ادعمنا بالإعجاب

الهند في النصوص اليونانية القديمة إشكالية التواصل في الماضي وعنصرية الحاضر*




دكتور:  طارق رضوان
كلية: اللغات والترجمة
جامعة الأزهر
__________________________________________________________

"إننا في حاجة لفهم الدراسات الكلاسيكية في ضوء تلك الدراسات الخاصة بالأعراق والأجناس، ولندع أنفسنا بعد ذلك لكي تتقبل كل الاحتمالات والنتائج؛ حيث إنه من الخطأ دراسة الثقافة الإغريقية والرومانية بمعزل عن ثقافات وحضارات ذلك العالم القديم...."
Shelley Haley 1993 [1]

لم تكد تتوقف بعد آلة الحرب الأمريكية في أفغانستان ضد ما يسمى بالإرهاب في ربيع عام 2002..!!، حتى عرجت بذاكرتي تلك الأبيات التي أطلقها بيلاسجوس على بنات دناؤوس (اللاتي يمثلن الكورس) في تراجيديا "الضارعات" لأيسخولوس (Aesch. Supp. 284-6)، والتي كانت أحد المحاور الهامة لدراستي للدكتوراه؛ تلك الأبيات التي اشتملت على ست أعراق إثنية مختلفة جاءت على لسان بيلاسجوس (المصريون، القبارصة، الهنود، الإثيوبيون، الليبيون، الأمازونيات)، وذلك لحيرة ما قد أصابته في تحديد هوية وجنس هؤلاء الفتيات "المصريات" الضارعات أمامه. وذلك ربما انعكاسا لهذا التشابه والتماثل الواضح في ملامح الوجه ولون البشرة لتلك الأعراق الإثنية الست التي عرفت فيما بعد من قبل الغرب وصنفت في إطار مفهوم الشرق.[2] الحقيقة أنه لم يكن يخطر ببالي، ولم يرد إلى ذهني وإدراكي حينئذ أن تلك البقعة النائية في أقصى أطراف هذا العالم القديم، سوف يصل مسامعها إلى بلاد الإغريق، وأن مفهوم التواصل في الماضي والتفاعل بين حضارات هذا العالم، ربما كان - وإلى حد ما - أكثر عمقاً مقارنة بعنصرية وذاتية هذا الحاضر الذي نعيشه الآن. الحقيقة أنني لا أستطيع أن أخفي سرًا أن تلك الهجمة الشرسة والمفتعلة الأخيرة على القارة الهندية، والتي يمكن تصنيفها بالهجوم الثالث بعد الحملة العسكرية للإسكندر الأكبر، ثم الاستعمار البريطاني لها بعيدًا عن الفتح الإسلامي، قد أثارت لدي نوعًا من الحرص والفضول في التعرف على تلك الحضارة من منظور إغريقي، حيث أنه من العار أن يصل بنا الأمر إلى تلك الحداثة في معرفتنا للهند في تلك الآونة الأخيرة بعد أن تجاوزها الإغريق القدماء من قبل.[3]
الحقيقة إننا نجد من الأهمية بمكان - وقبل كل شيء – تتبع تلك الدراسات الغربية والعربية أو بالأحرى الهندية المعاصرة حول تاريخ العلاقات اليونانية - الهندية في القدم، وذلك للتعرف على ما لاقته تلك العلاقات وهذا التواصل من اهتمام وعناية من قبل الدارسين والباحثين في الآونة الأخيرة، ولتقويم - في نفس الوقت - توجهاتهم فيما يخص تلك القضية. فطبقًا لما ذكرهUdai Prakash Arora - أحد المتخصصين الهنود في تاريخ العلاقات اليونانية – الهندية، إن لم يكن من القلائل في محيط الدراسات الكلاسيكية الذين عكفوا على تتبع والبحث في جوهر تلك العلاقة في السنوات الماضية، والذي يترأس حاليًا "الجمعية الهندية للدراسات اليونانية والرومانية "ISGARS"، ودوريتها المتخصصة في هذا المجال Yavanika،[4] ومن خلال أحدث دراساته التي نشرت عام 1996- فإن McCrindle يعد أول باحث بريطاني قام بجمع كل الروايات الكلاسيكية حول الهند في ستة أجزاء مترجمة باللغة الإنجليزية، ومصحوبة ببعض التعليقات والأفكار في أماكن متفرقة من الترجمة، وذلك مع أواخر القرن التاسع عشر. ومع بداية القرن العشرين اعتمد غالبية الباحثين الهنود كلية على تلك الترجمة وساروا على هديها. لكن من المؤسف أنهم لم ينتبهوا ولم يدركوا بعد أهمية أعمال وترجمات كلاً من (Mueller, Jacoby) التي يهتدي بها غالبية الكلاسيكيين (أنظر أيضًا مجهودات الباحثين الألمان في هذا الصدد مثل Schwanbeck, H. Berger). ومع حلول عام 1960 نشط الباحثون الهنود في هذا المجال وأصدر R. C. Majumdar دراسة نقدية وتحليلية في مدينة "كالكوتا" بعنوانClassical Account of India، تعد بمثابة استكمالا لمجهودات McCrindle، ثم تبعه عام 1963 B. N. Puri في مدينة "أحمد أباد" بدراسة أخرى مكملة بعنوان Classical Writings on India. وقد لا ننسى أيضًا دراسة G. N. Banerjee - إضافة لما سبق ذكرهم - كأحد أهم الباحثين الهنود الأوائل، والتي نشرت مع مطلع القرن العشرين عام 1919 حول مفهوم "الهيللينية في الهند القديمة" Hellenism in Ancient India. أما على الصعيد الغربي – كما يرى Arora – فإن دراسة Karttunen Klaus الهامة - والتي صدرت حديثًا بهلسنكي في عام 1989 بعنوانIndia in Early Greek Literature  والتي سيأتي ذكرها فيما بعد بالتفصيل، وسنفرد لها عناية خاصة – تعد أيضًا ذات أهمية كبرى،[5] حيث عالجت اهتمام الإغريق الأوائل بحضارة الهند في الفترة من القرن السادس حتى القرن الرابع ق. م. الواضح أن اهتمام الغرب في الآونة الأخيرة لم يقف فقط عند حدود العلاقات اليونانية – الهندية، بل تعدتها أيضا لدراسة النشاط التجاري بين روما والهند عبر البحر الأحمر والمحيط الهندي، حيث أصدرا كلاً من Vimala Begley وRichard Daniel De Puma (كناشرين) مجلدًا عام 1991 يحتوي على عديد من الدراسات بعنوان Rome and India, The Ancient Sea Trade.[6] بالإضافة إلى ما سبق ذكره فهناك بعض الدراسات باللغة العربية والتي تناولت حضارة الهند القديمة بصورة عامة، نذكر منها على سبيل المثال كتاب البيروني (أبو الريحان محمد بن احمد البيروني المتوفى في 440 هـ – 1048م) بعنوان "في تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة" الذي طبع بحيدر آباد- الهند عام 1958، عن النسخة القديمة المحفوظة في المكتبة الأهلية بباريس، والذي قارن فيه البيروني كثيراً بين ما جاء به الإغريق في شتى علوم المعرفة والفكر من ناحية، والهنود من ناحية أخرى؛ فضًلا عن ذلك تلك الدراسة القيمة التي صدرت عام 1970 في القاهرة للدكتور محمد إسماعيل الندوي (الهندي الأصل والثقافة) تحت "عنوان الهند القديمة....حضاراتها ودياناتها"، نضف إليها أيضًا تلك الدراسة للدكتور احمد محمود الساداتي التي صدرت أيضا في القاهرة عام 1957، تحت عنوان "تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية وحضارتهم". وأخيرًا الترجمة التي قام بها الدكتور زكي نجيب محمود لدراسة ول ديورانت "قصة الحضارة" الجزء الثالث من المجلد الأول، والتي اتخذت عنوان "الهند وجيرانها".[7]     
خلاصة القول - مما سبق ذكره - فإن دراسة كلاً منKlaus Karttunen  كأحد الباحثين الغربيين، إلى جانب دراسات U. P. Arora المتخصصة ممثلاً عن الباحثين الهنود تعدان – طبقًا للبحث والدراسة – أهم الكتابات التي تناولت بدقة تاريخ العلاقات اليونانية – الهندية في مختلف مراحلها (حقبة ما قبل الإسكندر الأكبر، ثم حقبة رفاق الإسكندر والتي تلتها نشاط السفراء الإغريق مثل ميجاثينيس وغيره، وأخيرًا الحقبة الرومانية). نضف إلى كلاً منهما أيضا دراسة Banerjee في مطلع القرن العشرين، والتي تناولت مسألة "الهيللينية في الهند القديمة". على أية حال سنحاول من خلال تلك الدراسة أن نجمع بوسطية ما بين الحديث عن تلك المصادر الإغريقية حول الهند، وبين تلك الموضوعات التي تناولتها هذه المصادر، بالإضافة إلى تلك الغرائب والعجائب التي جذبت انتباه هؤلاء الرحالة والسفراء الإغريق حول تلك الحضارة، بالإضافة إلى ما يمكن أن يستجد أو تفجره هذا الورقة من إشكاليات وقضايا شائكة.
بادىء ذي بدء ومن الجلي فإن الحديث عن الهند في سياق المراحل الأولى والمبكرة للأدب الإغريقي لا يمكن أن يستثني بأي حال من الأحوال الشاعر الإغريقي هوميروس. فالسؤال المطروح هنا يتعلق بمدى تعرف هوميروس وتلك الحقبة التي ارتبطت بالشعر الملحمي أو الشفهي بصورة مباشرة أو غير مباشرة بحضارة الهند. يذكر Gregory Nagy في دراسته الهامة التي نشرت عام 1980 تحت عنوان "باتروكلوس، عقيدة ما بعد الموت، والنار الثلاثية الهندية"، أن الطقوس الجنائزية التي ارتبطت بباتروكلوس، كما رُويت في إلياذة هوميروس (Hom. Ill. XXIII)، قد قورنَت مؤخرًا بالمراسم والطقوس الجنائزية الملكية للحيثيين. وأن التماثل والتشابه في التفاصيل وفي العقيدة على هذا النحو يشكل لدينا توجه جديد نحو تراث هندي - أوروبي مشترك، آخذين في الاعتبار - في هذا الأمر أيضًا - الدليل المتوافر لدينا من التراث الهندي. ويضيف Nagy أنه إذا كانت جنازة باترو كلس تعكس - بالفعل - تزاوج مبكر لفكر هندي – أوروبي، فإنه يجب علينا في تلك الحالة أَن نراجع المعيار الأساسي لتأْريخ المادة القصصية في أشعار هوميروس. ويتابع Nagy حديثه مشيرًا إلى أن الاتجاهات الحديثة - بما لديها من دلائل - تشير إلى أن مسألة "حرق الجسد" التي ورد ذكرها في أشعار هوميروس، قد تعود وترجع إلى عهود وحقب قديمة للغاية أي فيما قبل الألفية الثانية قبل الميلاد، وهي بذلك تعكس – إلى حد بعيد – الحالة التي عليها الأمور حتى قبل الاختراق الهندو - أوربي لبلاد اليونان. على أية حال الذي يهم هنا – والحديث ما زال لـNagy – أن مسألة حرق جسد باتروكلوس – والتي تعد موضوع تقليدي ارتبطت بفلسفة وعقيدة ما بعد الموت – هي قضية مثبته وبشكل علني في المؤسسات الهندية الدينية، كما تجسدت - على وجه الخصوص - في الصلوات الموجهة للإله Savitr، وتلك الطقوس التي ارتبطت بما يعرف باسم "النار الثلاثية".[8]
