ادعمنا بالإعجاب

ماذا خلّف الاستعمار الغربي في المجتمع العربي الحديث؟

عبد الرحمن كوتي م. ك.[1]

الاستعمار مصطلح محدث تم اشتقاقه من مادة (ع م ر) على باب الاستفعال. فالأصل اللغوي يفيد معنى طلب التعمير والسعي لتحقيق العمران. ومنه قوله تعالى في القرآن الكريم: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا[2]، أي وهو الذي جعلكم عمّارها[3] وسكّانها، فالاستفعال بمعنى الإفعال، أو المعنى: أمركم بعمارة ما تحتاجون إليه من بناء مساكن وحفر أنهار وغرس أشجار وغير ذلك[4]. وعلى أي حال، يختلف المفهوم الجديد للاستعمار كثيرا عن هذا  المعنى اللغوي الأصلي.

ففي الأيام الراهنة تدل كلمة الاستعمار على معاني عديدة متشابهة. فمن معانيها في الإنجليزية colonizing, colonization, foundation of colonies; imperialistic exploitation; imperialism, colonialism[5]. وقد تم استخدامها في عنوان هذا البحث مرادفة لكلمة Imperialism في الإنجليزية. فهي تعني: the policy, practice or advocacy of extending the power and dominion of a nation, especially by direct territorial acquisitions, or by gaining indirect control over the political or economic life of other areas. broadly: the extension or imposition of power, authority or influence.[6] يعني سياسة دولةٍ أو ممارستها أو دعوتها لتوسيع  قوَّتها وسيادتها، خصوصاً بالاستحواذ المباشر على الأقاليم، أَو باكتساب سيطرة غير مباشرة على الحياة السياسية أَو الاقتصادية للمناطق الأخرى. وبمعنى أوسع: مد أَو فرض قوَّة أو سلطة أَو تأثير.
وأما كلمة الغرب فكثيراما يتم التعامل معها على أنها كلمة ذات حدود واضحة وبسيطة، ولكن مفهوم الغرب ليس بسيطًا ولا كليًّا، فهو يشمل مكوّنات السياسة والاقتصاد والتاريخ والجغرافيا والعِرق والدين والأيدولوجيا. هذه المكونات المتعددة للمفهوم تحيل أحيانًا إلى التباسات كثيرة حين تستدعي ثنائية الشرق والغرب.
وكان لكلمة "الغرب" معان متباينة في مختلف العصور،  ثم تحدد مفهومها بالشكل الذي آل إليه الآن بدءًا من القرن السادس عشر، وتعتبر سنة 1492 سنة ميلاد الغرب بمفهومه الجديد الذي عرف به في عهد الاستعمار الأوروبي، وهي سنة اكتشاف أميركا وطرد المسلمين من إسبانيا. ومن هنا تم تشكيل أسس هذا "الغرب" على مرجعية يونانية-رومانية مع إقصاء كل المصادر الشرقية أو غير المسيحية الأخرى. واكتشاف أميركا والتوسع في العالم ونزوح الملايين من الأوروبيين إلى أميركا وأستراليا نتج عنه فقدان أوروبا مركزيتها لصالح مفهوم الغرب الذي أخذ مع بداية القرن العشرين بعدا جيوسياسيا.
ولكن البعد الأيدولوجي لمفهوم "الغرب" لم يختفِ تمامًا، فقد عمل الغرب الذي فقد عدوّه بعد انهيار المعسكر الشرقي عام 1989 على اصطناع عدو أيديولوجي جديد خلفًا للشيوعية تمثّل في الإسلام، ومن ثم تم إنعاش مفهوم "الغرب" الأيديولوجي بوضعه ضمن ثنائية "الغرب والإسلام"، وتم تضخيم بعبع الأصولية الإسلامية وكثر المختصون بها لتصل إلى الحديث عن صدام الحضارات، التي هي تقسيم بحسب الدين، وهي الفكرة التي انتعشت بعد أحداث سبتمبر 2001[7].
وعصر التدخل الاستعماري الأوروبي في العالم العربي يبدأ من سنة 1798 حيث شهدت حملة نابليون على مصر، ثم تتابعت التدخلات الاستعمارية الغربية في العالم العربي، وعمّت معظم أرجائه، ولم يتم استقلال معظم الدول العربية من القوات الاستعمارية الأوروبية إلا في الخمسينات من القرن العشرين. وبعد ذلك أيضا مازالت فلسطين ولا تزال تعاني من بطش الاحتلال الصهيوني، فعلى الرغم من أنها وعدت بالاستقلال والحكم الذاتي عام 1993 بموجب معاهدة أوسلو، إلا أن ذلك الاستقلال كان "اسميا" أكثر منه بالفعل. كما شهد العالم العربي تدخل الولايات المتحدة الأمريكية بشكل متزايد في مرحلة الحرب الباردة وما بعد الحرب الباردة. ولا يزال التدخل الاستعماري الأمريكي والاحتلال الصهيوني يشكّلان أزمة خطيرة قاسية بالنسبة إلى اتحاد العالم العربي واستوائه على سوقه.
