علاقات الهند مع البلاد العربية
دراسة أخوية : العلاقات التجارية والثقافية بين الهند والدول العربية بالتركيز على ولاية كيرلا
مجيب ي.ك
دراسة أخوية : العلاقات التجارية والثقافية بين الهند والدول العربية بالتركيز على ولاية كيرلا
مجيب ي.ك
كلمة ’العرب‘ أو ’العربية‘ و’اللغة العربية‘ ائتلفت بها نفوسنا إلى كل من كانت لغتهم
الأم العربية وإلى لغتهم. ويصعب تشريح هذه الكلمات واكتشاف أساسها في مثل
هذا البحث. فلا بد لنا من تشريح المراد ’بالعرب‘ أو ’بالبلاد العربية‘.
إن علماء العصور المختلفة قد فسّروا وبيّنوا هذه الكلمات حسب ما يرونها من حدود
جغرافية أوعلى أساس ما. يقول الدكتور جواد علي في كتابه ’المفصل في تاريخ
العرب قبل الإسلام؛
"إن لفظة ’عرب‘ او ’العرب‘ تطلق على سكان البلاد العربية إطلاقا عاما
على البدو وعلى الحضر بلا فرق بين طائفة من الطائفتين ولا بين بلد وبلد
بمعنى جنسية وقومية وعلم على رسّ له خصائص وسمات وعلامات وتفكير
يربط الحاضرين بالماضين كما يربط الماضي بالحاضر." [1]
ويشرح أيضا بقوله؛
إن الآشوريين والبابليين والفرس يريدون من العربية البادية التي في غرب نهر
الفرات الممتدة إلى تخوم بلاد الشام ويدخل بعض العلماء’ طورسيناء‘ في جملة هذه
الأرضين[2]. وأما هيرودوتس(484-425 ق.م)
يطلق لفطة ’عرب‘ على العربية البادية ’وجزيرة العرب‘ والأرضيين الواقعة على الشرق من نهر النيل. وأدخل ’طورسيناء‘ وما بعدها إلى ضفاف النيل في بلاد العرب. [3]
ويقول ؛
"إن بلاد العرب أو البلاد العربية هي البوادي والفلوات التي أطلق
الآشوريون ومن جاء بعدهم على أهلها لفظة الأعراب وعلى باديتهم ’عربية‘ وما شكل ذلك. وهي جزيرة العرب وامتدادها الذي يكون بادية الشام حتى نهايتها عند اقتراب الفرات في أرض بلاد الشام. فالفرات هو حدها الشرقي، أما حدها الغربي فأرض الحضر في بلاد الشام. وقد أطلق بعض الكتاب اليونان على الأرضيين الواقعة شرق الخابور [4] اسم العربية، كما أدخل هيرودوتس أرض طور سيناء إلى شواطئ نهر النيل في العربية اي في
البلاد العربية[5] فالبلاد العربية التي ربطت بتاريخ الهند هي تلك البلاد العربية التاريخية التي تتركز
أساسيا في الوطن العربي بشقيه الآسيوي والإفريقي إضافة إلى الساحل الشرقي
لإفريقيا وكل البلاد على ما رآه الدكتور جواد علي من جزيرة العرب والشام
والعراق وفلسطين ومصر ويمن وغيرها من البلاد العربية.
والعرب كانوا في حالتهم الاجتماعية الدينية قبل الإسلام، من عبدة الأوثان، وفي
عاداتهم وتقاليدهم التي اعتادوها منذ الحقبات من الزمن حسب خواطرهم
ومشاعرهم. وكان الأدب والشعر في ذروتهما في الشهرة، وكانوا مشهورين لكتابتهم
الكلاسيكية. وكانت الزراعة شائعة في بعض البلاد العربية الخصبة بالماء. وكانت بينهم المماليك المختلفة مثل الحمير، والمعن، ومملكة سبأ، وقحطان، وحضرموت،
وغيرها. كانت هناك عواصم مشهورة مثل ذروة، قرنة، دمنة، مغر ب وغيرها لهذه
المماليك[6].