من ناحية أخرى حاول Jamison عام 1994 البحث عن بعض الملامح الهندية في التراث الشفهي الملحمي عند هوميروس، وبالتحديد من خلال مشهد "الترقب والنظر من بين الأسوار" أو ما يعرف بـ“” الذي ورد ذكره من خلال "الكتاب الثالث" للإلياذة.[9] يشير Jamison إلى أن مشهد المبارزة الذي تم بين كل من باريس (المختطف) ومينلاوس (الزوج)،[10] بالإضافة إلى مشهد الأميرة (هيلين) وهي تطل بوجهها على أسوار المدينة في حالة ترقب، هما صورتان عامتان وشائعتان في قصص ما يعرف بمفهوم "الحصار" في التراث الشرقي، وبالأخص الشعر الملحمي الهندي المتمثل في ملحمة "المهابهاراتا" الشهيرة (يعود شكلها الحالي إلى ما بين 400 ق. م – و 400 بعد الميلاد). إن مسألة اختطاف "هيلين" من زوجها بصورة غير شرعية من قبل باريس - كما هو معروف - لا تختلف كثيرًا عن اختطاف الأميرة "Draupadi" – المحور الرئيسي لملحمة "المهابهاراتا" الهندية – من أزواجها الخمس..!![11] إن هذا المركب والشكل القصصي (1- المبارزة بين الغريمين، 2- النظر من بين الأسوار أو الـTeikhoskopia) – الذي سبق ذكره – يشكل إلى حد ما موروث واحد في كلتا الملحمتين اليونانية (الإلياذة) من ناحية، والسنسكريتية (المهابهاراتا أو الرامايانا) من ناحية أخرى، وتتمثل أهميته في أنه يعد من الإرهاصات الأولى للثقافة الهندو-أوربية من خلال مؤسساتها الاجتماعية، وبالتحديد فيما يتعلق بذلك الخط الرفيع بين مفهوم الزواج (أو ما يعرف بالاختطاف) الشرعي وغير الشرعي. يؤكد Jamison من ناحيته أيضًا أن كلا الملحمتين الإغريقية (الإلياذة)، والهندية (المتمثلة أيضًا في "الرامايانا"، بالإضافة إلى "المهابهاراتا") تعالجان بصورة أساسية النتائج المتوقعة من مسألة الاختطاف الغير شرعي للمرأة (illegal abduction[12] وهو نفس ما أكده Banerjee من قبل عام 1919، حيث يذكر Banerjee أن أسباب الحروب والغزوات ترجع إلى عنصر "المرأة"، وأن مسألة "الإغراء وإشباع الرغبات الحسية" في تراث وفلسفة الأمم والشعوب هي التي جعلت الإنسان دائمًا يتحرك بعيدًا عن إطار وحدود ذاته. ويضيف Banerjee أن ما عالجته الملحمة الهندية وبالتحديد ملحمة "الرامايانا" من خطف لزوجة أمير (قارن مينلاوس) على يد ملك أجنبي (قارن باريس) سرًا، ومحاولة الأول مع رفاقه وحلفاءه وبعد عديد من المغامرات والصعاب أن يعيد زوجته إليه مرة أخرى، هو أمرًا ليس ببعيد عن جوهر الملحمة الإغريقية (مسألة اختطاف هيلين، قارن أيضًا بنيلوبي). على أية حال وبعيدًا عن إشكالية "الاختطاف"، فقد عالجت ملحمة "الرامايانا" – والحديث ما زال لـ Banerjee – مسألة غزو الآريون لجنوب الهند، ولجزيرة سيلان، وهي مسألة قد تثير لدينا نوعًا من الفضول لتماثل وتشابه واضح بأحداث وملابسات حرب طروادة (الغزو الإغريقي لطروادة).[13] على أية حال يثير Banerjee قضية أخرى تتعلق بملحمة "المهابهاراتا" وبالتحديد في صورتها الأخيرة بعيدًا عن الشكل البدائي (راجع تلك النقوش التي تعود إلى القرن الثاني ق.م. مع حكم الملك الإغريقي ديميتريوس)، حيث يؤكد وجود عديد من الإشارات إلى الـ "ياڤاناس" Yavanas (راجع أيضًاYonas ) أي اليونانيون (قارن أيضًا الأيونيون)، بالإضافة إلى أسماء للكواكب والبروج التي من المفترض أنها أعيرت من الإغريق. لقد وصفت الملحمة اليونانيين على أساس أنهم شعوب جاءت من الغرب، عرف عنهم دائمًا أنهم محاربون ومقاتلون عظام، يلبسون تلك الدروع الرفيعة والمصنوعة خصيصًا من المعدن، والمتناثرة أيضًا في كل مكان. الحقيقة وطبقًا لما سبق ذكره فإن السؤال التي يطرح نفسه الآن يتعلق بمدى معرفة الهند وحضارتها لبلاد الإغريق Yavanas فيما قبل غزو الإسكندر لها، والذي أتاح - دون أدنى شك وكما هو مؤكد – نوع من التعارف والالتقاء الحضاري والثقافي بين كلا الحضارتين.[14]    
على أية حال يشير  Karttunenمن جانبه إلى أن عديد من الباحثين مع أواخر القرن التاسع عشر وعلى فترات متباعدة أقروا بصورة أو بأخرى أن هناك معلومات تبدو غامضة ومبهمة حول الهند تسللت إلى أشعار هوميروس. وأن ثمة اتصال ما بين حقبة هوميروس وبين الهند قد حدثت بالفعل، وأن حضارة الهند قد عرفت لدى تلك الحقبة الهومرية باسم إثيوبيا الشرقية وذلك بالتوازي مع إثيوبيا الغربية في إفريقيا (Hom. Od. 1, 22-25, 4, 84; 5, 282, 287; Il., 1, 423-24; 23, 205-7)، وهم يبرهنون على ذلك بوجود كل من اللفظين: "العاج" أو "الفيل" بالإضافة إلى القصدير () بين جنبات الإلياذة (Hom. Il. 5. 583, Il.11. 25; 18. 613; 23. 503).[15] لكن على الجانب الآخر، فإن آخرون يتزعمهم Karttunen نفسه يرون أن معرفة هوميروس وعصره بحضارة بلاد الهند تعد ضرب من ضروب الأساطير والخيال، وذلك بسبب النقص الشديد في المعلومات لدى تلك الحقبة حول التصور الجغرافي للعالم، وأن ما ذكره هوميروس حول تلك المنتجات الهندية "كالعاج" و"القصدير" لا يعني بأية حال وجود أية احتمالية لثمة اتصال بين الحقبة الملحمية لليونان المتمثلة في هوميروس وبين الهند.[16] على أية حال الواضح أن Karttunen يستند في وجهة نظره هذه إلى ما ذكره سترابون في تلك القضية حيث يذكر سترابون:

Strabon, Geog. 1.2.32.14 - 1.2.32.16

"ولذا فإن هوميروس لم يعرف شيئًا عن الهند، فلو عرف لذكر ذلك"

الواضح أيضًا – إضافة إلى ذلك – أن هوميروس لم يشر صراحة إلى لفظ الهند أو الهنود في ثنايا الإلياذة والأوديسيا، كما فعل وأشار إلى عرقيات وإثنيات مختلفة أخرى تحيط به عن قرب وبعالمه الإغريقي (قبرص، مصر، فينيقيا، إثيوبيا، ليبيا.... الخ)، نتيجة – كما سبق أن ذكرنا - لارتباك ما قد أصابه في تحديد أطراف هذا العالم القديم بمختلف أعراقه، وكنتيجة طبيعية لنقص في المعلومات الجغرافية، فضلاً عن ذلك فإن تلك الألفاظ تقريبًا وبالتحديد  و  ظهرت لأول مرة مع حلول القرن السادس قبل الميلاد من خلال شذرات "لهيكاتايوس من ميلسيوس"،[17] ومن خلال ما ذكره أيسخولوس فيما بعد في مسرحية "الضارعات" مع حلول بداية القرن الخامس قبل الميلاد.

Work §002 1a,1,F.257.1  to Work §002 1a,1,F.257.2
يذكر Arora أن حالة من الالتباس والخلط في التفرقة بين الهند من ناحية وإثيوبيا من ناحية أخرى قد لزمت الأدب الإغريقي بصورة عامة وعبر مراحل زمنية متعددة، وأن هذا الخلط استمر مصاحبًا لعديد من الكتاب الإغريق حتى مع إذدياد وتصاعد عدد الرحالة والزيارات إلى الهند في الفترات المتأخرة. ويرجع Arora هذا الارتباك والاهتمام في نفس الوقت بأقصى أطراف العالم إلى شدة وقع وتأثير أيونيا على معظم بلاد اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد. فس الوقت - الحقيقة أن هذا الارتباك قد نما مع أشعار هوميروس عند إشارته إلى الإثيوبيين على أساس أنهم قوم ذوي بشرة داكنة يقطنون أقصى أطراف العالم. يعيش جزءُ منهم صوب غروب الشمس وجزءُ آخر ناحية الشروق. المعروف أن الأفارقة "ذوي البشرة الداكنة" قد صُنفوا بسهولة من قبل الإغريق على أساس كونهم "إثيوبيين" (أي تلك الوجوه المحترقة) أو على حد قول هوميروس "الإثيوبيون الغربيون"، أما تلك الإشارة التي أطلقها وفاجئنا بها هوميروس والتي تتعلق "بالإثيوبيين الشرقيين" فقد أصابتنا بحالة من الحيرة وأوقعتنا في براثن لغز كبير. ويضيف Arora أن أيسخولوس لم يسلم أيضا من هذا الخطأ عندما ربط بين الهند وإثيوبيا من خلال مسرحية "الضارعات" (Aesch. Suppl. 284-6)، وأن هيرودوتوس نهج نفس نظرية هوميروس والتي تحدثت عن قطرين يحملان اسم إثيوبيا، يقع إحداهما في إفريقيا والآخر في آسيا. لكنه - في نفس الوقت - أظهر نوعًا من الاختلاف فيما بينهما، فضلاً عن ذلك - وكما تبين لي - فإن هيرودوتوس يعد من أوائل المصادر الإغريقية قاطبة – بعد هيكاتايوس - التي أشارت إلى لفظ "الهنود" - وليس "الهند" - صراحة ر إلى الهنود في مواطن عدة وبالتحديد في الكتاب الثالث و الكتاب السابعفي مواطن عدة من كتابه "التواريخ"، وبالتحديد في الجزء الثالث والجزء السابع (Hdt. His. 3. 97-106; 7. 65-86). يذكر هيرودوتوس - من خلال الجزء السابع (Htd. His. 7.70. 7) – أن الإثيوبيين الآسيويين الذين ارتبطوا "بالهنود" وخدموا معهم؟! يختلفون عن هؤلاء الإثيوبيين الذين يعيشون بالقرب من مصر - بعيداً عن المظهر الخارجي – في عنصر ور ععيداً عن المظهر الخارجي - اللغة ونوعية خصلات الشعر. فهؤلاء الإثيوبيون الأفارقة (من ليبيا) تتميز خصلات شعورهم عن كافة شعوب العالم بأنها مجعدة كالصوف، وذلك على خلاف نظرائهم الآسيويين في الشرق التي تتصف شعورهم بأنها مسدولة.[18] على أية حال، الغريب في الأمر أن المسألة الإثيوبية – الهندية ومستنقع الخلط فيما بينهما - فيما بعد - لم يسلم من مأزقها حتى الإسكندر الأكبر نفسه أو معلمه الشهير أرسطو أو حتى كتاب الفترة الرومانية، وقت أن كان العالم الروماني في أفضل علاقته التجارية مع الهند. فقد ظن الإسكندر (كما ظن بروكوبيوس، أحد كتاب القرن السادس الميلادي) أن نهر "إندوس" كان يعد مصدرًا لنهر النيل، ولكنه مع عبوره هو ورفاقه الأراضي الهندية، اكتشف الإسكندر خطئه الفادح، وهو أنه لا توجد أية علاقة بين نهر "إندوس" وكلاً من مصر وإثيوبيا.[19] الحقيقة أن مثل هذا الخلط الجغرافي أو العرقي أو ما يسمى بالمسألة الإثيوبية – الهندية، قد أدى بدوره إلى توحد كلاً من الحضارتين (الإثيوبية – الهندية) في الصفات والخصائص بالإضافة إلى العادات والتقاليد من قبل الكتاب الكلاسيكيين.[20] 
على أية حال – وقبل أن نشرع في الحديث عن أهم المراحل المختلفة التي مرت بها العلاقات اليونانية – الهندية – نجد من الأهمية أيضًا التعرف عن قرب على تلك الإشارات التي وردت ذكرها في طيات مسرحيات شعراء التراجيديا الإغريقية وبالأخص مسرحية "الضارعات" لأيسخولوس - السالفة الذكر - و"أنتيجوني" لسوفوكليس، بهدف التأكيد على أن التراجيديا الإغريقية لم تسقط من حساباتها أيضا الإشارة إلى تلك الأعراق والإثنيات ذات التقاليد والعادات المختلفة التي توصف بالغرابة، والتي هي أقرب إلى الخيال من كونها حقيقة، والتي لا تحيط فقط عن قرب بالعالم الإغريقي أو بتلك المركزية الإغريقية، وإنما تلك التي تقع في أقصى أطراف حدود ذلك العالم القديم حيث مشرق الشمس.       
يذكر أيسخولوس من خلال تراجيديا "الضارعات" وعلى لسان بيلاسجوس ومن خلال ما أصابه من حيرة وارتباك في تحديد هوية تلك الفتيات - (المصريات) الضارعات أمامه واللاتي يختلفن كلية عن مواطني أرجوس - أن تلك الفتيات قد يشبهن من خلال ملامحهن ولون بشرتهن تلك البدويات الهنديات اللاتي - كما وصل إلى مسامعه  [21] – يمتطين الجمال ذات السروج في ربوع البلاد، والتي تماثل في سرعتها سرعة الخيول، واللاتي يقطن تلك البلاد المجاورة للإثيوبيين (أنظر أيضًا Hdt. III. 102).
الحقيقة لقد استوقفني من خلال تلك الأبيات عدة نقاط أهمها: أن أيسخولوس حاول أن يخلي مسؤوليته أمام جمهوره عن مدى مصداقية تلك الرواية من خلال إشارته إلى أنها قد تناقلت إليه عن طريق السمع، وذلك بالمقارنة بالإثنيات الأخرى التي أورد ذكرها على لسان بيلاسجوس لتحديد هوية تلك الفتيات الضارعات (المصريون، القبارصة، الإثيوبيون، الليبيون، الأمازونيات يُضاف إلى ذلك أن الإشارة إلى تلك الجمال - التي يمتطيها النساء الهنديات – تعد أول إشارة عبر النصوص اليونانية قاطبة تتحدث عن هذا الحيوان المرتبط دائمًا "بالشرق"، وبنفس اللفظ الذي يطلق عليه في بلاد العرب طبقًا للغتهم العربية ، حيث نال عدد كبير من الإشارات عبر النصوص اليونانية، وبالتحديد في كتابات كلاً من أيسوبوس، وهيرودوتوس، وكوميديات أريستوفانيس، وأرسطو، وديودورس الصقلي، وسترابون.......الخ. يذكرKarttunen  أن أيسخيلوس بما أنه كان يكتب في عقود ما قبل هيرودوتوس، فإن تلك الإشارة تعد الأولى من نوعها في الكتابات الإغريقية حول "جِمال" منطقة باكتريا المشهورة.[22] يؤكد هيرودوتوس أيضًا من خلال الكتاب الثالث – الذي أفرده للحديث عن غرائب وعجائب الهند – نفس القصة لكن بشكل آخر، حيث تحدث هذه المرة حول "إناث الجمال" الآتي يمتطيها الهنود ويفضلونها عن الذكور عندما يرتادوا الصحراء لجمع الرمال، وذلك يرجع لكفاءتها وسرعتها التي تعادل سرعة الخيول وهي تحمل أثقالاً فوق ظهورها (Hdt. III. 102).