وكان للاستعمار الغربي تأثير كبير في كافة مجالات حياة العرب. فآثاره ظاهرة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية للعرب. ويمكن تلخيص أهم تلك الآثار فيما يلي:
الآثار السياسية
كانت الدولة العثمانية قوة روحية عظيمة، مع كل ما ابتليت به من انحلال وفساد، فقد كانت قادرة على جمع كلمة الشعوب الإسلامية باسم الدين ضد الدول الاستعمارية. فتكاتفت الدول الاستعمارية –على الرغم مما بينها من منافسات ومناورات- على هدم الدولة العثمانية وتشتيتها بحيث لا يرجى لها عودة إلى الوجود. وكان هدفهم الأهم من وراء هذا، هو إضعاف الحماس الديني وتقطيع أوصال المسلمين في مستعمراتهم حتى يستطيعوا أن يواجهوهم واحدا واحدا. فالمصريون أحفاد الفراعنة، واللبنانيون أحفاد الفينيقيين، والعراقيون أحفاد البابليين والآشوريين، والحجازيون أحفاد العرب الأمجاد وأحق الناس بالقيام على خلافة الإسلام الذي نبع من أرضهم المقدسة.
والغربيون يزعمون أن الديمقراطية الغربية هي أفضل نظام توصل إليه البشر حتى الآن، ولذلك يسعون إلى أن يسود هذا النظام العالم أجمع، وقد سعوا إلى هذا من خلال عدة سبل، أبرزها هو انتقاد النظام السياسي الإسلامي. وقد تأثرت بعض الدول العربية التي خضعت للاستعمار الغربي بالفكر السياسي الغربي بأن قامت باستيراد النظام البرلماني دون أن يتم إعداد الشعوب العربية لمثل هذه الأنظمة. وما زالت هذه البرلمانات في البلاد العربية يتحكم فيها الحزب الحاكم الذي لا بد أن يفوز بأغلبية المقاعد بأية طريقة كانت. ومع ذلك فما زال الغرب حريصا على نشر الديمقراطية، وقد كانت تصريحات الساسة الغربيين بأن حرب الخليج الثانية ستكون مناسبة لفرض الديمقراطية في العالم العربي.
ومن الحقائق المثيرة للانتباه أنه حينما يصل الإسلاميون إلى الحكم وينقلب السحر على الساحر ينسى القوات الغربية موقفهم العلني من الديمقراطية ويسعون إلى تأييد الانقلاب العسكري وكبت الحرية ومصادرة الديمقراطية، وقد شوهدت هذه الظاهرة عدة مرات في دول عديدة مثل مصر والجزائر.
ومن الآثار السياسية الهامة للاستعمار الغربي في العالم العربي، العواقب الوخيمة لسياسة التجزئة إلى دويلات، وسياسةِ زرع بذور الفرقة والشقاق بين عناصر متنوعة للمجتمع العربي. فقبل انحسار الاستعمار الغربي عن العالم العربي كان المستعمِر قد فعل كل ما يضمن له انشقاق العرب واختلافهم فيما بينهم باسم انتماءاتهم الوطنية أو الدينية أو العنصرية وغيرها، كما ضمنوا إجهاض النهضة القومية العربية والدعوةِ إلى الجامعة الإسلامية. وقد نجحوا أيضا في استمالة الحكام العرب إليهم، وجعلِهم يعتمدون عليهم لكل شيء حتى للأمن من أشقائهم وجيرانهم. وكان أقسى هذه الكوارث وأمرّها تأسيس الدولة الصهيونية في أرض فلسطين العربية كبؤرة صراع وتوتر دائمين في العالم العربي.
الآثار الاجتماعية
تعدّ الآثار الاجتماعية من أخطر الآثار التي ما زال الاستعمار الغربي حريصا على تحقيقها في العالم العربي والإسلامي، فقد اهتم المستشرقون بدراسة المجتمعات الإسلامية ومعرفتها معرفة وثيقة حتى يمكنهم أن يؤثروا فيها بنجاح. وإن دوافعهم لهذا تنطلق من النظرة الاستعلائية الغربية بأن المجتمعات الغربية وما ساد فيها من فلسفات ونظريات هي الأرقى في العالم. وقد تمكن الاستعمار بالتعاون مع الاستشراق من إحداث تغيرات اجتماعية كبيرة  في البلاد التي وقعت تحت الاحتلال الغربي. ففي الجزائر مثلا حطّم الاستعمار الملكيات الجماعية أو المشاعة للأرض، وذلك لتمزيق شمل القبائل التي كانت تعيش في جو من الانسجام والوئام.
