ادعمنا بالإعجاب

التعامل مع الناس من منظور قرآني

التعامل مع الناس من منظور قرآني

 د. محمد قطب الدين[1]*           
 القرآن كتاب أنزله الله للهداية البشرية وإنجاحها في الدنيا والآخرة فهو دستور شامل وقنديل لامع وسراج منير يضمن للإنسانية الفوز والفلاح ويدعوها إلى تطبيق المبادئ القرآنية التي تمهد الطريق إلى السعادة الغامرة والسرور الباهر والشعور بالطمأنينة القلبية والقرآن بنفسه يقول:" ألابذكر الله تطمئن القلوب"[2]

وقبل أن نلقي النظر على التعامل مع الناس من منظور قرآني  يجدر بنا أن نستعرض الرؤية القرآنية للحياة الإنسانية للتوصل إلى الأسس التي يبني عليها الدين الإسلامي السلوكيات الإنسانية والتعامل مع الناس.

وهذه الدراسة للرؤية القرآنية للحياة الإنسانية تدلنا على أن الحياة الإنسانية من منظور قرآني اختبار لصاحبها و ينحصر الفوز والفلاح في العمل ،والعمل يتمثل في عبادة الله وحده وإسداء الخير إلى الناس والقيام بما يفيدهم والكف عما يضرهم يقول الله تبارك وتعالى : " خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا "[3]  وقال تعالى " والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر[4]" وقال تعالى " فأما الزَبدُ فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناسَ فيمكُث في الأرض"[5]. .

فإذا كانت الحياة منقسمة فيما بين الإنسان وصلته بربه وبين الإنسان وصلته بخير الإنسان، فإن القرآن يدعو إلى إخلاص العبودية كلها لله وعدم الشرك به في أي شكل كان، إنه يجعل هذه الصلة صافية طاهرة، للإنسان علاقة مع ربه يخلص له ويمحض وده له وتذلل له فلا رب سواه ،ولا إله سواه، ولا مالك سواه، وأما ما يتعلق بصلته مع الإنسانية، فإنها مبنية على أصل قويم وأساس رصين ،ألا وهو البناء وعدم الخراب وإسداء الخير والكف عن الأذى، تقديم الحب والامتناع عن الكراهية ويعني هذا أن التعامل مع الناس من منظور قرآني يحتم التعاون في الخير والمساعدة للإخوة ويحرم جلب أي ضرر إليهم، وللوصول إلى هذا الأصل العظيم نركز على هذه النقاط التالية.

العقائد الإسلامية :  ونعني بها المبادئ التي  تأسس عليها شجر الإسلام الصافي وهي تتمحور على الإيمان بالله الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو على كل شيء قدير، وهو يتصرف في الكون كيفما يشاء وهو السميع البصير،يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور[6].  والإيمان بأن الله جعل الملائكة مع الإنسان يكتبون ما يفعلون، حيث يقول القرآن" وإن عليكم لحافظين،كراما كاتبين،يعلمون ما تفعلون"[7]  ،فليس من عمل الإنسان صغيرا كان أو كبيرا إلا وهو مكتوب يقول الله تبارك وتعالى " ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها"[8]. وكذلك الاعتقاد بأن الحياة لاتفني بفنائها وإنما ستبدأ حياة سرمدية فيما بعد وتكون حسب ما كانت الأعمال في هذه الدنيا  وإن كانت حسنة فالجنة ،وإن كانت سيئة فالنار ، وهذه العقائد الإسلامية كما تحث المسلم المؤمن بالدين الإسلامي على الرجوع إلى الله والإنابة إليه، كذلك تمنعه من أن يتصرف بسوء مع أحد ،لأن الله يراقبه ولأن الملائكة يكتبون ولأنه مسئول عنه من قبل رب العالمين- وبعد هذه العقائد الإسلامية يأتي الإسلام بالأحكام التي تؤكد على هذ الأصل القويم بالإضافة إلى إصرار الإسلام على التحلي بالأخلاق الفاضلة والقيم العالية.

الأحكام القرآنية: ولقد اهتم الإسلام اهتماما شديدا بما نسميه بالسلوك الحسن والتعامل بالعدل و قواه بأحكام الأصيلة في السلوك والمعاملات، ففصل في التجارة والزراعة حتى لاتكون الخُدعة ولاالمكر ولا السبيل إلى الإضرار وقال النبي صلي الله عليه وسلم " من غشنا فليس منا "[9]. ،وقال تعالى ردا على من لا يعدل بالناس    " ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخسرون"[10] . وقدم أصلا كبيرا في التعامل مع الناس وأسسه على العدل، والعدل يعني وضع الشئ في محله وهو ما يضاد الظلم – قال تعالى " ولا يَجرمنّكم شَنَآنُ قوم على أن لاتعدلوا، اِعدِلوا ،هو أقرب للتقوى"[11].