الحقيقة انه بعيدًا عن مدى صدق تلك الرواية التي ذكرها أيسخولوس من عدمها، يبدو أن الإغريق القدماء قد استهوتهم بصورة كبيرة تلك الغرائب والعجائب التي ارتبطت بالحضارة الهندية والتي تناقلتها الألسن فيما بينهم، فضًلا عن ذلك فإن تلك الأعراق الست - المصنفة من قبل الغربيين "بالشرق" - قد تشابهت فيما بينها من خلال الملامح ولون البشرة الداكنة، وربما أيضًا في العادات والتقاليد أمام عيون الإغريق، مما دفع أيسخولوس حصرهم دفعة واحدة في تلك الأبيات.         
على أية حال الواضح بالنسبة لنا أن أيسخولوس على الرغم من أنه قد أحدث نوعًا من التوحد أو الربط الجغرافي بين كلاً من إثيوبيا والهند بحكم الجيرة الواقعة بين هذين البلدين حيث لا يفصل بينهما – كما هو معروف - سوى المحيط الهندي، إلا أن هذا التوحد قد لا يقوم على توحد عرقي أو أثني أو تشابه في العادات والتقاليد، حيث أنه أختص تلك البدويات الهنديات بركوب الجمال وهو ما لم يراه صفة وتقليد متبع في إثيوبيا. فضلاً عن ذلك فقد استخدم أيسخولوس نعتين مختلفين للدلالة على هاتين الحضارتين (الهند، إثيوبيا )، ولم يستخدم تلك المصطلحات التي عرفت باسم "إثيوبيا الشرقية" و"إثيوبيا الغربية" كما فعلها آخرون. المعروف أن أيسخولوس كان يدافع عن بلاده ضد الغزو الفارسي، والذي كان يضم من بين جنوده جنسيات أخرى كالإثيوبيين والهنود، وأن أيسخولوس من المحتمل - إلى حد كبير – أنه قد ألتقى بتلك العرقيات أو بأخرى من خلال تلك المعارك التي خاضها، حيث مكنته من تحديد ملامحها ولون بشرتها، والتعرف عليها عن قرب وبصورة مباشرة، وقد انعكس ذلك – بصورة واضحة - من خلال تظاهره - عبر بيلاسجوس - بالحديث عن تلك الأعراق الست بنوع من الثقة وكأنه نوع من الاستعراض المعلوماتي والجغرافي أمام جمهوره من المشاهدين.[23] أما سوفوكليس فقد تحدث عن الهند وثرائها بصورة مقتضبة وبشكل أكثر إيجازًا مقارنة بنظيره أيسخيلوس. لكن يبدو أن شذرات أخرى عديدة تنسب إليه قد احتوت على إشارات تتناول قضية الهند. فقد أشار - من خلال مسرحية "أنتيجوني" (Soph. Ant. 1037-39) وعلى لسان كريون - إلى شهرة الذهب القادم من "الهند"، وعن تلك الفضة التي تشتهر بها منطقة "سارديس". الواضح بالنسبة لي أن تلك الإشارتين قد اقتبساهما سوفوكليس من خلال كتابات هيرودوتوس بصورة مباشرة وبالتحديد من خلال الكتاب الأول والكتاب الثالث متأثرًا بما جاء فيهما (Htd. Hist. 1. 69. 15; 3. 98. 1). أما بالنسبة إلى ما تناولته تلك الشذرات فقد نسب بلينيوس (Plin. N. H. 37, 40) إلى سوفوكليس حديثًا عن أصل "الكهرمان" الذي يرى سوفوكليس أنه يخرج من دموع طيور "الميلياجر"، فضلا عن ذلك فهناك شذرة أخرى تحدثت عن ذلك "النمل المعروف باستخراجه للذهب" (Cf. Soph. Aethiopes).      
أما فيما يتعلق بيوريبيديس - ثالث الكتاب التراجيديين - فقد لزمته حالة من الصمت تجاه حضارة الهند، وهو نفس السكون الذي لزم باقي شعراء القرن الخامس والرابع ق. م (أنظر بنداروس وأريستوفانيس)، وهذا ربما يعكس لنا أن تلك البلاد الأسطورية لم تكن على درجة عالية من الاهتمام في حقبة ما قبل حملة الإسكندر على الهند. المعروف – وطبقًا لما ذكره Karttunen – فإن الهند (أو الهنود) لم تذكر من خلال قائمة جنود الفرس في تراجيديا "الفرس" لأيسخيلوس، أو من خلال مغامرات وجولات "إيو"، أو حتى من خلال رحلات ديونيسوس؛ اللهم بعض الإشارات لمنطقة "باكتريا" شمال غرب القارة الهندية، وذلك من خلال تراجيديا "الفرس" لأيسخيلوس، و"عابدات باخوس" ليوريبيديس.[24]       
علي أية حال وعلى ذكر الحديث عن الهند والهنود في ثنايا المسرح الإغريقي، فقد فجر Banerjee قضية هامة منذ عام 1919 تتعلق بالتوجه الغربي في افتراضية التأثير الإغريقي أو الدراما الإغريقية على نشأة الدراما الهندية، وذلك على نفس شاكلة تأثر المسرح الأوربي المعاصر بالدراما الإغريقية كوليد شرعي لها كما هو معروف. يذكر Banerjee أن الرواية المحلية التي تتناقل في أرجاء الهند، تُرجع أصل الدراما الهندية إلى كونها نوعًا أدبيًا متكامل له خصائصه الفنية هبط مباشرة من السماء، إلى أن تم اكتشافه فيما بعد من خلال الكاهن الحكيم "بهاراتا". لكن يبدو، والحديث ما زال لـBanerjee، أن تلك النظرية لم يكن من اليسير قبولها من جانب الباحثين المحدثين في الهند، حيث أنهم اضطروا لتكوين افتراض مسبق على نشأة الدراما الهندية من خلال هذا التطور الحاصل من العنصر الديني إلى العنصر الدرامي، وهو توجه – كما هو معروف – لا يختلف كثيرًا وبشكل أساسي عن تلك النظرية القائمة والشائعة حول المسرح الإغريقي.[25] الواضح أن عديد من أصوات الباحثين الغربيين قبلت افتراضية نشأة وميلاد المسرح الهندي متأثراً بالمسرح الإغريقي، مع التواصل الحضاري الحاصل بين الشرق والغرب في أعقاب حملات الإسكندر الأكبر. فهناك من تحدث عن تأثر الأعمال الدرامية الهندية بالكوميديا الأتيكية الحديثة (ميناندروس، فيليمون) التي حفظت فيما بعد بثوبها الروماني من خلال بلاوتوس وترينتوس. وهناك من تحدث عن إعادة عرض الدراما الإغريقية في قصور ملوك الحقبة الهيللينستية في الهند وبالتحديد في منطقة "باكتريا"، و"البنجاب"، "وجوجرات"، حيث المد والهيمنة الإغريقية هناك، وهو ما ساعد على نشأة وميلاد الدراما الهندية. وهناك من ذهب إلى وجود بعض نقاط من التشابه بين الأعمال الدرامية الهندية وتراجيديات كل من أيسخيلوس وسوفوكليس.[26] حيث يروا أن الفكر الإغريقي قد تسرب إلى ربوع الهند من خلال مسارين اثنين: الأول برى وبالتحديد من خلال "بالميرا"، و"باكتريا"، والثاني بحري وذلك من خلال مدينة الإسكندرية من ناحية، وموانئ الساحل الغربي للهند وبالتحديد ميناء "باريكازا" من ناحية أخرى. الحقيقة أنه بعيدًا عن مسألة تأثر الدراما الهندية في بدايتها بالدراما الإغريقية فإن ثمة تشابه ما فيما بينهما يمكن أن يلاحظ، وبالتحديد حول مسألة توظيف عنصر الأطفال في كلا المسرحين (الهندي والإغريقي). يرى Banerjee أن الأطفال لعبت بالفعل دورًا هامًا في عديد من العروض المسرحية السانسكريتية القديمة، وهو ما يتضح لنا من خلال حجم النصوص والفقرات الدرامية التي كتبت لهم، ومن خلال أيضا تلك الإرشادات المسرحية التي وجهت لهم، فضًلا عن ذلك فمن الجلي أن تلك العروض قد لاقت بصورة واضحة تشجيع واهتمام بالغ من قبل الملوك الهنود.[27]    
على أية حال يبدو أن Banerjee لم يكن - بشكل جلي - على اقتناع تام بإطروحات الباحثين الغربيين وتوجهاتهم الإغريقية في هذا الصدد. فقد رفض بصورة قاطعة تلك الآراء والنظريات التي تقر بالتأثير الهيلليني في نشأة الدراما الهندية، مستعينًا في ذلك بقول أحد المستشرقين الغربيين يدعى Pischel. يذكر Pischel "أن أحدًا إذا تخيل أن المسرح الإغريقي قد مارس نوعًا من التأثير على الدراما الهندية، فهذا يُظهر أن حالة من الجهل العام قد أصابتنا في فهم كًلا من المسرح الإغريقي والدراما الهندية في آن واحد....!!". يذكر Banerjee أن أحد أهم العوامل التي تميز بين الدراما الهندية عن الدراما الكلاسيكية أو غيرها بشكل عام، هو غياب أي عنصر اختلاف أو فرق بين نوعي الدراما الهندية "التراجيديا والكوميديا". فالأعمال الدرامية الهندية هي خليط بين "الجد والحزن" من ناحية و"الهزل والضحك" من ناحية أخرى، فهي تهدف إلى إثارة كل المشاعر الإنسانية بما فيها منطق العنف والشفقة، لكنها لا تسعى على الإطلاق في ترك إي انطباع مؤلم لدى المشاهد بصفة عامة. ويختتم Banerjee حديثه مؤكدًا على أنه حتى وإن كان من المحتمل أن يكون هناك قليل من العناصر الدرامية ذات التأثير الخارجي، إلا أن مادة الحدث هي بالطبع هندية الأصل، فضًلا عن ذلك فإن مظاهر وآليات تطور الدراما الهندية قد تمت بشكل مستقل وذاتي، بعيدًا عن أي تأثير إغريقي.[28]               
على أية حال يتعين علينا أن نشير هنا إلى أن علاقة بلاد الإغريق بحضارة الهند قد مرت بأربع مراحل رئيسية وذلك طبقًا لإجماع آراء الباحثين. أولى تلك المراحل يمكن تتبعها مع صعود وبروز نجم الإمبراطورية الفارسية التي لعبت - دون شك - دور الوسيط النزيه بين كلاً من الحضارتين، فقد لامست عن قرب وارتبطت بعلاقات بكل من بلاد الإغريق من ناحية والهند من ناحية أخرى. المعروف أن كلاً من الإغريق والهنود قد خدموا في البلاط الفارسي، وأن أرض الإمبراطورية تلقائياً أصبحت - ولأول مرة - سهل خصب يمكن من خلاله تبادل مختلف الأفكار والآراء وعديد من المتناقضات في هذا العالم القديم. فضلاً عن ذلك فإن حياة الإغريق في المدن الأيونية تحت الحكم الفارسي قد ساعد أيضاً في أحداث نوعًا من الانفتاح والتواصل مع الحضارات الشرقية المجاورة، والذي أدى بدوره إلى تعظيم وتفعيل الدور الذي لعبه الأيونيون في إثراء الحياة الفكرية لبلاد اليونان بزخم ثقافي لا يمكن تجاهله أو غض الطرف عنه حتى وإن كان يحدث ذلك عن قصد وعمد في تلك  الآونة الأخيرة.[29] يذكر Karttunen أنه لم يكن من الصعب الحصول على معلومات حول الهند من خلال حقبة الإمبراطورية الأخميدية (أنظر على سبيل المثال كتيسياس من كنيدوس)؛ فبعض من الفرس بالإضافة إلى رعايا آخرون في الإمبراطورية كانوا يتحدثون الإغريقية، يضاف إلى ذلك أن الجنود الإغريق الذين خدموا في بلاط الإمبراطورية، أو في الهند نفسها، كما سبق أن ذكرنا، كانت في جعبتهم العديد من الروايات والحكايات التي تتعلق بغرائب وعجائب الهند، وقد نقلوها إلى الآخرين عند عودتهم إلى وطنهم.[30] 
على أية حال فإن الأيونيين هم أول من قدموا معلومات عن حضارة الهند إلى الغرب، وهو ما يمكن أن تفصح عنه أربع أعمال أساسية هامة لتلك الفترة المبكرة للعلاقات اليونانية - الهندية سوف يأتي ذكرها بالتفصيل فيما بعد، وهي تأتي على النحو التالي: رحلة سكيلاكس من كارياندا،[31] تواريخ هيرودوتوس، الكتابات الجغرافية لهيكاتايوس من مليتوس، وتاريخ كتسياس الكنيدي،[32] يضاف إلى ذلك تلك الإشارات العارضة في أعمال كل من أيسخولوس (ولمزيد من التفاصيل أنظر أعلاه)، ديموكريتوس، سوفوكليس، هيبوكراتيس، كسينوفون، إيفوروس، هيلانيكوس وأخيراً أرسطو. على أية حال فإن ضعف الإمبراطورية الفارسية في الشرق في تلك الفترة جعل الهند وكأنها رقعة مبهمة وأقرب إلى الغموض والخيال من كونها حقيقة، وأصبحت تلك المعلومات ذات الصلة بهؤلاء الكتاب الأوائل في طي النسيان مع قرب حملات الإسكندر إلى الهند. على الجانب الآخر ومع بداية حملات الإسكندر إلى الشرق، يمكن أن نلحظ بداية لمرحلة ثانية ولمنعطف جديد في العلاقات الهندية - اليونانية التي أصبحت أكثر مباشرة وعمقاً من ذي قبل، والتي ساعدت في تنامي الإدراك المعرفي للإغريق بتلك الحضارة. الحقيقة أن مذكرات وروايات عديد من رفاق الإسكندر حول الهند وحضارتها - منها على سبيل المثال نيارخوس وأونسيكريتوس، وأريستوبولوس، وبطليموس - قد ساعدت على تغير الاعتقاد العام والسائد عن هذا البلد من قبل الإغريق، وأدت في نفس الوقت إلى إعطاء صورة صادقة أقرب إلى الحقيقة عن تلك الحضارة، حيث قاموا برصد وتسجيل كل ما تقع عليه أعينهم من مشاهدات وأمور مختلفة، مع احتفاظهم في نفس الوقت لتلك النظرة القديمة والتصور النمطي للهند مع بدايات الأدب الإغريقي. على أية حال الذي يؤسف هنا أن كل هذه الروايات قد فقدت بالفعل إلا أنه مازال كثير من ملامحها يمكن أن يرى ويلمس من خلال كتابات كل من سترابون وأريانوس، وبلنيوس وبلوتارخوس....الخ.[33]
يذكر الدكتور محمد الندوي (الهندي المولد والثقافة) - في دراسته الهامة والفريدة التي نشرها "باللغة العربية" في القاهرة عام 1970 كما سبق أن ذكرنا - أنه عندما امتد سيل غزوات الإسكندر إلى أقصى حدود إيران، وجاست خيوله تلك الأراضي الشاسعة وضمتها إلى حظيرة الإمبراطورية اليونانية لم تكن هناك مسافة بعيدة بين الهند وإيران. فتدفقت خيوله على بلاد الهند عن طريق جبال هندوكوش في عام 326 ق. م ودخلت الهند وفتحت وادي نهر الهند. ولكن هذا الغزو العسكري وإن جلب ويلات لتلك المناطق – والحديث مازال للدكتور الندوي – إلا أنه أعطى فرصة ذهبية لالتقاء خصب بين ثلاث حضارات آرية نبعت وعاشت وواصلت جهودها منفردة حتى هذه الآونة وهي اليونانية والإيرانية والهندية. بالإضافة إلى هذا اللقاء الثقافي والفكري الخصب بين الفكر الآري مهد هذا الغزو السبيل – لأول مرة – للقاء مباشر بين أقدم الحضارات الإنسانية في الشرق وهي حضارة أرض الرافدين ومصر، لأن جيوش الإسكندر أخضعت هذه المناطق كلها لسيطرته.