وقد تعاون الاستشراق والاستعمار على إحداث النزاعات بين أبناء البلاد الإسلامية بتشجيع النزعات الانفصالية، كما حدث في المغرب العربي أيضا بتقسيم الشعب المغربي إلى عرب وبربر، والتركيز على فرنسة البربر وتعليمهم اللغة الفرنسية،  ونشر الحملات التنصيرية في بلادهم. وقد أنشأت الحكومية الفرنسية الأكاديمية البربرية في فرنسا لتشجيع هذه النزعة.
ومن الجوانب الاجتماعية التي عمل فيها الإستشراق على التأثير في المجتمعات الإسلامية البنية الاجتماعية وبناء الأسرة والعلاقة بين الرجل والمرأة. فقد اهتم الإستشراق بتشويه مكانة المرأة في الإسلام، ونشر المزاعم عن اضطهاد الإسلام للمرأة، وشجع الدعوات للتحرير المزعوم للمرأة، التي ظهرت في كتابات قاسم أمين، والطاهر الحداد، ونوال السعداوي، وهدى الشعراوي، وغيرهم.
وقد أنشئت رابطة دراسات المرأة في الشرق الأوسط ضمن تنظيم رابطة دراسات الشرق الأوسط الأمريكية، وهي التي تهتم بأوضاع المرأة المسلمة، وتشجّع اتجاهات التغريب من خلال مجلتها ربع السنوية واجتماعاتها في إطار المؤتمر السنوي لرابطة دراسات الشرق الأوسط، وذلك بدعوة الباحثات المسلمات اللاتي يتبنين الأفكار الغربية من أمثال نوال السعداوي، وفاطمة المرنيسي، وحنان الشيخ، وغيرهن، ومن خلال تنظيم الندوات حول وضع المرأة المسلمة في المجتمعات الإسلامية[8].
الآثار الاقتصادية
وفي مجال الاقتصاد سعى الغرب إلى نشر الفكر الاقتصادي الغربي الرأسمالي والاشتراكي، وذلك بمحاربة النظام الاقتصادي الإسلامي، وكان من نتائجه أن انقسم العالم الإسلامي على نفسه، فأصبح قسم منه يدور في الفلك الشيوعي، والقسم الآخر في الفلك الرأسمالي.
وكان من تأثير الاستعمار أيضا تشجيع الصناعة في البلاد الإسلامية دون الاستعداد الكافي لها، وإهمال قطاع الزراعة، فقد اقتنع العالم العربي بأن النهضة الحقيقية إنما تكون في الصناعة، ولذلك أهملت الزراعة إهمالا شبه كلي، مع أن نهضة الغرب الصناعية بدأت بالاهتمام بالزراعة، وما زال الغرب يسيطر على إنتاج الحبوب والمواد الغذائية في العالم.
الآثار الثقافية
عمل الاستعمار بكل الوسائل إلى نقل ثقافته إلى المستعمَر بما فيها من لغة وقيم وعادات وتقاليد وطريقة حياة الشعوب المستعمِرة. ولذلك بقيت آثاره مطبوعة في النسقين الثقافي والاجتماعي حتى بعد أن انحسر الاستعمار، وأصبح الغزو الثقافي الأجنبي يشكل أكبر تهديد للثقافة العربية والإسلامية، حيث يكوّن كوادر موالية للحضارة الغربية عن طريق استخدام التعليم والإعلام كأداتين لتحقيق الأهداف الثقافية الاستعمارية.
وقد حرص الاستشراق والتنصير على إنشاء المدارس والجامعات الغربية في العالم العربي الإسلامي، فمن ذلك الكلية الإنجيلية التي تحولت إلى الجامعة الأميركية التي لها فروع في كل من القاهرة وبيروت وإسطنبول ودبي، بالإضافة إلى كلية فكتوريا، والكلية الأمريكية في بيروت. وقد زعم كرومر Cromer في احتفال بمدرسة فكتوريا أن الهدف من هذه المدرسة وشبيهاتها تنشئة أجيال من أبناء المسلمين يكونون جسرا بين الثقافة الغربية ومواطنيهم المسلمين[9].
وفي دراسة عن "الهوية العربية الإسلامية ودور المؤسسة التعليمية في تشكيلها" قام بها  "د/أحمد ثابت" أستاذ العلوم السياسية جاءت نتائج عينة الجامعة الأمريكية في القاهرة كما يلي:
1.           71.5% من طلاب الجامعة الأمريكية لا يعرفون لون العلم المصري أو ترتيب ألوانه.
