونسخته الأصلية محفوظة في مكتبة الأزهرية بتشاليم مع ختم وموافقة شيخه الكبير
الإمام أحمد بن حجر الهيتمي رحمه الله[45]. وطبع هذا الكتاب
عدة مرات من المطابع المختلفة داخل ديار مليبار وخارجها، أولاها كانت مطبوعة في
‘مطبعة معين الإسلام’ في عام 1349هـ، وكانت تقع في 108 صفحة، وفي آخرها: "قد
قوبلت هذه النسخة بعدة نسخ قديمة وجديدة وصححت بغاية الجهد الأكيدة"، وثانيها
قد طبعت بدار الطباعة والنشر بكاليكوت قبل فترة قصيرة، وهي لا تختلف عن الطبعة
الأولى[46]، وأخيرا قد قامت بطبعها ونشرها دار الضياء
للنشر والتوزيع بالكويت في عام 1433هـ =2012م مع تحقيق الأستاذ الدكتور عبد النصير
المليباري.
(4) إحكام أحكام النكاح
إن الإمام المليباري رحمه الله يتكلم في هذا الكتاب عن مسائل وأحكام
متعلقة بالنكاح والطلاق وما يترتب عليهما، وألف هذا الكتاب حينما ألحّ عليه بعض
معاصريه بتصنيف كتاب جامع في أحكام النكاح وما يتعلق به. وقد نسب الإمام المليباري
رحمه الله كتابه هذا إلى نفسه في كتابه المشهور ‘فتح المعين’ في أول باب النكاح[47]، فعلم أنه متقدم على تأليف‘فتح المعين’، وأنه كالسابق
مما ألفه الشيخ قبل عام 982هـ، وان لم يعرف تاريخ تأليفه بالتحديد. ومما يدل على
انتشاره في العالم الإسلامي واهتمام العلماء به أن السيد علوي السقاف رحمه الله
نقل منه أشياء في حاشيته على فتح المعين المسماة بــ‘ترشيح المستفيدين’[48] . وقد طبع هذا الكتاب سنة 1312هــ في مطبعة منبع الهداية في كيرالا-
الهند.
ويقول المصنف رحمه الله في مقدمة هذا الكتاب: " بسم الله الرحمن
الرحيم، الحمد لله على إحسانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه وأشهد أن
محمدا عبده بسلطانه ورسوله القائد إلى رضوانه صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأعوانه
صلاة وسلاما يحلهم بهما دار أمانه، وبعد، فقد سألني بعض الأصحاب أن أؤلف كتابا
حاويا أحكام النكاح والآداب، فأجبته إلى ذلك بعون الله الملك الوهاب راجيا من رب
الأرباب التوفيق للصواب والظفر بجزيل الثواب، وسميته ‘إحكام أحكام النكاح’ مؤملا
من الكريم الفتاح أن ينتفع به المهتدون إلى سبيل الفلاح ويجعلني به يوم المآب من
أولي النجاح وأولي الألباب..."[49] ، ثم أورد المصنف بعد ذلك
بعض الآيات والأحاديث التي تحث على النكاح والزواج وتثبت سنيته لمن استطاع الباءة.
بعدما بيّن أمور الكفاءة
بين الزوجين والأحكام المتعلقة بالإيجاب والقبول في عقد النكاح يشرح المصنف مسائل
بطلان النكاح وأسبابه المختلفة، ومسائل الطلاق والخلع والرجعة والعدة، ثم يتكلم عن
موضوعات النفقة والقسم والنشوز وفسخ النكاح وغيرها من الأحكام والمسائل المهمة في
باب النكاح.
وفي آخر الكتاب يأتي الإمام المليباري رحمه الله بخاتمة يبين فيها
وجوب التزام مذهب معين من المذاهب الأربعة المدونة المشهورة، ثم يشير إلى أولية
وأولوية الترتيب في الكتب الشافعية، حيث يقول: "اعلم قد أجمع المحققون على أن
المعتمد في المذهب ما ذكره الشيخان فإن اختلفا فالنووي فما رجحه الأكثر أو الأعلم
أو الأورع، فلا يجوز للحاكم المقلد أن يحكم بغيرالمعتمد، فإن خالف نقض، وكذا بمذهب
غير مقلده."[50]
(5) المنهج الواضح بشرح إحكام أحكام النكاح
وقد وضع الإمام المليباري رحمه الله شرحا لكتابه ‘إحكام أحكام
النكاح’، وسماه بــ‘المنهج الواضح بشرح إحكام أحكام النكاح’، ويقول في مقدمته:
"..الحمد لله الذي أحل لنا النكاح وحرم علينا السفاح والصلاة والسلام على من
هدانا إلى المنهج الواضح وعلى آله وصحبه المهتدين إلى سبل الفلاح، وبعد، فهذا شرح
لطيف على كتابي ‘إحكام أحكام النكاح’ وسميته بــ‘المنهج الواضح بشرح إحكام أحكام
النكاح’، وأسأل الله الكريم الفتاح أن يجعلني من أولي الفلاح.."[51].
وتوجد له نسخة خطية في مكتبة جامعة الملك سعود بالمملكة العربية
السعودية، وفي مكتبة الجامع الكبير المعروف بـ‘مسجد ساحل البركة الكبرى’[52] بمنطقة ‘تانور’ في الديار المليبارية. وأخيرا قد قامت بطبع هذا
الكتاب ونشره دار النور المبين للدراسات والنشر بالأردن في سنة1434هـ = 2013م مع
تحقيق الأستاذ الدكتور عبد النصير المليباري في ضمن كتابه ‘مجموع خمس
رسائل’.
واختتم المصنف هذا الشرح بدعاء تضرع به إلى الله تعالى:
"ربنا لك الحمدحمدا يوافي نعمه يكافئ مزيدا سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما
أثنيت على نفسك، والصلاة والسلام على أشرف مخلوقاتك ورضى نفسك وزنة عرشك، اللهم
انفعنا بهذا يوم لا ينفع مال ولا بنون لديك، وتفضل علينا بقبوله بمنك وأظلنا في ظل
عرشك برحمتك يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله
وصحبه، آمين أجمعين"[53]. وقد وجد في بعض نسخ هذا
الكتاب بعد هذه الخاتمة أسئلة الإمام لشيوخه عن بعض المسائل المهمة في هذا الباب.
(6) الفتاوى الهندية
وكان للإمام المليباري رحمه الله باع طويل في فن الإفتاء حيث ورد
إليه الإستفتاء من مختلف البلاد من خارج الهند وداخلها، فكان يفتي في المسائل التي
سئل عنها. ولم توجد نسخة لهذا الكتاب، بل ينسبه إليه من ترجم له[54].
مؤلفاته في الفنون الأخرى
إن مؤلفات الإمام المليباري رحمه الله لم تكن محصورة على الفقه فقط
بل قد انضمت إلى مجموعتها الفنون الأخرى مثل الحديث والتصوف والتاريخ وغيره، وقد
ألف كتبا غير فقهية ذات شهرة كبيرة حيث أن بعضها فاق على مؤلفاته الفقهية في
الشهرة بين المسلمين وغيرهم في الهند والبلاد الأخرى لأجل تفرده ومرجعيته في فنه.
ولا شك أن هذه الكتب كلها تدل على خبرة مؤلفها في مجال التصنيف والتأليف. وإلى
جانب قدرته وتبحره وإماميته في الفقه والعلوم الإسلامية قد تم للإمام رحمه الله
دوره السياسي والإجتماعي بتأليف كتاب تاريخي مشهور حتى أنه قد اعتبر مؤرخا خبيرا
في العالم، وهذا الكتاب التاريخي قد كسب له شهرة عالمية ومكانة كبيرة بين
المؤرخين.