ويضيف الدكتور الندوي أن الإسكندر لم يصحب معه جيشه الجرار فقط إلى الهند بل رافقه أيضًا في هذه الغزوات كلها – كما سبق أن ذكرنا - عدد من العلماء والفلاسفة والمؤرخين اليونانيين. وقد قيل أن أرسطوطاليس أعرب عن رغبته في مناقشة أحد الفلاسفة الهنود في النظرية الهندية المتصلة بموضوع "ما وراء الطبيعة". ويؤخذ من بعض القصص السائرة أن الإسكندر – تحقيقًا لرغبة أستاذه ومعلمه – قد اصطحب معه عند مغادرته الهند عددا من العلماء الهنود. وبهذا تم التبادل الفكري والعلمي بين البلدين، كما فتح الطريق لاتصالات زائدة متكررة مباشرة بينهما في المستقبل.[34]  ف           
أما بالنسبة للمرحلة الثالثة التي تتعلق بمعرفة بلاد الإغريق بحضارة الهند، فهي تعد تلك التي ارتبطت بحكام وملوك الحقبة الهيلينستية الذين دأبوا باستمرار على إرسال وتفويض عديد من سفرائهم إلى الهند، يذكر منهم على سبيل المثال: ميجاسثينيس الذي ذهب أبعد مما ذهب إليه الإسكندر ورفاقه وبالتحديد إلى قلب الهند حيث بلاط الملك "كاندراجوبتا" ماوريا في منطقة باتاليبوترا.[35] الحقيقة أن اتساع وطول الفترة الزمنية التي مكث بها ميجاسثينيس في الهند - مقارنة بتلك الفترة الوجيزة لرفاق الإسكندر - قد جعلته دون شك أكثر عمقاً في تناوله لحقيقة الهند، حيث مكنته من نقل عديد من جوانب الحياة حول تلك الحضارة، مما أدى بعمله إلى أن يبلغ أيضاً ذروة معرفة وإدراك الإغريق بحضارة الهند. الحقيقة إن اكتشافات وإسهامات ميجاسثينيس قد ساعدت على خلق نوع من التغيير في فكر وعقل هؤلاء الجغرافيين الرياضيين الذين أجبروا على تغيير أفكارهم وتوجهاتهم حيث أصبحت مساحات كبيرة من هذا الشرق الأدنى أو البعيد معروفة لديهم.[36]
نأتي إلي المرحلة الأخيرة من مراحل تعرف الإغريق بحضارة الهند وهي تلك التي ارتبطت بالفترة اليونانية - الرومانية. الحقيقة أن كُتاب تلك الفترة لم تكن لديهم أية خبرات شخصية مباشرة نحو تلك الحضارة مقارنة بأسلافهم، بل اعتمدوا اعتمادا كلياً على مؤلفات وكتابات سابقيهم. المدهش حقاً أنه على الرغم من ازدياد النشاط التجاري بين روما والهند أو بمعنى أدق بين مصر الرومانية من ناحية والهند من ناحية أخرى، والذي أدى بدوره إلى ازدياد الإدراك المعرفي للغرب - المتمثل في كل من الإغريق والرومان - بالحضارة الهندية، إلا أن ذلك لم يحدث أية تغير أو تأثير في تلك الصورة النمطية والتقليدية التي قد تشكلت من قبل، فضلاً عن ذلك فإن تلك الكتابات - نذكر منها على سبيل المثال كتاب "الجغرافيا" لبطلميوس، بالإضافة إلى تلك النصوص الخاصة بالإبحار والدوران حول البحر الأحمر Periplous of the Erythraean Sea - لم تحتوي على أية قيمة جمالية أو أدبية، بل هدفت - في المقام الأول - إلى تقديم تقارير مفصلة حول أحوال الملاحون والتجار، ومن هنا فلم تحظ تلك الكتابات بأية تقدير أو اهتمام من قبل مفكري ومثقفي الإغريق.[37]
 على أية ونحن بصدد تقييم المصادر الكلاسيكية بنوعيها الإغريقي والروماني يتعين علينا ألا نسرع بالحكم عليها والتقليل من مدى أهميتها وذلك بدراسة تلك الظروف والعقبات التي واجهتها. الحقيقة أنه لم يصل إلى أيدينا أية عمل متكامل يتناول الحضارة الهندية - عبر هؤلاء الرحالة ذوي الاتصال المباشر– سوى القليل من الشذرات أو نقلاً عن مصادر ثانوية أخرى عملت على تحريفها ونقل عديد من معلوماتها عن مواضعها أو ربما بترها كلية. نضف إلى ذلك ما نقله هؤلاء المبلغون - حاملي الأخبار والمعلومات الهنود الأصل - إلى هؤلاء الرحالة الأجانب أو الإغريق (قارن أيضًا ما حدث إلى هيرودوتوس في زيارته الشهيرة إلى مصر) ومدى صدق وصحة تلك المعلومات التي أدلوا بها، فضلاً عن ذلك قدرة هؤلاء الرحالة أيضاً على فحص وتمحيص تلك الروايات من خلال تلك الظروف المناخية والجغرافية المعقدة والتي لا شك أنها تختلف اختلافا واضحًا عن الوطن الأم، وهو أمر يتعين علينا أن نأخذه بعين الاعتبار. علاوة على ذلك فإن مجموعة المترجمين الذين اعتمد عليهم هؤلاء الرحالة الإغريق لم يكونوا على علاقة وطيدة ودرجة عالية باليونانية سوى القشور منها، وبناءً علية فقد جاءت تلك الروايات دون المستوى، وأصبح هدفها إرضاء طموحات وتطلعات هؤلاء المريدين.[38]
الحقيقة أنه بعيدًا عن الحديث عن تلك المراحل المختلفة التي أشرنا إليها آنفًا، بقي لنا من خلال تلك الصفحات التعرف عن قرب لتلك الصورة والانطباعات أو بالأحرى الموضوعات التي سجلتها تلك المصادر الإغريقية عن الهند وحضارتها. لاشك أن عديد من الموضوعات والنقاط التي لا بأس بها قد أثارت اهتمامات الإغريق حول الهند. فقد تطرق الإغريق بالحديث عن المدى الجغرافي للهند وتلك الظروف المناخية التي تميز بها، بالإضافة إلى تلك الحيوانات التي عاشت في أجوائه، فضلاً عن ذلك عديد من المعلومات التاريخية والسياسية والاقتصادية. كما تناولت المصادر الإغريقية الحديث عن طبيعة سكان الهند بما في ذلك ما تميزوا به من عادات وتقاليد، نضف إلى ذلك خصوصية معتقداتهم الدينية، ونبوغهم الواضح وولعهم بعلوم الطب، وأخيراً عديد من القصص والحكايات التي اتسمت بالغرابة والخيال.
فحول الخريطة الجغرافية للهند وتلك الظروف المناخية التي تتميز به أجواءها، يمكن القول أن المعلومات الأولية حول هذا البلد قد جاءت عبر ما نقله البحار "سكيلاكس" من كارياندا، الذي يعد أول من قام بزيارة الهند، والذي فُوض هو ورفاقه – من قبل داريوس ( B.C.521-485)، بالقيام برحلة استكشافية عبر نهر "إندوس" حتى مصبه في المحيط الهندي. وقد سجل هيرودوتوس أسباب تلك الرحلة الاستكشافية والأجواء والظروف التي أحاطت بها من خلال أعماله، موضحًا أن سيكلاكس ورفاقه قد اتخذوا من منطقة "كاسباتيروس" في ولاية "باكتيان" نقطة البداية، مبحرين من نهر "إندوس" نحو الجنوب وبالتحديد شرقًا في طريقهم صوب البحر. ثم اتجهوا غربًا مبحرين حتى وصلوا إلى ما يعرف الآن بمنطقة "خليج السويس" في البحر الأحمر في رحلة استغرقت نحو ثلاثين شهرًا. يذكر Arora أن ما ورد في تقرير هيرودوتوس قد يشوبه بعض الأخطاء، وذلك ربما لاعتماده بصورة مطلقة على الخريطة الأيونية لهيكاتايوس وبالتحديد في نقطتين هامتين:
النقطة الأولى تتعلق بمصب وجريان نهر "إندوس" الذي يتجه – كما هو معروف – نحو الجنوب مباشرة وليس صوب الشرق كما جاء على لسان هيرودوتوس، أما النقطة الثانية فتتعلق بزمن ومدة تلك الرحلة الاستكشافية التي استغرقت نحو ثلاثون شهرًا، وهي تعد مدة طويلة، على الرغم أنها لم تستمر أكثر من خمسة أشهر على يد أسطول نيارخوس وذلك في عهد الإسكندر الأكبر. الحقيقة أن سبب طول المدة الزمنية التي استغرقها سكيلاكس لاستكشاف تلك المنطقة ربما يعود إلى رغبة سكيلاكس نفسه في البقاء أطول فترة ممكنة بين تلك الشعوب والأقوام المختلفة، لكي يحصل على أكبر قدر من المعلومات حول تلك الشعوب التي تتميز بما هو غريب وعجيب.[39] يذكر Romm - تعليقًا على تلك القضية – أن سيكلاكس لم يأت بعد عودته من رحلته إلى الهند بأكثر من قائمة طويلة لشعوب أو أناس تتصف بعديد من العجائب والغرائب، وبأفعال تتميز بالشذوذ إلى حد تكون خارجة عن المعهود أو المألوف كما سبق أن أشرنا. المعروف أن سكيلاكس كان يكتب بصورة مباشرة إلى جمهوره من الإغريق وقد تشكل لديهم من قبل رصيد – لا بأس به - من الثقافة والفكر وعديد من الأنواع الأدبية. الواضح أن تأثير تلك المعتقدات وهذا التقليد - الذي تبناه سكيلاكس أو من تلاه - لم يسلم منه حتى سترابون بعد مرور أكثر من خمسة قرون (Book XV) في وصفه للهند، حيث وقع هو أيضا - دون وعي - فريسة وضحية لهذا الخيال.[40] على أية حال – وطبقًا لما ذكره هيرودوتوس (Hdt. 4. 44) – فإن نتائج تلك الرحلة قد تُرجمت عسكريًا وسياسيًا بإخضاع داريوس للهند وتلك الطرق البحرية في قبضته، ومن ثم وبناءً عليه تفتحت المسارات التجارية عبر البحر وازدادت اهتمامات الهنود في إقامة علاقات تجارية من خلاله، وبالتحديد مع بابل في تلك الفترة. فضًلا عن ذلك فإن من نتائج بعثة سكيلاكس الاستكشافية هي التزام كل من هيكاتايوس وهيرودوتوس لما جاء به سكيلاكس من معلومات جغرافية بشكل حرفي دون تغيير حول هذا البلد.