فالتقوى من أهم ما يروم إليه العبد المسلم وهو منوط بالعدل في الإسلام وهذا العدل لا يفرق بين مسلم أو كافرأوزنديق، والمسلم مطالب بأداء الحقوق إلى أهلها والأمانات إلى صاحبها قال تعالى " أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين، وزنوا بالقسطاس المستقيم، ولاتبخسوالناس أشياءَهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين"[12]. وهذ العدل يدفع بالإنسان المسلم أن يخلص في الدعوة إلى الله  ولكن هوالذي يمنعه من أن يجبر أحدا على قبول أو يكرهه عليه وقال تعالى  " لا إكراه  في الدين،قد تبين الرشد من الغي"[13].

وما أمر ربعي بن عامر رضي الله عنه بخاف على الناس،إذ ذهب إلى رستم وهوفي كسوته الملكية وأبهته التي تبهر العقول والأبصار والناس يخضعون له ويكرمونه إكرام العبد لسيده فقال : "إن الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة الناس إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام"  (البداية والنهاية،الغزوة القادسية)

فالعدل هوا لأساس في التعامل مع الناس بل هو من أهم المبادئ الإسلامية والتي يتوق إلى تحقيقها الإسلام- و نظرا إلى جدية المعاملات والسلوك جاء الإسلام بأحكام تضمن للإنسان سلوكه الحسن وتقويه في الذهاب إليه فأمر القرآن بالكتابة إذا أريد حسم الأمر يقول الله تبارك وتعالى : " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه،وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب،وليملل الذي عليه الحق ويتق الله ربه ولايبخس منه شيئا ...إلى آخرالآية[14].

ومن يتأمل في هذه الآية الكريمة يجد أنها تؤكد على الحفاظ على المعاملات الإنسانية  وأن تكون على أسس ثابتة توطد الصلة وتربطها بالربط الوثيق، وهي قائمة بالعدل والقسط -

الأخلاق الإسلامية: علاوة على العقائد الإسلامية التي ترسخ المبادئ العالية الهامة في النفوس والأحكام التي تحتم على المسلمين الالتزام بما يجلب النفع ويدفع الضرر ويحقق العدل هناك قيم خلقية وطرق سلوكية عني بها الإسلام عناية فائقة وأراد بها أن يكون مجتمعا إسلاميا عادلا صالحا يتعايش الناس تعايشا سلميا بالتلاءم والتوادد والتراحم فيما بينهم وللوقوف على هذه المبادئ الأخلاقية تعال بنا نتأمل هذه النقاط التالية-

إن الله رحيم كريم: إن الإسلام أول مايدعو إليه هو الإيمان بالله الأحد والواحد الذي هو يخلق كيفما يشاء ويتصرف في الكون وهو قادر على كل شيء  وهو متصف بالرحمة والكرم ورحمته وسعت غضبه وأنه الغفورالرحيم ويوحي هذا الإيمان إلى العبد أن يتخلق بخلق الله فيتبادرإلى التخلق بصفات الرحمة والتوادد-.

الرسول رحمة للعالمين: والرسول الذي ختمت به النبوة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم لقبت رحمة للعالمين ولقد قال فيه رب السموات والأرض " إنك لعلى خلق عظيم وقال " وماأرسلناك إلا رحمة للعالمين "

 وقال هو بنفسه " بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"[15] .فالله رحيم كريم ورسوله رحمة للعالمين،بعث لإكمال مكارم الأخلاق وعاش حياة كلها كرم،أخلاق،وإنفاق ورحمة ولقد لقبه حتى أعداءه في مكة بالصادق والأمين-.

وما أحرز الفوز الباهر إلا لماكان عليه من خلق كريم وصفات عالية وخصائل نبيلة قال الله تعالى " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من  حولك"[16]

 وأرشد أمته إلى التحلي بهذه الأخلاق الكريمة بماجاء من تعاليم وتأكيدات- وهذه التعاليم الخلقية تعين  القيم التي يجب الأخذ بها في التعامل مع الناس ويمكن لنا أن نبينه كما يلي-

1-الالتزام بالصدق والامتناع عن الكذب: قال الله تبارك وتعالى “ياأيهاالذين آمنواكونوا مع الصادقين "[17] وقال النبي صلي الله عليه وسلم" آية المنافق ثلاث إذا حدث كذَب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان "[18]. وجعل الكذب من أكبر الكبائر وهو من أهم أسباب الشر والفساد.