1- تحفة المجاهدين في بعض أخبار البرتغاليين
وبقدر ما تظهر براعة العلامة المليباري رحمه الله في علم الفقه تظهر
براعته أيضا في تدوين التاريخ، وهذا الكتاب التاريخي المشهور شاهد على ذلك، وهو من
أشهر الآثار العلمية للإمام المليباري رحمه الله، ويعتبر أول كتاب أُلف في تاريخ
كيرالا الهندية بأيدي واحد من أبنائها خاصة في تاريخ مسلمي كيرالا[55]، كما أنه يعتبر مرجعا أساسيا للوصول إلى معرفة تاريخ
ديار مليبار القديم ومعرفة أحوال الديانات الوثنية فيها وظهور الإسلام وانتشاره في
هذه المنطقة وقدوم كبار شخصيات العرب الإسلامية إليها، وقد ذكر فيه المصنف أخبار
المقاومة التاريخية ضد الإستعمار الأجنبي بعد دخول البرتغاليين في مليبار. وقد ألف
الإمامرحمه الله هذا الكتاب قياما بواجبه نحو أمته وتشجيعا لهم على مواجهة أعدائهم
البرتغاليين، حيث أنه دعاهم إلى أن يقوموا صفا واحدا أمام أعدائهم وأن يساهموا في
تلك المعركة بأي شكل من الأشكال وأن يؤيدوا الملك ساموتري ويقوّوا عضده ضد ملاعين
البرتغاليين.
ومن أبرز العوامل التي دعته لتأليف هذا الكتاب المشهور كان العامل
الديني، فقد وجد الإمام رحمه الله من مسؤوليته كعالم إسلامي وقائد روحي للمسلمين
المليباريين، أن لايترك البرتغاليين الظلمة مع إفسادهم وظلمهم ضد المسلمين خاصة
والمليباريين عامة، حيث أنهم أذاقوهم الويلات والمصائب، بل وأجبروهم أحيانا على
اعتناق النصرانية، ونهبوا ممتلكاتهم واعتدوا على أعراضهم وسلبوا تجاراتهم
وأموالهم، كما وصف لنا المصنف نفسه هذه الحالة المأساوية التي وصل إليها المسلمون
في ظل الإستعمار البرتغالي[56]، فلما اشتدت هذه المظالم
والمفاسد بادر الإمام رحمه الله في دعوة أهل مليبار إلى الجهاد ضد أعدائهم الفجرة،
وكتب كتابه هذا ليكون مشجعا لهم على القيام بواجباتهم ومسؤولياتهم نحو دينهم
وبلدهم.
وإن الإمام المليباري رحمه الله كان شاهد عيان لما واجهه أهل مليبار
من طغيان البرتغاليين وقسوتهم وجورهم، فدون مظالمهم والأحداث الأخرى التي جرت في
هذه المنطقة من سنة 904هـ =1498م- إلى سنة991هـ =1583م[57]،
وسجلها بصدق ودقة في كتابه هذا ‘تحفة المجاهدين’، فلذلك صار هذا الكتاب مرجعا هاما
موثوقا به لتلك الحقبة الزمنية في تاريخ مليبار بصفة خاصة وفي تاريخ الهند بصفة
عامة.
وقد أهدى الإمام رحمه الله هذا الكتاب كتحفة رائعة إلى حاكم مملكة
‘بيجافور’[58] السلطان علي عادل شاه (1558م - 1580)[59] ، خامس ملوك السلالة
‘العادل شاهية’، احدى سلالات المسلمين الخمس المستقلة في جنوب الهند، طلبا منه أن
يساعد المسلمين المليباريين في دفاعهم عن بلدهم وأنفسهم وفي مقاومتهم ضد
البرتغاليين وأن يدفع عنهم ما حل بهم من الذل والهوان. وإلى هذا الإهداء يشير في
مقدمته ويقول: "وسميته ‘تحفة المجاهدين في بعض أخبار البرتغاليين’ ذكرت فيها
مع بعض ما مضى من مساويهم، ظهور الإسلام في ديار مليبار، ونبذة يسيرة من أحكام
الجهاد وعظيم ثوابه والتحريض عليه بنص التنزيل والآثار، وشيأ مما اختص به كفرتها
من غرائب الأخبار، وجعلتها تحفة لحضرة أفخر السلاطين وأكرم الخواقين الذي جعل جهاد
الكفرة قرة عينه، وإعلاء كلمة الله بالغزو قرط أذنه، وأرصد نفسه الشريفة لنصر أهل
الله، وهمته العلية لتدمير أعداء الله، محيي دين الله، ماحي الكفر والضلال عن بلاد
الله، الذي صير محبة العلماء والصلحاء نصب عينيه وإغاثة الغرباء والضعفاء مطمح
نظره، مالك أزمة المعالي حسنة الأيام والليالي، الفائز مع حداثة سنه بالسعادة
الأبدية، والحائز مع كثرة حساده بالمفاخر السرمدية....السلطان الأعظم المظفر
الأواه السلطان على عادل شاه رفع الله بعزه قواعد الدين وشيدها وقمع بأزه أولياء
الطغيان وأباد فرقتهم وفرقها، وملكه بساط الأرض شرقا وغربا، وسلطه عليها برا وبحرا
وعجما وعربا..."[60].
ورغم أن هذا الكتاب التاريخي صغير في حجمه قد كثر نفعه وتوسعت
إفاداته بين المؤرخين والباحثين وطلاب العلم، وكسب لمؤلفه شهرة عالمية عند
المؤرخين المسلمين والمشتشرفين وغيرهم على السواء حتى فاقت شهرته به على شهرته
بمؤلفاته الأخرى، فعُرف عندهم مؤرخا ماهرا ومحللا سياسيا وخبيرا في علم الإجتماع
ورجلا وطنيا نصب راية الجهاد على قمم الهمة العالية ضد الإحتلال والإستعمار، وأشعل
في قلوب شعبه نور حب الوطن الذي هو من الإيمان وشجعهم على مقاومة ومحاربة المحتلين
لأجل تحرير وطنهم ولتطهير أراضيهم وحماية أنفسهم وأعراضهم من أيدي أعدائهم
الظالمة. ولذا احتل هذا الكتاب مكان الصدارة في قائمة الكتب التاريخية، وفي
المناهج الدراسية في أقسام التاريخ والحضارة في الجامعات الهندية الكبرى، وفي
الجامعات العالمية العظمى.
ويتضمن هذا الكتاب معلومات هامة عن دخول الإسلام في جنوب الهند
وانتشاره في ربوعها، وهناك إشارة في مقدمته إلى أن دخول الإسلام في هذه المنطقة
إكرام عظيم ونعمة كبيرة من عند الله تعالى لأهل مليبار حيث أنهم قبلوا الإسلام
واعتنقوه طائعين راغبين، غير راهبين ولا مكرهين، ويستمر الإمام رحمه الله في بيانه
عن ذلك قائلا: "... وذلك أن جمعا من المسلمين دخلوا في بنادر[61] مليبار وتوطنوا فيها، ودخل أهلها في دين الله يوما فيوما، وظهر
الإسلام فيها ظهورا بالغا حتى كثر المسلمون فيها وعمر بهم بلدانها مع قلة ظلم رعاتها
الكفرة...، ثم بدلوا نعمة الله كفرانا، وأذنبوا وخالفوا، فسلط الله عليهم أهل
برتكال من الإفرنج خذلهم الله تعالى..، فظلموهم وأفسدوهم واعتدوا عليهم بما لا
يحصى من أصناف الظلم والفساد الظاهرة بين أهل البلاد.. حتى آلت أحوال المسلمين إلى
شر مآل من الضعف والفقر والذل، وصاروا لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا.."[62] ، ومن ثم قد حث الإمام رحمه الله مسلمي مليبار من خلال صفحات
كتابه هذا على القيام بواجباتهم نحو الدين والبلد، وينبههم عن فرضية الجهاد علىهم.