علي أية حال الحديث عن الإطار والحدود الجغرافية للهند قد تعدى ما ذكره سكيلاكس لكي يكمله هيكاتايوس من مليتوس (549-486 B.C.) والذي يعد أول مرجعية إغريقية تشير إلى هؤلاء السكان الذين يقطنون تلك البقعة باسم الهنود "Indoi" أو السنداويون Sindoi".
أما المنطقة التي يعيشون بها فقد أُطلق عليها اسم "جانداري" والمعروفة باسم "جاندهارا" في الأدب السنسكريتي، وهي المنطقة التي تقع بها مدينة "كاسباتيروس" التي بدأ سكيلاكس منها رحلته الاستكشافية، وقد أطلق عليها هيكاتايوس اسم "كاسبابيروس".
على أية حال معرفة هيكاتايوس بجغرافيه الهند لم تتعد حدود حوض نهر "إندوس" - الذي يصب أيضًا في اتجاه الشرق - والمنطقة المحيطة به، بالإضافة إلى تلك الصحراء التي عرفت باسم "ثار" Thar، والتي تعرف عليها من خلال تقرير سكيلاكس، أما منطقة وادي "جانج"، بالإضافة إلى امتداد  كبير من الهيمالايا وجنوب شبه القارة الهندية، فلم تكن معروفة لدية على الإطلاقبير من الهيمالايا . على الرغم من ذلك استطاع هيكاتايوس أن يفرق بين سكان إقليم "البنجاب"، وبين هؤلاء اللذين يعيشون في أقصى جنوب نهر "إندوس"، حيث يعتبرهم سكان الهند الأصليين. على أية حال يبدو أن قلة وضآلة شذرات هيكاتايوس لم تسمح لنا بتقييم ما جاءت به من معلومات حول الهند تقييمًا سليمًا.[41]
 نأتي بعد ذلك للحديث عن جغرافيا الهند من خلال كتابات هيرودوتوس والذي استمد معلوماته الجغرافية من خلال أعمال كلاً من سكيلاكس وهيكاتايوس،[42] حيث قبل هو أيضًا فكرة جريان نهر "إندوس" نحو الشرق، وهو خطأ قد سببه انحناء ما بالخرائط الأيونية. وقد تعرف هيرودوتوس على عديد من النقاط الجغرافية من خلال تقرير رحلة سكيلاكس، يذكر منها على سبيل المثال البحر العربي وارتباطه بشبه الجزيرة العربية ثم الخليج الفارسي المؤدي ساحله إلى مصب نهر "إندوس". كما تحدث هيرودوتوس – مثل من سبقوه – عن تلك الصحراء الممتدة والقابعة شرق الهند.النقاط الجغرافية من خلال ية.دوس نحو الشرق، مد معلوماته الجغرافية من خلال أعمال  على أية حال الذي يهمنا فيما جاء به هيرودوتوس هو أن مصطلح "الهنود" أو Indians أصبح يشير إلى كل الشعوب التي تقطن شرق بلاد فارس، وهو بذلك قد أحدث نوعًا من التطور الملحوظ فيما أتى به هيكاتايوس الذي عادة ما يحصر هذا المصطلح على مجموعة من البشر التي تقطن جانب نهر السند. الواضح أن الهند كانت بالنسبة له تلك التي ارتبطت بالإمبراطورية الفارسية (Hdt. III. 101)، بالإضافة إلى تلك الأفكار والمعلومات الغامضة حول اتساع وكبر هذا البلد من حيث المساحة، وأيضًا من حيث الكثافة السكانية التي لا يعادلها بلد آخر (Hdt. III. 94, 98; V. 3). لقد أعتبر هيرودوتوس شبه الجزيرة العربية هي أبعد الأقطار نحو الجنوب مؤهلة بالسكنى (Hdt. III. 107). على أية حال يبدو أنه لم يكن لدى هيرودوتوس أية فكرة حقيقية حول الطبيعة الجغرافية لهذا البلد، لا سيما معرفته – كسابقيه - بنهر "إندوس" هذا النهر العظيم الذي يجري ويصب في البحر.[43]
لم يمض وقت طويل على كتابات هيرودوتوس حتى جاءت كتابات كتسياس من كنيدوس بأسلوب أكثر مبالغة وأقل دقة، معتبرًا أن الهند يبلغ مداها واتساعها كل بقية آسيا، متتبعًا ما جاء به هيرودوتوس من قبل حول الكثافة السكانية للهند، وحول أهمية نهر "إندوس" دون الإشارة إلى اتجاه جريانه ومصبه، بالإضافة إلى الموقع الجغرافي للهند الذي يعد بمثابة أبعد نقطة نحو الشرق في هذا العالم القديم. لكن الجديد الذي قدمه كتسياس - وما لم يأت به هيرودوتوس - قد ارتبط وتعلق بما جاء في تقريره حول أبعاد نهر إندوس في أضيق نقطة له وأيضًا في أكثرها اتساعًا، وقد تحدث كتسياس أيضًا عن البحر الهندي وأنه أكبر وأكثر اتساعًا من نظيره الإغريقي، كما تحدث أيضا عن جبل "ساردو" وما أشتهر به من أحجار نفيسة. [44]
على أية حال يبدو أنه حتى مع حقبة أرسطو فإن معلوماتنا الجغرافية حول الهند لم يصيبها أي ثمةفية حول الهند لم يصيبها رسطو  تغيير. فقد اعتبر أرسطو الهند – كعادة من سبقوه – كأبعد بقعة تجاه مشرق الشمس، يحدها من الشمال سلاسل جبلية أطلق عليها اسم "بارناسوس" وهي بالنسبة له أعلى جبال تلك المنطقة، وهي تعد - في نفس الوقت – مصدرًا لعديد من الأنهار الكبيرة في آسيا. على أية حال يبدو وبشكل واضح أن أفكار ومعلومات أرسطو حول جغرافيا الهند اتسمت بالتشويش وعدم الدقة، وأنه التزم بنفس النظرية التي ساقها أيسخولوس والتي ربط فيها الهند بإثيوبيا ونهر إندوس بأعالي نهر النيل (النيل الأعلى).
على أية حال الذي يهمنا مما سبق ذكره – حول الطبيعة والحدود الجغرافية للهند – أن لفظ "الهند" و"الهنود" الذي ظهر ولأول مرة في أعمال كل من هيكاتايوس وهيرودوتوس يشير فقط إلى تلك المنطقة التي تقع حول نهر "إندوس"، أو بمعنى آخر الجزء الذي تشمله الإمبراطورية الفارسية أو ما يعرف الآن طبقًا للحدود السياسية المعاصرة بباكستان وجزء من أفغانستان، أي الشمال الغربي لشبه القارة الهندية. ولكونها تقع على خطوط التجارة العالمية، أصبحت تلك المنطقة بوتقة تنصهر بها عديد من الحضارات منها الهندية، الإغريقية، الصينية، والفارسية، وحضارات وسط وغرب آسيا.
وبغض النظر عن جغرافيا الهند يظل الحديث عن مُناخها محصورًا بين تصور كل من هيرودوتوس وكتسياس من بين الكتاب الآخرين، فقد أخبرنا هيرودوتوس أن حرارة الشمس تصل إلى أقصى مداها في الصباح الباكر، ثم تفتر وتهدأ حرارتها بعد ذلك في فترة ما بعد الظهر، ثم تصل إلى أقل معدلاتها مع غروب الشمس(Hdt. III. 104). الواضح أن هيرودوتوسأقل معدلاتها مع غروب الشمسباح الباكر، ثم تفتر وتهدأ حرارتها  كان على قناعة بأن الأرض مسطحة ومنبسطة، وعلى ذلك فقد كان الهنود وهم يقطنون أقصى الشرق أكثر قربًا لأشعة الشمس من غيرهم، وبناءً عليه فقد كانت حرارة الشمس تصل إلى أقصى معدلاتها في الساعات الأولى من الصباح حتى ما يعادل الساعة العاشرة في التوقيت الحالي، ومع تحرك الشمس نحو الغرب يصبح المناخ أكثر برودة تدريجيًا. الحقيقة أن هيرودوتوس - من المحتمل - أنه أراد أن يفسر بصورة غير دقيقة ما يحدث أثناء فترات اليوم من تغيير في درجة الحرارة، وبالتحديد بين سخونة المناخ في الصباح الباكر مع شروق الشمس، وبرودة المناخ وفتوره مع غروب الشمس، وبالتحديد عندما تتوارى الشمس خلف مرتفعات الوديان الهندية.
ومما استوقفني – من خلال الكتاب الثالث الذي أفاض فيه هيرودوتوس بالحديث عن غرائب وعجائب الهند – أنه لم يكتف فقط بالحديث عن مناخ الهند، بل أراد بطريقة شيقة أن يبرز لقرائه مدى تميز وتفرد مناخ اليونان عن غيره، واصفًا إياه بأنه الأفضل مقارنة بأي بقعة أخرى من بقاع العالم (Hdt. III. 106).
 أما كتسياس فقد أشار – من جهة أخرى وبشكل مبالغ - إلى شدة حرارة المناخ في الهند، حيث أن حرارة الشمس تعتبر أعلى عشر مرات عن المعدل الطبيعي مقارنة بأي قطر من الأقطار الأخرى. لقد أشار كتسياس - بصورة يشوبها عدم المصداقية – إلى أن المناخ في الهند غير ممطر، وأن الرياح لا تعصف بها، كما أن الهند تسقى وتروى من خلال الأنهار التي تفيض بها. يذكر Arora أن بعض المناطق في الهند قد لا يصيبها قطرة ماء واحدة في العام، لكن هذا لا يعني أننا يجب أن نلتزم بتعميم تلك النظرية على بقية الهند، فالهند معروفة بفصولها الممطرة بصورة تكاد شبه اعتيادية، فعدا تلك المناطق التي يغمرها مياه نهر إندوس، والتي تحولت إلى دلتا، فإن غالبية المساحات التي تقع أسفل الجبال في الشمال تتميز بغزارة أمطارها. ويضيف كتسياس - بصورة هي أقرب إلى الحقيقة هذه المرة من الخيال - أن هناك عديد من الأعاصير التي تجتاح الهند بصورة متكررة، والتي لا تبقي ولا تذر، فضلاً عن ذلك فقد أشار أيضاً – وبصورة قد حالفها الصواب - أن معظم أنحاء الهند ومع شروق الشمس تتميز بالبرودة وانخفاض في درجات الحرارة، أما بقية ساعات اليوم فترتفع درجة الحرارة إلى أقصى معدلاتها.[45]
على أية حال لم تكن جغرافيا الهند ولا مُناخها هو الشغل الشاغل التي تحدثت عنها الروايات والمصادر الإغريقية، بل أولت تلك المصادر عناية خاصة بالحديث عن تلك الحيوانات التي تعيش بالهند والتي تتميز بضخامتها وكبر حجمها. فقد أشار هيرودوتوس - وتبعه في ذلك رفقاء الإسكندر - أن السواد الأعظم من الحيوانات والطيور التي تعيش في الهند تتميز بكبر وضخامة حجمها عدا في ذلك الخيول، وذلك بالمقارنة بأية بقعة أخرى في العالم (Hdt. III. 106).     
وهو نفس ما ذكره كتسياس - الذي يعد أيضاً أهم مرجعية إغريقية تناولت هذا الموضوع - حيث أشار أيضا إلى تلك الحيوانات الأليفة التي تعيش بالهند مثل الماعز والأغنام، والتي يتعدى حجمها حجم الدواب كالحمير، بالإضافة إلى تلك الحيوانات من الزواحف وتلك الخالية من الدماء. الغريب أن هيرودوتوس يُرجع كبر حجم وضخامة تلك الحيوانات إلى موقع الهند الجغرافي كأبعد نقطة نحو الشرق في هذه الأرض المعمورة، أما رفقاء الإسكندر من ناحية أخرى فيرجعوا هذا التفاوت في الحجم بالمقارنة مع غيرهم إلى تلك الخصوبة المتناهية للتربة الهندية. على أية حال الذي يهمنا ذكره هنا أن الفيل بصورة عامة يعد أكثر الحيوانات القاطنة بالهند جذبًا وإثارة للإغريق القدماء، فضلاً عن ذلك فإن أول إشارة إلى هذا الحيوان قد وجدت بالفعل من خلال شذرة لهيكاتايوس حُفظت بواسطة أليانوس والتي تحدث من خلالها حول تلك التدريبات التي يقوم بها مدربون متخصصون لتلك الفيلة بغية القيام بأعمال الحراسة والتأمين للملوك الهنود، بالإضافة إلى عديد من المهمات التي تتعلق أيضًا بالعمليات العسكرية والدفاعية، وهو ما ركز عليه كتيسياس من خلال عمله Indika.[46]
يذكر Scullard – من خلال دراسته المتخصصة حول حيوان الفيل في الثقافة اليونانية والرومانية، والتي نشرت عام 1974 بعنوان: "The Elephant in the Greek and Roman World" - أن الفيل قد ظهر نوعًا ما متأخرًا على مسرح التاريخ الإغريقي، وأن كلمة ελέφας كانت لا تعني بالنسبة لهوميروس، بالإضافة إلى كلاً من هسيودوس وبنداروس أكثر من كونها مادة "العاج"، وليس حيوان الفيل ذاته. ومع الازدياد المعرفي والجغرافي الحاصل في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد، أصبح مصدر هذا العاج معروفًا لدى الجميع، مما دفع هيرميبوس الشاعر الكوميدي الأثيني (430-420 B.C.) إلى الإشارة إلى أهمية "ليبيا" كمصدر هام لتجارة العاج في ذلك الوقت.
