ادعمنا بالإعجاب

الصوفية في الهند ودورهم في مقاومة الاستعمار الأوروبي: دور الصوفية في مليبار نموذجا

(مقالة قدمها فضيلة الشيخ علي كوتي المسليار في المؤتمر الصوفي الدولي في السنغال)
الصوفية في الهند
إن طرق التصوف قد نمت وازدهرت ولقيت رواجا كثيرا في بلاد الهند في جميع العصور. فرغم أن الطرق الصوفية الأصلية نشأت في خارج الهند، قد حظيت بانتشار واسع النطاق في طول الهند وعرضها، على أنه تأسست هنا طرق فرعية عديدة تلقتها الأمة الإسلامية في داخل البلاد وخارجها بقبول حسن. يقول السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي: وبجانب تلك الطرق الصوفية المشهورة (مثل الطريقة القادرية والجشتية والنقشبندية والسهروردية، التي ترعرعت في الهند وازدهرت ونفقت سوقها)، طرق وسلاسل أخرى، وليدة هذه البلاد فحسب، وهي تنتمي إلى شخصيات نبغت في الهند ودفنت في أرضها، مثل الطريقة الفردوسية، والمدارية، والقلندرية، والشطارية، والمجددية، وهي سلاسل نشأت في الهند، و"صدرت" بعد ذلك إلى بلاد أخرى"[1]
الصوفية في مليبار ودورهم في مقاومة الاستعمار الغربي
مليبار أو كيرالا منطقة ساحلية تطل على البحر العربي في أقصى جنوب الهند، وهي معروفة بعلاقاتها التجارية الوثيقة مع البلدان العربية، التي بدئت في العصور قبل الميلاد، ويعتقد أنه بزغ فيها نور الإسلام في عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم تتابعت الوفود إليها من الحجاز واليمن وغيرها من البلاد العربية للدعوة الإسلامية، وهذه الوفود هي التي بذرت بذور التصوف في هذه الديار، فلقيت الطرق الصوفية فيها رواجا كثيرا وانتشارا سريعا، وكانت الطريقة القادرية هي التي تحتل المكانة الأولى من حيث الانتشار في هذه المنطقة، على أن هناك قبولا حسنا للطرق الصوفية الأخرى أيضا مثل الرفاعية والجشتية والسهروردية والنقشبندية والشاذلية وغيرها. وقد لعبت هذه الطرق الصوفية دورا بارزا في مجابهة الاستعمار الأوروبي الذي أصيبت به هذه الديار طيلة فترة طويلة تستغرق أربعة قرون ونصف قرن.
أولا-أسرة المخدوم بفنّان
إن أسرة المخدوم هي من أشهر الأسر العلمية والدينية في مليبار، كان لها نفوذ قوي ودور ريادي في حياة المسلمين في مليبار، وصلت هذه الأسرة إلى بقعة فنان –المعروفة بعلاقتها القديمة بالعرب- في أواخر القرن التاسع الهجري. وكان مؤسّس هذه الأسرة في كيرالا هو الشيخ زين الدين إبراهيم بن أحمد الذي وصل أولا من منطقة كيلاكرا وكايل بتنم في تامل نادو إلى كوتشن، وبعد ذلك انتقل إلى فنان حيث سكن فيها وشرع في نشاطاته التبليغية والإصلاحية والتربوية.
وقد أنجبت هذه الأسرة عددا من العلماء الربانيين البارعين الذين أسهموا في نشر التعليم الديني وفي تزكية النفوس وفي إثراء المكتبة الإسلامية العربية بتآليفهم القيمة. وأشهرهم على الإطلاق هو الشيخ زين الدين بن علي المعروف بالشيخ زين الدين الكبير، والشيخ زين الدين بن محمد الغزالي بن زين الدين المخدوم الكبير، المعروف بالشيخ زين الدين الصغير. وكان كلاهما مشهورا في داخل البلاد وخارجها بالعلم والورع والفضل، كما كانا من شيوخ الطريقة القادرية. وكان لهما مواقف محمودة في مقاومة الاستعمار البرتغالي بالقلم واللسان والبدن، وفي تحريض المسلمين على الجهاد ضد الدخلاء الأجنبيين، وفي الاتصال بالسلاطين المسلمين للاستعانة بهم في تدمير كيد الأعداء البرتغاليين.
الشيخ زين الدين المخدوم الأول: ولد الشيخ زين الدين المخدوم الأول بكوتشن عام 873 هـ، درس على يد عمه الشيخ زين الدين إبراهيم، ثم رافقه إلى فنان لما ارتحل إليها لتولي منصب القضاء فيها، بعد ذلك التحق بدرس الشيخ القاضي فخر الدين بن القاضي رمضان الشالياتي بكاليكوت، ثم سافر إلى مصر، وتلقى العلوم من المشايخ الكبار مثل القاضي عبد الرحمن المصري، والشيخ شمس الدين الجوجري، والشيخ زكريا الأنصاري وغيرهم. ثم ذهب إلى مكة وحج واعتمر، بعد ذلك رجع إلى مدينة فنان، وبعد أن وصل هناك دعا أهاليها إلى بناء مسجد كبير، فبنوه تلبية لدعوته، ثم عمل مدرسا في ذلك الجامع، وذاع صيت هذا الدرس حتى كان يقصده العلماء والطلبة من داخل الهند وخارجها، وحتى من الحجاز ومصر وإندونيسيا وجنوب شرقي آسيا.
عاش الشيخ في أيام احتل فيها البرتغاليون بلاد المليبار واشتدت فيها مظالمهم وجرائمهم في وجه سكانها ولاسيما المسلمين من رعايا الساموتري، وتكبدوا بسببهم أهوالا شديدة وخسائر فادحة، فتصدى الشيخ زين الدين لمجابهة هذا الاستعمار، وقاد الجهاد المقدس ضدهم روحيا وعقليا، وأيقظ الشعور الجهادي في أذهان المسلمين من مواطنيه، وأرسل الخطوط والرسائل إلى سلاطين المسلمين في الممالك الأخرى في الداخل والخارج يطلب منهم المساعدات العسكرية والمالية، ولهذا الهدف ألف الشيخ قصيدة "تحريض أهل الإيمان على جهاد عبدة الصلبان".
وقد بين الشيخ في هذه القصيدة بعض الجرائم التي ارتكبها البرتغال، وكشف مخطّطاتهم الخبيثة ومؤامراتهم المحبوكة بشأن المسلمين وتجاراتهم وسائر وسائل معاشهم، كما أنه دعا في أسطرها أمته الإسلامية إلى النهوض بوجه العدو بكل أسلحة وأجهزة. ومضى في طريقه إلى الجهاد ضد القوة البرتغالية، حتى توفي عام 928هـ[2].
ومطلع القصيدة:
(1)                       لَكَ اْلـــحـَمْـــــــدُ يَــــا اَللهُ فِي كُــــلِّ حَالَةٍ                   
وَأَنْــــــــــــتَ عَـــــــــــــلِيمٌ بِاْلكُرُوبِ وَحَاجَـــــــةٍ
(2)                       صَـــــــــلَاةٌ وَتَسْـــلِيمٌ عَلَى خَيْرِ خَلْقِكَا                     