وكانت العرب في هذه الحقبة في تجارة فعّالة مع البلاد الأخرى من الهند والصين
وغيرها .كما كانت لهم علاقات تجارية داخل البلاد العربية مثل علاقة جزيرة العرب مع الحبشة والشام ومصر[7] وكانت مكة مركز الاقتصاد والتجارة التي تربط الطرق التجارية من جنوب بلاد العرب إلى الشام والعراق وغيرها. [8]كما
وردت الإشارة إلى ذلك في سورة الإيلاف عن رحلة الشتاء والصيف.
والهند هي مهد الحضارة العريقة والثقافة القديمة على وجه الأرض مثل حضارة
وادي السند، ومراكز الطرق التجارية التاريخية. وهي مشهورة بتراثها العظيم
الفريد من مختلف الديانات والثقافات والعقائد والتقاليد واللغات وجغرافيتها الخاصة. وهي التي أنجبت الديانت المختلفة من الهندوسية، والبوذية، والجينية، والسيخية، وقبلت الزرادشية، واليهودية، والمسيحية، والإسلام. يقول المسعودي؛
"إن الهند كانت في قديم الزمان الفرقة التي فيها الصلاح والحكمة. وظهرت فيها الحكمة وتقدمت العلماء واستخرجوا الحديد من المعادن، وضربت
السيوف والخناجر، وكثير من أنواع المقاتل، وشيدت الهياكل، وجمع )الملك( الحكماء فأحدثوا ’كتاب السند‘ و’كتاب الأرجهيد‘ ’والمجسطي‘ وكتاب ’بطليموس‘، وأحدثوا التسعة الأحرف المحيطة بالحساب الهندي." [9]
وعندما نتحدث في هذا البحث عن الهند، فهي الهند التي تشتمل من الهند
الديموقراطية الآن، وبنغلاديش، وباكستان، قبل تقسيم 8434 م. ولذا لا نحدد الهند
بحدودها الجغرافية المعاصرة. والهند تختص بخصائصها الجغرافية من خصبة مائها وترابها وتعداد أصناف النباتات والحيوانات وغيرها كما تختص بتراثها العريق الفريد.
أما تاريخ الهند في صلاتها مع البلاد العربية يرجع إلى ما قبل الميلاد. وكانت الصلات قائمة بين الهند والبلاد الغربية )العربية( من قبل الميلاد. وكان التجار العرب هم واسطة هذه الصلات تقريبا. أو كانوا هم أكثر أهل البلاد الغربية صلة بالهند، فبلادهم قريبة من الهند تقع على بحر العرب كما تقع الهند. وسفنهم هي التي كانت تقوم بنصيب كبيرفي نقل التجارة بين الهند وبين هذه البلاد. ومن الطبيعي أن يكون التجار والبحارة العرب بحكم عملهم أكثر صلة بالهنود، كما كانت لهم معرفة ودراية بالمدن الهامة الواقعة على الساحل الطويلي لبحرالعرب، بل كانوا يذهبون إلى ما وراء ذلك في خليج بنغال، وبلاد الملايو، وجزر إندونوسيا حتى كوّنوا لهم جاليات عربية في بعض ثغور هذه البلاد[10].
وتؤكد بعض الأشعار
العربية الكلاسيكية دلائل علاقات الهند مع البلاد العربية التي بدأت منذ بدء التاريخ كما نراها في معلقة امرئ القيس. يقول في معلقته؛
ويقول الشاعر عنترة بن الشداد العبسي في قصيدته ’حكّم سيوفك‘ وهو يصف شَعر
أمّه بالفلفل؛
أنا بن سوداء الجبين كأنّها ضبع ترعرع في رسوم المنزل
هنا استعمل الشاعر امرؤ القيس والشاعر عنترة بن شداد كلمة ’الفلفل‘. والفلفل من
إنتاجات الهند التي كانت لا تزرع إلا بأرض الهند. وهذا يدلّ على العلاقات التجارية
التي كانت قائمة بين البقعتين في تلك الأزمنة أوقبلها. وكذا وصف كعب بن زهير
في قصيدته ’بانت سعاد‘ رسول اله صلى الله عليه وسلم بالسيف المهند. ويقول؛
ونرى في أشعار شعراء الأمويين والعباسيين كثيرا ما تستعمل كلمة الهند وما
يتعلق بالهند من إنتاجاتها وغيرها حتى نتبين آثار العلاقات الثقافية والحضارية التي
كانت بين الهند والبلاد العربية.