2- الاهتمام بالإنفاع وعدم الإضرار: وقال الله تبارك وتعالى “وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض"[19]

 وقال النبي صلي الله عليه وسلم" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"[20]. وقال النبي صلي الله عليه وسلم" الإيمان بضع وسبعون شعبة أفضلها قول لاإله إلاالله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق". وقال النبي صلى الله عليه وسلم" خيركم أنفعكم للناس".

3- الشكر على الخير والصبر على الأذى: وقال النبي صلي الله عليه وسلم " من لم يشكرالناس لايشكرالله"[21] فلو أن أحدا قام بالخير إلى أحد يجب عليه أن يشكرله والشكر سيزيده من الاهتمام بالخير وإن أصيب بالأذى من عند أحد فعلى المسلم المؤمن أن يصبِر وقال الله تعالى "فاصبركماصبرأولوالعزم من الرسل"[22].  وقال تعالى " واصبروا إن الله مع الصابرين"[23].

4- المبادرة بالسلام والاستقبال بالوجه الطلق: وإذا لقي المسلم أحدا فعليه أن يتبادر بالسلام وأن يبتسم له وكان النبي صلي الله عليه وسلم يلقى الناس بوجه طلق ورغب فيه أيضا حيث يقول"لا تحقرن من المعروف شيئا ولوأن تلقى أخاك بوجه طلق"[24]. ويسلم على الصغير والكبير وبذلك ينتشر الحب ويعُم السلام في المجتمع الإنساني.

5- صلة الرحم وقطعه: وذلك يعني أن يسدي الإنسان المسلم بذويه بالخير ويصل رحمه ويساعده ولايقطع الصلة به حتى ولوكان ذووه يقطعون وقال النبي صلي الله عليه وسلم “صل من قطعك"[25]

6- الاهتمام بالرفق وكراهية العنف: وقال النبي صلي الله عليه وسلم “ماكان الرفق في شئ إلا زانه وما نزع من شئ إلا شانه "[26]. وقال صلى الله عليه وسلم " إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف "[27]. وقد نهى النبي صلي الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها لما أغضب اليهودي الذي دعا على النبي صلي الله عليه وسلم بالموت فرده كذلك وقال" يا عائشة عليك بالرفق" .

 اجتثاث العنصرية والعرقية والطائفية: وشدد الإسلام على اجتثاث النظام الطبَقي والعِرقي والعنصري الذي هو مصدر الفساد في المجتمع البشري فلايكترث باللون والإقليم والنسب حيث يصرح القرآن"يا أيهاالناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى و جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير[28] . فمعيار ومحك الفضيلة هو العمل الصالح والفاضل،

وبهذه القيم الخلُقية والمبادئ الإسلامية نتوصل إلى أن القرآن يسعى إلى تشكيل مجتمع مثإلى يعيش فيه الإنسان عيشا هادئا كريما، يحاول كل من أفراد المجتمع أن ينفع الآخر ويسدي إليه بالخير ولايضره وأن يكون رحيما وعادلا وصادقا في التعامل مع الناس،وهذه هي الأسس  و المبادئ التي تبني ولاتفسد، تعمر ولا تخرب، والمجتمع العالمي في حاجة شديدة إلى تطبيق هذه المبادئ للحصول علي السعادة والسلام .





* الأستاذ المساعد،  جامعة جواهرلال نهرو، نيو دلهي
[2]  سورة الرعد:28 والذكر المشار إليه في الآية هو القرآن نفسه.
[3]  سورة الملك الآية:2
[4] سورة العصر: الآية :1
[5]  سورة الرعد الآية:17
[6]  (سورة الغافر:19)
[7]  سورةالانفطار، الآية12:
[8]  سورة الكهف الآية:49

 [9] رواه المسلم

[10]  سورة المطففين الآية:1

[11] المائدة الآية:8

[12]  سورة الشعراء الآية:183
[13]  البقرة:256
[14]  البقرة:282
[15]  (رواه البخاري في الأدب المفرد)
[16] (آل عمران:159)
[17]  سورة التوبة
[18]  (متفق عليه)
[19]  سورة الرعد:17
[20]  متفق عليه
  [21]  (رواه أحمد)
 [22]  (سورة حجرات:5)
[23]  (الأنفال:46)
[24]  (رواه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان)
[25]  (متفق عليه).
[26]  رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها
[27]  رواه مسلم
[28]  (الحجرات الآية:13)

مواضيع ذات صلة
دراسات,

إرسال تعليق

0 تعليقات