2.           38.5% يرون أن ارتداء الحجاب يعد مظهراً للتخلف ومؤشراً لسلوك الفقراء.
3.           27.5% على شوق جارف للحصول على الجنسية الأمريكية.
4.           19.5 % يرون في تبادل القبلات بين الطلبة والطالبات مسألة حضارية ولا تتنافى مع التقاليد المصرية.
5.           75% يرون أن الوجود الأوروبي الاستعماري في مصر كان تعاوناً وتنويراً ولم يكن استعماراً، وأن مشاكل المجتمع المصري عندهم هي في قلة أماكن اللهو، وضوضاء أماكن العبادة، وعدم وجود أماكن لانتظار السيارات، وسوء فهم المجتمع للاختلاط بين الجنسين[10].
وقد شاركت وسائل الإعلام العربية في تعميق الغزو الإعلامي الأجنبي، من خلال ما تعرضه من البرامج الغربية، وبالأخص ما يسمى ببرامج "تلفزيون الواقع" من دون أن تضع تلك الفضائيات بالحسبان  قيم المجتمع العربي وتقاليده وأنماطه الاجتماعية. ومعظم برامج القنوات الفضائية العربية تقتصر على المادة الترفيهية وأفلام الجريمة والعنف والرعب والجنس. ويتأثر الأطفال والمراهقون والشباب وغيرهم بنتائج هذا الغزو الثقافي الإعلامي.  ومن المحتمل أن تخلق برامج الفضائيات العربية الاضطراب الاجتماعي، وعدم الاستقرار في العلاقات الاجتماعية، وتنمية الفردية والروح الاستهلاكيّة، والهروب من التصدي لواقع الحياة، والاستسلام له، والانبهار بالمثال الأجنبي على حساب الهوية الثقافية.
الآثار الفكرية
الآثار الفكرية للاستعمار الغربي في العالم العربي الإسلامي كثيرة، من أهمها:
1- النزعة العلمانية أو فصل الدين عن الدولة: ظهر تيار من المفكرين والعلماء والسياسيين وحتى الناس العاديين أو العامة الذين نادوا بفصل الدين عن الحياة أو ما يطلق عليه العلمانية. فالعقيدة الإسلامية تربط كل المجالات بالإيمان بالله عزّ وجلّ وبالتصور العام الذي جاء به الإسلام للخالق والكون والإنسان. فلما كانت أوروبا قد وجدت الديانة النصرانية المحرّفة تعيق تقدمها ونهضتها ظهر فيها التيار الذي أُطلِق عليه التنوير مناديا بفصل الدين عن الحياة أو قصر الدين على الشعائر التعبدية والعلاقة بين الله والإنسان. أما شؤون الحياة الأخرى من سياسة واقتصاد واجتماع فلا علاقة للدين به.
ونهضت أوروبا نهضتها بمحاربة الدين والكنيسة، وبلغت الذروة في هذه الحرب في الثورة الفرنسية. وقد أثر الإستشراق في هذا المجال عن طريق البعثات العلمية التي انطلقت من العالم الإسلامي إلى فرنسا كما يقول الشيخ محمد الصباغ: "إن إفساد الطلبة المبعوثين لم يكن ليتحقق في بلد من البلاد الأوروبية كما كان يمكن أن يتحقق في فرنسا، التي خرجت من الثورة الفرنسية وهي تسبح في بحور من الفوضى الخلقية والفكرية والاجتماعية. من أجل ذلك كانت فرنسا محل البعثات[11]". فانطلقت هذه البعثات من مصر ومن تركيا ومن إيران ومن المغرب. وكانت هذه البعثات تحت إشراف مستشرقين فرنسيين. ويقول أحد المستشرقين عن البعثات الأولى: إنها كانت لدراسة الهندسة والفنون الحربية، ولكن المعلمين الفرنسيين كانوا حريصين على أن ينقلوا إلى الطلاب المسلمين الآداب الفرنسية والثقافة الفرنسية[12].
