ادعمنا بالإعجاب

مسألة نبوة بوذا من منظور إسلامي -دراسة عقدية

د. عامر عدنان الحافي*


ملخص
      تسعى هذه الدراسة إلى التعرف على نظرة الكُتّاب المسلمين تجاه مسألة نبوة بوذا، وعرض الأدلة التي اعتمدها كل من المؤيدين والمعارضين، ومراجعتها، ونقدها في ضوء عرض أقوال بوذا التي تتصل بالأركان الثلاثة التي جعلها القرآن أساسا للنجاة (القرة: 62)، وهي الإيمان بالله، واليوم الآخر، والعمل الصالح. ومقارنة هذه الأقوال مع نصوص من القرآن والسنة وخلصت الدراسة إلى ترجيح الرأي القائل بإمكانية نبوة بوذا والذي ينسجم مع تأكيد القرآن على إرسال الرسل إلى الأمم جميعها.

Abstract
      This study seeks to identify the view of the Islamic writings about the question of the prophecy of Buddha, and presenting evidence of both the supporters and opponents, and reviewed it, in the light of the sayings of Buddha concerning the three pillars, which the Qur’an considers it as a foundation for Salvation, who believed in God and the Last Day and did righteousness(ALBaqara: 62). And compare the words of Buddha with the texts of Qur’an and Sunnah. and the study concluded to Support the opinion of the possibility of Buddha prophecy Which are consistent with the Qur'an's emphasis on sending messengers to all nations.
المقدمة:
       ما تزال الدراسات الإسلامية للأديان بحاجة إلى كثير من الجهد والاجتهاد وخاصة بعد أن كشفت الدراسات المعاصرة كثيراً من الجوانب المعرفية الجديدة التي يمكن أن تسهم في بناء فهم معاصر للآخر الديني.
       وتعد الديانة البوذية من الأديان التي لم تنل حظها في الكتابات الإسلامية خلافا للديانتين اليهودية والمسيحية اللتين كان لهما القسط الأكبر من الكتابات الإسلامية، ومن هذا المنطلق تتأكد أهمية التَعرُّف على شخصية بوذا والديانة البوذية، والتي تعد من أكبر الأديان في العالم، حيث يقدر عدد اتباعها قرابة المليار إنسان. كما تفتح هذه الدراسة المجال أمام الباحثين لتكوين نظرة إسلامية موضوعية تجاه هذه الديانة والإسهام في بناء علاقات إنسانية راقية تحقق السلم والأمان بين أتباع الأديان جميعهم.

إشكالية الدراسة:
       تحاول هذه الدراسة الاجابة على الأسئلة الآتية: ما مدى إمكانية نبوة بوذا من منظور إسلامي؟ ما موقف الكتابات الإسلامية القديمة والمعاصرة تجاه هذه المسألة؟ وما هي الأدلة التي اعتمد عليها كل من المؤيدين والمعارضين لنبوة بـــوذا؟

* أستاذ مشارك، كلية الشريعة، جامعة آل البيت.
وما نظرة بوذا وفق النصوص البوذية المقدسة لمسألة الإيمان بالله، واليوم الآخر، والعمل الصالح؟.

منهج الدراسة:
       تعتمد هذه الدراسة على المنهج التاريخي حيث نعرض للتعريف بشخصية بوذا، ثم المنهج الاستقرائي حيث النصوص البوذية التي تتعلق بمسألة نبوة بوذا من خلال الاعتماد على الكتب والمصادر ذات العلاقة، ثم المنهج النقدي في مناقشة أدلة الكتّاب المؤيدين والمعارضين والترجيح بينها، ثم المنهج المقارن من خلال مقارنة ما جاء من نصوص بوذية في العقائد الرئيسة الثلاث (الإيمان بالله، واليوم الآخر، والعمل الصالح) بما جاء في القرآن والسنة.

خطة البحث:
       جاءت هذه الدراسة في مقدمة وتمهيد أربعة مباحث وخاتمة على النحو الآتي:
مقدمة.
تمهيد.
المبحث الأول: المؤيدون والمعارضون لنبوة بوذا.
المبحث الثاني: الإيمان بالله في أقوال بوذا.
المبحث الثالث: اليوم الآخر في أقوال بوذا.
المبحث الرابع: العمل الصالح في أقوال بوذا.
الخاتمة.

تمهيد:
       ذكر القرآن الكريم أسماء خمس وعشرين نبيا ممن اصطفاهم الله ليكونوا منهارات هداية للناس، وقد جاءت أسماء ثمانية عشر منهم في أربع آيات من سورة الانعام وهي قوله تعالى: ]تِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إبراهيم عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ. وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ[[الانعام: 83-86]. وأما بقية أسماء الأنبياء السبعة الذين ذكرهم القرآن فهم آدم، وشعيب، وصالح، وهود، وذو الكفل، وإدريس، ومحمد -عليهم جميعا الصلاة والسلام-.
       ومما يلحظ هنا أن معظم الأنبياء الذين ذكرهم القرآن هم ممن اشتهروا عند بني إسرائيل وإقرار القرآن لنبوتهم يؤكد منهج القرآن المنصف في الاعتراف بالنبوات السابقة.
       يمكن تقسيم أسماء الأنبياء الذين ذكرهم القران الكريم إلى قسمين اثنين. الأول: من لم يختلف العلماء في نبوَّتهم كما هو الحال في أسماء الأنبياء التي سبق ذكرها. وأما القسم الثاني: فهم من اختلف العلماء في نبوتهم، كلقمان، والعبد الصالح، وذي القرنين، والعُزيْر.
       وبالإضافة إلى هذين القسمين من أسماء الأنبياء يشير القرآن إلى وجود أنبياء لم يسمّهم وإنما ألمح إليهم وذلك في قوله تعالى: ]وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا[[النساء: 163، 164].
       وهذه الآية الكريمة أكدت كثرة عدد الرسل الذين أرسلهم الله إلى الأمم والأقوام بالإضافة إلى من ذكرهم القـرآن. وعلى
هذا الأساس يمكن القول بأن حصر عدد الرسل بمن ذكرهم القرآن ليس يتفق ومنطوق القرآن ناهيك عن عموم الهداية الإلهية. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن معرفة الرسل بأعيانهم ليست بشرط لصحة الإيمان، بل من شرطه أن يؤمن بهم جميعاً إذ لو كان معرفة كل واحد منهم شرطاً لقص علينا كل ذلك"([1]).
       وهذا الكلام يخص من لم يتيسر لنا تبين صدقه ومعرفة تعاليم رسالته، وأما من تبين لنا صدقه وانسجام تعاليم رسالته مع قواعد الاعتقاد وتزكية النفوس فإن إمكانية القول بنسبته إلى الأنبياء الذين لم يقصصهم الله في كتابه الكريم هو مما يُصدِّق ما جاء به القرآن وتؤكد على ربانية مصدره.
       ذكرت بعض كتب التفسير أسماء بعض الأنبياء الذين لم يأت القران الكريم على ذكرهم. ومن هؤلاء من ذكرهم ابن عاشور في تفسيره: "مثل حنظلة بن صفوان نبيء أصحاب الرسّ، ومثل بعض حكماء اليونان عند بعض علماء الحكمة. قال السهروردي في (حكمة الإشراق): (منهم أهل السفارة).ومنهم من ذكرته السنّة: مثل خالد بن سنَان العبسي"([2]).
 ومن الأهمية بمكان الاشارة إلى أن اختلاف العلماء في نبوة بعض الشخصيات ليس جديدا في التراث الإسلامي فقد اختلف المفسرون قديما في نبوة بعض الشخصيات كما سبق وذرنا، وهذا يؤكد بأن الاجتهاد في هذه المسالة ليس بدعا
من القول.
       إن كثرة الأنبياء هو ضرورة اجتماعية وثقافية جاءت نتيجة تعدد المجتمعات واختلاف الثقافات، وتباعد المسافات، وفي ذلك يقول الشعراوي "وكان العالم قديماً في انعزالية. ولم يكن يملك من وسائل الالتقاء ما يجعل الأمم تندمج، وكان لكل بيئة داءاتها، ولكل بيئة طابع مميز في السلوك، ولذلك أرسل الله رسولاً إلى كل بيئة ليعالج هذه الداءات ..."([3]).
       ولعل الإقرار بكثرة عدد الأنبياء وانتشارهم بين عموم الأمم والشعوب يفتح المجال واسعا للاجتهاد في إمكانية القول بنبوة بعض الشخصيات الإصلاحية التي أسهمت في بناء المجتمعات، وتوجيهها نحو فضائل الأخلاق.