أما أول إشارة في الأدب الإغريقي إلى الفيل كحيوان فقد ظهرت من خلال كتابات هيرودوتوس  οι ελέφαντές (Hdt. IV.191). المعروف أن هيرودوتوس زار مصر متوجهًا إلى أقصى جنوبها وبالتحديد منطقة "إليفانتين"، لكن من الواضح أنه لم يتقابل أو يلتقي مطلقًا مع هذا الحيوان، مما ترتب عليه هذا النقص الشديد في معلوماتنا عن الفيل من خلال كتاباته، مقارنة بتلك الحيوانات الأخرى التي تقطن مصر والتي أفاض هيرودوتوس بالحديث عنها "كالتماسيح" "وأفراس النهر"..الخ. الواضح – والحديث مازال لـ Scullard- أن كل ما يعرفه هيرودوتوس عن هذا الحيوان أنه يعيش ويقطن المناطق الغربية من "ليبيا"، مع عديد من الحيوانات الأخرى كالثعابين والأسود....الخ. فضًلا عن ذلك فقد أشار هيرودوتوس إلى أن هذا الحيوان كما يعيش بشمال إفريقيا فإنه يعيش أيضا في المناطق الجنوبية منها أي في "إثيوبيا"، حيث كان لزامًا على الإثيوبيين إرسال جزية خاصة للبلاط الفارسي كل ثلاث سنوات، كانت تشتمل على عشرين من الأفيال الضخمة ذوي الأنياب الطويلة (Hdt. III.97).[47]
المدهش حقًا والذي يدعو إلى التساؤل هنا – كما يرى Arora - أنه على الرغم من أن هذا الحيوان قد جذب انتباه عديد من الكتاب الإغريق إلا أنه لم يرد ذكره بشيء من التفصيل من خلال كتابات هيرودوتوس.[48]
على أية حال يعد كتيسياس أهم الكتاب الإغريق الذين تحدثوا بفيض من المعلومات عن الفيل (وبالتحديد الفيل الهندي مقارنة بالفيل الأفريقي)، وذلك لاقترابه من هذا الحيوان ورغبته في التعرف عليه وملاحظة سلوكه. يذكر ديودوروس أن الهند يتواجد على أرضها كم هائل لا يعد ولا يحصى من الأفيال، وهي تتفوق في قوتها وإقدامها على مثيلتها في "ليبيا" أو شمال إفريقيا (Diod. II. 16 ff.). أما أرسطو من جانب آخر - وطبقًا لما ذكرهScullard  - فقد أكد على أن الأفيال تقطن كل من الهند وشمال إفريقيا، وأنه لا يرى أية اختلاف واضح بين تلك السلالتين (الهندية والإفريقية).[49] علي أية حال أشار كتيسياس إلى استخدام الهنود لهذا الحيوان في أعمال القتال أثناء الحروب وفي نزال هذا الحيوان الخرافي الغامض والمعروف باسم "مارتيكورس" (السبع الهندي)، فضلاً عن ذلك فقد أشار أيضًا إلى أن الملوك الهنود عندما يشرعوا في الحرب يقومون بتجهيز وتدريب أعداد كبيرة من الفيلة تصل إلى قرابة عشرة ألاف أو يزيد بهدف استخدامهم في اقتحام وتدمير أسوار الأعداء. وبالإضافة إلى تلك المعلومات التي وردت في كتابات كتيسياس، فقد ذكر أرسطو عديد من المعلومات التي تناولت بالحديث تفاصيل عديدة عن هذا الحيوان نذكر منها على سبيل المثال: أجزاء جسده، المناطق التي يعيش بها، عمره وحجمه، نظامه الغذائي، الأمراض التي تصيبه، فضلاً عن ذلك تشريح كامل لأعضاء جسده الداخلية.[50]
الحقيقة أن الفيل لم يكن هو الحيوان الوحيد الذي جذب أنظار الإغريق القدماء، فقد تطرق هيرودوتوس إلى الحديث عن تلك الكلاب الهندية المتوحشة، والتي تُدرب وتُروض من أجل خوض الحروب ولأغراض الصيد (Hdt. VII, 187; I, 192). فطبقًا لما ذكره كتيسياس فإن تلك الكلاب الهندية أيضًا لديها القدرة على القتال حتى مع الأسود. أما كسينوفون فقد تحدث عن سرعة تلك الكلاب وما تتميز به من كبر حجمها وقوتها بالإضافة إلى جرأتها وإقدامها وقدرتها على القيام بأية مهام صعبة. أما أرسطو – من جهة أخرى – فيعتبر تلك الكلاب الشرسة بمثابة حيوان مهجن بين فصيلة الكلاب وبين السباع أو الذئاب. بالإضافة إلى ما سبق ذكره فقد حدثنا هيرودوتوس أيضًا عن التماسيح والجمال والخيول، بالإضافة إلى الحمار الوحشي،[51] فضلاً عن ذلك فقد لفت كتسياس انتباهنا نحو الماعز والأغنام والخراف، التي يصل حجمها إلى حجم الحمير، وتتميز بغزارة شحومها بمنطقة الذيل.[52] كما حدثنا أيضا كتسياس عن تلك القرود الصغيرة والتي تعد مثل الفيلة في استخدامها كأداة للتصدير إلى الأقطار الأخرى منذ عهود سحيقة, على أية حال يبقى لنا من خلال هذا العرض الحديث حول مجموعة الحيوانات والطيور الأخرى، التي شغلت أذهان الإغريق القدماء وبالتحديد عن الببغاء (bittakos) وما اشتهر به من تقليد لصوت الإنسان كما حدثنا كلاً من كتسياس وأرسطو. حيث يذكر كتسياس أن الببغاء لديه القدرة على التحدث بالهندية أما إذا تعلم اليونانية فهو قادر أيضا على تقليدها والتحدث بها. الواضح أن تقليد هذا الحيوان لصوت الإنسان قد جذب انتباه كلاً من الإغريق والرومان بشكل كبير. أما الطاووس الهندي فقد شغل اهتمام الإغريق القدماء أيضا ولم تسلم كوميديات أريستوفانيس من الإشارة إليه.[53] الجدير بالذكر أن الإغريق تعرفوا على طائر "الطاووس" من خلال الوسيط الفارسي، حيث تم اشتقاق اللفظ الإغريقي taẃs من اللغة الفارسية ta’ūs، فضًلا عن ذلك فإن تجارة طيور الطاووس بين الهند والغرب يمكن تتبعها منذ العهود السحيقة. عرض كتسياس أيضا صورة أخرى لم تكن معلومة على الإطلاق للإغريق، وهي استخدام الهنود لطيور الحدأة والعقاب بالإضافة إلى الغراب وذلك لصيد الأرانب البرية والثعالب، وذلك بدلاً من الصقور، وهو يعد تقليد متبع ومعروف لدى حضارات الشرق منذ قديم الأزل لم يكن الإغريق على دراية به.[54]              
وبعيدًا عن تلك الحيوانات والطيور التي تشتهر بها الهند، فقد كان الحديث عن سكان الهند وما اختصوا به من عادات وتقاليد هو أيضًا شغل الإغريق الشاغل. المعروف أن الهند – كما سبق أن ذكرنا – عُرفت من قبل الإغريق القدماء باتساع رقعتها الجغرافية وبكثافتها السكانية العالية، وهو ما أكده كلاً من هيرودوتوس وكتسياس بالإضافة إلى كلاً من ميجاثينيس وسترابون. فقد أعتبر هيرودوتوس الهند أكثر بقاع الأرض كثافة سكانية، ثم يأتي الثراقيون ليكونوا في المرتبة الثانية بعد الهند (Hdt. 5.3). يذكر Arora أن بعض النظريات تتحدث عن أن التعداد السكاني لشمال غرب الهند قد وصل إلى ما بين 20-25 مليون نسمة في الفترات التي سبقت الحقبة المسيحية، وهذا يعني أن باقي أجزاء القارة الهندية من المحتمل أن يكون قد وصل تعداد سكانها إلى ما يقرب من 130 مليون نسمة.[55]
ومع ما ذكره هيرودوتوس وكتيسياس حول الكثافة السكانية للهند، تحدث سكيلاكس – أول الرحالة الإغريق إلى الهند – عن قضية هامة تتعلق بعلاقة الحاكم بالمحكوم وهي قضية تمس الشرق بصورة مباشرة. فطبقًا لما ذكره فإن الملوك يتمتعون في الهند بشيء من التميز والتفوق على رعيتهم ومحكوميهم إلى درجة تتسع فيها وبصورة كبيرة الفجوة بين كلا الطرفين.[56] يرى Arora أن إشارة سكيلاكس حول تلك الفجوة بين الحاكم والرعية لا تعكس بأي حال من الأحوال النظام الطبقي في المجتمع الهندي، حيث أن هذا النظام لم يكن معمول به بشكل عام في الفترة التي تزامنت مع زيارة سكيلاكس، ويضيف Arora أن تلك الإشارة لسكيلاكس قد توجه أنظارنا نحو الاختلاف الحاصل بين الآريين وبين جماعة العبيد المعروفة باسم Dasa، فالمعروف أن المجتمع في الشمال الغربي من الهند عادة ما ينقسم إلى طبقتين هما الآريون من جهة وطبقة العبيد أو الـ Dasa من جهة أخرى. ويضيف Arora - في نفس الوقت - أن إشارة سكيلاكس تعد اتهام واضح اعتاد الكتاب الإغريق توجيه إلى شعوب الشرق ونظمه الحاكمة التي تتميز بالقهر والطغيان وسطوة حكامها على عامة الشعوب من البسطاء، بينما هم - أي الإغريق - يرون أنفسهم مواطنون "أحرار" يتمتعون بنظم ديمقراطية تفتقدها شعوب أخرى تنتمي كلية إلى الشرق مثل المصريون، والفرس، وشعوب الرافدين (الميسوبوتاميا) التي تخضع لسيطرة وسطوة الحكم الفردي المستبد ولثقافة الديكتاتورية. المعروف أن المشاعر الإغريقية التي اتسمت بالاستعلاء والتفوق (superiority) على شعوب الشرق قد تعاظمت بشكل عام مع فترات كلاً من أفلاطون وأرسطو، وأن الأخير – على حد قول Arora – قد وضع الهند أيضًا مع بقية أقطار الشرق في سلة واحدة وبالتحديد في تمسكها بالحكم الفردي المستبد، نقلاً عن مقولة سكيلاكس - التي سبق أن أشرنا إليها من قبل - والتي تناولت تلك الإشكالية. الحقيقة أن انطباع وحكم أرسطو العام حول طبيعة الحاكم والنظام السياسي في آسيا وتعميمه على بقية أقطار وشعوب الشرق التي من بينها الهند، والذي ما زالت تأخذ به أوربا والغرب (بما فيهم البريطانيين)  باقتناع تام حتى يومنا هذا، قد أزعج Arora بشكل كبير (قارن موقف كسينوفون الإيجابي من الملوك الهنود الذين عرف عنهم العدل والنزاهة، بالإضافة إلى دعمه للنظام الفردي من خلال عمله "تربية قورش" Kyropaedia).[57] يرى Basham- من ناحيته - أن الهند القديمة على الرغم مما لديها من توجهات سياسية تتعلق بإشكالية ومفهوم الحكم، إلا أنه لم يكن لديها - في نفس الوقت - أية مدارس أو مذاهب فلسفية تتعلق بمفهوم "السياسة" (كأصل الدولة، الشكل المثالي للحكم)، مقارنة بنفس الحس الغربي الذي إتضح – على سبيل المثال - عند كًلا من أفلاطون وأرسطو.[58]   
على أية حال يشير Arora إلى أن صورة الملك في الهند لم تُرسم على الإطلاق وكأنه طاغية أو مستبد، وأنه – في نفس الوقت – لا يشبه بأي حال من الأحوال ملوك "الحيثيين"، أو "الفرس" أو حتى "المصريين القدماء" الذين لبسوا عباءة المشيئة الإلهية وكأنهم أوصياءه على الأرض، وأن كل فاعليات ومقدرات المجتمع بأسره تعمل من أجلهم. بل يرى Arora أن إرادة ومشيئة الحاكم في الهند القديمة هي تعبير دائم عن رغبة ومشيئة رعيته، وأن سعادته تعتمد كلية على سعادة محكوميه. فالهند ليست "كمصر" "وبلاد فارس"، وأن الملك ما هو إلا مرآة لفكر وثقافة شعبه (Cf. Aesch. Supp. 370ff.).[59]
