ادعمنا بالإعجاب

باكستان أمسها وغدها

            
زين العابدين تشيليمبرا
لما تعلم باكستان منذ ولادتها ما الأمن والسلامة, ولما تقدر على أكل ثمرة الديمقراطية فضلا عن حصاد ربحها, ولما تستطع على التمتع بنتاجها حيث إن الحكومات انقلعت في أعاصير الانقلابات العسكرية, وتخربت على التعاقب والانفجارات المتصاعدة عددها والحكومات العسكرية المتعاقبة الفينة تلو الفينة طفأت تهزكيان باكستان وتزلزل أساسها وتهدد بقائها.


وكانت ولادتها ولادة صناعية منحوتة من الهند البريطانية مقطوعة عنها بعملية جراحية عنيفة بالسكاكين والمناشير لا بالمباضع والمشاريط, وتاليا لذلك التجزئة البئيسة نحرت آلاف مؤلفة من النسمات البريئة, وبعد الاستقلال لم تكن في أرضها أحزاب سياسية عريقة الأصل في المجتمع وممعنة الأساس في القاعدة الشعبية بعد, حتى تقودها في أزماتها المتعاقبة الفينة تلو الفينة كما أن حركات الاستقلال في باكستان كانت تحت قيادة احترافية والسلطات ترزح تحت نير القبضة الأرطبوطية البيروقراطية, والعداوة الطويلة والشحناء المشؤومة مع الهند أتاحت للعسكر فرصة سانحة للاستيلاء على سائر الميادين المدنية ولمد أيديهم الى سائر نواحي شؤون الدولة, ومما يذهل كل واحد إذا سمع والأسوأ من ذلك أن رحى الاقتصاد يدار بأيدي العسكر!.
فالآن الدولة في أزمة حاضرة كتكرار تاريخي حيث أعلن رئيس  الجمهورية جنرال برويز مشرف حالة الطوارئ في شكلية دراماتيكية بعد أن أيقن أنه لا يعلنه وأكد عليه الذرائع الحكومية, وبإعلانه قد دفعت الدولة المتشكلة من قبل إلى الظروف القاسية والحالات المتفاقمة, ونفخ في نار ثورة العوام والمحامين ضد الحكومة, وليست حالات الطوارئ بجديد لأهالي باكستان وأراضيها, وليست الانقلابات العسكرية بحديثة في تاريخها, وهذه الجديدة من سلسلتها خططها الجنرال مشرف لصيانة رئاسته وإقامتها على صولجان الحكومة والسلطنة خائفا حكما من قبل المحكمة العليا خلافه على الاحتكامات المسجلة فيها, والتي لا تتم إعلان نتائج الانتخاب إلا بعد الحكم عليها.
هذا وقد لازم باكستان حالات الطوارئ والانقلابات العسكرية ملازمة الغريم منذ سنة 1958 حينما أعلنها رئيسها إسكندر مرزا وقبض السلطنة الجنرال محمد أيوب خان في نفس السنة, وتعاقبت هناك تعاقب الليل والنهار,  وأحاطها ذلك الشؤم مع الاتهامات الرشوية إحاطة السوار بالمعصم, ويذكر جديد الأحداث عن حالة طوارئ أعلنتها إندرا غاندي في الهند سنة 1977 ميلادية, وتتابعت لسنتين تقريبا في خلفية حكم أصدر بالمحكمة الألهابادية بإلغاء انتخابها رئيسة الوزراء, وبدلا من الخضوع للحكم سلكت مسالكة طالحة, ولكن انتجت في الفشل  الذريع لحزب كانجرس لأول مرة في التاريخ في انتخاب بائت هي نفسها في دائرتها بالفشل الذريع الفاضح.
بيد أن الولايات المتحدة تضغط على الجنرل مشرف وهي معه بالدعم الدائم، ولقد رأتها الولايات المتحدة كمحالفة لها في الكفاح ضد أعدائها والحرب ضد الإرهابية والتي شرعتها بعد الانفجارات في قلبها، وكانت خطة التحالف فرصة سانحة لإسلاماباد في ذلك الظرف الخاص، حين بلغت الخصومات مع الهند زباها، وتحالفتا في مساعدة المجاهدين في أفغان عند الاحتلال ­السوفيتي مع التمويل السعودي والتدريب والتسليح الأمريكي، أدمي المجاهدون "الجيش الأحمر" في عقر دارهم حيث إنه لا يفلح من قوتل في عقر دارهم, ولكن في مر الدهور تشكلوا مؤسسة جهادية مشيدة بالحروب مقوية بالقتال، وهم الذين صدروا الحرب نحو الغرب إلى نواحي العالم لتشكيل اتجاه عام للكفاح الإسلامي على البسيطة شرقها وغربها وأقصاها وأدناها.