المبحث الأول: المؤيدون والمعارضون لإمكانية نبوة بوذا:
       تناولت الكتابات الإسلامية القديمة البوذية في سياق مصطلح (السمنية) كما هو الحال عند ابن النديم([4])، والبيروني([5])، والبغدادي([6]) وغيرهم. وبالرغم من قلة المعلومات عن هذه الديانة وغموضها إلا أننا يمكن أن نجد إشارات عديدة تعين على فهم نظرة العلماء المسلمين السابقين للديانة ومؤسسها يقول ابن النديم (- 377هـ/987م) عن معنى البد: "اختلفت الهند في ذلك ؛ فزعمت طائفةٌ أنه صورة الباري تعالى جدُّه. وقالت طائفة: صورة رسوله إليهم ... والرسول مَلَكٌ من الملائكة، أو بشرٌ من الناس ... وقالت طائفةٌ: هذه صورةُ بوداسف الحكيم الذي أتاهم من عند الله جلَّ اسمه. ولكل طائفةٍ منهم طريقةٌ في عبادته وتعظيمه"([7]).
       وفي كلام أكثر تحديدا عن بوذا يقول ابن النديم "إنّ بوذاسف نبيَّ السُمَنية، وعلى هذا المذهب كان أكثر أهل ما وراء النهر قبل الإسلام"([8])!
       وأما الشهرستاني فيقول: (ومن أهل الهند جماعة أثبتوا متوسطات روحانية يأتونهم بالرسالــــة من عند الله U في صورة البشر من غير كتاب فيأمرهم بأشياء وينهاهم عن أشياء ويسن لهم الشرائع ويبين لهم الحدود وإنما يعرفون صدقه بتنزهه عن حطام الدنيا واستغنائه عن الأكل والشرب والبعال وغير ذلك"([9]).
       ولكـــن الإشارة الأكثر أهمية ووضوحا إلى إمكانية نبوة بوذا جاءت على لسان الشهرستاني بقوله: "وليس يشبه البد -على ما وصفوه إن صدقوا في ذلك- إلا بالخضر الذي يثبته أهل الإسلام"([10]).
       وهذا كلام في غاية الأهمية لم أجد من تنبه له، فالشهرستاني يشير هنا إلى تشابه بوذا مع شخصية الخضر التي وإن إختلف المسلمون حول نبوتها، إلا أنها تبقى شخصية ارتبطت بعلم الحقيقة والمعرفة اللدنية كما جاء في قصة موسى والعبد الصالح في سورة الكهف.

أولاً: المؤيدون لنبوة بوذا وأدلتهم:
       تباينت آراء الباحثين المسلمين تجاه مسألة نبوة بوذا بين مؤيد ومعارض لها، ومن أهم القائلين بإمكانية نبوة بوذا جمال الدين القاسمي صاحب التفسير([11])، وحامد عبد القادر([12])، وبعض العلماء الهنود أمثال الشيخ عبد السلام الرامبوري([13])
، ومناظر أحسن كيلاني، ومحمد حميد الله الحيدر آبادي الهندي([14])، والكاتب الهندي دي محمد([15])، وعلي زيعور([16])، ونهرو طنطاوي([17]).

أدلة المثبتين لنبوة بوذا:
       استدل المثبتون لإمكانية بوذا بعدد من الآيات القرآنية والتي يمكن تصنيفها إلى أربعة أقسام.
أولاً: الآيات التي تؤكد أن الله أرسل لكل أمة من يدعونهم إلى الهداية والرشاد:
-         ]إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ[[فاطر: 24-25].
-         ]وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ[[النحل: 36].
-         ]وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا[[النساء: 163، 164].
-         ]وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ[[غافر: 78].
-         وبقوله: ]وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ[[يونس: 47].
-         ]وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ[[الرعد: 7].
ثانياً: الآيات التي علقت الثواب والعقاب على إرسال الرسل:
-         ]وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً[[الإسراء: 15].
-         ]رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ[[النساء: 165].
ثالثاً: الآيات التي وردت فيها أسماء أشخاص مختلف في هويتهم:
       وفي هذا السياق يستدل الكاتب الهندي "دي محمد" على نبوة بوذا بان كلمة بوذا تعني الشخص الذي تلقى الوحي الإلهي ويستشهد بما جاء في القرآن في قوله تعالى: ]وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ[[الأنبياء: 85]. مستدلا بكلمة "ذا الكفل" التي تشير بحسب رأيه إلى صاحب "كافيلا فاستر" المدينة التي ولد فيها بوذا([18]).
رابعاً: الآيات التي تشير إلى بوذا:
       ويدخل في هذا القسم ما ذكره من كلام للقاسمي في سياق تفسيره لسورة التين: "والراجح عندنا، بل المحقق إذا صح تفسيرنا لهذه الآية، أنه كان نبيّا صادقا ويسمى (سكياموتي) أو (جوتاما) وكان في أول أمره يأوي إلى شجرة تين عظيمة وتحتها نزل عليه الوحي، وأرسله الله رسولا، فجاءه الشيطان ليفتنه هناك فلم ينجح معه. ولهذه الشجرة شهرة كبيرة عند البوذيين، وتسمى عندهم (التينة المقدسة)([19]) وبلغتهم (أجابالا)"([20]). ويؤيد هذا الفهم ما جاء على لسان بوذا لحظة بلوغة درجة الاستنارة: "سمعت صوتاً من داخلي يقول بكل جلاء وقوة، نعم في الكون حق، أيها الناسك، هنالك حق لا ريب فيه جاهد نفسك اليوم حتى تناله ... فجلست تحت تلك الشجرة في تلك الليلة من شهر الأزهار وقلت لعقلي وجسدي اسمعا، لا تبرحا هذا المكان حتى أجد ذلك الحق، لينشف الجلد ولتنقطع العروق، ولتنفصل العظام، وليقف الدم عن الجريان لن أقوم من مكاني حتى أعرف الحق الذي أنشده فينجيني"([21]).
       ويؤكد المؤيدون لنبوة بوذا أن بوذا كان يؤمن بالإله الأكبر، وسبب عدم اهتمامه بالحديث عن ذلك يعود إلى أن الأمر كان معلوما لدى المجتمع الهندي، وأن إلصاق تهمة الإلحاد ببوذا يعود إلى الهندوس المتعصبين الذين رأوا في دعوة بوذا خطرا عليهم([22]).
       ومن الملاحظ أن بعض الرافضين لإمكانية نبوة بوذا، لم يفرقوا بين موقف بوذا وبين موقف أتباع البوذية، وهذا ما نجده بين كثير من أتباع الأديان الذين يحيدون عن ما جاء في كتبهم، وما كان عليه أصل اعتقادهم.
       ومما يجب الالتفات إليه في سياق الحديث عن مسألة إيمان بوذا بالإله وجود انقسام بين أتباع بوذا من الإيمان بوجود الله: فمنهم من كان أقرب إلى الإلحاد ونفي وجود الله ويطلق عليهم اسم هنايان (العربة الصغيرة). ومنهم من اعتقد بوجود الإله ويطلق عليهم اسم ماهايان (العربة الكبيرة)([23]).
       كما أن من قال من اتباع بوذا بألوهيته قد كانوا يقولون ذلك في سياق مفهوم تجسد الإله الذي شاع في الثقافة الهندية آنذاك.
       من الضروري كذلك التفريق بين نقد بوذا للتصورات العقدية المتعلقة بالألوهية والسائدة في زمانه بين الهنود وبين نظرته للألوهية بعيدا عن تلك التصورات.

ثانياً: المعارضون لنبوة بوذا وأدلتهم:
       ذهب عدد من الباحثين المسلمين المعاصرين إلى نفي إمكانية نبوة بوذا، منهم أحمد شلبي، والأعظمي، وعبد الله نومسك، وغيرهم. كما يمثل هذا القول في بعض الفتاوى الدينية الرسمية كما في إجابة اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء حول القول بنبوة بوذا:
       "بوذا ليس نبيا، بل كان كافرا فيلسوفا، يتنسك على غير دين سماوي، فمن اعتقد بنبوته فهو كافر، وقد غلا فيه قومه، واعتقدوا فيه الألوهية، وعبدوه من دون الله، واعتنق هذه النحلة البوذية الوثنية كثير من البشر قديما وحديثا، فالواجب على المسلم بغض هذه النحلة، وبغض أهلها، والبراءة منهم، ومعاداتهم في الله"([24]).
       ومن خلال هذه الفتوى ندرك مدى الإشكال والتباين في نظرة قطاعات واسعة من المسلمين تجاه بوذا وأتباعه على وجه العموم.