الحقيقة إن اتهام شعوب الشرق وأنظمتها السياسية – بصورة متكررة - بالاستبداد والديكتاتورية من قبل الكتاب الإغريق أو حتى الغرب في الوقت الحاضر - كما يؤكده Arora وغيره من المستشرقين الغربيين - هو أمر قد اعتدنا نحن أبناء الشرق على سماعه وقبوله في نفس الوقت - منذ زمن طويل - طبقًا لمعطيات التاريخ التي بين أيدينا، ولكن القضية التي أثارت انتباهي هنا أن Arora - ربما بسبب كونه هندي الأصل والنشأة وبنعرة وطنية ما - قد أستثنى الهند عن كل شعوب وأقطار الشرق - مقارنة بمصر وبلاد فارس - في توظيفها لمفهوم الحكم الفردي الذي ُيتهم دائمًا بالطغيان والاستبدادية، وهذا يعني أنه قد يكون من الخطأ – طبقًا لما ذكره Arora - أن نضع أقطار الشرق وشعوبها في سلة واحدة على الرغم من توحدها معًا في خصائص وصفات مشتركة، فما ينطبق على مصر وحضارتها قد لا يتناسب مع الهند أو مع غيرها. الحقيقة أن تبريرات Arora – وإن حالفها نوع من الصدق والصواب – يمكن أن توظف أيضًا وتطبق على النظام الملكي في مصر القديمة كما هو الحال في الهند، وقد يجعلنا هذا أن نتساءل دائمًا لماذا يدافع الباحثون في الشرق - أكانوا هنود أم مصريون - عن منظومة الحكم الفردي الديكتاتوري التي اتسمت به حضاراتهم مع محاولتهم لتصحيح صورة تلك النظم الحاكمة بصورة يمكن أن يقبلها الغرب المعاصر بديمقراطيته الحالية...!؟ ولماذا يختلف الباحثون في الشرق من أمثال Arora وغيره في تفسير ماهية وطبيعة تلك النظم الديكتاتورية التي تعتمد على حكم الفرد الواحد كما هو حاصل في بلاد الشرق؟
على أية حال وبعيداً عن إشكالية الحاكم والمحكوم تحدث هيرودوتوس وأخبرنا عن هذا التنوع الحاصل في التركيبة السكانية لدى الهند، ومدى التعددية القومية لدرجة أنهم لا يتحدثون نفس اللغة (Hdt. III.98)، فضلاً عن ذلك فقد ميز لنا هيرودوتوس بين المقاطعات الهندية التي تقع تحت السيطرة الفارسية وبين تلك القوميات التي تنعم بالاستقلال وبخصوصيتها. وحول تلك القوميات الهندية المستقلة فقد أخبرنا أيضًا ولفت أنظارنا نحو الخصائص العامة لأسلوب معيشتهم في أنهم يعيشون في المستنقعات، ويلبسون ثيابًا من نباتاتها (البوص، القصب، البردي)، وهم يأكلون السمك الني الذي يقومون بصيده من قواربهم المصنوعة من نبات البوص (Hdt. III. 98). تحدث هيرودوتوس أيضا عن قبائل هندية أخرى عُرف عنها أكلها "للحوم البشر" تُدعى Kallatiai وPadaioi. فقد عُرف عن أفراد قبيلة Kallatiai أكلها لأجساد موتاها من الأقارب، حيث أن فكرة دفنهم تعد بالنسبة لهم بمثابة أمر تشمئز وتنفر منه النفس...!! (Hdt. III. 38). أما قبيلة Padaioi فهي تنهج نفس التقليد ولكن بعد أن يقوم أفراد القبيلة بقتل "المريض" منهم أولاً، وذلك أكان رجل أو امرأة أو حتى شيخ كبير. المعروف أن عادة أكل لحوم البشر قد أخبرنا بها ونقلها إلينا عديد من الكتاب الإغريق منهم على سبيل المثال ميجاثينيس، بتوليمايوس "الجغرافي"، بلينيوس(Plin., Nat. Hist., VI, 20, 55.). لكن من الواضح أن تلك العادة في تلك الحقب الزمنية القديمة لم يختص بها فقط تلك القبائل الهندية، بل ظهرت أيضا في عديد من القبائل الأخرى. يذكر هيرودوتوس أن ممارسة هذا التقليد وتلك الشعيرة قد عُرفت عند أقوام تُعرف باسم (Issedones[60] و(Massagetae[61] وهي تعيش شمال بحر قزوين. أما بلوتارخوس فقد كتب عن ممارسة هذا التقليد بين قبائل (Sogdians).[62]
خلاصة القول – وطبقًا لما ذكره Arora – فإن ثلاث اتجاهات يمكن رصدها من خلال تلك الممارسة: أولاً الرغبة في المشاركة والتوحد مع فضائل هذا الميت وذلك بأكل جسده، ثانيًا الرغبة في تمجيد هذا المتوفى وذلك بإضفاء نهاية مشرفة لحياته، ثالثًا المحاولة لسحق روح هذا الكهل المقبل على الموت قبل أن تزداد قوةً وطغيانًا. لكن من الواضح – والحديث مازال لـ Arora – أن التفسير الثاني يُعتقد أن يكون هو التفسير "الإغريقي" لهذا التقليد الهندي الذي يتميز بالغرابة.[63]
الواضح أن الهند ليست كلها قبائل Kallatiai وPadaioi التي عُرف عنها أكلها للحوم البشر كما سبق أن ذكرنا، فهناك قبائل أخرى لها من السلوكيات والعادات ما تختلف به عن سابقتها. تلك القبائل يعرف عنهم – على سبيل المثال - أنهم لا يقتلون أي كائن حي، ولا يقومون ببذر الحبوب أو بزراعة المحاصيل، ولا يقطنون البيوت. فهم يعيشون على الأعشاب وعلى بعض الحبوب الصغيرة كالذرة أو القمح. أما إذا شعر أحدهم بمرض ما، فعليه أن يذهب بعيدًا صوب الصحراء حيث يرقد هناك وحيدًا - إما مريضًا أو ميتاً - دون أن يشعر به أحداً (Hdt. III. 100).[64] علية حال الواضح أن تقرير هيرودوتوس هنا حول ماهية المجتمع الهندي بكل أطيافه يحمل في طياته تلك العناصر التي تتوافق مع نظرية الإغريق المعروفة حول التصنيف الإثني والعرقي لتلك المناطق النائية والبعيدة في ذلك العالم القديم، حيث نجد هيرودوتوس يصف سكان الهند - كما هو الحال في مناطق عديدة في العالم - طبقًا لعاداتهم الغذائية (النباتيون، آكلي لحوم البشر، آكلي السمك الني)،[65] وطقوسهم وممارساتهم الاجتماعية (الإباحية الجنسية بلا ضوابط، أكل الأموات من الأقارب بدل من دفنهم)..الخ[66] على أية حال ما سبق ذكره لا يعني أن تقرير هيرودوتوس حول سلوكيات والخصائص الاجتماعية لسكان الهند لم يحتوي بين جنباته على حقائق مؤكدة. الواضح أن هيرودوتوس – أثناء تعامله مع تلك المعلومات التي تلقاها حول الهند – اختار وعبر فقط عن تلك الحقائق التي ربما قد تتوافق وتتواءم مع تلك المعتقدات والأفكار التي تصورها وتوهمها سلفًا. المعروف أن الكتاب الإغريق - في وصفهم لعديد من المناطق المختلفة في العالم - غالبًا ما ينهجون أسلوب هيرودوتوس حيث يعتبر مثال وقدوة يحتذى به. مثال على ذلك يمكن تتبعه ورصده من خلال تقرير سترابون حول "أيرلندا"، والذي تتطابق بصورة كبيرة مع تقرير هيرودوتوس حول الهند.[67]
كتيسياس أيضا على الرغم من تتبعه برؤية تفصيلية لتلك القبائل الهندية بصورتها الأسطورية والخرافية - القابعة في الأذهان - وذلك من خلال عمله Indika، إلا أن تتبعه برواياته لهؤلاء الهنود الحقيقيون بعاداتهم وتقاليدهم تكاد تكون غائبة أو شبه منعدمة. إلا أننا يمكن أن نستثني من ذلك بعض الفقرات من عمله والتي تناولت قضايا حقيقية وواقعية تخص الهنود، والتي تتحدث عن لون بشرتهم التي تتميز بالسواد. حيث يرجع كتيسياس سواد لون بشرتهم هذا إلى فعل الطبيعة وليس إلى تأثير أشعة الشمس على وجوههم كما يعتقد ويظن دائمًا الإغريق.[68] أشار كتيسايس أيضا - بصورة قد حالفها التوفيق - إلى هؤلاء الهنود ذوي البشرة البيضاء، والذين ربما يقطنون بالقرب من الحدود مع إيران، أو من لهم علاقة بسلالات من وسط آسيا، أو هؤلاء الهنود الآريون الذين تجنبوا الاندماج مع السكان الأصليين ذوي البشرة السوداء. تجدر بنا الإشارة هنا إلى أن رؤية كتيسياس حول سواد بشرة الهنود لا ترتكز على النظرية الإغريقية المعروفة، والتي تعتمد على تأثير أشعة الشمس على لون أو سواد بشرة الوجه، وذلك طبقًا لدرجة القرب منها أو البعد عنها.[69]
 أما عن تلك القبائل ذات البعد الخرافي والأسطوري، والتي أشار إليها كتيسياس، فإن ثمة خصائص مميزة قد تتضح لنا وتقودنا نحو فهم جيد لتلك الثقافة البدائية. فعلى سبيل المثال فقد أشار كتيسياس إلى تلك الأقوام التي عُرفت باسم Kynokephaloi أو هؤلاء ذوي "الرؤوس كرؤوس الكلاب"، حيث يعيشون في الكهوف، ويقومون بصيد الحيوانات المفترسة، ويرتدون جلودها، ويفترشون القش للنوم، ويجامعون نسائهم كما يفعل "الكلاب".[70] ويضيف كتيسياس أيضا أنهم كانوا يتخذون من "الكلاب" عونًا وسنداً في أعمال الصيد، فضلاً عن ذلك فقد كان لديهم خبرة كبيرة في صناعة "الرمث" تلك القوارب المسطحة والمصنوعة من جذوع الشجر والنبات، أما الماشية والأبقار فهي تعد ثروتهم الرئيسية. أما نسائهم – على حد قوله – فهم يستحمون مرة واحدة في الشهر وبالتحديد في وقت الحيض [71]
أشار كتيسياس أيضًا إلى "النبيذ الهندي"، والذي كان يعرف بمذاقه الحلو، حيث من المفترض أنّ شُرب النبيذ كان معروف تمامًا في شمال غرب الهند في تلك الآونة، وهو ما تؤكده تقارير "رفقاء الإسكندر الأكبر"، وتدعمه أيضا المصادر الهندية. المعروف أن جيش الإسكندر قد صادف قبائل من منطقة "نيسا"، اعتادوا - بصورة منتظمة - على إقامة مهرجان واحتفال للنبيذ تكريماً لإله الخمر ديونيسوس (قارن أيضًا البيرة المصرية في مواجهتها مع النبيذ الإغريقي من خلال تراجيديا "الضارعات" لأيسخيلوس). أما ميجاسثينيس والذي مكث في منطقة "باتاليبوترا"، فهو يرى أنه عدا المناسبات التي تتعلق بفترة الأضاحي فإن الهنود لا يحتسون النبيذ مطلقًا.[72]
قضية أخرى يتعين علينا أن نشير إليها، وهي تلك التي تتعلق بكم الثروات الطبيعية الهائلة التي تتمتع بها الهند (الذهب، الفضة...الخ)، وهذا الازدهار الاقتصادي والتجاري الذي عُرفت به. المعروف أن الإغريق الأوائل بدأت معرفتهم بالهند – كما سبق أن أشرنا - مع اكتشاف الطريق البحري المؤدي لها من خلال الرحلة الاستكشافية التي قام بها سكيلاكس، والتي أدت وساهمت بدورها إلى تعظيم النشاط التجاري بين الحضارتين، وتكوين المراكز الحضارية في شمال غرب الهند. لقد لاحظ الإغريق المنتجات الزراعية والصناعات الهندية المختلفة التي كانت دائمًا موضع جذب واهتمام كبير من قبل أنحاء مختلفة من الإمبراطورية الفارسية. فقد أشار الإغريق وعلى رأسهم هيرودوتوس، وكتيسياس إلى نبات القطن، حيث وصفه هيرودوتوس وكأنه نبات بري أو (شجرة برية..!!) تحمل أعلاها كم من "الصوف" بدلاً من الفاكهة، وهو – على حد قوله – يتفوق على مثيله من الأغنام في النوعية والملمس وفي الجمال أيضا، حيث يستخدمه الهنود في صناعة الملابس (Hdt. Hist. 3. 106.10-13). المعروف أن إشارة هيرودوتوس حول "نبات القطن" تعد الأولى من نوعها في النصوص الإغريقية، على الرغم مما جاء بها، حيث أن القطن ينمو - في الحقيقة - على "شجيرة" وليس على "شجرة" كما فهم هيرودوتوس ونقله لنا.[73]    
تجدر بنا الإشارة هنا إلى أن الحديث عن الملابس والأقمشة القطنية قد ورد ذكره أيضا من خلال عملكتيسياس Indika على أساس أنها ملابس قد تم تصنيعها من خلال بعض المواد التي استمدت من تلك الشجرة. يتعين علينا أن نشير هنا أيضًا إلى أن روايات وحكايات كلا من هيرودوتوس وكتيسياس - بعيدًا عن نبات القطن والملابس القطنية قد احتوت على عديد من الإشارات حول عيدان القصب أو ما يعرف بنبات "البوص" . يذكر كتيسياس أن الهند تنتج نبات "البوص" بكميات وفيرة (Ktes., F. 1b; Diod, II, 17).