ولكن واشنطن لن تكن لتعرض لوخامات ختل الجنرال وختره وهو يعلم أنه إذا ظفر في إبادة خطر الإرهاب يزيد دعما من جانبها, وإلا يشل عرشه حيث إنه لا يزال يدعم الجهاديين في أفغان دعما حميميا ليكون له فرصة للتدخل فيها، وهو يلعب دورا متوسطا بين هذين الموقفين، لا يمل أمريكا ولا يرضى المجاهدين، فبذلك تم ازدياد تعارض المبادئ وأصبح بركانا يهدد الانفجار كل حين، حيث إن الإرهابية تغلبت وتجمعت وتأسست سطحا قويا للقيام عليه وجعلت تشن الغارات تلو الغارات لا في العلاقات المجاورة لأفغانستان فحسب، ولكن عميقا إلى قلب باكستان نفسها حتى اختتمت العمليات العسكرية ضدهم في حصار المسجد ’الأحمر‘(لال مسجد).
ومن الملاحظ أن مشرف اختط هجوما على الإسلاميين في بيئة تسكع الطيف الكمالي في أودية الدولة حيث إنه فرض الحظر على المدارس الإسلامية متهما إياها بالممارسات الإرهابية، وقد تسببت فيه قبضتها الشديدة على أفغانستان بأيدي المجاهدين أولا وبأيدي طالبان آخرا لأجل عمق استراتيجي في مصارعة الهند, والعلاقات مع المملكة العربية السعودية تسببت في نمو المدارس وتطورها والتي أفشت رسالة الإرهابية وبذر بذور التطرفية، وهذه المحاولات انتجت في تحول مركز الإرهابية إلى أفغانستان وباكستان بانصرام القرن الماضي.
وانفجارات سبتمبر 11 وقعت في هذه الخلفية الحادة والبيئة المتطرفة والسيناريو الراديكالية، وكانت حزب ’القاعدة‘ تحت قيادة أسامة بن لادن عدو أمريكا اللدود المقدم في أولويات قوائم الإرهابية للهجوم عليه، ولكن بتلهية خطيرة أعلنت الحرب على العراق, بل طاش في رمي سهام آرائه وتحليلاته اللفاظة ودراساته الثرثارة عن التحديات والتهديدات, وباءت كل محاولاته بالفشل بل اشتدت التحديات وتراكمت الأوضاع وتفاقمت المشكلات واللعب والدمى, واللاتي نصبتها الولايات في مستعمراتهم قد أخفقت في تطبيق الخطط الأمريكية وممارسة الديموقراطية والاستقلال في غلبة النفعية القصيرة الأمد على الأنظار الإستراتيجية الطويلة المدى.
ونتيجة قد قرب الكابوس المخيف والضاغوط المهيب أقرب ما يكون إلى التحقق في باكستان، وعبر هذه السنين الثمانية قد لعب الجنرال لعبة أنانية يزعم أنه هو الخط الأخير في كفاح الإرهابية في المملكة المالكة للقوى النووية، لا لشيء إلا لجمع دعم الولايات المتحدة وضم رضاها وحصول أسلحتها وأموالها وحشد انطباع الغريب.
وقد انذرت ’بينظير بوتو‘ رئيسة الوزراء سابقا والتي ربما تكون السياسية الكثيرة الشعبية حاليا في باكستان و’نواز شريف‘ رئيس الوزراء سابقا أيضا والذي هو منفي إلى المملكة العربية السعودية نفيا قهريا وتغريبا قسريا، وحذّرا عن عواقب دعم جبار خائن ومستبد خادع ودكتاتور خاتل  وطاغية خاتر مثل الجنـرال المشرف، هذا وقد أودعت فيه واشنطن إيداعا باهظا ثقيلا مبلغه ما فوق عشرة ملايين دولار منذ دعمه لها في الحرب ضد الإرهاب، حيث تري في وجه العالم كأكبر معاضد للجنـرل ضد رعيته والقاعدة الشعبية في دولته, وفي الحين نفسه ترى باكستان من كبار العناوين الشديدة ضد الولايات المتحدة, وقد نجى الجنـرال من محاولات الاغتيال عليه.