وقسم المصنف مضمون هذا الكتاب إلى مقدمة وأربعة أقسام، كما قال
المصنف نفسه في مقدمة كتابه: "وقسمت المجموع على أربعة أقسام: القسم الأول في
بعض أحكام الجهاد وثوابه والتحريض عليه، القسم الثاني..."[63] ، وفي أولها يذكر
المصنف رحمه الله عن أحكام الجهاد الإسلامية وعن فضله عند الله ويحرض أهل مليبار -
خاصة مسلميهم- على الجهاد ضد البرتغاليين الفجرة، وفي هذا القسم دخل المصنف
في موضوع الجهاد بتفصيل بسيط حيث أشار فيه إلى بعض الآيات الكريمة والأحادث
النبوية الشريفة التي تتعلق بحكمه وفضائله وما إلى ذلك، ولم يستوعب جميع ما في هذا
الباب، ولم يتعرض أيضا للأحكام الفقهية التي تتعلق بالجهاد إلا قليلا نادرا، لأنه
لم يكن هدفه بتأليف هذا الكتاب بيان حكمه الشرعي بالتفصيل، بل تشجيع المسلمين على
الجهاد ضد البرتغاليين الفجرة. وقد افتتح الإمام رحمه الله هذا القسم بقوله:
"اعلم أن للكفار حالتين إحداهما أن يكونوا مستقرين في بلادهم؛ فالجهاد حينئذ
فرض كفاية، إذا قام به من فيهم كفاية سقط الحرج عن الباقين؛ وإلا أثموا كلهم.
وثانيتهما أن يدخلوا بلاد المسلمين كما في قضيتنا هذه؛ فالجهاد فرض عين على كل
مسلم مكلف قوي بها، ولو عبدا وامرأة ومدينا وفرعا بغير إذن سيد وزوج وغريم وأصل،
وعلى من دون مسافة القصر، وكذا على من فوقها إن لم يكن في غيرهم كفاية،..."[64]، فإن الجهاد هنا فرض على كل مسلم قوي قادر دفاعا عن
وطنه، واحتراما لدينه، وحرسا لحدود بلاده لأن الكفار دخلوا في بلادهم عنوة وظلموهم
بشتى أنواع الظلم والفتن، وهاجموا على دينهم. ويقول المؤلف رحمه الله إن من اللازم
لمن يقود المجاهدين في المعركة أن يتخذ استراتيجية جيدة بعد التشاور الجاد مع
أصحابه قبل الهجوم، وأن يقسم مال الغنيمة طبقا للشريعة الإسلامية.
وفي القسم الثاني يذكر
الإمام رحمه الله عن تاريخ ظهور الإسلام في منطقة مليبار وانتشاره فيها تحت عنوان
‘في بدء ظهور الإسلام في مليبار’، ويقص فيه عن قصة دخول الإسلام في هذه المنطقة
ويقول: "... وبعد ذلك بسنين وصل إليها جماعة من فقراء المسلمين معهم شيخ
قاصدين زيارة قدم أبينا آدم عليه السلام بسيلان، فلما سمع الملك بوصولهم طلبهم
وأضافهم وسألهم عن الأخبار فأخبره شيخهم بأمر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبدين
الإسلام وبمعجزة انشقاق القمر فأدخل الله سبحانه وتعالى في قلبه صدق النبي صلى
الله عليه وسلم فآمن به ودخل في قلبه حب النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر الشيخ بأن
يرجع هو وأصحابه إليه بعد زيارة قدم آدم عليه السلام ليخرج هو معهم،..."[65].
وفي القسم الثالث يتكلم عن عادات وتقاليد وعقائد الهنادكة في مليبار
في عصره، فهي تصوير صادق للأحوال الثقافية القديمة في هذا القطر الهندي، ومما
ينبغي أن يذكر هنا أن الإمام رحمه الله هو الوحيد الذي تكلم عن عادات كفار مليبار
بمثل هذه التفاصيل المفيدة من بين المؤرخين القدامى، ونقل هذه الأمور بدقة متناهية
وأمانة فائقة وصدق كامل، ولم يكن قصد الإمام رحمه الله من هذا إلا مجرد دراسة
وبحث.
وفي القسم الرابع يتكلم المؤلف عن وصول الإفرنج[66] إلى بلد مليبار وعن بعض
أفعالهم القبيحة، ويشتمل هذا القسم على أربعة عشر فصلا يبين فيها عن الأحداث
والتطورات التي مر عليها الإستعمار البرتغالي في هذه المنطقة لمدة 85سنة، وعن
مظالمهم وأفعالهم ومعاملاتهم القبيحة ضد أهل مليبار، ويذكر عن مصالحاتهم مع بعض من
ملوك الديار المليبارية وعن قلعاتهم التي بنوها فيها لمصالحهم، ويتكلم عن مساعدات
سلاطين المسلمين من داخل الهند وخارجها في معركة أهل مليبار ضد أعداءهم
المستعمرين، وقد أشار الإمام المليباري رحمه الله نفسه إلى عناوين هذه الفصول في
مقدمة كتابه هذا[67].
وكان تأليف الإمام زين الدين المليباري رحمه الله لهذا الكتاب في سنة
985هـ = 1577م، وشاعت نسخه الخطية في أرجاء مليبار بل في أرجاء العالم، ثم طبع
أولا في اللغة العربية في ‘لَشْبونة’(Lisbon) [68]عاصمة البرتغال سنة1898م
بعناية جمعية لشبونة الجغرافية بمناسبة احتفال السنة الأربعمائة لاكتشاف بلاد
الهند، ونسخته موجودة في مكتبة جامعة الأزهر بمصر، وقد نال هذا الكتاب قبولا حسنا
وتقديرا عاليا في البلاد الشرقية والغربية، ومما يدل على قبوليته العالمية أنه قد
نقل كليا أو جزئيا إلى كثير من اللغات العالمية واللغات الهندية، ثم ظهرت ترجماته
في اللغات العالمية مثل الإنجليزية واللاتينية والإفرنجية والألمانية والإسبانية
والتشيكية والفارسية، وفي اللغات الهندية مثل الأردية والغجراتية والمليالمية
والتاملية والكنّدية.
والأمانة العلمية تقتضينا الإشارة إلى اثنين من المستشرقين الذين
اهتموا بأمر هذا الكتاب بعدما عرفوا أهميته وشأنه، أولهما هو المستشرق الإنجليزي
رولندسون (R.Rowlandson) قد طبعه مع ترجمة إنجليزية في سنة 1833م.
وثانيهما هو المستشرق البرتغالي دافيد لوبس (David Lopes) (1867م- 1942) متن هذا الكتاب
وترجمته الإسبانية مع مقدمة وحاشية في 331صفحة، وكان هذا من الباحثين المهتمين
بأمر الغزو البرتغالي إلى الهند، وهذا الكتاب هو الذي طبع بعناية جمعية لشبونة
الجغرافية بداعي احتفال السنة الأربعمائة من اكتشاف بلاد الهند، لشبونة سنة 1898م.
وقام بترجمته إلى اللغة الإنجليزية الأستاذ محمد حسين نينار رئيس قسم
اللغة العربية السابق بجامعة مدراس الحكومية، وشمس الله القادري إلى اللغة الأردية
مع تعليقات قيمة.
ولهذا الكتاب عدة ترجمات
في اللغة المليبارية، الأولى منها ترجمة الأستاذ المولوي موسان كوتي (Moosan kutty Moulavi, Tirurangadi) سنة 1935م ولكنها غير كاملة لأنه ترك في ترجمته القسم الأول في بعض
أحكام الجهاد، ومنها ترجمة ويلايدهن فنيكاشيري (Velayudhan Panikkassery)، وترجمة الأستاذ حمزة مع تعاليق مفيدة.
وقد لخص هذا الكتاب المؤرخ المشهور محمد قاسم فرشته في الجزء الثاني
من كتابه التاريخي[69]. ففي الحقيقة ان هذا الكتاب يدل
على أن الإمام المليباري رحمه الله قد لعب دورا هاما في مجال السياسة والإجتماع
حيث أنه دعا الناس إلى حب الوطن وإلى الدفاع عن البلد والأمة، بل صار قدوة لجميع
الناس علمائهم وأمرائهم، حكامهم ورعاياهم في مشاركته مع الناس في آلامهم ومشاكلهم،
وفي مقاومته ضد الأشرار والأعداء.