            2- النزعة التجددية في الدين:  إن رجال الاستعمار شنوا حملة شعواء على الدين الإسلامي، وزعموا بأنه دين جامد لا يصلح للعصر الحاضر، ويوقف حركة التطور الإنساني. فكان رد الفعل عميقا في نفوس المفكرين، فردوا على هذه الدعاوي، وكان للرد على هذه الدعاوي صدى في شعر الشعراء ونثر الأدباء، وكان من جراء هذه المهاجمة أن دعا المفكرون إلى ضرورة العودة إلى منابع الدين الإسلامي الأصيلة، فظهر جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا وعبد الرحمن الكواكبي وشكيب أرسلان. فقد رفع جمال الدين الأفغاني لواء السياسة والدين، وركّز أكثر جهوده الثورية في الإصلاح الديني والرد على المستشرقين، وظهر أثره في محمد عبده ورشيد رضا وأديب إسحاق وغيرهم.[13]
أراد جمال الدين الأفغاني أن يجعل الإسلام مسايرا للأحوال الجديدة القائمة، فأصبح ينادي بقابلية الإسلام لاستيعاب المدنية الحديثة. وكانت محاولته هذه تعتمد على الرجوع إلى قواعد الدين الأساسية وإعطائها تفسيرا وشرحا ومعنى جديدا. وقد تجاوز تأثير جمال الدين مصر إلى البلدان العربية المجاورة[14]. وقد رد على من يمجدون التعصب للوطن ويحطون من شأن العصبية الدينية، ورماهم بالغفلة وبأنهم أبواق المستعمر الذي يحاول توهين العصبية الدينية[15].
3- التغني بالثقافات القديمة: حاول الاستعمار فصل الأمة العربية عن تراثها العربي الإسلامي عن طريق الجهود التي بذلها المستشرقون لدعوتها إلى التغني بأمجاد الثقافات القديمة المنطمسة مثل الفرعونية والإغريقية والهيلينية والفينيقية. وعلى سبيل المثال، توجهت القومية المصرية نحو عزل مصر عن بقية الأقطار العربية على أساس أن المصريين من سلالة الفراعنة. فإعادة اكتشاف ماضي مصر الفرعوني جعلت الأدباء والمفكرين يشددون ارتباطهم بتلك الحضارة القديمة.
وفي بداية العقد الثاني من القرن العشرين بدأت مصر تفاخر بعدد من الكتاب والمفكرين من ذوي الثقافة الأوروبية الذين كانوا يتطلعون إلى الثقافة الغربية القديمة (من إغريقية وهيلينية) والحديثة، بنظرة تبجيل عظيم، ويسعون إلى إقامة روابط معها. ولقد توصل طه حسين إلى القول إن المصريين لم يكونوا يوما من الشرقيين فعلا، بل كانوا ينتمون إلى أسرة شعوب البحر الأبيض المتوسط. وكان يصر على القول بأن ليس من شيء، حتى ولا الإسلام، يستطيع أن يمنع العقل المصري من إعادة تبني قيم الحضارة الغربية والتقدم بشكل كامل، وكان ثمة كتاب آخرون مثل سلامة موسى، كان أكثر تطرفا[16].
الآثار اللغوية    
كان التعليم في مصر إبان الاحتلال البريطاني يقتصر في المرحلة الابتدائية على معرفة بدائية للغة العربية والحساب. وما كان يدعى التعليم العالي كان يُتوخّى به إعداد الطلاب لتولي الوظائف الكتابية، وكان يُلقّن باللغة الإنكليزية. أما اللغة العربية التي كانت لغة التدريس في القرن التاسع عشر فقد أصبحت ذات مكانة ثانوية. وبذلك أعاقوا تقدم الثقافة القومية التي تعتبر اللغة القومية هي الوسيلة الوحيدة الصالحة للتعبير عنها[17].
كان الاستعمار الفرنسي أخطر بكثير بالنسبة إلى اللغة العربية، من نظيره الإنكليزي. ففي الجزائر مثلا، تنبهت الإدارة الاستعمارية الفرنسية أنه لا يمكن القضاء على الإسلام كمغذي لمقاومة الشعب الجزائري، ما لم يتم التخلص من اللغة العربية لسانا وروحا! لذلك فقد عملت على تجنيد وسائلها المختلفة للقضاء عليها. فأبعدتها من التعليم، وحلت محلها اللغة الفرنسة، كما أغلقت مدارسها الحرة. فدشنت بذلك مرحلة صراع شرس بين لغتها الغازية (الفرنسية) واللغة المغزوة (اللغة العربية). و شجع تعلم اللغة الفرنسية لا لغرض التثقيف النزيه بل بهدف زحزحة العربية عن عرشها في نفوس وعقول وألسنة الجزائريين، والسعي إلى تكوين فئة من الجزائريين متعلقة بلغة المستعمر تتشبع بآدابها ثم تتولى بعد ذلك رفع لواء الدعوة إلى فرنسة النفوس والعقول والألسن، والتعلق بثقافة و حضارة  المستعمر. كل ذلك كتمهيد لتطبيق سياسة الإدماج الثقافي واللغوي للجزائريين لاحقا. [18]
ومارس الفرنسيون نوعا من التمييز حتى في تعليم الفرنسية لأبناء الشعب الجزائري، إما من منطلقات عنصرية، أو من منطلق الخوف من المستقبل. وكان هذا أسوء حل لجأت إليه فرنسا الاستعمارية على مستوى التعليم، فلا هي علمت الجزائريين اللغة الفرنسية حتى يتمكنوا منها علميا وثقافيا، ولا هي تركتهم يتعلمون لغتهم العربية، ويتعاملون بها كما كان الحال قبل احتلالها لبلادهم.