مُـــــــحَـــــمَّـــــدٍ الــــــــدَاعِـــــــي إِلَى خَـــــيْرِ مِلَّــةٍ
(3)                       وَنَــــدْعُــــوكَ يَـــارَحْــمَنُ يَا خَيْرَ نَاصِرٍ                    
لِــــــــــدَفْـــــــــعِ بَــــــلِــــــيَّـــــــاتٍ وَجَـــــلْبٍ لِـــــــبُغْيَةٍ
(4)                       وَتَــنْــصُــرُ مَــنْ يَــغْــــــــــــــزُو لِــإِنْــقَــاذِ أُمَّــــــةٍ                   
مِـــــــــنَ اْلــــــكَـــــــرْبِ وَالضَــــــــرَّا وَكُــفْرٍ وَذِلَّةٍ




   ثم يبين الأعمال الوحشية التي ارتكبها البرتغال ضد المسلمين  المواطنين:
(7)                       فَـــــإِنَّـــا كُـــرِبْـــــنَا بِارْتِكَابِ شَـــــــــدَائِــــــــــــــدٍ                     
بِـــإِفْـرَنْــجَ عُـــــــبَّادِ الصَـلِــــيــبِ وَصُورَةٍ
(8)                       طَـــــغَـــــوْا فِي بِــــلَادِ اللهِ مِـــنْ كُلِّ مُمْكِنٍ                
وَقَـــــــــدْ أَكْـــــثَـــــــرُوا فِـــــيهَا اْلفَسَادَ بِشُهْرَةٍ
(9)                       بَغَوْا فِي «مَلَيْببَارٍ[1]» بِأَصْنَافِ بَغْيِهِمْ                  
وَأَنْـــــــوَاعِ شِـــــــــــــــدَّاتٍ وَأَجْنَـــــــاسِ فِـــــتْــــنَةٍ
(10)                  مِنَ اْلأَسْرِ وَالنُهْبَى وَإِحْرَاقِ مَسْجِدٍ                   
وَخَـــرْقِ كِتَـــابٍ ثُــــمَّ هَــتْــــكٍ لِـحُرْمَةٍ
(11)                  وَتـــَحْــــــرِيـــــقِ أَمْــــــوَالٍ وَتـَخْــنِيقِ مُسْلِمٍ                  
وَتَـــــعْـــــوِيـــقِ أَسْـــفَــــارٍ وَتَـــــعْـــطِيلِ عِيشَةٍ
(12)                  وَتَــخْــــرِيبِ بُـــــلْـــــدَانٍ وَتَعْـــــبِيــدِ مُؤْمِنٍ                    
وَتَـــــزْيِــــــينِ نِــــــــسْـــوَانٍ لِـــــتَــــفْـــتِـــينِ نِــسْــوَةٍ
(13)                  وَفَــــــكِّ عُرَى اْلبُـــــــلْـــدَانِ والثَّغْرِ كُلِّهَا                   
وَدَكِّ ذُرَى اْلــأَمْـــــصَــــــارِ مَـــعْ كُلِّ قَرْيَةٍ
(14)                  وَمِـــــلْــــكٍ بِلَادًا وَاتــِّخَــــاذٍ لِـــــبِـــيـــعَــــــــــــــةٍ                      
وَظُـــــــلْـــــمٍ عِــــــبَـــــــادًا ثُــــــمَّ قَــــطْــعِ طَرِيقَةٍ
(15)                  وَصَـــــدٍّ عَـــــــنِ اْلــحَــــجِّ اْلـمُعَظَّمِ قَدْرُهُ                   
بِــــتَــــعْــــطِــــيلِ أَسْــــفَارٍ إلَى خَـــيْرِ بَلْدَةٍ
(16)                  وَقَــــــتْـــــلٍ لِحُــــجَّـــــاجٍ وَسَائِـــــــرِ مُـــــؤْمِــــنٍ                    

بِـــــــأَنْوَاعِ تَعْذِيبٍ وَأَصْـــــنَـــــافِ مُــــثْلَـــةٍ  [3]