أدلة المعارضين:
       الدليل الأساسي الذي يعتمد عليه المعارضون لنبوة بوذا هو قولهم بعدم إيمان بوذا بوجود الله. كما نجد ذلك عند الأعظمي([25]) ويرجحه أحمد شلبي مستندا لقول أبو المكارم آزاد حيث يقول: "يبدو لي أن وضع بوذا في صفوف الفلاسفة أسهل من وضعه في صف الأنبياء، وذلك لأنه لم يتعرض في مباحثه لوجود الله ..."([26]).
       ومن الموانع التي تحول دون إمكانية نبوة بوذا في نظر المعارضين([27]):
1.       نفي وجود الإله الخالق، أو السكوت عنه.
       أنه لا بد أن يشتهر عن الأنبياء توحيد الله كما هو الحال مع إبراهيم ..."([28]).
2.       إن القرآن برّأ كثيراً من الأنبياء من تهم نسبت إليهم، وعدّل من انحرافات حدثت في دينهم، كما في قوله: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ[[الأحزاب: 69]([29]).
3.       "لم يرد في القرآن ولا في السنة المطهرة، أي دليل واضح يدل على نبوة بوذا، أو دعوته إلى التوحيد"([30]).
4.       ما استدل به بعضهم على نبوة بوذا دليل غير قاطع، حيث إن هذه الآيات الكريمة فسّرها كبار العلماء على معنى آخر، فقالوا: "المراد بالتين والزيتون حقيقتهما، وهما التين والزيتون اللذان يؤكلان ... ولم يذكر أي من المفسرين أن هناك إشارة إلى بوذا. كذلك كلمة "ذا الكفل" تدل على رجل صالح، تكفل لبني قومه أن يكفيه أمر قومه، ويقيمهم له، ويقضي بينهم بالعدل"([31]).
       ولعــــل بوذا قد لاحظ بأن تضخم التفكير بالإله ككائنات غيبية في المجتمع الهندي قد أسهم في إضعاف الشعـــــور بالمسؤولية الأخلاقية للإنسان. ونسبة الشرور والآلام والخطايا لتلك الكائنات هروبا من اكتشاف أسبابها في النفس البشرية.
       أو أن البراهمة اتهموا بوذا بالإلحاد، لأنه انتقد الطبقية وأظهر أخطاءهم. كما جاء في حوار بوذا مع الرهبان الخمسة "إذن فلا سلطان لكل هذه الأصنام على تغيير شيء في هذا العالم، فلماذا نصلي لها ونعبدها؟ وإذا كان العمل الصالح يأتي نتيجة طبيعية، وإذا كان الشر يأتي بالشر دائماً فهل تستطيع هذه الأصنام كلها أن تغير هذه النتائج"([32]).
       من الضروري الأخذ بالاعتبار أن تباين أقوال بوذا عن الألوهية يعكس واقعا دينيا كان قائما في الهند امتزجت فيه نظرة الهندوسي للإِّله بتصورات خرافية وواقع طبقي ظالم. ويمكن القول أن ما نسب لبوذا من معتقدات بعيدة عن الإسلام هو من شاكلة ما نسب لهؤلاء الأنبياء.
       ولعل تباين أقوال بوذا تجاه مسألة وجود الله يعود إلى مراحل مختلفة مر بها بوذا في طريق سعيه للبحث عن الحقيقة والانتقال من الشك إلى اليقين، كما في قصة بحث إبراهيم u عن الله عندما جَنَّ عليه الليل وانتقاله من نظرة قومه واعتقاداتهم السائدة إلى نقدها وفتح آفاق جديدة للإيمان بإله يتجاوز تلك التصورات المحدودة.

المبحث الثاني: الإيمان بالله في أقوال بوذا:
       سوف أذكر في هذا المبحث النصوص البوذية التي تتناول الحديث عن الله، كما سوف أذكر النصوص التي تتحدث عن "الحقيقة" وسماتها التي تنسجم إلى حد كبير مع مفهوم الحقيقة الإلهية.

أولاً: تباين النصوص البوذية حول الإيمان بالله:
       يلاحظ الدارس لأقوال بوذا تباينا في أقواله حول مسألة الإيمان بوجود الله، ويمكن تقسيم هذه الأقوال إلى ثلاثة أقسام.

القسم الأول: التوقف والصمت في مسألة الألوهية:
       ذهب الشيخ أبو زهرة إلى أن أقوال بوذا من الإيمان بالله أقرب إلى التوقف والصمت منها إلى نفي وجود الله، وفي هذا السياق يقول: "وإن الذي نعتقده أن بوذا لم يتعرض للبحث عن الألوهية بالسلب أو الإيجاب، وأن مذهبه كان أخلاقيا اجتماعيا أكثر منه دينيا، ولذا لم يتعرض للاهوت"([33]).
       فتعاليم بوذا تركز على الأخلاق والتجربة الروحية. ولذلك وكان يفضل الصمت أحيانا حتى لا يدخل مع السائل في جدل ونزاع أن الإنسان صانع مصيره "كونوا لأنفسكم جزائر قائمة بنفسها، وكونوا لأنفسكم موائل وكهوفاً، ولا يعتصموا بملاذ خارجي، ولا تحتموا بغير أنفسكم"([34]).
       "إن المشايخ الذين يتكلمون عن الله، وهم لم يروه وجهاً لوجه، كالعاشق الذي يذوب كمداً وهو لا يعرف من هي حبيبته، أو كالذي يبني السلم وهو لا يدري أين يوجد القصر، أو كالذي يريد ان يعبر النهر فينادي الشاطئ الآخر ليقدم له"([35]).
       وفي حوار بوذا مع الراهبين الهندوسيين "هل ترضيان أن تتحدا بالشمس؟ قالا لا .. لأنها بعيدة عنا وهي محرقة، قال بوذا: إذا لم يمكن لكما أن تتحدا بالشمس وهي مخلوقة فكيف بخالقها؟ ثم قال لهما هل برهما حاسد ومتكبر؟ قالا: لا. قال بوذا وهل يوجد فيكم حاسد ومتكبر؟ ..."([36]).
       ويمكن أن يفهم من هذه الأقوال أن بوذا كان يسعى إلى تحويل الأنظار إلى المضمون الأخلاقي والسلوكي للدين وانتقاد التوسع في الغيبيات على حساب العمل والأسباب.

القسم الثاني: الأقوال التي تنفي الإيمان بالألوهية:
       من الأقوال التي يستدل بها المعارضون لنفي إيمان بوذا بالله قوله: قول بوذا لتلميذه "واستيا": "إن هذا الإيمان بالإله براهما الذي لم يره أحد يشبه الرجل الذي يبني في ملتقى الشوارع الأربعة سلماً إلى قصر، وإذا سأله الناس يا أيها الرجل إن القصر الذي تبني له السلم هل تعرف أي هو؟ إن كان في الشرق أو الغرب أو في الشمال أو الجنوب؟ ..."([37]).
       وقوله بشيء من السخرية "والذي عنده العين يقدر أن يرى الحالة المشمئزة المريضة. لم لا يخلق الإله "برهما" خلائقه مستقيمين؟ ولم لا يجعل براهما خلائقه على الاستقامة؟ وإذا كانت قوته الواسعة لا شيء يحددها ويقيدها فلم لا تمتد يده إلى السعادة إلا نادراً؟ ولم كل خلائقه محكوم عليهم بالآلام؟ ولم لا يمنح السعادة إلا نادرا؟ ولم كل خلائقه محكوم عليهم بالآلام؟ ولم لا يمنح السعادة للجميع؟ ولم يسود الجهل والخداع والكذب؟ ولم ينتصر الباطل على الحق والعدل؟ ولم ينجح الباطل ويفشل الحق والعدل؟ إني أعتبر "برهما" من الظالمين حيث خلق العالم لإيواء الباطل"([38]).
       ولعل هذه الأقوال تعود إلى فترة انتابت بوذا أثناء بحثه عن الحقيقة كما يقول أبو زهرة: "ولعل العبارة كانت في أثناء حيرته وهو منهمك في الأدغال والأحراش هائم على وجهه طالبا للحقيقة"([39]).