وذهب المستشرقون الفرنسيون في الاستهانة باللغة العربية إلى حد كتابتها للجزائريين بالحرف اللاتيني، بدعوى وصولها السريع إلى الأفهام، وإذا كتبوها بالحرف العربي فهي بعيدة عن العربية الأصيلة، إذ يبدو فيه الضعف وسوء التركيب واضحين، ناهيك عن الأخطاء التي تعمدوا إدراجها رغم معرفتهم الجيدة للغة العربية، وقسموا العربية بناء على ذلك إلى قسمين، هما: اللغة الكلاسيكية، ويعنون بها الفصحى، واللغة الحديثة التي يعنون بها المستحدثة والمختلطة بالعامية[19].
أما أوجه تأثير العولمة على اللغة العربية فهي سلبية في أغلبها، على الرغم من إيجابية بعضها أو إمكان استغلالها في تحقيق عولمة اللغة العربية ذاتها. لقد تأثرت اللغة العربية في المصطلحات الحاملة لمفاهيم ثقافية، وفكرية، والمفردات العامة المستجدة، والصيغ الصرفية المعدلة، نتيجة للتطور اللغوي، واحتكاك متحدثي اللغة العربية بغيرهم في التحاور الحضاري. وتأثرات التراكيب النحوية العربية بالعولمة فوجدت نماذج من التراكيب غير الأصلية أو الهجينة، واستحدثت تعبيرات اصطلاحية تعكس ممارسات ثقافية وتعبيرات لغوية غريبة، وظهرت أساليب لغوية وبيانية جديدة غير معهودة في اللغة العربية.
ويلاحظ من جانب آخر انحسار استعمال اللغة العربية في الدول الإسلامية، وهبوط نسبة إجادتها فيها بشكل عام، وقد أصبح التخلي عن استعمال اللغة العربية، واستبدال لغة أجنبية بها -وبخاصة الإنجليزية في المشرق العربي، والفرنسية في المغرب العربي- سمة من سمات العصر، وبخاصة في الدراسات التخصصية العلمية والبحث العلمي. وأكثر من ذلك عقد الاجتماعات والمؤتمرات في البلاد العربية بلغات أجنبية بغير حاجة ما سوى اشتراك عدد قليل جدا من أهل تلك اللغات.
ومن الآثار السلبية للعولمة إضعاف اللغة العربية بتشجيع اللهجات العامية الإقليمية لكي يبقى باب الثقافة العربية مفتوحاً للغارة العالمية المتمثلة في الثقافة الأمريكية الشائعة عبر الأقمار الصناعية، والإنترنت ، وغيرهما. ومخاطر العولمة في هذا الجانب أكبر من تأثير استعمال اللهجات العامية، أو الضعف اللغوي، على الرغم مما بينهما من صلة. فبالإضافة إلى إحلال الأزياء الأمريكية والإنجليزية محل الأزياء العربية، فإن المواد الغذائية تحمل أسماء إنجليزية، كما تكتب اللافتات والإعلانات التجارية بالإنجليزية، دون العربية، أو بالجمع بينهما. ويفتح الطفل العربي عينيه على كتابات بالإنجليزية على ملابسه وملابس أفراد أسرته وأحذيتهم، وعلى اللعب والهدايا، وعلى كل شيء من حوله[20].
خاتمة المطاف
قد تابع الباحث في هذه المقالة بالدراسة والتقصي تأثير الاستعمار الغربي في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية للعرب. والنتائج التي توصل إليها البحث يمكن تلخيصها فيما يلي:
Ø  كان من الآثار السياسية لاستعمار الدول الغربية لأقطار العالم العربي أن تكاتفت تلك الدول على هدم الدولة العثمانية. وكان الهدف الأهم من وراء هذا، هو إضعاف الحماس الديني وتقطيع أوصال العرب والمسلمين حتى يستطيع الاستعمار أن يواجههم واحدا واحدا. وكان المستعمِر قد فعل قبل انحسار الاستعمار كل ما يضمن له انشقاق العرب واختلافهم فيما بينهم باسم انتماءاتهم الوطنية أوالدينية أو العنصرية وغيرها، كما ضمنوا إجهاض النهضة القومية العربية والدعوةِ إلى الجامعة الإسلامية. وكان أقسى الكوارث السياسية وأمرّها تأسيس الدولة الصهيونية في أرض فلسطين العربية كبؤرة صراع وتوتّر دائمين في العالم العربي.