ولزين الدين المخدوم الأول تآليف كثيرة في اللغة العربية نثرا وشعرا، معظمها يتناول التصوف وتزكية النفوس، فمن مؤلفاته النثرية:
1.     مرشد الطلاب إلى الكريم الوهاب
2.     سراج القلوب وعلاج الذنوب
3.     شمس الهدى
4.     تحفة الأحباء وحرفة الألباء
5.     إرشاد القاصدين في اختصار منهاج العابدين (لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي)
ومن المؤلفات المنظومة:
1.     هداية الأذكياء إلى طريق الأولياء
2.     تحريض أهل الإيمان على جهاد عبدة الصلبان
3.     الأرجوزة (فلسفية)
كما أن له مترجمات من اللغة الفارسية إلى العربية مثل "شعب الإيمان" للعلامة السيد نور الدين، وحواش على كتب العلماء الأسلاف مثل "تسهيل الكافية" (حاشية على الكافية لابن حاجب)، وشرح للخلاصة الألفية لابن مالك، وشرح التحفة لابن الوردي، وحاشية وافية على "الإرشاد" لابن المقرئ.
الشيخ  زين الدين المخدوم الثاني: ولد عام 928 هـ، وتلقى مبادئ العلوم من والديه، ثم التحق بدرس عمه عبد العزيز المخدوم، ثم سافر إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة وصحب العلماء والفضلاء، وقضى عشر سنوات في تلك الأرض المقدسة وتبحر في العلوم والفنون المختلفة من العلماء الأعلام، ومن مشايخه هناك شيخ الإسلام أحمد بن حجر الهيتمي المكي، وشيخ الإسلام عبد الرحمن بن زياد، والشيخ زين الدين بن عبد العزيز الزمزمي، والسيد عبد الرحمن الصفوي.
وكان للشيخ زين الدين الثاني مثل جده -رحمهما الله- صلة روحية وثيقة بمسالك الصوفية الأتقياء والأولياء الأصفياء، وقد تلقى علم التصوف من الشيخ أبي الحسن البكري الصديقي -رحمه الله- وأخذ الإرادة عنه إذ ألبسه إحدى عشرة خرقة، فعلا الشيخ زين الدين إلى مرتبة الشيخ للطريقة القادرية.
وبعد ما رجع من البلاد العربية إلى وطنه قضى حياته كمدرّس في الجامع الكبير بفنان لمدة 36 سنة، ولكن الشيخ لم يكن مدرسا متقاعدا في زاوية المسجد معتزلا عن المجتمع، بل يعد في التاريخ قائدا سياسيا مجاهدا في الميدان حسب مقتضى الوقت، كما يعد عالما زاهدا معتكفا في المسجد للتدريس والعبادة. ومن أبرز شواهد حضوره في ميدان الكفاح كتابه التاريخي المسمى ب"تحفة المجاهدين في بعض أخبار البرتغاليين" الذي ألفه للقيام بواجبه نحو أمته إذ واجهت قوة عالمية استعمارية تفسد أرضها وتهلك حرثها ونسلها وتستعبد أعضاءها وتستضعف رجالها وتهتك أعراض نسائها وتنهب أموالها وتعوق أسفارها.
فطاف الشيخ زين الدين في معظم أرجاء مليبار آنذاك، وجمع المعلومات عن جرائم البرتغاليين الاستعماريين بشأن المسلمين وغيرهم من رعايا الساموتري (السامري) ورتّبها في كتابه، ودعا الأمة المسلمة بمختلف قومياتهم وأقاليمهم ومذاهبهم إلى أن تقوم صفا واحدا أمام مسؤوليتها الكبرى لمواجهة عدوها الاستعماري، كما دعا السلاطين المسلمين في بلاد الهند والعرب آنذاك أن يقفوا إلى جانب الساموتري في معركته الحاسمة ويدافعوا عن أنفس المسلمين وأموالهم وأعراضهم وأراضيهم، ويساهموا في تلك المعركة بأي شكل من الأشكال. فنجد المؤلف في أسطر هذا الكتاب شخصية ثائرة باهرة واعية غيورة محبة لأمتها ووطنها مع أننا نراه شخصية عالمة معلمة فقيهة مؤرخة صوفية زاهدة لم تمنعه عظمته العلمية أو مشيخته في الطريقة الصوفية عن أداء مسؤولياته تلقاء المجتمع.
ومن دون هذا الكتاب التاريخي للمؤلف عدة مؤلفات في اللغة العربية، ومعظمها في الفقه الشافعي، وبعضها في التصوف وغيره من العلوم، فمن مؤلفاته:
1.     قرة العين بمهمات الدين
2.     فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين
3.     الأجوبة العجيبة عن الأسئلة الغريبة
4.     الفتاوى الهندية
5.     إحكام أحكام النكاح
6.     المنهج الواضح بشرح أحكام النكاح
7.     إرشاد العباد إلى سبيل الرشاد
8.     الجواهر في عقوبة أهل الكبائر
9.     مختصر شرح الصدور في أحوال الموتى والقبور
ولكن كتاب تحفة المجاهدين مع قصره حجما هو أعظم شهرة من سائر التآليف للشيخ زين الدين، اهتم به الكثيرون واقتبس منه الكاتبون والباحثون في مختلف أنحاء العالم، وذلك لسببين، أحدهما أثره التاريخي في إثارة العداوة والحرب ضد الاستعمار البرتغالي عالميا، والسبب الآخر هو أنه أول كتاب كتب حول تاريخ مليبار، فهو المرجع والمعتمد للطالب والكاتب والباحث عن هذه القطعة للأرض للوصول إلى تاريخها القديم ثم إلى ظهور الإسلام فيها ولمعرفة العادات والتقاليد والرسوم السائدة هنا آنذاك.
وقد طبع هذا الكتاب أولا في اللغة العربية في ليشبونه (Lisbon) عاصمة البرتغال عام 1898م، ثم ظهرت له ترجمات عديدة في اللغات العالمية مثل الإنجليزية واللاتينية والفرنسية والألمانية والإسبانية والتشيكية والفارسية، وفي اللغات الهندية مثل الأردية والكجراتية والكنادية والتاملية والمليالمية[4].
ثانيا- أسرة القضاة بكاليكوت
يعتقد أن هذه الأسرة الشهيرة التي كانت تتمتع بنفوذ قوي لدى الشعب الإسلامي في مليبار منذ ما يزيد عن خمسة قرون، تنتمي إلى سلالة مالك بن حبيب -رضي الله عنه- الذي كان أحد أركان الوفد الأول الذي وصل في مليبار للدعوة الإسلامية تحت زعامة مالك بن دينار رضي الله عنه. قد أنجبت هذه الأسرة الشريفة عددا من العلماء الربانيين الذين تولوا منصب القضاء الشرعي في مدينة كاليكوت وما جاورها من البلدان والقرى مدة تربو عن خمسة قرون، والذين كان لهم دور ريادي في توجيه المجتمع الإسلامي في هذه الديار وتوعيتهم وتثبيت أقدامهم على الصراط المستقيم، كما قاموا بإثراء المكتبة العربية الإسلامية ، وشدوا أزر النهضة التربوية بخدماتهم المحمودة في سبيل نشر التعليم.
وكان الشيخ فخر الدين بن القاضي رمضان الشالياتي (ت 899 هـ) عالما جليلا ينتمي إليه المنهج الدراسي المعروف بالمنهج الفخري الذي كان منتشرا في مليبار. واستمر منصب القضاء في كاليكوت في أولاد الشيخ فخر الدين، فبعد وفاته تولاه ولده العلامة القاضي شهاب الدين أحمد (ت 990 هـ)، ثم ابنه القاضي عبد العزيز (ت 1010 هـ).