القسم الثالث: النصوص التي تشير إلى الإيمان بالله:
       بالرغم من وجود نصوص موهمة بعدم إيمان بوذا إلا أننا نستطيع أن نجد عددا من النصوص الدالة على إيمان بوذا بالله ن ويمكن تقسيم هذه النصوص إلى نوعين:
أولاً: النصوص التي تحدث فيها بوذا مباشرة عن الإله: تشير بوذا إلى إيمانه بالخالق، كما في قوله: "حياتك الحاضرة هي فضل ونعمة من الله عليك"([40]).
       ويربط بوذا بين الإيمان بالإله وبين الأسباب في قوله: "نقول أيضاً إن المطلق خلقنا، لكن الذي يكون مطلقاً لا يمكن أن يكون بدون سبب، كل الأشياء المحيطة بنا تأتي من سبب كالنبتة تأتي من البذرة"([41]).
       وفي هذا النص يؤكد بوذا أن المطلق هو الذي خلق، لكنه يثبت في الوقت نفسه ضرورة الحفاظ على منطق السببية وذلك لانتشار الخرافات وكثرة ادعاء المعجزات بين الهنود.
       "لهذا نقول إن كل هذه الأشياء الموجودة ليست بدون أسباب ... مع هذا فليس الإله ايشفارا ولا المطلق ولا الأنا ولا الصدفة التي بدون سبب هم الخالق. لكن أعمالنا الشخصية هي التي تضع نتائج الخيور والشرور"([42]).
       وفي هذا النص نرى بوضوح كيف يربط بوذا بين تأكيده على أهمية الأعمال التي يقوم بها الإنسان ومصيره، ورفضه لإهمال الأسباب والمعارف العلمية بدعوى الاعتقاد بوجود الإلهة.
وفي نص آخر ينتقد بوذا الخرافات الشائعة في زمانه، والتي ارتبطت بالعبادات الدينية "لنرفض البدع والهرطقات والآراء الخاطئة غير المعقولة في عبادتنا للإله ايشفارا"([43]).
       وفي نص آخر يحتاج إلى شيء من التوضيح ينفي بوذا رؤية الإله الخالق "براهما" وذلك عندما سأل بوذا أحد رجال الدين البراهمة: "هل رأى أحد المعلمين البراهمة المنصبين على دراسة كتب الفيدا الإله براهما وجهاً لوجه؟ قال البرهمي لا أيها السيد"([44]).
       فهذا النفي يتضمن نقده للإيمان النظري غير المتصل بالتجربة الروحية المعاشة، وهو يشير في ذات الوقت إلى نوع من تنزيه الإله براهما عن إدراك الحواس البشرية.
       ونجد في إنجيل بوذا ما يؤكد إيمانه بالإله الخالق "براهما" والذي هو غاية اتباع "الصراط المستقيم" "يعرف التاثاغانا الصراط المستقيم الذي يقود إلى الاتحاد بالإله براهما"([45]).
       ومما يجب الالتفات إليه في تتبع مسألة إيمان بوذا بالإله تباين دلالات تسمية "الإله" في النصوص البوذية فهي تشير إلى كائنات علوية قادرة كالإله الخالق "براهما "، كما تشير إلى كائنات سماوية علوية كما في النص التالي: "عندما كان المغبوط يسكن في دير دجيتا في بستان أناثابنديكا، تقدم نحوه إله نازل من السماء بهيئة راهب برهمي وكان وجهه يلمع ويلبس ثياباً بيضاء كالثلج، ووجه إليه هذا الإله أسئلة أجاب المغبوط عنها ..."([46]).
       وفي نص آخر "أصغى الرسول السماوي باستحسان إلى تصميم سدهارتا"([47]).
       وهذا النص يذكرنا بحديث جبريل. عن عُمَر بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ e ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إلى النَّبِيِّ e ..."([48]).

ثانياً: الإله والحقيقة الخالدة التي تتجاوز هذا العالم: يلاحظ القارئ المتفحص لدلالات مصطلح الحقيقة الذي استخدمه بوذا في أقواله أن صفات هذه الحقيقة تشبه إلى حد كبير الصفات الإلهية في الإسلام، فالقرآن يصف الله بأنه (الحق) ]ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ[[الحج: 62]. وفي سورة النور (الحق المبين) ]يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ[[النور: 25].
       وجاء في دعاء النبي e أنه إذا قام إلى الصلاة في جوف الليل قال: "اللهم أنت الحقُّ، وَوَعْدُكَ الحقُّ، ولقاؤكَ حَقٌّ، وقَولك حَقٌّ، والجنَّةُ حَقٌّ، والنَّارُ حَقٌّ، والنَّبيُّونَ حَقٌّ، محمدٌ حق، والساعة حق"([49]).
       وفي النصوص التالية سوف نعرض لأهم سمات الحقيقة في النصوص البوذية ونقارنها بالنظرة الإسلامية:
1-   الحقيقة واحدة:
       يؤكد بوذا في كثير من أقواله على أن الحقيقة هي حقيقة واحدة.
       "الحقيقة هي واحدة ولا يوجد في العالم عدة حقائق مختلفة"([50]).
       وهذه الحقيقة تهدي إلى الصراط المستقيم "كل البوذات يعلّمون نفس الحقيقة؟ الحقيقة تهدي إلى الصراط المستقيم كل الذين تاهوا وضلوا. الحقيقة هي أملنا وعضدنا"([51]).
       والحقيقة، من ناحية ثانية، هي غاية الصراط المستقيم. "كذلك أنت إذا لم تترك الصراط المستقيم المؤدي إلى الحقيقة ستصبح بكل تأكيد بوذا ..."([52]).
       وهذه الحقيقة الواحدة تشترك في جوهرها مع دعوة الأنبياء إلى الإيمان بالله في القرآن الكريم.
2-   وجود الأشياء يعود إلى جوهر واحد:
       يذهب بوذا إلى أن جميع الأشياء قد صدرت من جوهر واحد، كما في قوله: "كل الأشياء مصنوعة من جوهر واحد، ومع هذا فهي مختلفة حسب الأشكال"([53]).
       "وقد أحيا هذا الماء الذي هو من جوهر واحد أصول كل هذه الفصائل من النباتات"([54]).
       "وبما أن كل الأشياء تصدر عن جوهر واحد، فهي تنمو حسب قانون وحيد وتتجه نحو هدف واحد هو النيرفانا"([55]).
       وهذا التصور ينسجم مع نصوص القران التي تؤكد أن الله خلق الناس من نفس واحدة ]يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ[[النساء: 1]. ويتطابق قول بوذا حول الماء مع ما جاء في قوله تعالى: ]وَفِي الأرض قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ[[الرعد: 4].

3-   الحقيقة خالدة والأشياء فانية:
       يؤكد بوذا على خلود الحقيقة وأبديتها إلى جانب تأكيده على فناء الأجساد.
       "وعندما يأتي بعد ذلك الشيطان المخرب الهادم ليفك ويحلل الأشكال المرئية لكياناتكم ستستمرون في العيش ضمن الحقيقة وتحصلون على حصة من الحياة الأبدية لأن الحقيقة هي خالدة"([56]).
       وفي نص آخر يصف بوذا الحقيقة بأنها خالدة "الحقيقة هي الجزء الخالد من الروح"([57]).
       وهذه الكلمات تنسجم مع الآيات القرآنية التي تشير إلى أن الروح تتصل بالخالق تعالى: ]وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا[[الإسراء: 85].
       ]فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ[[الحجر: 29].
       والأشياء جميعها مصيرها إلى الزوال والفناء وعلى الإنسان أن يبحث عما هو خالد: "كل الأشياء المركبة يجب أن تهرم وتتحلل. فتشوا عما هو مستمر ودائم بنشاط وحمية بغية خلاصكم"([58]).
       "أرى الآن بوضوح أن كل آت إلى الوجود يجب أيضاً أن يزول"([59]).
       ونلاحظ هنا أن منطق الاستدلال في كلام بوذا يقودنا من مقدمة الإقرار بفناء الأشياء المركبة إلى نتيجة منطقية واضحة تدفع الإنسان إلى البحث عن الدائم الذي لا يفنى. وهذا يشبه إلى حد كبير قوله تعالى: ]كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ[[الرحمن: 26، 27].

4-   الحقيقة شاملة:
       تشير النصوص البوذية إلى أن الحقيقة التي يبحث عنها بوذا هي الحقيقة التي تستوعب كل الكائنات.
       "الحقيقة موجودة في الصخرة والنبتة والحيوان"([60]).
       ولذلك يطلب بوذا من تلاميذه التأمل في جميع مظاهر الحياة التي تحيط بالإنسان لبلوغ الحقيقة "انظروا إلى ما حولكم وتأملوا في الحياة ..."([61]).
       وهذه الكلمات يمكن أن تلتقي إلى حد كبير مع ما جاء في قوله تعالى: ]وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا[[الإسراء: 44] فالقرآن يؤكد أيضا أن في المخلوقات حقائق جوهرية تتصل بالحقيقة الكبرى التي يجب على الإنسان البحث عنها.
5-   الحقيقة لا تنحصر بمكان:
       والحقيقة التي يتحدث عنها بوذا لا تنحصر بمكان محدد.
       "لا يمكن حصر الحقيقة في مكان ما مهما كان هذا المكان بعيداً في لا نهائيته"([62]).
       وهذه الكلمات تتضمن ذات المعنى الذي نجده في قوله تعالى: ]يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا[ [طه: 110].

6-   الحقيقة نور:
       يصف بوذا في بعض أقواله الحقيقة بأنها (نور) يمكن للإنسان الطاهر أن يعكسه.
       "إذا لم نرغب في أذى الآخرين وصرنا طاهرين كجوهرة صافية تعكس نور الحقيقة"([63]).