2- إرشاد العباد إلى سبيل الرشاد
هذا كتاب قد جمع فيه المصنف رحمه الله بين الفقه والعقيدة والتصوف
والقصص والمواعظ، وقد نسب إليه كثير من المؤرخين[70]. ولم
يُعرف تاريخ تأليفه بالتحديد ولكنه قد تقدم تأليفه على تأليف كتابه المشهور ‘فتح
المعين’ لأنه قد ورد فيه اسمه حيث قال في مبحث الذكر والدعاء بعد الصلاة:
"..وورد فيهما أحاديث كثيرة ذكرت جملة منها في كتابي إرشاد العباد فاطلبه
فإنه مهم..."[71] ، وفيه زيادة توثيق لنسبة كتاب ‘الإرشاد’ إليه،
فلا يخفى أنه قد ألف هذا الكتاب قبل سنة
982هـ. وإن هذا الكتاب كتاب
مشهور قد ظهرت فيه خبرة مؤلفه وتبحره في علم الحديث والتصوف، وكتاب مفيد يهدي
الناس إلى الحق وينوّر الطرق إلى الرشاد ويزيد التقوى في القلوب، كما وصفه الأستاذان
الكريمان علي الشربجي ومحيي الدين نجيب الذان اختصرا هذا الكتاب باسم ‘ترويح
الفؤاد مختصر كتاب ارشاد العباد إلى سبيل الرشاد’[72]،
فقالا: "..فإن كتاب ‘إرشاد العباد إلى سبيل الرشاد’ للمليباري كتاب يغني
عنوانه عن التعريف بمضمونه، فهو حقيقة كتاب يستطيع أن يقول ناعته: إنه جنة من
الأشجار المثمرة، والرياحين العطرة، حوى من كل فن باقة متميزة، ومن كل نوع زمرة
متألقة، بدأه (مؤلفه) بطائفة مفيدة من العقائد الإسلامية التي لا بد للمكلف من
معرفتها، وثنى بباب العلم الذي هو المفتاح لمعرفة هذا الدين والوقوف على أحكامه، وساق
ثالثا طائفة من العبادات التي لا بد من أن يمارسها المسلم ليصبغ حياته بلون
العبودية لله تعالى، ويكتسي من أنواع الخضوع لعظمته، ثم ذكر كثيرا من الآداب
والفضائل والمواعظ والزواجر، وأتى على أكثر الأحكام التي ينبغي للمكلف معرفتها
والوقوف عليها، ليأخذ نفسه بمعالم هذا الدين، ويصوغ حياته على ضوئها، ودعم كل ما
ذكره بأدلة من الكتاب والسنة، وطعّمه بحكايات الصالحين والمخلصين حتى غدا روضة
متألقة في بابه، ملبيا لمقاصده وأهدافه"[73].
وبما أن هذا الكتاب يسبق كتابه ‘فتح المعين’ في التأليف كما
ذُكر سابقا، فهو أقل قوة ومتانة من الناحية الفقهية من الثاني، لأن ‘فتح
المعين’ يمثّل النضج الفقهي للإمام المليباري رحمه الله، وهذا يمثّل مرحلة من
مراحل التأليف للمصنف، ولكنه في الغالب كتاب معتمد في المسائل والأحكام. وإنه كتاب
يشبه الكتاب المشهور لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي رحمه الله ‘إحياء علوم الدين’[74]من وجوه، في أنه يبدأ موضوعه على الأغلب بنص قرآني،
ويثني بالأحادث والآثار والأخبار، ويثلث بحكايات الصالحين، وقد يؤكد الصلة بين هذه
الأركان الثلاثة بفوائد وتنبيهات وتتمات وفروع، بل قد يورد فقرة طويلة فقهية كما
فعل في أحكام الصلاة، ويتكلم الإمام رحمه الله عن كثير من المسائل الفقهية في هذا
الكتاب، حتى ظهر في بعض أبوابه كأنه يكاد يكون الكتابة الأولى لكتابه الفقهي ‘فتح
المعين’. فهذا كتاب في مجمله فقه يتعلق بصحة عبادات الناس ومعاملاتهم ومعاشراتهم،
وفيه طرق تأخذهم إلى سبيل الحق والهداية والرشاد وتعينهم على تطهير القلوب والأنفس
من دنس الذنوب والآثام وتقربهم إلى رب العباد.
وإن الإمام المليباري رحمه الله بدأ كتابه هذا بـ‘باب الإيمان’ ثم
انتقل إلى أبواب العلم والوضوء والغسل والصلاة والزكاة والصيام والحج والنكاح
والمعاملات والآداب ونحوه..ويختم بــ‘باب التوبة’ اشارة إلى أن يكون ختام حياة كل
إنسان بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى سبحانه.
وقد اعتمد الإمام
المليباري رحمه الله في تأليف هذا الكتاب على كتابين مشهورين ‘الزواجر عن اقتراف
الكبائر’ و‘مرشد الطلاب إلى الكريم الوهاب’ كما أشار إليه المؤلف نفسه بقوله:
"فهذا كتاب انتخبته من كتابي ‘الزواجر’ و‘مرشد الطلاب’ لشيخي مشايخ الإسلام
وملكي العلماء الأعلام شيخنا الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي وجدنا زين
الدين بن علي المعبري رضي الله عنهما وحشرنا في زمرتهما، وزدت فيه ما يسر من
الأحاديث والمسائل الفقهيات والمواعظ والحكايات..."[75] ، وكان مصدر الحكايات فيه
في الغالب كتاب ‘روض الرياحين في حكايات الصالحين’ لعفيف الدين أبي السعادات عبد
الله بن أسعد اليافعي، اليمني، ثم المكي، الشافعي (698هــ-768=1298م-1367)[76].
وفي الختام يتضرع الإمام رحمه الله إلى الله تعالى بالدعاء حيث قال:
"اللهم إنا نرجو عفوك ومغفرتك ولقاءك، ونعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من
عقوبتك، اللهم إنا نسألك الراحة في الدارين، وأن لا تنزع منا ما وهبته لنا من
الإيمان والعلم، وأن لا تزيغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وأن توفقنا للعمل بما تحبه
وترضاه، وأن لا تجعل علمنا حجة علينا، وأن تجعلنا مع الذين أنعمت عليهم من النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين، وأن تؤمننا من الفزع الأكبر، وأن تظلنا في ظل عرشك
يوم لا ظل إلا ظلك، وأن ترزقنا الجنة بغير حساب، والنظر إلى وجهك بكرةً وعشياً،
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم"[77].
وإن هذا الكتاب ما زال مقررا في بعض المعاهد والكليات الإسلامية في
داخل ديار مليبار وخارجها، وقد طبع هذا الكتاب في الهند وفي البلاد العربية مرارا[78]
3- الجواهر في عقوبة أهل الكبائر
إن هذا الكتاب يحوي فوائد كثيرة وفرائد نادرة، وهو يعبر عن عقوبة أهل
الكبائر التي تتمثل في ترك الصلاة، وعقوق الوالدين، وشرب الخمر، وفاحشة الزنا،
وفاحشة اللواط، وأكل الربا، والنياحة، ومنع الزكاة، وقتل النفس بغير حق، وقطع
الرحم، وترك المرأة حق زوجها. وفي أثناء كلامه عن عقوبة النياحة يتكلم المصنف رحمه
الله عن ثواب الصبر على المصيبة، وفي خلال بيانه عن عقوبة ترك المرأة حق زوجها
يشير إلى حقوق الزوج عليها، ثم يختم الكتاب بذكر أهوال يوم القيامة. ويدعم كل ما
ذكره في هذا الكتاب بأدلة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية والآثار الشريفة
وحكايات الصالحين.