ثم انتقل منصب القضاء إلى ولده العلامة الصوفي المشهور القاضي محمد بن عبد العزيز، وكان رئيسا للمدرسة الفكرية الصوفية، وتولى مشيخة الطريقة القادرية في مليبار، واشتهر بقصيدته باللغة المليبارية في مناقب الشيخ عبد القادر الجيلاني –رضي الله عنه- مؤسس الطريقة القادرية، يستظهر الناس في مليبار هذه القصيدة التي انتخبها مؤلفها من كتاب البهجة والتكملة وغيرهما في سيرة الشيخ الجيلاني ومناقبه وطريقته العظيمة، ويداومون على قراءتها كأنها ورد يومي يعتقدون فيها البركة[5].
وكان القاضي محمد شابا حينما اندلعت حرب شاليات التي كسرت قاعدة الاستعمار البرتغالي في كيرالا سنة 1571م. ولأنه كان قد استمد العاطفة المضادة للاستعمار من والده الكريم، لم يكن في وسعه أن يقف مبصرا للحرب فحسب، بل أخذ السلاح ورمى بنفسه في ميدان القتال مع والده وغيره من العلماء. وحينما كان والده من أبرز مخطّطي حرب شاليات، كان نفسه من طليعة المحاربين.[6]
وللقاضي محمد تأليفات كثيرة، ويقال إن له من التأليفات ما يبلغ الخمسين نثرا ونظما[7]. ولكن جلها صارت أدراج الرياح ولم يبق منها إلا النذر اليسير. ومن أشهرها:
1.     قصيدة الفتح المبين للسامري الذي يحب المسلمين
2.     الخطبة الجهادية
3.     القصيدة الجهادية
4.     منظومة الأجناس
5.     قصيدة إلى كم أيها الإنسان
6.     ملتقط الفرائض
7.     نظم قطر الندى
8.     منظومة في تجويد القرآن
9.     منظومة في علم الحساب
10.                       منظومة في علم الأفلاك والنجوم
11.                       منظومة في الرسائل والخطوط
12.                       مولد في مناقب الشيخ عبد القادر الجيلاني
13.                       كتاب نصيحة المؤمنين وإرشاد الضالين
14.                       تنبيه الإخوان في أحوال الزمان
15.                       الدرة النصيحة
16.                       قصيدة مقاصد النكاح
17.                       منتخبات الفرائض
18.                       نظم العوامل
19.                       مدخل الجنان[8]
وأشهرها على الإطلاق هي قصيدة الفتح المبين التي نظمها إثر الانتصار الحاسم الذي ظفر به الملك السامري وجنوده في حرب قلعة شاليات. وهي ملحمة طويلة تشتمل على أكثر من 530 بيتا. وقد صور فيها الشاعر وصول البرتغاليين في مليبار والأعمال الوحشية التي اقترفوها ضد المواطنين عموما، والمسلمين خصوصا، والأوضاع التي أدت إلى تلك الحرب، ومشاهد الحرب التي ليس لها مثيل في تاريخ هذه البلاد، ويمدح الملك السامري (ساموتري) على مواقفه الباسلة ضد المستعمرين، ويستغرب مواقف الملوك المسلمين الذين لم يبذلوا ما في وسعهم من جهد – بزعم الناظم – لطرد البرتغاليين الذين كان هدفهم الأهم محو شعائر الإسلام والمسلمين واضطهادهم وإجبارهم لاعتناق النصرانية.
والقصيدة تحكي لنا قصة هذه الحرب وأسبابها ومشاهدها ومصائرها بكل تفصيل، وتصف فتح قلعة شاليات بالفتح المبين. ولا غرابة فيه، إذ هي الحرب التي دمّرت قاعدة القوة البرتغالية في الهند، ولولا ذلك الفتح ربما صارت الهند برتغالية بدلا من أن تحولت إلى مستعمر بريطاني.[9] وشتان ما بين الاستعمار البريطاني والاستعمار البرتغالي، فإن البرتغاليين فرضوا في مستعمراتهم لغتهم وثقافتهم وديانتهم بكل قسوة وقهر، بخلاف البريطانيين.
وأما الخطبة الجهادية فهي خطبة أنشأها القاضي محمد بن عبد العزيز الكاليكوتي رحمه الله، وأرسلها إلى قلعة شاليات إبان الحرب التي شنها المسلمون والهندوس تحت قيادة الملك السامري لفتح قلعة شاليات التي بناها المستعمرون البرتغاليون في موقع استراتيجي على ضفة نهر بيبور على بعد عشر كيلومترات من مدينة كاليكوت، متوسلين بالمكر والحيلة والدهاء للحصول على الموافقة من السامري ملك كاليكوت. وبعد ما تم بناء القلعة محكمة مشيدة، وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله، أبدوا ما أضمروا في نفوسهم من الشحناء والبغضاء للمسلمين، فطغوا في البلاد، وأكثروا فيها الفساد، وعطلوا معائش العباد. فتصدى المواطنون لمحاربتهم تحت الملك السامري، وأعدوا لهم ما استطاعوا من قوة، وحاصروا القلعة، وصابروا ورابطوا، حتى جاء نصر الله والفتح.
حرّض الشيخ رحمه الله في هذه الخطبة على الجهاد ضد البرتغاليين المستعمرين قائلا: أيها الناس، من أراد الجهاد فهذا أوانه، ومن ابتغى السعادة العظمى فهذا إبانه... فإن النصارى عبدة الأصنام والأوثان، قد دخلوا في إقليم المليبار في كل بلدان، وأكثروا فيه الصولة والفساد، وأظهروا أنواع التعدي والعناد، وهدموا مباني الإسلام، ومحوا شعائر الأحكام، وتسلطوا على المسلمين تسلط المالك على المملوك، وأذلوا الجبابرة من السلاطين والملوك، وملكوا بسطوة بلادهم، وملأوا من خيفة أكبادهم ...
وجدير بالذكر أن قصيدة الفتح المبين والخطبة الجهادية تسلّطان الضوء على النظام الاجتماعي السائد في ربوع مليبار في تلك الأيام، الذي كان أساسه التسامح الديني والتوادد والإخاء، والذي كان للشيوخ الصوفيين دور ريادي في ترعرعه ورواجه. فالقاضي محمد لم يحرّض على الجهاد في هذه الخطبة لتأسيس دولة إسلامية، وإنما حرّض عليه لمؤازرة ملك هندوكي يحب المسلمين ويوفر لهم التسهيلات ليسكنوا في مملكته متمسكين بشعائرهم الدينية ومحتفظين بهويتهم الإسلامية وعزتهم الاجتماعية، كما قدم قصيدته إلى ذلك الملك، وقلما يوجد لهذا المثال المليباري مثيل في البلدان الأخرى.
وكان من أروع مناظر هذه الحرب أنه لما طال الحصار وتأخر الفتح اجتمع المسلمون في مكان، والنُّيَّار[10] في مكان آخر، وقال قائل من المسلمين: نحن بمفردنا نهاجمهم ونصرعهم، فأجاب إخوانهم من النيار: لا، أنتم قليل، ولنهاجم الأعداء يدا واحدة." يصور القاضي محمد هذا المشهد في قصيدة الفتح المبين:
فاجتمع النيار في مكان