7-   الحقيقة تدركها النفوس الطاهرة:
       وإدراك الحقيقة وتجليها لا يكون إلا في النفوس الطاهرة البعيدة عن الرغبات والشهوات.
       "اختفت أناي وأخذت الحقيقة مسكناً في نفسي"([64]).
       "لا تفتشوا عن الأنا لكن فتشو عن الحقيقة"([65]).
       فالأنا تحول بين الإنسان وبلوغ الحقيقة.
       وفي نص آخر يربط بوذا بين معرفة الحقيقة الدينية العظمى وبين السيطرة على الرغبات والشهوات. "تبقى الحقيقة مخفية عن الشخص الخاضع للكراهية والشهوة "([66]).
       "لا تستطيع الحقيقة السكن في الأمكنة التي تعيش فيها الأهواء النفسية الرديئة وميول القلب الشريرة والشهوات والآلام"([67]).
       وهنا تظهر العلاقة بين الإيمان والصدق من ناحية وبين المعرفة والحقيقة من ناحية ثانية، وهذا يذكرنا بقوله تعالى: ]وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[[البقرة: 282]، وقوله: ]قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا[[الشمس: 9، 10].
       فالاستمرار بالبحث الصادق يؤدي بالإنسان إلى معرفة الحقيقة "ابحث بإيمان صادق وواظب على بحثك ستجد في النهاية الحقيقة"([68]). وهذا ما ينسجم تماما مع قوله تعالى: ]وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[[الحجر: 99] فاليقين هو الحقيقة في أعظم تجليلتها.

المبحث الثالث: اليوم الآخر في أقوال بوذا.
       يعد الإيمان بالعالم الآخر بعد الموت من المفاهيم الأساسية التي دعا إليها الأنبياء وفق ما جاء في القران الكريم، وهو مفهوم متصل بالإيمان بالخالق الذي يعيد الخلق، ويحقق العدالة بين خلقه.
       يستدل المعارضون لنبوة بوذا بأن العقيدة البوذية أهملت الإيمان بالثواب والعقاب في العالم الآخر (الآخرة) واعتقدت بأن الثواب والعقاب هما في هذا العالم " الدنيا" عن طريق تناسخ الأرواح، حتى يصل المرء إلى النرفانا.
       ويتصل الإيمان باليوم الآخر بالإيمان بوجود عالم من السعادة والسلام "الجنة"، وعالم الشقاء والشقاء والألم "الجحيم"، كما يتصل بمفهوم الثواب والعقاب ومسؤولية الإنسان عن الأعمال التي يجترحها في حياته بناء على قانون أعلى للثواب والعقاب لا يفلت منه أحد من الناس.

أولاً: قانون الجزاء (الكارما):
       يؤمن بوذا بوجود قانون صارم وعادل للثواب والعقاب وهو يتمثل بقانون الجزاء "الكارما".
       "ليس في السماوات ولا في أعماق البحار ولا إذا تخبأت في كهوف الجبال مكان تستطيع الهرب إليه من نتيجة أعمالك الرديئة"([69]).
       وأعمال الإنسان هي التي تحدد مصيره بعد الموت "أفعالنا الصالحة أو الطالحة تتبعنا باستمرار كظلنا"([70]).
       ولا شك أن القول بتناسخ الأرواح يمكن أن يعطي المعارضين لإمكانية نبوة بوذا سببا قويا للتمسك برأيهم. . لكن تناسخ الأرواح وفق العقيدة البوذية ليس هو الغاية القصوى، وإنما يمثل مرحلة انتقالية للإيمان بعالم مستقل للخير والسعادة. فهناك نصوص واضحة تؤكد وجود حياة أبدية بعد الموت كما في قوله:
       "وعندما يأتي بعد ذلك الشيطان المخرب الهادم ليفك ويحلل الأشكال المرئية لكياناتكم ستستمرون في العيش ضمن الحقيقة وتحصلون على حصة من الحياة الأبدية لأن الحقيقة هي خالدة"([71]).
       ويؤكد بوذا اعتقاده بالعيش الأبدي بعد موت الجسد بقوله:
       "لماذا احتفظ بهذا الجسم من اللحم إذا كان جسم القانون الرائع سيعيش إلى الأبد؟ قراري قد اتخذ، وبما أنني أكملت مهمتي وقمت بواجبي فأنا أبحث عن الراحة"([72]).
       والإنسان يحمل معه أعماله الفاضلة بعد موته: "عندما يموت الإنسان يترك الغنى العابر والزائل في العالم لكنه يحمل معه كنز أعماله الفاضلة"([73]).
       والمنافع الآنية هي منافع فانية في مقابل خلود وبقاء المنافع الدينية: "منافع ومصالح وخيور العالم هي مسافرة وفانية، لكن الأرباح والمنافع الدينية هي خالدة لا تزول ولا تفرغ ولا ينضب معينها"([74]).

ثانيا: الجنة:
       جاء في أقوال بوذا ما يشير إلى إيمانه بوجود فردوس روحي تتحقق فيه السعادة والسلام، وقد ومن الأوصاف البديعة التي أطلقها بوذا على هذا الفردوس الروحي:
1-      مدينة السلام الزاخرة بالسعادة: يؤمن بوذا أن الحقيقة التي وصل إليها هي الطريق المستقيمة التي تقود إلى مدينة السلام: "لما وصلت إلى أوج هذا الوجود، وجدت الحقيقة التي علمتكم إياها وهي الطريق المستقيمة التي تقود إلى مدينة السلام الزاخرة بالسعادة"([75]).
2-      المنطقة السعيدة: وعندما سأله التلميذ: "لكن يا معلم هل الوعد بالمنطقة السعيدة قصة باطلة وخرافة؟ ... يوجد في الجزء الغربي من العالم مقاطعة فردوسية تدعى الأرض الطاهرة. هي مزينة بشكل جميل بالفضة والذهب والأحجار الكريمة. هناك ترى المياه الصافية على أسرة من الرمال الذهبية ..."([76]).
3-      الأرض الطاهرة: من أهم النصوص التي ذكر فيها بوذا الأرض الطاهرة قوله: "فالشخص الذي تغرق نفسه بنور الحقيقة اللانهائي هو وحده الذي يصل إلى الأرض الطاهرة. والشخص الذي يحصل على النور هو وحده يستطيع العيش والتنفس في جو الفردوس الروحاني الغربي"([77]).
       ويصف بوذا ذلك المكان بأنه الأرض الطاهرة بقوله: "وصفك رائع لكنه غير كافٍ جاعلاً الحقيقة تنتقص من مجد الأرض الطاهرة. لا يتمكن أشخاص هذا العالم من التعبير إلا بعبارات من هذا العالم، فيستعملون تشابيه وعبارات من هذا العالم. لكن الأرض الطاهرة التي يعيش فيها الطاهرون هي أجمل بألف مرة مما لا تقوى على قوله أو على تصوره"([78]).
       وها المعنى يتفق وقول النَّبِيِّ e: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ذُخْرًا بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ)، ثُمَّ قَرَأَ (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"([79]).
ثالثاً: المستحقون دخول الفردوس:
       يتحدث بوذا عن الأعمال الصالحة التي تؤدي إلى دخول فردوس الأرض الطاهرة "والدخول إلى فردوس الأرض الطاهرة يتم من خلال التأمل بالمحبة، وتمني الخير لكل الكائنات والتأمل بالشفقة على الكائنات جميعها والتأمل بالفرح لجميع الكائنات. والتأمل بالنجاسة بالنظر في النتائج المميتة للفساد وفي تأثيرات الخطيئة والأمراض، والتأمل بطمأنينة الفكر والارتفاع فوق الحب والبغض وفوق الظلم والعدل وفوق الغنى والعوز"([80]).
       وفي نص آخر يؤكد بوذا أن الطريق إلى الخلود يكون بالأعمال الصالحة:
       "بأعمال الطيبة والجودة واللطف والعطف والتساهل والتسامح، المستمرة نتوصل إلى طريق الخلود"([81]).
       ومن يستحق السعادة الأبدية هو من يعرف الحقيقة ويعمل بالعدل: "افتحوا عيونكم للحقيقة طبقوا العدالة فتجـــــدوا السعادة الأبدية"([82]).
       ومن أسباب الحصول على السعادة الأبدية الإيمان والمحبة كما في إجابة تلميذ بوذا (ياماردجا): "كيف حصل لابني ذلك دون أن يتمم أعماله الثوابية، ولماذا يعيش الآن في الفردوس؟ أجاب ياماردجا: لقد حصل ابنك على السعادة السماوية ليس بسبب أعماله الصالحة لكن لأنه مات مؤمناً ومحباً للسيد معلمنا البوذا الممجد"([83]).
       ولا يعد انتقاد بوذا لفكرة العالم الآخر كعالم مليء بالمتع والملذات رفضا لمجمل وجود ذلك العالم، ومن يدقق في سياق كلام بوذا يدرك ذلك، يقول موجها كلامه لأحد البراهمة:
       "ما يزال قلبك أيها البرهمي متعلقاً بالأنا. أنت تأمل في الصعود إلى السماء وتبحث عن ملذات الأنا في السماوات لهذا السبب لا تستطيع أبداً رؤية سعادة الحقيقة البهيجة"([84]).
       والجنة وفق كلام بوذا هي منطقة روحية: "قال بوذا يوجد بالحقيقة منطقة سعيدة شبيهة بهذه المنطقة لكنها منطقة روحية يسهل دخولها للكائنات الروحية ..."([85]).
       ومن الملاحظ أن هناك تشابها كبيرا بين صفات "النرفانا" كسعادة عظمى يسعى إليها البوذي ومفهوم الجنة وصفات كل منهما: "لا حياة ولا موت ولا بعث ولا نشور ولا ثواب ولا عقاب، لا عدم ولا فناء، وهي عظيمة وغير محدودة"([86]).
       فالنرفانا هي حالة مفارقة وغير محدودة تتجاوز مفهوم الموت والحياة والوجود والعدم. كما يقول بوذا: "من يمتلك المعرفة هو الأمين الذي يرى الطريق التي تقود إلى النرفانا"([87]).