ويقول الإمام رحمه الله في أوله: "بسم الله الرحمن الرحيم،
الحمد لله رب العالمين قيوم السماوات والأرضين خالق الجن والإنس أجمعين، والصلاة
والسلام على محمد أشرف المرسلين ورسول رب العالمين، وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأهل
بيته أجمعين. (أما بعد) فهذا كتاب يسمى ‘الجواهر في عقوبة أهل الكبائر’ جعلته من
كلام النبوة الشريفة -وعلى صاحبها أفضل الصلاة والسلام- محذوفة الأسانيد، وهو كتاب
جليل مشتمل على أحد عشر بابا،...ونسأل الله العفو والغفران وأن يرزقنا الجنة بمنه
وكرمه إنه جواد كريم غفور رحيم"[79]
ويقول في ختامه: "..فإن تمادى العبد عن طاعة الله وانقلب إلى
المعصية محى اسمه من القصور، ومن على صدور الحور، ويتوارث أهل الجنة منازله وخدمه،
فإن تاب وداوم على طاعة الله تعالى وصل للنعيم المقيم، فيا نعم من لازم الباب وجدد
المتاب وتضرع في الدياجى إلى العزيز الغفار لعله ينقذه من عذاب النار، وان الجنة
فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، جعلنا الله وإياكم من أهلها
من غير سابقة عذاب، إنه كريم وهاب، دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام،
وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين"[80]
وقد نسب خير الدين
الزركلي هذا الكتاب إلى زين الدين المليباري الكبير جد الإمام أحمد زين الدين
المليباري في كتابه المشهور‘الأعلام’[81] ، وهو خطأ واضح. وهذا
الكتاب قد طبع في داخل الهند وخارجها، ونشرته مكتبة القاهرة بمصر أكثر من مرة،
والمكتبة الأدبية في حلب بسورية سنة 1387هـ= 1967م عن نسخة خطية كتبها أحمد بن حسن
مرتضى الحنفي الشاذلي الخلوتي ، وقد أشير إلى ذلك في آخر الكتاب بقول الناسخ:
"وكان الفراغ من كتابة هذه النسخة يوم الأربعاء المبارك 7محرم سنة1256 ستة
وخمسين ومائتين وألف، على يد الفقير إلى ربه القدير أحمد بن حسن مرتضى الحنفي
الخلوتي الشاذلي غفر الله له ولوالديه..."[82].
4- الإستعداد للموت وسؤال القبر
إن هذا الكتاب ‘الإستعداد للموت وسؤال القبر’ قد حوى في صفحاته دررا
ثمينة تخص كل إنسان مؤمن زاهد تقي يخشى الله تعالى حق الخشية، وقد جمع فيه المصنف
الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأبيات الشعرية وحكايات الصالحين وآرائه
وتوصياته تحت عناوين متعددة مثل: التحذير من الإغترار بالدنيا، الإستعداد لنزول
الموت، الأمل، سكرات الموت، عذاب القبر، أحوال الموتى، أشراط الساعة، النفخ في
الصور، شفاعة النبي صلعم والشفاعة الكبرى، الحساب، الميزان، الصراط، الحوض، عذاب
الكافرين في جهنم، الخلود في النار للكافرين، الجنة وما لأهلها من النعيم، صفة
الحور العين، رؤية الله تبارك وتعالى في الجنة...
ويقول الإمام رحمه الله في أوله: "..وبعد، فهذا مختصر ضمنت فيه بعض
أحاديث ذكر الموت وما بعده في فصول متوسطات، بدأت كل فصل بما يناسبها من آيات
وأردفتها بآثار ومواعظ زاجرات عسى الله أن ينفعني به وأحبابي والمسلمين
والمسلمات"[83].
وهذا الكتاب قد طبع في مصر في دار ابن خلدون بالإسكندرية مع تحقيق
الأستاذ سعد كريم الدرعمي. ولم يوجد علم عن هذا الكتاب عند من ترجم للإمام
المليباري رحمه الله إلا أنه قد نسبه إليه محققه هذا حيث ترجم لمصنف الكتاب في
مقدمة تحقيقه بقوله: "..المصنف هو زين الدين بن عبد العزيز[84]
بن زين الدين بن علي بن أحمد المعبري المليباري من أهل مليبار بلدة في وسط الهند[85]، تميز بأنه فقيه عابد زاهد ورع شافعي المذهب"[86]، ولكن هو نفسه قد أخطأ في اسم مصنفه في مكان آخر في نفس
الكتاب[87].
5- مختصر شرح الصدور في أحوال الموتى والقبور
وقد اختصر الإمام زين الدين المليباري رحمه الله كتاب ‘شرح الصدور’
للإمام الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى، وهو كتاب فيه تذكير الناس عن
الموت وعن أحوال القبور ولإعدادهم للحياة الأخروية. ولكن لم يطبع هذا المختصر ولم
يوجد علم عن نسخته إلا أنه ينسبه إليه من ترجم له. وربما يكون كتابه السابق
‘الإستعداد للموت وسؤال القبر’ مرادهم بهذا المختصر.
فمن هنا يتضح أن آثار الإمام زين الدين المليباري رحمه الله العلمية
قد لعبت ولا تزال تلعب دورها الهام في تثقيف الأمة الإسلامية فقهيا وتصوفيا
وتاريخيا، وخاصة في نشر المذهب الشافعي في الديار المليبارية الهندية، والمسلمون
فيها يعتمدون على مؤلفاته القيمة ويرجعون إليها في مسائلهم وقضاياهم إلى أن صار
مذهب الإمام الشافعي رحمه الله هو المذهب السائد فيها بخلاف باقي أقطار الهند.
ومؤلفاته تبقى متداولة بين الشافعية في الهند وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة
وسوماليا وسريلنكا والشام وجزيرة العرب من الحجاز واليمن وحضرموت وغيرها من بلاد
العالم، حتى أنه يعتبر كتابه الأشهر ‘فتح المعين’ مرجعا هاما في الفتوى في كثير من
المجتمعات الإسلامية العالمية، وله مكانة عظيمة بين المؤلفات الفقهية في مذهب
الامام الشافعي رحمه الله.
المبحث الثالث: جلالة
الإمام المليباري وتفوقه على الآخرين المليباريين
وفي الحقيقة أجمع علماء كيرالا المليبار الذين عاصروا الشيخ أحمد زين
الدين بن محمد الغزالي المخدوم الصغير والذين جاءوا من بعده على جلالته في الفقه
الإسلامي خصوصا وإمامته في العلوم الدينية كلها، فلذا لا يوجد فقيه في مليبار إلا
وقد أثنى على الإمام صاحب ‘فتح المعين’ ومؤلفات أخرى بأنه هو الفقيه الأكبر المطلق
الذي رآه أهل مليبار من عصره إلى أيامهم كما أن الذين اتصلوا به من اهل البلاد
الخارجية او اطلعوا على فتح المعين واحاطوا به قد اعترفوا بفضله وميزته وسمو درجته
وعلو مكانته بين علماء مليبار بل بين علماء العالم.
"...فإنه كان رحمه
الله تعالى من الشخصيات الممتازة النادرة التي بخل بمثلها الزمان. نرى فيه عالما
نحريرا ومؤرخا كبيرا ومؤلفا شهيرا وفقيها عابدا وغازيا مجاهدا. خلّد اسمه في
التاريخ مؤفاته القيمة في اللغة العربية ... وكتابه فتح المعين من أشهر الكتب
الفقهية وانفع الكتب المختصرة في الفقه الشافعي"[88].
"...كان عالما متبحرا في جميع الفنون لا يستثنى عنه فن وكان
اطلاعه في كل واحد منها اطلاعا عميقا بحيث لا يمكن للمحلل أن يجعل تخصصه رحمه الله
تعالى في فن دون آخر، لأنه قد استقى علومه من أمثال العلامة أحمد بن حجر الهيتمي
والشيخ عز الدين بن عبد العزيز والعلامة وجيه الدين عبد الرحمن بن زياد وغيرهم من
عباقرة عصره... وقد كان أعظم خدماته للعالم كتابه فتح المعين الذي صنفه حين بلغ
عمره أربعا وأربعين سنة واستقبله علماء العالم بأسره...[89].