والمسلمون في مكان ثاني

والوزراء سايروا بينهما


ليخبروا الحال لكل منهما

فاختص كل مسلم بجانب


لأن يكون غيرهم في جانب

وأقسموا جميعهم بأننا


نموت أولا على عدونا

فقالت النيار أنتم قليل


ولا نخليكم على الحرب الجليل

لكن يكون كلنا جميعا


على الحصون جملة طلوعا

فاتفق الآرا على هذا الفكر


وإن يمت في مرة ألف نفر 
 
وهناك مشهد آخر يسترعي انتباهنا ويسلّط الضوء على الدور الذي قام به الشيوخ الصوفيون في تأجيج هذه الحرب وتحويل مجرىها. وذلك أنه لما طالت الحرب وتعذرت الغلبة أحست أم السامري –حيث كان غائبا لبعض حوائجه- بخطورة الموقف، فأرسلت إلى زعماء المسلمين خطا ليتفكروا في حال الحرب ويخطّطوها تخطيطا شاملا، فاجتمعوا في مسجد المثقال بكاليكوت، وشارك المسؤولون الهنادك أيضا في ذلك الاجتماع الهام، فعزموا على مواصلة الحرب حتى يتم الفتح، وخططوا لها، وأخبروا الملك بخطورة الأوضاع، وكتبت أم الملك إليه أيضا، وألحت عليه بالوصول، فرجع إلى كاليكوت، وتولى قيادة الحرب بنفسه، فحدثت العجائب، وجرى ما جرى. وكان الاجتماع المذكور هو الذي حول مجرى الحرب،. وقد حكى القاضي محمد هذه الأحداث بأبيات رائعة:
إذ ذاك أمّ السامري بعقلها