رابعاً: جهنم:
       جاء في أقوال بوذا ما يشير إلى إيمانه بوجود عذاب للأشرار بعد الموت، ومن أبرز هذه الأقوال:
       "فاعل الشر يشقى في هذا العالم وفي العلم الآخر"([88]).
       "يتألم فاعل الشر في هذا العالم وذاك، يتألم في الاثنين. يتألم عندما يفكر "لقد فعلت الشر". ويتألم أكثر عندما يصل إلى المكان الشرير"([89]).
       "الإنسان الصالح يبتهج في كلا العالمين. يبتهج إذ يفكر "لقد فعلت الخير" وتزداد بهجته عندما يصل إلى المكان الصالح"([90]).
       "بعض فاعلي الشر يدخلون الرحم، وبعضهم يذهبون إلى الجحيم، والصالحون يذهبون إلى السماء"([91]).
       ومن أهم الأسباب التي تؤدي بالإنسان إلى الجحيم ارتكاب الموبقات والكذب:
       "الأحمق الذي يرتكب الموبقات لا يعرف(ما هو مخبأ له) ... وعندما ينحل جسده يذهب إلى الجحيم"([92]).
       "من يقول ما ليس صحيحا يذهب إلى جهنم"([93]).
       وبالرغم من الدلالة الواضحة في هذه النصوص على الاعتقاد بالجنة والجحيم، إلا أننا نجد من الباحثين من يذهب إلى أنه "لم يكن للجنة ولا لجهنم وجود في البوذية الأولى، إلا أنها حين تطورت أخذت تظهر في البوذية المهايانية التعاليم عن جنة النعيم"([94]).
       وإن صحّت هذه الأقوال المنسوبة لبوذا فإنها تنطوي على تأكيد واضح على الإيمان بالجحيم، بالرغم من أن مفهوم ذلك الجحيم ومكانه يبقى يشوبه بعض من الغموض.

المبحث الرابع: العمل الصالح في أقوال بوذا:
       تعد الدعوة إلى فضائل الأخلاق معيارا أساسيا للاستدلال على صحة الإيمان بالله وفق المنظور الإسلامي الذي يربط بين الإيمان والعمل الصالح ]وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[[البقرة: 82] ]فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ[[الزلزلة: 7، 8].
       يصف أبو زهرة المذهب البوذي بقوله: "الجزء الخصب في البوذية هو مذهبها في الأخلاق وإصلاح المجتمع"([95]).
       يشتمل مفهوم العمل الصالح في أقوال بوذا على العمل والقول والفكر "يجب عمل الأعمال الصالحة أكان بالعمل أم بالقول أم بالفكر"([96]).

ومن الأعمال الصالحة التي نادى بها بوذا:
1-      الاستقامة:
       يقول بوذا "استقامة الإنسان في حياته وسيره على طريق الفضائل وإيمانه المتين يجعل منه إنساناً كاملاً"([97]).
       وقد أطلق بوذا على التعاليم التي جاء بها تسمية "الصراط المستقيم" وهي تسمية تشتمل على الأعمال الصالحة والتصورات المتصلة بتلك الأعمال، فالعمل الصالح هو الصراط المستقيم "لا تقدر على سلوك الصراط المستقيم إلا بعد تحرير فكرنا من الشهوات والأنانية لا يتوطد السلام الكامل إلا عند اختفاء كل باطل"([98]).
       والمعول عليه في تحقيق الفائدة هو الاستقامة وليس النظر إلى بوذا: "الشخص الذي لا يعمل وفق ما طلبت إليه أن يعمل تكون رؤيته لي باطلة. وهذا لا يعطيه أية فائدة. بينما الشخص الذي يقيم بعيداً عني ويسير مستقيماً فهو دائماً قريب مني"([99]).
       ويتفق كلام بوذا هنا وما جاء في القرآن الكريم كما في قوله تعالى: ]اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ[[الفاتحة: 6]. وقوله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ[[الاحقاف: 13].

2-      الوسطية:
       الوسطية عند بوذا هي: "الطريق الوسطى هي التي تؤدي إلى الفهم وتقود إلى السلام في الفكر والروح وإلى الحكمة السامية وإلى الاستنارة الكاملة"([100]).
       وهي بعبارة أخرى" الطريق الوسطى التي تزيح الطرفين المتطرفين"([101]).
       وتقتضي الوسطية البحث عن نوع من التوازن بين احتياجات الجسد من جهة وبين عدم التعلق بالشهوات والرغبات من جهة أخرى: "إن سد حاجات ضرورات الوجود ليس شرا والمحافظة على جسدنا ليبقى في حالة صحية هو واجب"([102]).
       ومن ملامح الوسطية في تعاليم بوذا أنه يجعل التعلق بالرغبات هو المشكلة وليس الحياة والغنى بحد ذاته.
       "ليست الحياة ولا الغنى ولا القوة هي التي تجعل الإنسان عبداً، لكن التعلق بالحياة وبالغنى وبالسلطة هو الذي يستعبد الإنسان"([103]).
       "الذي لا يتعلق قلبه بالثروة الطائلة مع أنه يملك هذه الثروة ويستعملها بحق وعدل يصبح بركة للكائنات إخوانه"([104]).
       ]وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا[[الإسراء: 29].

3-      محبة الآخرين:
       هناك تركيز كبير في أقوال بوذا على المحبة الشاملة التي يجب أن يتمثل بها الإنسان تجاه الكائنات جميعها: "بشره المغبوط عندئذ بمحبة الله ومحبة القريب وبالإحسان وبالأخلاق"([105]).
       وقوله: "ازرعوا اللطف والعطف والرفق يميناً وشمالاً وفي كل مكان"([106]).
       "مغبوط من فهم الشريعة، مغبوط الذي لا يعمل أي شر إلى أي كان من إخوته في الإنسانية"([107]).
       "الإنسان المحب هو محبوب من الجميع، وصداقته تقديرها سام جداً، عندما يموت يكون قلبه مرتاحاً ومفعماً بالفرح"([108]).
       وفي توجيه أخلاقي له أبعاد سياسية يقول بوذا: "ما هو أكثر ضرورة هو القلب المحب اعتبر شعبك كابنك الوحيد، لا تظلمه أبداً"([109]).
       وفي ربط جميل يجمع يتن المحبة والرحمة يقول بوذا: "وبالمحبة والرحمة نصلح أنفسنا ونجعلها تصل إلى الكمال"([110]).
       وهذه الأقوال تنسجم مع توجيهات القرآن الكريم كما في قوله تعالى: ]قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ[ [الشورى: 23].
       كما ينسجم مع التوجيهات النبوية التي تربط بين المحبة ودخول الجنة كما في قول رسول الله e: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم"([111]).

4-      ترك الغضب:
       نهى بوذا في تعاليمه وتوجيهاته عن الغضب واعتبره من الرذائل والخطايا التي يجب التخلص منها. كما في قوله: "الغضب والسكر والعناد والتطرف بالتقوى والخداع ومدح الذات وازدراء الآخرين"([112]).
       والوسيلة الأساسية لقهر الغضب عند بوذا هي الحبك "اقهروا الغضب بالحب، انتصروا على الشر بالخير، اهزموا البخل بالكرم، اقهروا الكذب بالحقيقة"([113]).
       وهذا ينسجم مع توجيهات التي جاءت في النصوص الإسلامية كما في حديث أبي هريرة t أن رجلا قال للنبي e أوصني، قال: "لا تغضب فردد مرارا قال: لا تغضب"([114]). وقوله عليه الصلاة والسلام " ليس الشديدة بال، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب"([115]).