Ø  من الجوانب الاجتماعية التي عمل فيها الاستعمار الغربي على التأثير في المجتمع العربي، البنية الاجتماعية وبناء الأسرة والعلاقة بين الرجل والمرءة.
Ø  في مجال الاقتصاد سعى الغرب إلى نشر الفكر الاقتصادي الغربي الرأسمالي والاشتراكي، وكان من نتائجه أن انقسم العالم العربي على نفسه، فأصبح قسم منه يدور في الفلك الشيوعي، والقسم الآخر في الفلك الرأسمالي.
Ø  كانت الآثار الثقافية من أخطر الآثار التي ما زال الاستعمار الغربي حريصا على تحقيقها في المجتمع العربي، حيث عمل المستعمِر بكل الوسائل إلى نقل ثقافته إلى المستعمَر بما فيها من لغة وقيم وعادات وتقاليد وطريقة حياة الشعوب المستعمَرة. ولذلك بقيت آثاره مطبوعة في النسق الثقافي حتى بعد أن انحسر الاستعمار، وأصبح الغزو الثقافي الغربي يشكّل أكبر تهديد للثقافة العربية والإسلامية.
Ø  الآثار الفكرية للاستعمار الغربي كثيرة، من أهمها ظهور تيار من المفكرين والعلماء والسياسيين وحتى الناس العاديين الذين نادوا بفصل الدين عن الحياة أو ما يطلق عليه العلمانية، وظهورُ النزعة التجددية في الدين.
Ø  من الآثار اللغوية أن اللغة العربية أصبحت ذات مكانة ثانوية بعد أن كانت لغة التدريس قبل الاحتلال الغربي. وبذلك أعاق الاستعمار تقدم الثقافة القومية. والاستعمار الفرنسي كان أخطر بكثير بالنسبة إلى اللغة العربية، من نظيره الإنكليزي.
Ø  أما التأثير النفسي للاستعمار الغربي، خاصة على الجيل الجديد، فكان هائلا ويفوق كلَّ حساب. فقد حاول الاستعمار، بسيطرته على التعليم، أن يؤثر في التوجه السياسي والثقافي للجيل الجديد.
قائمة المراجع والمصادر
أولا- الكتب
1.     هشام شرّابي، المثقفون العرب والغرب: عصر النهضة 1875 – 1914، بيروت: دار النهار للنشر، 1971
2.     د/ سلمى الخضراء الجيوسي، الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث، ترجمة د/ عبد الواحد لؤلؤة، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط 2، 2007
3.     د/ محمد محمد حسين (1988)، الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، ج 1 من الثورة العرابية إلى قيام الحرب العالمية الأولى، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط 7، 1984
4.     أنيس المقدسي، الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث، بيروت: دار العلم للملايين، 1988
5.     جواهر لال نهرو، لمحات من تاريخ العالم، ترجمة لجنة من الأساتذة الجامعيين، بيروت: دار الآفاق الجديدة، 1984.
6.     د. محمد البهي، الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، ط 4، القاهرة: مكتبة وهبة، 1964.
7.     السيدة هند فتّال و د. رفيق سِكّري، تاريخ المجتمع العربي الحديث والمعاصر، بيروت: جرّوس برس، 1988.
8.     فادي إسماعيل، الخطاب العربي المعاصر: قراءة نقدية في مفاهيم النهضة والتقدم والحداثة 1978 – 1987 (تطوير رسالة الماجستير التي قدمها إلى دائرة دراسات الشرق الأوسط بالجامعة الأمريكية ببيروت)، هيرندن-فيرجينيا-الولايات المتحدة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط 3، 1994.
9.     إدوارد سعيد، الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة د. محمد عناني، القاهرة: رؤية للنشر والتوزيع، 2006.
10.       ألبرت حوراني، تاريخ الشعوب العربية، نقله إلى العربية كمال خولي، بيروت: نوفل، 2012.
11.       د. إسماعيل أحمد ياغي، العالم العربي في التاريخ الحديث، الرياض: مكتبة العبيكان، 1997.
12.       د. عبد الله عبد الرازق إبراهيم، المسلمون والاستعمار الأوروبي لإفريقيا، الكويت: عالم المعرفة، 1998.
13.       مجموعة من الباحثين، الثقافة العربية في مفترق طرق، جمع وإعداد وإشراف: عبد الإله عبد القادر، دبي: مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، 2004.