قد أرسلت للمسلمين خطها

ليتفكروا بحال الحرب


وينظروا لما يجي في العقب

وكان سيْدي أحمد القمامي


مجاهدا في جملة المقادم

وشيخنا المشهور ذو الأسرار


أبو الوفا محمد الشطاري

ومنهم مقدم الشجعان


كنجي علي المشهور في البلدان

والشاه بندر عمر العنتابي


وسائر الرؤسا أولو الأنساب

ومعهم المخدوم ذو الإتقان


عبد العزيز المعبري الفناني

وهكذا قاضي القضاة المسلمين


عبد العزيز الكالكوتي كالمعين

فأحضروا أعيان كل بلد


والوزرا جميعهم في المسجد

فشاوروا مع غرة العساكر


وكتبوا الأحوال نحو السامري

كذاك أم السامري قد كتبت


لكنها على الوصول أكدت

فالسامري قد جاء في ذا الحال


لما أحاط علمه بالحال

فازداد إذذاك سرور الناس


وزال عنهم ما بهم من بأس

وجدير بالذكر أن جميع من ذكر ممن شارك من جانب المسلمين في الاجتماع المذكور الذي حوّل مجرى الحرب كانوا من شيوخ الطرق الصوفية ومريديهم، فمنهم القاضي عبد العزيز الكاليكوتي (ت 1010 هـ/ 1606م) الذي كان يتولى منصب القضاء في مدينة كاليكوت وما جاورها آنذاك، وهو والد القاضي محمد المشهور صاحب قصيدة الفتح المبين والخطبة الجهادية، لقّب بناصر الدين، وهو من شيوخ الطريقة القادرية.
ومنهم الشيخ عبد العزير المعبري بن الشيخ زين الدين المخدوم الكبير (ت 994 هـ)، وهو أيضا من شيوخ الطريقة القادرية، وقد شرح قصيدة هداية الأذكياء إلى طريق الأولياء لوالده، وهذا الشرح مشهور باسم مسلك الأتقياء ومنهج الأصفياء على هداية الأذكياء، طبع في القاهرة وفي فنان[11].
ومنهم الشيخ أبو الوفا شمس الدين محمد الكاليكوتي (930 – 980 هـ)، العارف الصوفي الشهير في ديار مليبار باسم الشيخ مامو كويا، وهو نجل الشيخ علاء الدين الحمصي الذي نزح إلى مليبار من مدينة حمص في الشام، وبعد ما تلقى الشيخ شمس الدين تعليمه في مدينة كاليكوت سافر إلى أشي القريبة من ماليزيا، والتقى بالسلطان علاء الدين، وفي عام 974 هـ رجع إلى كاليكوت، وساعد الملك السامري في حروبه مع البرتغاليين، وقد ألقى خطبات حماسية تحرض على الجهاد ضد البرتغاليين في أماكن شتى من مليبار، وربما يكون هو الذي مهد الطريق للملك السامري للاتصال مع سلطان أشي كما ذكر في قصيدة الفتح المبين. توفي عام 980هــ، وضريحه مزار مشهور يقع في قلب مدينة كاليكوت[12].
 ومنهم القائد البحري الباسل كنج علي مركار. وأسرة مركار كانت من التجار المشهورين في كتشي، وكانت لهم قاعدة بحرية منظمة، قاوموا البرتغاليين بجرءة فائقة، وانتقلوا لهذا الغرض من كتشي إلى فناني. واستغرق قتال المسلمين تحت قيادة القواد البحريين من أسرة مركار ضد البرتغاليين قرنا كاملا، حيث بدأ في 1500م حينما حمل كبرال على كاليكوت، وانتهى بتسليم الملك السامري القائد كنج علي الرابع للبرتغاليين سنة 1600، وفي هذه المدة الطويلة نهض كثير من أبطال المسلمين ثائرين ضد البرتغاليين، وجدير بالذكر من بينهم القواد الأربع الذين كان كل واحد منهم يحمل اسم كنج علي مركار، وكانوا يعملون كأمراء البحر للسامري في أزمنة مختلفة[13]. وكان هؤلاء القواد ممن سلكوا في الطريقة القادرية وبايعوا المخاديم.
ومنهم سِيدي أحمد القمامي، وكلمة سيدي محرفة عن كلمة سَيِّدي، وكان رجلا صوفيا ومن أعيان مدينة كاليكوت، ووصف بالقمامي نسبة إلى أسرة كاماكانتكت المشهورة في كاليكوت[14]. وأما الشاه بندر فكان الملوك يعين رجلا من أعيان التجار البحريين باسم الشاه بندر، وتكون التجارة في الميناء تحت إشرافه، كما يكون له قاعدة بحرية في بعض الأحيان، والشاه بندر عمر العنتابي المذكور في القصيدة لعله ينتمي إلى بلدة عنتاب في جنوب تركيا.
   ثالثا- الأشراف الحضرميون:
 السيد علوي مولى الدويلة والسيد فضل بن علوي نموذجين
قُبيل فترة استيلاء الإنجليز على بعض نواحي الهند وفي أوائلها انتقل بعض كبار السادة الأشراف الحضارمة إلى مليبار التي كانت مقرا لأسلاف بعض منهم كهجرة جماعية، وذلك بسبب احتكاك سياسي في بلادهم، وكانوا أعداء للاستعماريين جميعا الذين تحالفوا مع الحكام الخليجيين وأخذوا امتيازات في إدارة شؤون بعض مناطق استراتيجية في بلدان الخليج العربي بما فيها اليمن وحضر موت، وليس بعيدا عنهم الفضائح التي عملها البرتغال في اليمن وعمان وما عمله الأفرنج في مصر والشام ثم بعده الإنجليز[15].
وانتقل في تلك الفترة إلى مليبار من السادة الحضارمة السيد محمد بن السيد حامد باعلوي (ت 1160هـ) المدفون في مدينة كويلاندي، والسيد القطب عبد الرحمن العيدروسي (ت 1164 هـ) المدفون في قرية فناني، والسيد الشريف حسن بن علوي آل جفري (ت 1180هـ) المدفون في قرية منبرم، وابن أخيه السيد شيخ بن السيد محمد آل جفري (ت 1222 هـ) صاحب "كنز البراهين" المدفون في مدينة كاليكوت، والسيد شهاب الدين علي الحضرمي (ت 1212 هـ) رئيس عائلة السادة شهاب الدين في مليبار، والسيد القطب محمد جمل الليل (ت 1232 هـ) الذي كان شيخا في الطرق القادرية والجشتية والسهروردية والنقشبندية. 
وانتقل إلى مليبار السيد علوي مولى الدويلة (ت 1260 هـ/ 1844 م)، وكان عدوا لدودا للاستعمار الإنجليزي. اشتهر السيد علوي شهرة فائقة في داخل البلاد وخارجها، وتلقاه الشعب باحترام متزايد وقبول عام، واتبع المسلمون طريقته الصوفية الغزالية، وانتشرت بشكل مدهش في مليبار وضواحيها. وله الطاعة المطلقة من جميع الطبقات وكافة الشعب المختلف الأديان حتى صار الحل والعقد في مليبار بيده، وكان هذا سببا لإثارة حفيظة نفوس الحكام، وحصل بينهم وبينه عدة اصطدامات ومعه أتباعه المليباريون، وعلى رأسهم تلميذه النابغ العلامة المجاهد الكبير والشاعر القدير القاضي عمر بن علي البلنكوتي (ت 1273هـ).
وحاول الإنجليز أن يغرو السيد علوي بوسائل مختلفة، ولكنهم فشلوا وذاقوا خيبة الأمل ووجدوا منه ومن أتباعه الرفض والمقاومة الشديدة والمعارضات العديدة في تنفيذ أحكامهم. واستمرت هذه الحالة المتوترة حتى توفي السيد علوي –رحمه الله رحمة واسعة- في عام 1260هـ، وضريحه مشهور في قرية منفرم، ويعتبر كعبة الزوار في مليبار.
وبعد موت السيد علوي استطاع الحكام برهة من الوقت أن يتنفسوا تنفس الصعداء، وفكروا حسب ظنهم الخاطئ أن الأمور انتهت، ولكن ولده الوحيد العارف بالله السيد فضل تبع والده المجاهد، ولم يتوان قيد شبر عما عليه والده المرحوم، ولم ينفع فيه الحيل من جانب الحكام. ويقول البعض إنه هو المدبر الحقيقي لحرب "جيرور" المشهورة، واشترك فيها السيد علوي بنفسه وجُرح، ويقال إنه كان سبب موته –والله أعلم.