وعندما ظهر الإسلام اصطبغت هذه العلاقات بصبغة دينية. يقول عبد المنعم النمر؛
"وحين ظهر الإسلام ودخل العرب في دين اله أفواجا كان منهم هؤلاء
التجار والبحارة العرب من الحضارمة وغيرهم، فحملوا معهم دينهم الجديد
إلى البلاد التي يتعاملون معها، وكان من الطبيعي أن يتحدث هؤلاء في
حماس وإيمان عن دينهم الجديد، وعن الرسول الذي ظهر في بلادهم، يدعو
الناس إلى التوحيد والإخاء والمساواة والمعاملة الحسنة بين الناس جميعا. وكانت الهند تئن حينئذ من التفرقة ونظام الطبقات القاسي الذي تقوم عليه دياناتهم، فكان حديث التوحيد والمساواة نغمة جديدة يحلو أن يسمعوها، وأن يقارنوا بينها وبين ماهم فيه من أوضار التفرقة وأثقالها، وكانت النتيجة أن تتفتح القلوب لهذ الدين ويقبل الناس عليه..." [14]
والعلماء في آراء مختلفة في وقت انتشار الإسلام في أراضي الهند، وكيفية وصوله
إليها. ويرى بعضهم أنها كانت بعد فتح محمد بن القاسم الثقفي أرض السند سنة
92ه. وكان الخلفاء قد اتجهوا إلى أرض الهند مند البداية، ولكن لم يصلح الأمر إلا
لمحمد بن القاسم الثقفي. وكان عمر بن الخطاب رضي اله عنه قد ولّى عثمان بن
أبي العاص الثقفي البحرين وعمان سنة 15 ه. فوجّه أخاه الحكم بن أبي العاص إلى البحرين ومضى إلى عمان، فأطلع جيشا إلى ’تانه‘. فلما رجع الجيش كتب إلى عمر يعلمه ذلك. فكتب إليه عمر: "يا أخا ثقيف حملت دودا على عود، وإني أحلف بالله أن لو أصيبوا لأخذت من قومك مثلهم." [15]ثم يقول المؤرّخ، وفي عهد عثمان بن عفان
لم يغز أرض الهند .[16] وفي عهد الأمويين أرسل معاوية بن أبي سفيان رضي اله
عنه المهلب بن أبي صفرة على رأس جيش سنة 43 ه. فغزا منطقة السند وقاتل قتالا شديدا[17] . وبعد ذلك فتح العرب أرض الهند على يد محمد بن القاسم الثقفي سنة
92ه.
ولكن انتشار الإسلام في أرض الهند ما كان يتعلق بالفتوحات السياسية وإنما
انتشرت الدعوة الإسلامية في أراضي الهند بواسطة العرب التجار والمهاجرين من
أبناء عمان وحضر موت وغيرها. وأن اعتناق آلاف من أهالي الهند الإسلام لم
تلعب الإكراه ولا السيف دورا بل إنما كانت تأثر المعاملات والتعاليم ونصائح
الدعاة .[18] وهناك لم يصحب هؤلاء الفاتحين الذين فتحوا الهند أحد من الدعاة أو
رجال الدين[19]. ولكن عندما توسعت الدولة الإسلامية في الهند انتشرت الدعوة الإسلامية أيضا في بواديها ومدنها حتى صارت أرض الهند خصبة لتعاليم الدين الإسلامي، وأقبل الناس يأتون في دين اله أفواجا لأسباب إجتماعية وتاريخية. إذ كانت الهند في تلك العصور في أزمة إجتماعية من عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية، والتفرقة بين الطبقات، ولذا اعتنقوا تعاليم المساواة والحقوق الإنسانية ليتخلصوا من سوء حالتهم ويشعروا بروح الحرية من جديد.
