ادعمنا بالإعجاب

أنى تطير فوقه ؟ (في الضرب الثاني من بحر الطويل)


عبد الغفور الهدوي*

 يخاطب الشاعر لطائر يطير في السماء ويبدي له ما يختلج في قلبه من الذكريات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصفه ويمدحه فيقول:

أيا طائِرِي قِـــفْ وَالبَثَنَّ مُغرِّدًا
بذِكْرِ الذي قد جاء لِلْخلْقِ سـيِّدا

أأنتَ تطِيرُ نَحوَ مــســجِدِ طَيْبةٍ
فبلّغْ صلاتي مَعْ سَلامِي مُحَـمَّدا

وقُـولَنَّ عنّي واذْكُرَنْ أنّني هُنا
أَعِــيشُ بقَـلبٍ عــــاشقٍ مُتفَرِّدا

أَجِبْني، صَديقِي، هلْ رأيتَ لحِبِّنَا
مَثيلا يُساوِي أو نَظِيرا مُــباعِدًا

هَدَى النّاسَ حقَّ الطُرقِ، أرْشَدَ جُلَّهُم
وقدْ جَعَلَ جنّات النعيم مـَراشِـدا

لقَــدْ كان أُمِّـــيًّا ولكــنْ أتَى لنا
كتابا عظـــيما لا يَـــزالُ مُسدِّدًا

عليه عـــــزيزٌ ما عــنِتْنا واِنّهُ
حريصٌ علينا، كان في الحُبِّ والدا

لقد كان فِي خَلْقٍ وخُلُقٍ مُفَرَّدا
بِدُونِ نَظِيرٍ كان للخَلْقِ مُرْشِــدا

فما كان فَظًّا أوْ غـــليظا بقلبِه
ولكنْ حسينَ الخُلق ما دام قائدا

لقدْ واجَهَ الأعداءَ دَوْمًا ببَسْمة
تُذِيبُ القــلوبَ وتُـــزِيلُ الحَقائِدا

فما قابَلَ الاَعْداءَ بالسّيْفِ والقَنَا
ولكنْ بخُلقٍ كان بالحُــــبِّ حُدِّدا

لقد أخْمدَ النِيرانَ بيْن قُلوبِ مَنْ
تَعَادَوْا سِنينَ بالحُروبِ تَحـــاقُدا

لقدْ فاقَ رُسُلَ اللهِ قَدْرا ومَنْزِلًا
وقد زار أفْلاكَ الســماءِ مُصعِّدا

به سارَ رُوحُ القُدسِ ليلا إلى السَما
إلى حضرةِ الله الذي قد تمَــجَّدَا

فَكَمْ مِنْ ليالٍ كان يُحيي عـبادةً
إلى أن أصاب السَّاقَ ورمٌ مُشدّدا

وكم من نَهارٍ صامَ شُكرا لِربِّه
وكم مـن مَــتاعٍ دُنيـــوي تـزَهَّدا

لقد سال منه الفضلُ والجُودُ دائما
وجاء رَحيما، صـار للكُلِّ مـَرْفَدا

فَطِيبُ الربيعِ وابْتِسـامُ الأزاهِرِ
مِنَ النُّور منه، كان دوما مُمَجَّدا

نشيدُ النسيمِ وابتهالُ الحمــائمِ
وصوتُ السديرِ صار يُثني مُحَمّدا

إذا ما بدا وجهُ الرسولِ مبسِّما
بليل يصير الظَلْمُ بالنور مُصْـفدا

فكلُّ السماء والأراضِي لقد خُلِقْ
                                    لوجه رسولِ الله، ما أعْظَمَ النّدَى!!

لقدْ طال وصفُ الواصِفين محمّدا
ولكنّ نعتَ الجـــاهِ ما كان مُنفدا

إذا ما بـــَدا بــَـدْرٌ بليــلٍ أتى لنا
إلى قـــلبِنا ذِكرُ الحـــبيبِ مُزَيّدا

وَذِكْرُ النبيِّ يُسْكِرُ القلبَ مُفْرِحا
                                    إذا طائــــرٌ بالليل بات مُغــــرّدا

فنفسي فداءٌ للذي لا  يَـزالُ في
قلوبِ جميع الخَلْق نُورا مخـلّدا

فيا ليتني بعض الغُبارِ بِنَعْــــلِه
أفوزُ بـــه في كلِّ دار مـــــؤبّدا

فــــيومَ تصِيرُ كالتــرابِ وتعدمُ
فـليس لنا إلا النبيُّ مُــــناجِدًا(1 (

ويومَ نَغُوصُ في ذُنــوبِ أيادِنا
فليـــس لنا إلا الرســولُ مُرَشِدا

فكيف تَطِيرُ فـــوقَ قــــبر نبيّنا
ألســـتَ بباكٍ ذاكــــرا مُتَكمّــــدا

وأنّى تطيرُ فوقَه،كيف تشـجع؟
ألســتَ بـمـــــستحيٍ به ومُكابدا



أأنت مُـــــعيرٌ لي جناحَيْكَ مُدّةً
أطـيرُ بها نحو النبي مُــــشاهِدا

فيا ربّنا ســلِّم وصلّ عــليه ما

يُضيئُ ضياء الشمس قـمرا وفَرْقَدا






[1] . يخاطب الطائر.

مواضيع ذات صلة
الأماديح,

إرسال تعليق

0 تعليقات