ولما يئس البريطانيون من إغراء السيد فضل قاموا بالتخطيط لنفيه من مليبار إلى البلاد العربية، وكان التخطيط والتنفيذ في غاية السر والكتمان لئلا يعلم به الشعب فيثوروا ويحولوا دون التنفيذ. ويقال إنه اختار السفر والبعد عن الحكومة الإنجليزية الهندية طوعا ورضى بدون ضغط ولا إرغام.
على أي حال غادر السيد فضل وبعض أقربائه ومرافقوه مليبار إلى جدة، ومنها إلى مكة المكرمة حيث استقبله السلطان عبد الحميد التركي الخليفة العثماني آنذاك، وكان في مكة المكرمة في ذلك الوقت، واشتدت ثقة السلطان به وجعله من مستشاريه وأمناء سره المقربين، وجعله السلطان واليا على منطقة ظفار، ولم يدم مقامه هناك أكثر من ثلاث سنوات، فترك هذه الوظيفة وغادرها إلى القسطنطينية، وتوفي فيها. ويسكن أحفاده الآن في لاذقية السورية.
وكان السيد فضل يعرف في القسطنطينية باسم فضل باشا المليباري، وتفرغ هناك للعبادة والدعوة والتأليف، وله أربع وعشرون رسالة في اللغة العربية معظمها في التصوف والسلوك والنصائح. ومن أشهر مؤلفاته كتاب "عدة الأمراء والحكام لإهانة الكفرة وعبدة الأصنام"، وهي مجموعة فتاوى حاول أن يستثير بها الشعب ضد الاستعمار[16].
رابعا- العلماء الصوفيون: علي مسليار زعيم حركة الخلافة نموذجا
في بداية العشرينات من القرن العشرين قامت في مليبار ثورة عارمة ضد الإنجليز المستعمرين، اشتهرت في مليبار باسم ثورة مابّلا، وفي الخارج باسم حركة الخلافة. وما دفع أهل مليبار ضرائب وإتاوات للحكومة ثلاث سنين متوالية مما حد التوتر بين الشعب والحكام، ووقعت اصطدامات عنيفة في عدة مواقع بين الثائرين المسلمين والجيش الحكومي، واستطاع الإنجليز أن يقمع هذه الثورة بقوة صارمة وعنف شديد وأن يسيطر على الموقف بالعتاد والأسلحة، وإن دفع الحكام في سبيله ثمنا باهظا وقتل عدد من أمهر القادة وعدد كبير من الجيوش المرتزقة من رعايا الهند.
وكان على رأس الثائرين الشيخ علي مسليار، الذي جاور الحرم المكي سبع سنوات طالبا ثم مدرسا، ومن أساتذته العلامة الشيخ السيد أحمد زيني دحلان (ت 1304هـ)، والشيخ محمد حسب الله المعمر (ت 1333هـ)، وهو شيخه في الطريقة القادرية أيضا، والشيخ أحمد محسن رضوان (ت 1340 هـ) شيخ الطريقة الشاذلية. وكان الشيخ علي مسليار عالما جليلا وفقيها معدودا وحاذقا في أمور كثيرة، واشتهر بقوة الحافظة والتقوى والصلاح. ولما رجع إلى موطنه مليبار تسلم منصب التدريس في جامع ترورنكادي، وذاع صيته وصار ملجأ ومثابة لطلاب العلوم.
ولم يلبث أن ساهم في حركة الخلافة الثورية حينما تآمرت الدول المسيحية ضد الإمبراطورية العثمانية، وحاولوا إنهاء الخلافة الإسلامية العظمى، ومن ثم إنهاء الوحدة الإسلامية العالمية. فتزعم الشيخ قيادة ثورة مابلا، ومعه الحماس الديني والعداء السافر للاستعمار البغيض. ولكن الشيخ والثائرين معه ما حسبوا قوة الاستعمار الهائلة وضعف جانبهم بسبب الحماس القوي المتدفق، وكانت النتيجة الفشل الذريع والويل والهلاك، وصار هو وبعض زملائه في عداد المقتولين شنقا في المنفى، وذلك في سنة 1340هـ، ويقال إن الشيخ مات موتا عاديا قبل بضع ساعات مقدرة للشنق، وقبره في "كويمبتور" في تامل ناد[17].
الخاتمة
نستنتج مما سبق أن الصوفيين في مليبار كان لهم دور ريادي في مقاومة الاستعمار الغربي. ففي إبان الهجوم البرتغالي قاد المقاومة مخاديم فنان والقضاة بكاليكوت، كما يجدر بالذكر أن  القواد البحريين الملقبين بمركار كانوا من المريدين للشيوخ المخدوميين. وفي أيام الاحتلال الإنجليزي كان زمام المقاومة في أيدي السيد علوي مولى الدويلة ونجله السيد فضل بن علوي والشيخ العلامة علي مسليار وغيرهم من الشيوخ الصوفيين. يدل كل هذا على أن الصوفيين هم الذين قادوا المقاومة في مليبار ضد الاستعمار، كما هو الحال في كثير من المجتمعات الإسلامية في الشرق والغرب.
المراجع والمصادر
1.     القاضي محمد بن عبد العزيز، الخطبة الجهادية، منشورة في كتاب "الأيديولوجيا والنضال، قسم العربية بجامعة كاليكوت، 2012
2.     القاضي محمد بن عبد العزيز، الفتح المبين للسامري الذي يحب المسلمين ( نسخة مخطوطة )
3.     عبد الرحمن العيدروسي الأزهري، من نوابغ علماء مليبار، دبي: مطابع البيان التجارية
4.     الشيخ زين الدين المخدوم، تحفة المجاهدين في بعض أخبار البرتغاليين، مع تحقيق وتعليق حمزة جيلاكودان، كاليكوت، مكتبة الهدى، 1996
5.     ك. ك. محمد عبد الكريم، مقالة في سيرة زين الدين المخدوم، منشورة في بداية كتاب تحفة المجاهدين في بعض أخبار البرتغاليين، مع تحقيق وتعليق حمزة جيلاكودان، كاليكوت، مكتبة الهدى، 1996
6.     د. أحمد إدريس، الأدب العربي في شبه القارة الهندية حتى أواخر القرن العشرين، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، الهرم ( جمهورية مصر العربية )، 1998
7.     سيد أبو الحسن علي الحسني الندوي، المسلمون في الهند، لكهنو: المجمع الإسلامي العلمي، 1998
8.     عبد الغفور عبد الله القاسمي، المسلمون في كيرالا، مالابرم، مركز أكمل للكتب، 2000
9.     د. ويران محيي الدين الفاروقي، الشعر العربي في كيرالا مبدأه وتطوره، كاليكوت، مكتبة عربنيت، 2003
10.                       محمد علي المسليار النلكتي،عظماء مليالم ( بلغة مليالم )، كاليكوت، مكتبة الإرشاد، الطبعة الأولى، 1997
11.                       ك. ت. حسين، مسلمو كيرالا: إيديولوجيا النضال المقاوم للاحتلال ( مليالم )، كاليكوت، دار النشر الإسلامي، 2008
12.                       ب. أ. زيد محمد، تاريخ مسلمي كيرالا ( مليالم )، ترشور، مكتبة كرنت، الطبعة الثانية، 1969
13.                       عبد العزيز المنقادي، ترجمة الفتح المبين ( مليالم )، كاليكوت، مكتبة الهدى، 1996
14.                       د. كنكادهرن، مقدمة ترجمة الفتح المبين ( مليالم )، كاليكوت، مكتبة الهدى، 1996
15.                       د. جمال الدين الفاروقي، الأهمية التاريخية لقصيدة الفتح المبين، مقالة في مجلة كاليكوت، العدد الأول، نوفمبر، 2006
16.                       عبد الرحمن كوتي م. ك، الخطبة الجهادية وثيقة تاريخية نادرة، مقالة في مجلة كاليكوت، المجلد الثالث، العدد الأول، سبتمبر 2012
17.                       مجيب تنكل، قبائل السادة في كيرالا: تاريخ نشأتها، كاليكوت: مكتبة الشفاء، 2004
18.                       مواقع من إنترنت