"...سافر زين الدين إلى مكة المكرمة للحصول على الدراسات العليا
فتتلمذ على العلامة الكبير والفقيه المشهور الإمام ابن حجر الهيتمي المكي وكان
محببا إليه بعقله وفهمه ونشاطه، ويقال "إن ابن حجر قدم إلى فنان وأقام في
جامعها عدة شهور وصنف هناك بعض فتاواه، وربما تكون النسخة القلمية من فتاوى ابن
حجر الموجودة في مكتبة المولوي شهاب الدين أحمد كويا الشالياتي هي تلك التي ألفها
ابن حجر أثناء إقامته في فنان"، وكان كتابه المشهور فتح المعين قد طار صيته
إلى خارج مليبار حتى ان علماء العربمن مصر والجزيرة العربية وبلدان آسيا قاموا
بتعلمه وتعليمه ونشره وطبعه وشرحه وتحشيته والتعليق عليه..."[90].
وهناك ما لا تحصى من الكتب باللغة المليبارية التي سردت تواريخ الشيخ
أحمد زين الدين المخدوم المليباري الصغير ومحاسنه وأعماله مع التركيز الخاص على
كتابه فتح المعين ، مما يدل على أن علماء مليبار وفقهاءها قد أجمعوا على جلالته
وإمامته في العلوم الإسلامية وتقدمه وإحرازه جميع الفضائل العلمية من بين علماء
مليبار وفقهاءها، وبالتالي بياناتهم تسفر عن المقارنة بين علماء مليبار في ضوء
مؤلفاتهم الفقهية، اذ لم يوجد عالم في هذه المنطقة مثل الإمام المليباري الذي حصل
على هذه الدرجة من الثناء والفخر من قبل الآخرين، ولم يوجد أي كتاب فقهي من مليبار
نال هذا الإقبال المزدحم من قبل علماء مليبار، حتى إنهم كانوا لا يعيرون أي اهتمام
لأي عالم لم يدرس فتح المعين وما كانوا يعتبرون عالما مهما كان عمق علمه وتبحره
طالما لم يلم بكنوز فتح المعين.
ولم ينحصر تعريفه وثناءه بين علماء مليبار فقط بل إن العرب كانوا
مشتغلين ومولعين بفتح المعين كما يظهر من نصوصهم في كتبهم. وقد اعترف كثير من
العلماء بفضله وشرفه حتى خدموا على مؤلفاته بالشروح والحواشي. وفي الخلاصة ان أحمد
زين الدين المخدوم الصغير المليباري قد وقع الإجماع من علماء العرب والعجم على أنه
هو الأبرز من فقهاء مليبار، ولم تأن مليبار بمثله لا في القديم ولا في الحديث، كما
ان مؤلفاته خاصة كتابه فتح المعين أعظم الكتب الفقهية التي صنفها علماء هذه
المنطقة وفقهاءها، ولم يوجد كتاب آخر صنفه أهل مليبار الذي قام بشرحه والتحشية
والتعليق عليه علماء العرب والبلاد الخارجية الأخرى سوى فتح المعين.
وكفى له شرفا أن أدرج كتابه فتح المعين في المناهج الدراسية في
الجامعات الاسلامية المشهورة في البلاد الاسلامية والعربية، وان مؤلفاته يتداولها
المسلمون كثيرا ليس في الهند فقط بل في كثير من المجتمعات الاسلامية في البلاد
الاسلامية وغير الاسلامية مثل مصر ويمن واندونيسيا ومالازيا وسنغافور.
الخاتمة
وفي ختام هذا البحث المتواضع ننتهي إلى إثبات عدة حقائق:
الأول: إن العلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا دينارا ولا
درهما وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر، والعلماء قد بين الله شأنهم ورفع
قدرهم، وهم أهل العلم بالله وبشريعته، والعاملون بما جاء عن الله وعن نبيه عليه
الصلاة والسلام، وهم علماء الهدى، ومصابيح الدجى، وهم الذين قال فيهم جل وعلا:
"شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا
هو العزيز الحكيم".
الثاني: ان من أسباب السعادة للعبد، ومن علامات النجاة والفوز أن
يفقه في دين الله، وأن يكون فقيها في الإسلام، بصيرا بدين الله على ما جاء في كتاب
الله الكريم وسنة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام.
الثالث: الإمام زين الدين المخدوم المليباري الهندي قد لعب دورا هاما
وأثر أثرا واضحا في المجال الفقهي والسياسي والاجتماعي في جنوب الهند خاصة في
منطقة مليبار التي يشكل المسلمون ربع سكانها، وهي من احدى الأراضي الغنية في الهند
بالعلماء والفقهاء والمعاهد والمساجد والمراكز الاسلامية وجمعيات العلماء.
الرابع: ان تعرف الأئمة وتعرف جهودهم التي بذلوها لأجل إعلاء كلمة
الله، ومعرفة أساليبهم ومناهجهم تحث الإنسان على ان يتبعوا نهجهم على علم
ووعي.
الخامس: الاطلاع على
المنهج الفقهي للإمام زين الدين المخدوم المليباري الهندي ومنهج اختياراته
وترجيحاته في كتبه الفقهية يعين الباحثين عل تعرف خبرته الفقهية.
فنتضرع إلى الله تعالى سبحانه، أعتقنا الله تعالى من النار وحشرنا في
زمرة المقربين الأخيار الأبرار وأسكننا الفردوس من دار القرار ومن علينا في هذا
البحث وغيره بقبوله وعموم النفع به وبالإخلاص فيه ليكون ذخيرة لنا إذا جاءت الطامة
وسببا لرحمة الله الخاصة والعامة.
الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافىء مزيده، وصلى الله وسلم أفضل صلاة
وأكمل سلام على أشرف مخلوقاته محمد وآله وأصحابه وأزواجه عدد معلوماته ومداد
كلماته وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(مقالة أخوية " الأسرة المخدومية أصل التراث الفقهي في ولاية كيرالا")
(مقالة أخوية " الأسرة المخدومية أصل التراث الفقهي في ولاية كيرالا")
أهم المراجع
في اللغة العربية
1- القرآن الكريم
2- صحيح مسلم مع شرح النووي- يحيى بن شرف النووي
3- فتح الباري شرح صحيح البخاري- ابن حجر العسقلاني
4- الأشباه والناظائر- جلال الدين السيوطي
5- تاريخ التشريع الاسلامي- مناع القطان
6- جمع الجوامع لابن السبكي مع شرحه لجلال الدين المحلي
7- طبقات الشافعية- ابو بكر بن هداية الله الحسيني
8- الفوائد المكية- السيد علوي بن أحمد بن عبد الرحمن السقاف
9- المدخل لدراسة الشريعة الاسلامية- عبد الكريم زيدان
10- المدخل الى دراسة المذاهب الفقهية- أ.د. علي جمعة محمد
11- المستصفي- الامام ابو حامد الغزالي
12- دائرة المعارف النظامية، بحيدرآباد الدكن، الهند
13- المنهاج- للامام أبو زكريا يحيا بن شرف النووي
14- روضة الطالبين وعمدة المتقين- للامام أبي زكريا يحيا بن شرف
النووي
15- المجموع شرح المهذب- للامام أبو زكريا يحيا بن شرف النووي
16- مغني المحتاج الى معرفة معاني الفاظ المنهاج- للشيخ محمد
الشربيني الخطيب
17- نهاية المهتاج الى شرح المنهاج- للشيخ شمس الدين محمد بن أبي
العباس بن أحمد بن حمزة بن شهاب الرملي
18- معجم المؤلفين- عمر رضا كحالة
19- قرة العين بمهمات الدين- للشيخ زين الدين المخدوم المليباري
الهندي
20- فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين- للشيخ زين الدين
المخدوم المليباري الهندي
21- نهاية الزين في ارشاد المبتدئين بشرح قرة العين- محمد نووي
الجاوي
22- قامع الطغيان على منظومة شعب الإيمان لزين الدين المليبارى
(توحيد) وبهامشه هداية الأذكياء لزين الدين المليباري- محمد نووي الجاوي