5-      تجنب الخطايا:
       يقسم بوذا الخطايا إلى ثلاثة أنواع وهي خطايا الجسد واللسان والفكر: "خطايا الجسد الثلاث هي: القتل والسرقة والزنى. خطايا اللسان أربع هي: الكذب والافتراء والشتم والكلام الباطل. خطايا الفكر الثلاث هي: الطمع والبغض والضلال"([116]).
       "الشر هو القتل والسرقة والفجور والكذب والاغتياب والخبث والثرثرة والحسد والحقد والإيمان بعقائد باطلة"([117]).
       يقول بوذا: "أفضل لكم وأحسن الوقوع في شرف نمر هائج أو تحت سكين الجلاد القاطعة من الإقامة مع امرأة تثيــر
في نفوسكم أفكار الفجور"([118]).
       والنهي عن هذه الخطايا والفواحش ينسجم وما جاء في القرآن الكريم: ]وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا[[الفرقان: 68].
       ]إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[ [النحل90].

6-      تجنب البغضاء:
       يرجع بوذا أساس الشر إلى ثلاثة أسباب: "جذر الشر هو الشهوة والبغض والوهم"([119]).
       وينهى أتباعه عن البغض والحقد حتى تجاه الأعداء: "طهروا قلوبكم من الخبث، لا تزرعوا أبداً البغض والحقد حتى ضد أعدائكم"([120]).            
       "لنعـــــش إذن سعداء دون أن نضمر أية كراهية للذين يكرهوننا. ولنسكن بين الناس الذين يكرهوننا خاليـــــن من أي بغض"([121]).
       وعلاج البغض عند بوذا يتمثل بإزالة البغض من جذوره: "ليس بالبغض يهدأ ويستكين البغض، البغض يهدأ ويستكين بإزالة البغض نفسه، هذا هو القانون الخالد"([122]).
       "وإذا اعتدل وأطفأ كل بغض في قلبه ورفع من جديد عدوه المهزوم وقال له: تعال الآن لنضع السلام ونكون أخوين"([123]).
       وهذه التوجيهات تنسجم تماما مع قوله تعالى: ]وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ[[الحجر: 47].

7-      الكلمة الطيبة:
       نهى بوذا عن قول الكلمات القاسية والكذب وحث على حفظ اللسان، كما في قوله: "لأن الكلمات القاسية ليست لطيفة ومستحبة ومستحسنة لأي شخص كان"([124]).
       وحث على الصدق "لا تكذبوا أبداً ولكن كونوا صادقين في القول وقولوا الحقيقة برصانة وبلا خوف وبقلب مملوء بالمحبة"([125]).
       وقول بوذا في حفظ اللسان "إذا ملك الناس ألسنتهم فقط فكل شيء يسير على ما يرام"([126]).
وما تضمنه هذه التوجيهات لا يخالف ما جاء في قوله تعالى: ]وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ[[الإسراء: 53].
       عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله e: (والكلمة الطيبة صدقة)([127]).

8-      إصلاح النفس.
       يركز بوذا على إصلاح النفس والبدء منها قبل دعوة الآخرين لإصلاح أنفسهم، ويحث أتباعه على المسارعة إلى إصلاح النفس وعدم التسويف "أصلحوا أنفسكم اليوم ولا تنتظروا هذا الإصلاح في الموعد البعيد، لا تقولا هذا وقت مبكر، فإن الزمن يمضي سريعاً"([129]).
       كما يقول: "نحن ننظر بسهولة إلى أخطاء الآخرين، ولكن ليس سهل علينا رؤية أخطائنا الخاصة بنا"([130]).
       ويجب على الإنسان أن يبدأ من حسن النية: "الشخص الذي تكون نواياه ومقاصده مستقيمة وعادلة لا يحصل على الخسائر والهزائم لكنه ينجح في مشاريعه ونجاحه يدوم"([131]).
       وهذه التوجيهات تنسجم تماما مع التوجيهات التي حث عليها الإسلام كما في قوله تعالى: ]إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ[[الرعد: 11].

9-      العبادة والعمل الصالح:
       يتخطى بوذا في أقواله مفهوم العبادة القربانية بمعناها السطحي فيقول: "ليس لإراقة الدم أية فضيلة مطهرة، لكن اقتلاع الفجور من القلب يجعل القلب طاهراً وطاعة قوانين العدالة أفضل بكثير من عبادة الإلهة"([132]).
       "أليس أفضل بكثير عبادة الحقيقة من محاولة تهدئة الإلهة بواسطة إراقة الدم"([133]).
        والدين الحقيقي يقوم على طهارة القلب "طهروا قلوبكم وتوقفوا عن القتل هذا هو الدين الحقيقي"([134]).
       والتحرر من الرغبات والشهوات: "التحرر من ميول القلب إلى الشر والشهوات، والتخلص من كل الميول الفاسدة والتخلي عن الحقد والإرادة الرديئة كل هذا هو العبادة الحقيقية والذبيحة الحقيقية"([135]).
       والطيبة المملوءة بالمحبة خير من الطقوس الدينية "الطيبة المملوءة بالمحبة هي أنجع ستين مرة من الممارسات الدينية الأخرى"([136]).
       والعمل الصالح هو الذي يحفظ بيت الإنسان أكثر من الرقى والتعزيمات الدينية:
       "لا يكفي أبداً المحافظة على بيتك بالرقيات والتعزيمات العجيبة، يجب أن تحفظه بالأعمال الصالحة"([137]).
       وهذه المعاني العميقة للعبادة بأبعادها الأخلاقية والاجتماعية تتسق وما جاء في قوله تعالى: ]لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ[[الحج: 37].

الخاتمة:
       من أبرز النتائج التي يمكن الخروج بها بعد هذه الدراسة.
       لم تقتصر أسماء الأنبياء على من نص القرآن الكريم على ذكرهم، وعدم ذكر اسم بوذا في القرآن ليس دليلاً على عدم إمكانية نبوته.
       إثبات نبوة أحد من الناس من الأمم الأخرى يؤكد ما يثبته القرآن من إرسال الله أنبياءه لكل أمة من الأمم فهو من شواهد النبوة وليس نقيضا لها.
       الاجتهاد في دراسة الشخصيات الدينية لها أثر في تاريخ الأديان والتعرف على مدى انسجامها مع التعاليم الإسلامية يسهم في بناء علاقة إنسانية قويمة المجتمعات الإنسانية.
       يغلب على تعاليم بوذا التركيز على التعاليم أخلاقية والتوجيهات الروحية وعدم تقرير العقائد النظرية، وذلك بغية حثِّ الإنسان على بلوغ المعاني السلوكية بجهده واجتهاده.
       لم يميز معظم الناقدين لأقوال بوذا المتعلقة بموضوع الألوهية بين نقد بوذا للمعتقدات السائدة في زمانه والتي تمثل انحرافا عن التصورات القويمة وبين نظرة بوذا الخاصة بالألوهية.
       يعد التركيز على القيم الأخلاقية والروحية في أقوال بوذا القضية المركزية في عصره نظرا لتضخم النزعة الطقوسية والأسطورية في الواقع الديني الهندي.
       ما نجده من اجتهادات حول نظرة الإسلام للأديان الأخرى في التراث الإسلامي القديم لا يغلق باب البحث والاجتهاد في فهم كتاب الله تعالى في ضوء الدراسات والمعارف العلمية المعاصرة والمختصة في الشأن الديني.
       وجود بعض الأقوال المنسوبة إلى بوذا والمنافية للإسلام يمكن أن يكون نتيجة ما لحق بالنصوص البوذية من تغييرات بسبب تأخر تدوينها وتفرق أتباع بوذا.
       تشتمل أقوال بوذا المتعلقة بالإيمان بالله والعمل الصالح والإيمان بالجنة والجحيم على كثير من الجوانب المنسجمة مع تعاليم الإسلام، وبناء على جميع ما تقدم يمكن القول أن الراجح في مسألة نبوة بوذا أنه، إن صحت الروايات التي جاءت عنه، أنه كان نبيا رسولا بعثه الله إلى أمة الهند، وهذا الرأي ينسجم مع قول الشهرستاني "وليس يشبه البد -على ما وصفوه إن صدقوا في ذلك- إلا بالخضر الذي يثبته أهل الإسلام"([138]).