ثم استمر الإسلام في انتشاره حتى أسست الدول الإسلامية في مختلف العصور مثل
الدولة الغزنوية‘ و’الغورية‘ ’والدولة المماليكية‘ و’السلاطين الخلجية‘ ’والدولة الطغلقية‘ ’والدولة الإسلامية في كجرات‘ و’الدولة المغولية‘ وغيرها.
وكانت علاقات الهند مع البلاد العربية في أوجها في العصور الوسطى، في عهد العبّاسيين. وفي هذه الفترة من الزمن تبودلت الثقافات والأدب والعلم والتجارة. وتأثرت الحضارة الهندية العريقة بصبغات الحضارة والثقافة الإسلامية عبر الدهور والعصور. وتؤكد الوثائق التارخية هذه التبادلات الثقافية العلمية من تأثر الهند بثقافة العربية الإسلامية وحضارتها في العلوم والفلسفة والتقاليد، وفي طراز المباني والبيوت، والموسيقى والرسم والحرف والفنون والألقاب والرياضة، وبالإختصار في حياة البلد بأسرها. [20]
وفي العصر العباسي قد اشتهر الهنود في ميدانهم شهرة واسعة في بغداد عاصمة
الدولة الإسلامية- وكان بينهم بعض خاصة الخلفاء العباسيين مثل أبي حارث الهندي )أمين خزانة خليفة المهدي(، وأبي العطاء السندي وأبي نصر السندي
شاعرا الدولة العباسية(، وسكر السندية )زوجة الخليفة المهدي(، والمنكع الطبيب
وغيرهم. وأما انتشار لإسلام في جنوب الهند كان شيئا آخر في شكله وتاريخه.
[1] على، جواد.المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام.ص: 84 .مجلد 8.بغداد، بيروت:دار العلم للملايين، مكتبة النهضة: مطبوعة.
[4] الخابور باللغةِ الآرامية )الأكادية( معناه رفيق الأرض )خا = رفيق, بور= الأرض التي لم تفلح(.وفي المؤلفات البابلية
والآشورية اسمهُ )شابوراس( هنالك العديد من الانهر والينابيع الصغيره التي ترفد نهر الخابور وخصوصا ينابيع مدينة
رأس
العين ومنها نبع الكبريت وعين الزرقا وغيرها. حاليا يعاني كل من الخابور وروافده من انخفاض في مستوى المياه.وذلك لعدة عوامل أهمها تغير المناخ وهناك نهر اخر باسم نهر خابور في العراق يمر بمدينة زاخو بكوردستان العراق
ينبع
من اراضي التركية ويدخل حدود العراق ويمر بمدينة زاخوويصب بنهر دجلة في منطقة فيشخابور على الحدود
سوريا.)ويكيبيديا
الموسوعة الحرة: www.wikipedia.org26/3/2011
[6] Lindsay, Jones.Edtr. Encyclopedia of
Rellegion.Second Ed.Vol:1.Macmillion Reference
[10] النمر، عبد المنعم. تاريخ الإسلام في الهند. ص: 70 .مصر: دارالعهد الجديد للطباعة، 8414 م: مطبوعة.
[12] عنترة بن الشداد.حكّم سيوفك. الشعر الفصيح. أدب الموسوعة العالمية للشعر العربي .30.3.2011 طبعة
وب.
[17] الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان. تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام. تحرير. الدكتور عمر عبد السلام تدمري. ص11 المجلد4 بيرت دار
الكتب العبية1997،
[18] Arnold, Prof.Thomas. The
Spread of Islam in The word A history of Peaceful Preaching. New Delhi:
Goodword Books,2005.Printed
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أكتُبْ تعليقا