[1] الندوي، السيد أبوالحسن علي، المسلمون في الهند، المجمع الإسلامي العلمي،1998
6 محمد عبد الكريم ك. ك، مقالة في سيرة الشيخ زين الدين المخدوم، منشورة في بداية كتاب تحفة المجاهدين في بعض أخبار البرتغاليين (بتحقيق حمزة جيلاكودن) كاليكوت: مكتبة الهدى، ص 6-8
[3]       قصيدة الفتح المبين (نسخة مخطوطة)
[4] لمزيد من المعلومات حول سيرة الشيخ زين الدين الثاني ينظر، محمد عبد الكريم ك. ك، المرجع السابق. ومحمد علي مسليار، عظماء مليبار (مليالم)، كاليكوت: مكتبة الإرشاد، 1997، ص: 22 -31
[5] السيد عبد الرحمن العيدروسي، المصدر السابق، ص: 48
[6] ك. ت. حسين، مسلمو كيرالا: إيديولوجيا النضال المقاوم للاحتلال ( مليالم )، كاليكوت، دار النشر الإسلامي، 2008، ص: 52، 53
[7] الدكتور ويران محيي الدين الفاروقي، الشعر العربي في كيرالا مبدأه وتطوره، كاليكوت، مكتبة عربنيت، 2003، ص: 78
[8] عبد الغفور عبد الله القاسمي، المسلمون في كيرالا، مالابرم، مركز أكمل للكتب، 2000، ص: 186
[9] حكاية عبد العزيز المنقادي عن د\ أم. جي. أس. نارايانان، مقدمة ترجمة الفتح المبين ( مليالم )، كاليكوت، مكتبة الهدى، 1996، ص: 28
[10] النيار طبقة من الهندوس
[11] السيد عبد الرحمن العيدروسي الأزهري، المرجع المذكور، ص: 48
[12] الأستاذ عبد العزيز المنقادي، ترجمة قصيدة الفتح المبين، كاليكوت: مكتبة الهدى، 1996، ص: 56، 57
[13] عبد الغفور عبد الله اقاسمي، المسلمون في كيرالا، ملابرم: مكتبة أكمل، 2000، ص: 66
[14] الأستاذ عبد العزيز المنقادي، المرجع المذكور
[15] السيد عبد الرحمن العيدروسي، المرجع المذكور، ص: 23
[16] نفس المرجع
[17] السيد عبد الرحمن العيدروسي، المرجع المذكور، ص: 77 -81

مواضيع ذات صلة
أدب كيرالا, أعلام كيرلا, الأدب العربي الهندي, تراث الهند،, ثقافة كيرالا, دراسات, نداء الهند،,

إرسال تعليق

0 تعليقات