الهوامش:


(1) عبد الله بن أحمد النسفي، تفسير النسفي، دار الكلم الطيب، 1998، ط1، ج1 ص368.
(2) محمد الطاهر ابن عاشور، التحرير والتنوير، دار سحنون، تونس، ج6، ص35.
(3) محمد متولي الشعراوي، تفسير الشعراوي-الخواطر، مطابع اخبار اليوم، 1997، ج، ص3858.
(4) ابن النديم، محمد بن اسحق، الفهرست، دار المعرفة ن بيروت، ط 1، 1994، ص419.
([5]) البيروني: تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة. نشر دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد، 1958، ص 206.
وانظر: رضوان السيد، البوذية والإسلام وغربة الأديان المصدرhttp: //www. ridwanalsayyid. com.
(6) عبد القاهر البغدادي، الفرق بين الفرق، دار الآفاق، بيروت، 1977، ص253.
(7) ابن النديم، الفهرست، ص423.
([8]) ابن النديم، الفهرست، ص419.
(9) محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت 548هـ/1153م)، ، الملل والنحل، دار الكتب العلمية، بيروت 1992، ، ط2 ج3، ص717.
(10) الشهرستاني، الملل والنحل، ج3، ص712.
(11) محمد جمال الدين القاسمي تفسير القاسمي، محاسن التأويل، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418 هجري، ج9، ص502.
(12) حامد عبد القادر، بوذا الأكبر حياته وفلسفته، دار نهضة مصر، القاهرة، 1986م، ص55.
(13) أحمد شلبي، أديان الهند الكبرى أديان الهند الكبرى، مكتبة نهضة مصر، القاهرة، 1997، ص147.
(14) انظر موقع: www. al-eman. com.
(15) انظر: خالد كمال السيد، الديانة البوذية دراسة مقارنة، ص238.
([16]) انظر: المرجع نفسه ص238.
(17) انظر: البوذية ديانة سماوية وبوذا نبي، انظر: http: //www. ahl-alquran. com/arabic/printpage. php?doc .
(18) انظر: خالد كمال السيد، الديانة البوذية دراسة مقارنة، خطوات للنشر والتوزيع، دمشق، 2010م، ص238.
(19) وينتقد عبد الله نومسك الاستدلال بشجرة التين انظر: عبد الله نومسك، البوذية تاريخها وعقائدها وعلاقة الصوفية بها، أضواء السلف، الرياض، ، ط1، 1999، ص160.
(20) محمد جمال الدين القاسمي تفسير القاسمي، محاسن التأويل، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418 هجري، ج9، ص502.
(21) شلبي، أحمد، أديان الهند الكبرى أديان الهند الكبرى، ص146.
(22) انظر: الأعظمي، محمد ضياء، دراسات في اليهودية والمسيحية والإسلام، مكتبة الرشد، الرياض، ط3، 2003، ص650.
(23) انظر: المرجع نفسه، ص650.
(24) الفتوى رقم 21004، ج26، ص 45، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، المملكة العربية السعودية www. al-man. com .
(25) انظر: الأعظمي، دراسات في اليهودية والمسيحية والإسلام، ص641.
([26]) أحمد شلبي أديان الهند الكبرى، ص175.
([27]) خالد كمال السيد، الديانة البوذية دراسة مقارنة، خطوات للنشر والتوزيع، 2010، ط1، دمشق، ص239.
([28]) المرجع نفسه، ص239.
([29]) المرجع نفسه، ص239.
([30]) المرجع نفسه، ص241.
([31]) المرجع نفسه، ص241.
([32]) انظر: خالد كمال السيد، الديانة البوذية دراسة مقارنة، ص91.
([33]) أبو زهرة، محمد، مقارنات الأديان، دار الفكر العربي، 1965، ص70.
([34]) أحمد شلبي، أديان الهند الكبرى، ص172.
([35]) شلبي، أديان الهند الكبرى أديان الهند الكبرى، ص172.
(36) الاعظمي، محمد ضياء، دراسات في اليهودية والمسيحية والإسلام، ص114.
(37) خالد كمال، الديانة البوذية، ص87.
([38]) المرجع نفسه، ص87.
(39) ابو زهرة، مقارنات الأديان، ص70.
(40) إنجيل بوذا، ترجمة سامي شيا، دار الحداثة، بيروت، ط1، 1991، ص170.
(41) المرجع نفسه، ص 68.
(42) المرجع نفسه، ص 68.
(43) المرجع نفسه، ص 68.
(44) المرجع نفسه، ص 125.
(45) المرجع نفسه، ص 127.
(46) المرجع نفسه، ص149.
(47) المرجع نفسه، ص29.
(48) مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الإيمان والإسلام والإحسان، دار الفكر، بيروت، ط2، 1978، حديث رقم 1، ص36.
(49) البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء إذا انتبه بالليل، حديث رقم 6316، ص1290.
(50) إنجيل بوذا، ص123.
(51) المرجع نفسه ص223.
(52) المرجع نفسه، ص29، 30.
(53) المرجع نفسه، ص144.
(54) المرجع نفسه، ص147.
(55) المرجع نفسه، ص 145.
(56) المرجع نفسه، ص180.
(57) المرجع نفسه، ص16.
(58) المرجع نفسه، ص206.
(59) المرجع نفسه، ص66.
(60) المرجع نفسه، ص18.
(61) المرجع نفسه، ص15.
(62) المرجع نفسه، ص220.
(63) المرجع نفسه، ص16.
(64) المرجع نفسه، ص144.
(65) المرجع نفسه، ص16.
(66) المرجع نفسه، ص45.
(67) المرجع نفسه، ص79.
(68) المرجع نفسه، ص157.
(69) المرجع نفسه، ص143.
(70) المرجع نفسه، ص 78.
(71) المرجع نفسه، ص180.
(72) المرجع نفسه، ص211.
(73) المرجع نفسه، ص156.
(74) المرجع نفسه، ص78.
(75) المرجع نفسه، ص108.
(76) المرجع نفسه، ص153، 154.
(77) إنجيل بوذا، ص155.
(78) إنجيل بوذا، ص156.
(79) البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة، حديث رقم 3244، ص681.
(80) إنجيل بوذا، ص155.
(81) المرجع نفسه، ص70.
(82) المرجع نفسه، ص 73.
(83) المرجع نفسه، ص 182.
(84) المرجع نفسه، ص137.
(85) المرجع نفسه، ص 154، 155.
(86) د. إسماعيل الندوي، الهند القديمة حضارتها وأديانها، دار الشعب، القاهرة، 1970، ص149.
(87) إنجيل بوذا، ، ص151.
(88) سرفبالي رادكرشنا و شارلز مور، الفكر الفلسفي الهندي، ترجمة ندرة اليازجي، دار اليقظة العربية، 1967، ص379.
(89) المرجع السابق ص379.
(90) المرجع السابق، ص379.
(91) المرجع السابق، ص390.
(92) المرجع السابق، ص391.
(93) المرجع السابق، ص407.
(94) خالد كمال، البوذية، ص154.
(95) ابو زهرة، ص71.
(96) إنجيل بوذا، ص131.
(97) المرجع نفسه، ص8.
(98) المرجع نفسه، ص44.
(99) المرجع نفسه، ص212.
(100) انظر: إنجيل بوذا، ص8.
(101) المرجع نفسه، ص49.
(102) المرجع نفسه، ص50.
(103) المرجع نفسه، ص69.
(104) المرجع نفسه، ص69.
(105) المرجع نفسه، ص54.
(106) المرجع نفسه، ص63.
(107) المرجع نفسه، ص44.
(108) المرجع نفسه، ص70.
(109) المرجع نفسه، ص78.
(110) إنجيل بوذا، ص70.
(111) مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، حديث رقم 93، دار الفكر، ص74.
(112) إنجيل بوذا، ص49.
(113) إنجيل بوذا، ص122.
(114) محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، كتاب الأدب، رقم الحديث 6116، ، مكتبة الإيمان المنصورة، 2003، ص93.
(115) البخاري، الصحيح، رقم الحديث 6114، ص1256.
(116) إنجيل بوذا، ص114.
(117) إنجيل بوذا، ص112.
(118) إنجيل بوذا، ص86.
(119) إنجيل بوذا، ص112.
(120) إنجيل بوذا، ص114.
(121) إنجيل بوذا، ص124.
(122) إنجيل بوذا، ص93.
(123) إنجيل بوذا، ص133.
(124) إنجيل بوذا، ص95.
(125) إنجيل بوذا، ص114.
(126) إنجيل بوذا، ص147.
(127) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من أخذ بالركاب ونحوه، حديث رقم، 2928، ص626.
(128) البخاري كتاب الادب، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، رقم الحديث 5672.
(129) إنجيل بوذا، ص134.
(130) إنجيل بوذا، ص122.
(131) إنجيل بوذا، ص160.
(132) إنجيل بوذا، ص136.
(133) إنجيل بوذا، ص38.
(134) إنجيل بوذا، ، ص38.
(135) إنجيل بوذا، ، ص38.
(136) إنجيل بوذا، ص63.
(137) إنجيل بوذا، ص129.
(138) الشهرستاني، الملل والنحل، ج3، ص712.


مواضيع ذات صلة
البوذية, الديانات الهندية،,

إرسال تعليق

0 تعليقات