وصادقا لفطرته الفدائية ومخلصا لقريحته المغوارية قد تهاجم الجنـرال مشرف بإعلان حالة الطوارئ وإلغاء الدستور القانوني وفصل سيادة القاضي الرئيس للمحكمة العليا ووضعه تحت قيد البيت واعتقال كثير من أكابر الخصوم السياسية، وكانت تبريراته إنقاذ الدولة من الفوضى الذي تعقب يخلع عذار أعدائه الكثيرة العدد والعُدد في الداخل والخارج, ولكن ذلك مما لا يسوغه حتى الساذج البريء السهل الانخداع, ولا يعتقد صما وعميانا فضلا عن ذوي الألباب والنظر والفكر، وهو في جد أي جد لحقن دم وجهه وينقذ نفسه صحيحا سالما وبدنه غير مكلوما سياسيا بل حرفيا أيضا.
ولكن الحقيقة الغضة التي لا يخفي على من له أذن واعية وعين باصرة وقلب سليم أنه لم يحمله على كل ذلك إلا خوفه فقدان منصب رئاسة الجمهورية إذا أصدر الحكم خلافه على القضايا في المحكمة العليا, والتي سيادة قاضيها الرئيس هو إفتخار تشودري, والذي كان قد فصله من العمل ولكن أجبر على إعادة تعيينه إثر الاحتجاجات التي هبت طول البلاد وعرضها, وتكون الحاجة ماسة إلى الضغوط القوية و المحاولات المضنية الدولية مع الترغيب والترهيب حيث إن نتائج وقائع مسرح باكستان المتقلقلة المتقلبة والمتطرفة والمالكة للأسلحة النووية تؤثر على الهند الشقيقة أولا وأفغانستان المجاورة ثانيا بشدة أكثر مما يؤثر على أي دولة أخرى, وآخرا لا أخيرا المجتمع الباكستاني ليس بعميق ولا بسيط على نطاق واسع ولكنهم يستيقظون تدريجا إلى حقيقة أن دولتهم العظيمة القوية الشكيمة، قد تورطت في ورطة المجتمع الغير الشهرية ووضعت رهينة في أيديهم وليس الجنرال مشرف حلا للقضايا بل قطعه من سلاسلها, وليس زورق نجاة في بحر باكستان المواج المضطرب, ولكن عاصفة تميل بالسفن يمينا وشمالا مع أن له سجل آثار يشبه مع كل وضاحة وصراحة فقد شدت له الرحال وآن أوانه للارتحال, ونحلفه بناء معاهد ومنظمات الحكومة الجيدة من جديد.
 والتي تكون اعتماد بعضها على بعض وتشد بعضها بعضا مع إقامة حامي الحقوق لإيقاف الظلم بمزحل الكلاب وتشديد القوانين ضد الرشا والفتن والفساد وتشييد الضوابط التي تحقق الأمن والاطمئنان, وتضارب الإسلام مع الحكومة الديموقراطية المزعوم المتهم كذب باطل وإفك مردود حيث إن الدول المجاورة دلائل له وشواهد ـ من اندونيسا إلى ماليزيا وتركيا ـ والجيوش حقت أن تكبح بزمام الشدة وكوابح العنف كما في تركيا حتى لا تتدخل كثيرا إلى الشؤون الدولية وتحكم تحت الهراوي الشديدة الحديدية. وهو يقلل سيطرة الجيش على السياسة وهيمنته عليها ودوره فيها, ويفكك البنية التحتية لتدريب الإرهابية ونموها وتطورها وممارستها عبر أراضي الدولة وحجز العسكر لثكنهم يكون الخطوة الجادة في الطريق السديد إلى ختم جاثوم طويل المدي يراه كل نائم ومستيقظ, والحل العقول الأخير الشافي في قضية ’كشمير‘ تبديل خط التدبير إلى خط الفصل الدولي, ولكن هذه الخطة مما خالفه الفريقان وتناطحا القرون عليها في السنين الستين الماضية,  ولا تزال كذلك في الستين القابلة أيضا.



مواضيع ذات صلة
أدبيات, الأشعار, الكتب, دراسات, مقالات, نداء الهند،،نداء الهند,

إرسال تعليق

0 تعليقات