23- سلالم الفضلاء على المنظومة المسماة هداية الأذكياء إلى طريق
الأولياء - للشيخ زين المليباري (تصوف)- محمد نووي الجاوي
24- حاشية إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين- للعلامة أبي بكر
المشهور بالسيد البكري ابن السيد محمد شطا الدمياطي
25- ترشيح المستفيدين حاشية فتح المعين- علوي بن أحمدبن عبد
الرحمن بن محمد السقاف الشافعي المكي
26- احكام أحكام النكاح- للشيخ زين الدين المخدوم المليباري الهندي
27- المنهج الواضح بشرح احكام أحكام النكاح- للشيخ زين الدين المخدوم
المليباري الهندي
28- الأجوبة العجيبة عن الأسئلة الغريبة- للشيخ زين الدين المخدوم
المليباري الهندي
29- إرشاد العباد الى سبيل الرشاد- للشيخ زين الدين المخدوم
المليباري الهندي
30- مختصر شرح الصدور- للشيخ زين الدين المخدوم المليباري الهندي
31- الجواهر في عقوبة أهل الكبائر- للشيخ زين الدين المخدوم
المليباري الهندي
32- تحفة المجاهدين في بعض أحوال البرتغاليين- للشيخ زين الدين
المخدوم المليباري الهندي
33- تراجم الاعلام- جماعة من المؤلفين (مكتبة الهدى- كاليكوت،
كيرالا، الهند)
34- نزهة الخواطر- الشيخ عبد الحي بن فخر الدين الحسني (الهند)
35- المسلمون في كيرالا- عبد الغفور القاسمي
36- خدمة الفقهاء- مكتبة الامين، كيرالا، الهند
في اللغة الانجليزية
1- Malabar Manual - William Logan
2- What Happened in Indian History- C.K. Kareem
3- History of Indian Muslim- Yaser amri
4- Emergence of Islam in Kerala in 20th century- E Ismail, KKN Kurup
5- The Legacy of Islam (Kerala) a Study of the Mappila's of Kerala-
KKN Kurup
6- Mappila Muslims of Kerala; a Study in Islamic Trends- Roland E
Miller
7- Kerala Muslims: a historical perspective - Asgharali Engineer
8- Mappilas of Malabar: studies in social and cultural history- S. M. Mohamed Koya
9- Sufism in Kerala -
V. Kunhali
10- Hindu-Muslim relations in North Malabar, 1498-1947 -
Theodore P. C. Gabriel
11- Encyclopaedia of Muslim Biography: I-M - Nagendra Kr Singh
في اللغة المحلية المليالمية
1- Islamic Encyclopedia- Islamic Publishing House (Kerala)
2- Kerala Muslim Charithram Sthidhi Vivara Kanakk
Directory-
C.K. Kareem
3- Al Irfan-2006 - Kodampuzha Da'wa College Sammelana Souvenir
4- Makhdoomum Ponnaniyum- (Ponnani Juma Masjid Paripalana committee
souvenir, Chief Editor: Dr. Husain Randathani)
[4] هو الإمام زين الدين المخدوم الأول الشافعي الأشعري (873هـ - 928) صاحب مؤلفات كثيرة في الفقه والتصوف وغيرها
[6] وما يذكر من أن اسم والده ’عبد العزيز‘ فليس بصحيح وإن جرى
عليه بعض محققي كتابه "فتح المع ين" وأصحاب المطابع المصرية وغيرها، بل
جرى على ذلك كثير منهم مثل العلامة السيد عبد الحي الحسني اللكنوي في كتابه ‘نزهة
الخواط ر’ ١:٣٤١ وعمر رضا كحالة في كتابه ‘معجم المؤلفين’- ١:٧٤١
والدكتور محيي الدين آلوائي في رسالة الدكتوراه له - ٢١۰ ، وقد صرح الإمام رحمه الله نفسه باسمه واسم والده في أول كتابه
"الأجوبة العجيبة عن الأسئلة الغريبة" (ص: ٢)، واما الشيخ عبد العزيز(۹١١- ۹۹٤ هـ )فهو عمه وأستاذه لا والده.
[7] انظر رسالة الدكتوراه ‘الدعوة الإسلامية وتطورها في شبه
القارة الهندية’ للدكتور محيي الدين الآلوائي في كلية أصول الدين بجامعة
الازهر: ص ٢.
[8] هو الشيخ محمد أبو الحسن بن جلال الدين محمد أبي البقاع بن
عبد الرحمن بن أحمد البكري الصديقي الشافعي المفسر، هو تلميذ شيخ الإسلام زكريا
الأنصاري، مولده ووفاته بالقاهرة، كان يقيم عاما بمصر وعاما بمكة، ومن كتبه ‘تسهيل
السبيل’، انظر كتاب ‘المهمة في بيان الأئمة المذكورين في فتح المعين’ للأستاذ
كى.كى.كنح علي مسليار المليباري: ص192، والأعلام للزركلي: ج7 ص57.
[9] انظر مقدمة الأستاذ ك.ك. محمد عبد الكريم لكتاب الإمام المليباري
‘تحفة المجاهدين’: ص9، وكتاب ‘تراجم علماء الشافعية في الديار الهندية’ للأستاذ
عبد النصير أحمد المليباري الشافعي: ص73
[10] هو الشيخ المحقق شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن علي
بن حجر الهيتمي (909هــ - 974) الشافعي مذهبا الأشعري معتقدا الجنيدي طريقة. ومن
مؤلفاته في الفقه الشافعي: اليعاب شرح العباب، تحفة المحتاج شرح المنهاج، فتح
الجواد، شرح المقدمة الحضرمية، الفتاوى الفقهية الكبرى، وغيرها. وفي الحديث: أشرف
الوسائل شرف الشمائل، الفتح المبين شرح الأربعين النووية، الفتاوى الحديثية،
وغيرها. وله كتب أخرى في فنون شتى، وله تلاميذ كثيرون في شتى بقاع العالم.
[11] وقد ذكر الدكتور عبد المنعم النمر المصري في كتابه ‘تاريخ
الإسلام في الهند’: ص61، ان الشيخ ابن حجر الهيتمي زار مليبار دون أن يذكر مرجعا،
ولعله سمع ذلك من أهل مليبار لأنهم يعتقدون ذلك اعتقادا لا يقبل النزاع.
[12] انظر ‘تراث أدبي مابلا العظيم’ (مليالم) لأحمد مولوي.سي.ان، ومحمد
عبد الكريم.ك.ك: ص144- 146، ‘الدعوة الإسلامسة وتطورها في شبه القارو الهندية’
للدكتور محيي الدين آلوائي: ص208.
[13] هو شيخ الإسلام ومفتي الأنام الشيخ عز الدين بن عبد العزيز بن علي بن
عبد العزيز الزمزمي المكي الشافعي، محدث فقيه شاعر، من أعيان علماء مكة وفضلائها،
ومن آثاره: الفتاوى الزمزمية، الفتح المبين في مدح شفيع المذنبين، الفتح المبين
بفيض الجود على حديث فيض الوجود في شيبتني هود، نظم علم التفسير وغيرها. انظر
ترجمته في ‘الور السافر’ للعيدروسي: ص287- 291، و‘شذرات الذهب’ لابن العماد
الحنبلي: ج8 ص381- 382، و‘كشف الظنون’ لحاجي خليفة (ص1234،1305،1919)، و‘ايضاح
المكنون’ للبغدادي: 2/157، و‘معجم المؤلفين لكحالة: 2/165.
[14] هو شيخ الإسلام أبو نصر عز الدين وجيه الدين بن عبد الرحمن بن عبد
الكريم بن زياد اليمني الشافعي، أحد أعيان فقهاء الشافعية، وكان من الولاية والعلم
والفضل على درجة عظيمة، انظر ترجمته في ‘النور السافر’ للعيدروسي: ص282، 283،
و‘شذرات الذهب’ لابن العماد الحنبلي: 8/378، 379.
[15] هو ابن الشيخ زين الدين المخدوم الأول، وكان مدرسا في الجامع
الكبير بفنّاني وقاضيا هناك بعد وفاة أبيه، ومن مؤلفاته: مسلك الأتقياء شرح قصيدة
هداية الأذكياء إلى طريق الأولياء، باب معرفة الكبرى، باب معرفة الصغرى، متفرد،
أركان الصلاة، أركان الإيمان، مرقات القلوب. أنظر ترجمته في كتاب ‘المخدوم
وفنّاني، (مليالم) للدكتور حسين المليباري.