ثانيا – المقالات
1.     د. صالح حسين سليمان الرقب، العولمة الثقافية آثارها وأساليب مواجهتها، في موقع: www.drsregeb.com
2.     د. إسماعيل نوري الربيعي، التاريخ؛ قراءة ما بعد الاستعمار، في موقع: http://mcsr.net
3.     د. حسين العودات، كيف نعيد بناء مواجهة للهيمنة الأمريكية على المنطقة العربية". في موقع:  www.mokarabat.com
4.     د. رمضان حينوني، مقالة "واقع الثقافية في ظل الاحتلال الفرنسي للجزائر" في موقع:  www.rihabalkalimah.cultureforum.net
5.     د. أحمد عبد السلام، العولمة وتبعاتها على اللغة العربية، في موقع: www.majma.org.jo
6.     علي ياسر محمد محمد المصري، الطلبة العرب والمشهد العالمي المعاصر، في موقع: www.aun.edu.eg
7.     د. مازن صلاح المطبقاني (المشرف)، أثر الاستشراق في العالم الإسلامي، في موقع مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق: www.madinacenter.com
8.     معتز الخطيب، الغرب: ميلاد المفهوم ونهايته، في موقع:  www.aljazeera.net
9.     د. يوسف قاسمي، الأهلي الجزائري في الخطاب التعليمي الكولونيالي، في موقع: www.univ-skikda.dz
ثالثا: المعاجم والموسوعات
       1.        ابن منظور، لسان العرب، المكتبة الشاملة.
       2.     قاموس أطلس الموضوعي إنجليزي – عربي، الجيزة: دار أطلس النشر2005.
      3.     Webster`s Nineth New Collegiate Dictionary 1991
     4.    Cowan, J. Milton, A Dictionary of Modern Written Arabic, London: Macdonald & Evans Ltd: 1974
رابعا: المواقع
1.     www.drsregeb.com
2.     http://mcsr.net
3.     www.mokarabat.com
5.     www.majma.org.jo
6.     www.aun.edu.eg
8.     www.aljazeera.net
9.     www.univ-skikda.dz




[1]باحث، قسم العربية، جامعة كاليكوت.
[2] سورة هود: 61
[3] مختار الصحاح، ج 1، ص 217، موسوعة المكتبة الشاملة.
[4] تفسير الآلوسي، ص 228، موسوعة المكتبة الشاملة.
[5] Cowan, J. Milton, A Dictionary of Modern Written Arabic, London: Macdonald & Evans Ltd: 1974, P. 644
[6] Webster`s Nineth New Collegiate Dictionary 1991, Page: 694
[7] معتز الخطيب، الغرب: ميلاد المفهوم ونهايته (مقالة) http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2004/10/3
        (  8]    لمز يد من التفاصيل ينظر: الرابط التالي في الإنتر نت http://www.madinacenter.com/post.php?DataID=7
[9]د. مازن صلاح المطبقاني (المشرف)، أثر الاستشراق في العالم الإسلامي، في موقع مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق: www.madinacenter.com

[10] علي ياسر محمد محمد المصري، مقالة "الطلبة العرب والمشهد العالمي المعاصر"www.aun.edu.eg/.../27_9.../68.doc
[11]  د. مازن صلاح المطبقاني، نفس المرجع.
[12] Bernad Lewis. “The Middle East Verses The West”. In Encouter. Vol. xxi No. 4. Octoober 1963. Pp. 21 – 29. Quoted from: http://www.madinacenter.com/post.php?DataID=7
[13]  أنيس المقدسي، الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث، بيروت: دار العلم للملايين، 1988، ص 306
[14]  جواهر لال نهرو، لمحات من تاريخ العالم، ترجمة لجنة من الأساتذة الجامعيين، بيروت: دار الآفاق الجديدة، 1984، ص: 188
[15]  د/ محمد محمد حسين (1988)، الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، ج 1 من الثورة العرابية إلى قيام الحرب العالمية الأولى، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط 7، 1984، ص 21.
[16] د/ سلمى الخضراء الجيوسي، الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث، ترجمة د/ عبد الواحد لؤلؤة، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط 2، 2007، ص 197 - 199
[17] السيدة هند فتّال و د/ رفيق سِكّري، تاريخ المجتمع العربي الحديث والمعاصر، بيروت: جرّوس برس، 1988، ص: 298 -299
[18] http://www.univ-skikda.dz/revolution/index.php?option=com_content&view=article&id=3:q-q-------&catid=30
[20] د/ أحمد عبد السلام، مقالة "العولمة وتبعاتها على اللغة العربية"، رابط التحميل: www.majma.org.jo/majma/index.../216-m606.html

مواضيع ذات صلة
التاريخ الأسلامي, دراسات,

إرسال تعليق

0 تعليقات