[17] انظر ‘تاريخ الإسلام في الهند’ للدكتور محمد عبد المنعم النمر-ص126
و‘تاريخ آداب اللغة العربية’ لجورجي زيدان-3/337، و‘تاريخ الأدب العربي’ لكارل
بروكلمان-9/235، و‘الأعلام’ لخير الدين الزركلي-3/64.
[18] انظر‘تحفة الأخيار في تاريخ علماء مليبار’ للشيخ محمد علي مسليار
النّليكوتي -ص11، واعتمدت على قوله لأنه منتميا إلى أسرة ‘المخدوم’ فيكون أدرى
بأحوال أسرته من غيره، والله أعلم.
[22] انظر ‘المخدوم وفناني’ لحسين رندتاني: ص122، و‘تراجم علماء الشافعية
في الديار الهندية لعبد النصير المليباري: ص97
[23] وهو مريد العارف بالله الشيخ عبد القادر الثاني الفرطوي الكنّوري
(انظر ‘المخدوم وفناني’ لحسين رندتاني: ص127، و‘تراجم علماء الشافعية في
الديار الهندية لعبد النصير المليباري: ص99)
[24] انظر ‘تراجم علماء الشافعية في الديار الهندية لعبد النصير
المليباري: ص116، 117، و‘أعلام الأدب العربي’ لجمال الدين الفاروقي: ص29.
[25] نسبة إلى ‘قاهَرْ فَتَنْ’(Kayal Pattanam) في ولاية ‘تامِلْ نَادُو’(Tamilnadu) الهندية (انظر ‘تراجم علماء الشافعية في الديار الهندية لعبد النصير
المليباري: ص99)
[28] انظر ‘تحفة المجاهدين’ للإمام المليباري: ص9، و‘أعلام الأدب
العربي في الهند’ لجمال الدين الفاروقي: ص20، و‘المخدوم وفناني’ للدكتور حسين
رندتاني: ص121.
[35] هذا خطأ لأن الشيخ عبد العزيز ليس والده بل عمه وأستاذه، وإن والده
هو الشيخ محمد الغزالي بن الشيخ زين الدين.
[38] هو العالم الفاضل المولوي فريد بن محيي الدين البريري المتوفى سنة
1300هـ (انظر فتح المعين للامام المليباري: ص527)
[39] الذي جمعها ورتبها هو الشيخ العلامة عبد الرؤوف بن يحيى بن عبد
الرؤوف المكي الشافعي كما رجحته الدكتورة لمياء أحمد (انظر ‘ابن حجر الهيتمي’: 65،
66)
[46] انظرمقدمة تحقيق عبد النصير المليباري لكتاب الامام المليباري
‘الأجوبة العجيبة عن الأسئلة الغريبة’: 47، 48.
[54] انظر ‘تراجم علماء الشافعية في الديار الهندية’ للأستاذ عبد النصير
المليباري: ص101، ومقدمة ‘تحفة المجاهدين’: ص10، و‘أعلام الأدب العربي في الهند’
لجمال الدين الفاروقي: ص22، و‘المخدوم وفناني’ لحسين رندتاني: ص125.
[57] انظر مقدمة المحقق محمد سعيد الطريحي لــ‘تحفة المجاهدين’: ص22،
و‘تراجم علماء الشافعية في الديار الهندية’ لعبد النصير المليباري: ص105.
[58] وهي مملكة السلالة ‘عادل شاهي’(1489م - 1686)، احدى سلالات المسلمين
الخمس المستقلة في جنوب الهند، قامت على أنقاض الدولة البهمنية وأسسها يوسف عادل
شاه سنة 895هـ، فلقبت عادل شاهي، وكانت أقوى وأشهر السلالات المتفرعة من الدولة
البهمنية، اشتهر ملوكها بإخلاصهم لمذهبهم الإمامي، وتشجيعهم للعلوم والفنون،
وبراعتهم في البناء والعمارة، حكم المملكة تسعة سلاطين كان آخرهم سكندر بن علي
الذي عزل سنة1097هـ وتوفي سنة1100هـ، ثم ضمها السلطان المغولي أورنك زيب إلى
الإمراطورية المغولية (انظر مقدمة المحقق محمد سعيد الطريحي لــ‘تحفة المجاهدين’:
ص25)
[59] وهو السلطان علي الأول بن ابراهيم عادل شاه، الملك الخامس من سلالة
عادل شاهي، وكان السلطان شجاعا ذا رأي وحزم، وقد تولى الحكم سنة965هـ وبعد وفاة
سلفه ابراهيم الأول بن إسماعيل عادل شاه. وكان من المجاهدين المقاومين للبرتغاليين
الظالمين، وأشاد المؤلف بدوره في تلك الأحداث، وقد استشهد السلطان علي عادل شاه في
23 صفر 988هـ، ويظهر أن المؤلف كان معجبا ببطولات هذا السلطان، فهو يثني عليه أطيب
الثناء، ويطريه غاية الإطراء لمواقفه المشهودة من فجرة البرتغاليين، ولم يمنع مذهب
السلطان (الإمامية) المؤلف من ان يقدم كتابه إليه ويطلب من مساعدته لمسلمي مليبار
على أعداءهم لأنه كان قد اهتم بأمور المسلمين كلهم على السواء (انظر نفس
المرجع: ص26، و‘تحفة المجاهدين’(طبعة مليبارية) للإمام المليباري: ص68، 69).
[61] بنادر جمع البندر: مرسى السفن في الميناء ويطلق الآن على البلد
الكبير يتبعه بعض القرى(فارسية) (انظر ‘المعجم الوسيط’ لمجمع اللغة العربية: 1/77،
و‘المنجد’: ص50)
[66] استعمل المصنف لفظ ‘الإفرنج’ وأراد به ‘أوربا’ (انظر ترجمة ويلايدهن
بنيكاشيري لـ‘تحفة المجاهدين’: ص22)
[68] ويقال أشبونة: مدينة قديمة قريبة من البحر غربي قرطبة بالأندلس ،
وعاصمة البرتغال حاليا(انظر معجم البلدان لياقوت الحموي: 5/16)
[69] انظر ‘تحفة المجاهدين’ للإمام المليباري: ص11، و‘تراجم علماء
الشافعية في الديار الهندية’ لعبد النصير المليباري: ص105، 106، و‘أعلام الأدب
العربي في الهند’ لجمال الدين الفاروقي: ص26، 27.
[70] ذكره عبد الحي اللكنوي في نزهة الخواطر: 1/341، وبروكلمان في تاريخ
الأدب العربي: 9/ 235، والزركلي في الأعلام: 3/64.
[76] هو عفيف الدين عبد الله بن اسعد بن علي بن سليمان بن فلاح اليافعي،
اليمني، ثم المكي، الشافعي. وهو مؤرخ، باحث، متصوف. ومن تصانيفه: ‘مرآة الجنان
وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان’، و‘روض الرياحين في حكايات الصالحين’،
و‘مرهم العلل المعضلة في اصول الدين’، و‘الدر النظيم في خواص القرآن العظيم’،
و‘نشر المحاسن الغالية في فضل مشايخ الصوفية أصحاب المقامات العالية’،وغيره.(انظر
‘معجم المؤلفين’ لعمر رضا كحالة: 6/34، و‘الأعلام’ للزركلي: 4/72).
[78] انظر في ‘نزهة الخواطر’ لعبد الحي اللكنوي:1/341، و‘تاريخ الأدب
العربي’ لبروكلمان: 9/235، و‘الأعلام’ للزركلي: 3/64.
3 تعليقات
ماشاء لله وتقبل الله
ردحذفجزاكم الله خيرا الجزاء
شكرا لهذا الاحتفاء..
حذفماشاء لله وتقبل الله
ردحذفجزاكم الله خيرا الجزاء
أكتُبْ تعليقا