قضايا أخرى تناولها الإغريق بصورة موجزة حول الهند وحضارتها وبالتحديد فيما يتعلق بالحياة الدينية هناك، ومظاهر نبوغهم في علوم الطب، وأخيرًا ما يسمى بالأعراق الأسطورية للهنود.[74] فحول الحياة الدينية، تحدث عديد من الكتاب الإغريق والرومان عن "عبادة الشمس" وانتشارها في معظم أرجاء الهند، وعلى أساس كونها أيضًا الديانة السائدة هناك. (أنظر على سبيل المثال من بين كتاب الحقبة الرومانية كلاً من: إيليانوس، وفيلوستراتوس، وكليمنيس، وأخيلليوس تاتيوس وأخيرًا هيروكليس). تجدر الإشارة هنا أيضًا إلى أن التأثير الفارسي على المناطق الحدودية، قد ساعد على انتشار "عبادة الشمس" في الشمال الغربي من الهند، ومنها إلى بقية أرجاء الهند القديمة. المعروف أن كتيسياس ومن خلال عمله Indika أشار إلى نوع من الطقوس والعبادات التي تربط بين الشمس والقمر، والتي ربما كانت منتشرة بين قبائل معينة في الشمال الغربي من الهند.[75] أما بالنسبة لنبوغهم في علوم الطب وذلك المستوى الصحي الفريد الذي يتمتعون به عن سائر الحضارات، فقد أخبرنا كتيسياس أن الهنود لم تصيبهم على الإطلاق أوجاع الرأس (ما يسمى بالصداع)، أو ما يعرف بآلام الأسنان، أو أمراض العيون، أو أية نوع من الالتهابات أو القروح في أي جزء من أجزاء أجسادهم، فضلاً عن ذلك فهم يتمتعون بطول العمر حيث تصل أعمارهم إلى 150 عامًا، وفي بعض الأحيان إلى 200 عامًا. ويرجع الفضل في ذلك كله إلى نظامهم الغذائي البسيط الذي يتبعونه في حياتهم.[76]
على أية حال وبعيدًا عن ماذا عرفه ونقله الإغريق عن الهند وحضارتها، فالسؤال المطروح الآن ينحصر فيما عرفته الهند عن الإغريق وحضارتهم، وهل تغلغلت الهيللينية في أحشاء الهند القديمة، وهل تأثرت الهند بمفردات ومنظومة التفرد الحضاري الإغريقي. هذا السؤال حاول Banerjee الباحث الهندي أن يجيب عليه عام 1919 من خلال دراسته الهامة التي اتخذت عنوان: India Hellenism in Ancient، فضلاً عن ذلك فقد طرحة Childe بعد ذلك في دراسته التي نشرها عام 1939، مفترضًا أن الآريين ربما كانوا مدمرين أكثر من كونهم صناع للحضارة الهندية.[77] أما Tarn فقد سبقهما من خلال دراسته التي نشرت عام 1902 تحت عنوان Nots on Hellenism in Bactria and India.[78] يذكر Banerjee - من ناحية - أنه مع قدوم الإسكندر الأكبر إلى إقليم البنجاب – وكما هو معروف – فإن حقبة جديدة في تاريخ الهند قد بدأت بالفعل، كان من نتائجها انفتاح الهند ودخولها في علاقات عميقة وقوية مع جيرانها من الأقطار الأخرى الأجنبية، مقارنة بما كانت عليه قبل ذلك. المعروف أن الجانب الغربي من الهند ولمدة تزيد عن أكثر من 250 عامًا، كان يقبع تحت حكم الملوك الإغريق. وحتى بعد توقف وتقلص الدور الذي لعبه الحكام الإغريق في تلك الفترة، فقد أخذت مدينة الإسكندرية - من جانب آخر ومن خلال علاقاتها التجارية والبحرية مع الهند – في استكمال ودفع مسيرة هذا التواصل الحضاري حتى القرن الرابع الميلادي. وقد أدى كل ذلك – والحديث ما زال لـ Banerjee- إلى تفعيل النموذج والتأثير الهيلليني على عديد من مفردات الحضارة الهندية، نذكر منها على سبيل المثال فن العمارة والنحت الهندي، بالإضافة إلى فن سك العملة، وأخيرًا ما تسرب من تأثير لخبرات إغريقية إلى الهند وبالأخص في مجال علم الفلك. على أية حال الواضح أننا يجب ألا نسهب ونبالغ أيضَا في التأثير الهيلليني في معظم نواحي حضارة الهندية القديمة كما يؤكد Banerjee. فقد خلُص Banerjee في ختام دراسته حول تلك الإشكالية - التي تتعلق بمدى تأثير الهيللينية على حضارة الهند وثقافتها - إلى أن مصادر كلاً من الفلسفة، والديانة، بالإضافة إلى الأسطورة الهندية قد اشتقت من منابع مستقلة تمامًا عن أي تأثير إغريقي، على الرغم من أن تطورها قد سار بشكل متوازي مع مثيلها الإغريقي. ولكنه في نفس الوقت يستطرد حديثه مؤكدًا – كما سبق أن ذكرنا – أن الهند تدين إلى اليونان بتطوير المجال المعرفي الخاص بعلوم الفلك، وعلم سك العملة، مع أن بدايتهما – كما يعتقد Banerjee- تعد هندية الأصل ولا تعود إلى بلاد اليونان. أما بالنسبة لكل من الشعر الملحمي والغنائي، بالإضافة إلى علم النحو، وفن الكتابة، وأخيرًا الدراما، والرياضيات، فهي أمور لم تكن في حاجة إلى الانتظار لتدخل أية مبادرة أو تأثير هيلليني قادم من بلاد اليونان.[79] يضيف  Banerjeeأن الأشكال المعمارية المحلية بتفاصيلها الدقيقة للفنانين الهنود - ربما وبشكل خاص – قد أثرتها الثقافة الإغريقية عن غيرها دون أن تسعى - في نفس الوقت - لأن تفقدها أصالتها.[80]           
خلاصة القول فيما سبق ذكره، وطبقًا لما ذكره Arora، وذلك من خلال الكتابات اليونانية بدء من سكيلاكس حتى أرسطو، فإن الهند من ناحية والهنود من ناحية أخرى قد وُضعوا في مكانة عالية للغاية، حيث صورهم الإغريق في أبدع الصور، وكأنهم مثال الكمال وغايته (قارن ذلك مع الرؤية الإغريقية وموقفها تجاه الحضارات القديمة الأخرى كمصر، وفينيقيا، والفرس، وإثيوبيا...!!)؛ فقد وُصفت الهند بجمالها الساحر، وبحسن وطيب مُناخها، وبوفرة ثرواتها، وتفوق حيواناتها لضخامة أجسامها، وخصوبة أرضها، فهي الأكبر مساحة وعددًا على تلك الأرض المعمورة، فعلى حدودها الجغرافية تنتشر وتقبع كميات هائلة من الذهب والفضة والحديد والنحاس، بالإضافة إلى الأحجار الكريمة، وهي كلها عوامل تجعلها أكثر ثراءً وترفًا ورفاهية عن غيرها من البلدان والحضارات. أما بالنسبة للهنود فالمعروف أن كتيسياس – الذي انصب اهتمامه بشكل رئيسي في وصف عجائب وغرائب الهند – يعد الأول في نسب صفة "الاستقامة والعدل" للهنود (dikeotatoi). فقد وصفهم أيضا بأنهم الأكثر عدلاً وإتباعًا له، والأفضل خلقًا، المحبون للحقيقة، والمفطورون على الاستقامة وحب الإله، والأطول عمرًا، حيث تصل أعمارهم ما بين 120 حتى 200 عام، متمتعين على الدوام بالصحة وسلامة الأبدان، فهم يتبعون نظام غذائي غير معقد، ممتنعون أيضًا عن شرب الخمر.[81] كما أعجب – إضافة إلى ذلك - بإحساسهم بالعدالة والولاء الدائم إلى ملكهم (قارن موقف بيلاسجوس المتعنت تجاه بنات دناؤوس والرسول المصري وانتقاده للنظام الملكي في مصر، ودعمه للنظام الديمقراطي لمدينته من خلال تراجيديا "الضارعات" لأيسخيلوس).[82] نيارخوس من ناحيته مدح الإبداع الهندي في كافة مجالات الفنون (وهي نفس رؤية ميجاسثينيس)، أما أونسيكريتوس فقد شغفته جوهر الفلسفة الهندية وحياة الفلاسفة الهنود العراة (Gymnosophists)، الذين تخلوا عن كل مظاهر ومتع الحياة المادية، وذلك انعكاسا لتأثره بالفلسفة الكلبية.[83] من ناحية أخرى فقد أعجب ميجاسثينيس – كما فعل أونسيكريتوس من قبل – ببساطة أسلوب معيشتهم، على الرغم من تمتعهم بهذا الكم الهائل من الثروات. أما أونسيكريتوس بالإضافة إلى ميجاسثينيس فقد تحدثا عن غياب مفهوم الرق والعبودية في كافة أنحاء الهند، فسكانها جميعًا أحرار، ليس بينهم هندي واحد من الرقيق. وقد وصفهم ميجاسثينيس بأنهم لا ينطقون كذبا، فهم يقولون قول الحق؛ متبعون للفضائل والقيم، يعتنون بالغرباء والأجانب، ولا يسرقون إلا نادرًا؛ وهم أناس أقرب إلى الروحانية منها إلى المادية؛ يتمتعون بصفة الإحسان والكرم ليس فقط على البشر ولكن أيضًا على كافة الحيوانات.  [84]     
 الحقيقة أن هذا العرف وهذا التقليد في إضفاء صفة "المثالية والكمال" كسمة عامة للهند وللهنود، والذي رسخه كتيسياس وكسينوفون، ثم أتباع الإسكندر الأكبر فيما بعد، قد أستمر خلال الحقب المتعاقبة للإمبراطورية الرومانية (أنظر أعمال سترابون، أيليانوس، فيلوستراتوس، ديونوسوس بريجيتيس، ديون-خريسوستوموس وغيرهم)، وهو أمر – كما نعتقد - لم تنله من قبل أية حضارة أخرى بهذا القدر، وبالأخص في شراكتها وتفاعلها مع اليونان (قارن على وجه الخصوص النموذج المصري، والفارسي، والفينيقي).[85] على أية حال، الواضح أن تصوير الهند بأبدع الصور وجعلها في أكمل الصفات، بالإضافة إلى إضفاء صفة المثالية عليها، هو أسلوب – كما يرى  Arora- قد أقترن أيضًا بحضارات ومناطق أخرى بعيدة في هذا العالم القديم، وهو ما أتضح من خلال الكتابات اليونانية المبكرة. يذكر Arora أن هوميروس أشار إلى هؤلاء الإثيوبيين قاطني أقصى الجنوب على أنهم أقوام تتمتع بالفطرة والبراءة والطهر، أما تلك الأقوام ساكني مناطق أقصى الشمال، فقد وصفهم بنداروس على أساس أنهم يعيشون حياة رغدة بهيجة مليئة بالنعيم والهناء. أيسخيلوس من ناحيته أعتبر أقوام "الجابيGabii " هم الأكثر عدًلا، المحبون للأجانب والغرباء، فضًلا عن ذلك فقد أعتبر ااـScythians في أقصى الشمال بأنهم الأكثر طاعة وإذعانًا للقوانين (evnomoi).[86] الحقيقة أن تلك النماذج والأمثلة التي طرحها وساقها إلينا Arora، لا تقارن بأي حال من الأحوال بالقيمة الحضارية لكل من مصر وبلاد فارس وفينيقيا. يبدو بالنسبة لي - طبقًا لما سبق ذكره - أن Arora يستبعد هنا بشكل واضح مسألة إنفراد أو استثناء الهند من صفة المثالية التي منحتها إياها الكتابات الإغريقية. المعروف أن ذاك الكمال وتلك المثالية – كما سبق أن ذكرنا - لم تنالها حضارة مصر - على سبيل المثال - أثناء معالجة الإغريق "للحالة المصرية" في كتاباتهم (قارن أيضًا موقف الإغريق العدائي من الفينيقيين والفرس).[87] المعروف أن هناك بعض الانتقادات قد وجهت لمصر من قبل الإغريق طبقًا لبعض الدراسات الغربية المعاصرة، وبالتحديد في مرحلة ما يعرف بالازدهار والنبوغ الحضاري الإغريقي في القرن الخامس ق.م، أو على خلفية الصراع العسكري الإغريقي – الفارسي، فضًلا عن ذلك فإن الفينيقيين والفرس لم يسلموا هم أيضًا من مشاعر الندية والمنافسة أو حتى الكراهية من آن إلى آخر من قبل نظرائهم الإغريق. علي أية حال ما سبق ذكره قد يدفعنا – بصورة ملحة – إلى طرح هذا التساؤل بعد هذا العرض الذي تميز بالإسهاب، وربما أيضًا بالإطالة يتعلق بإشكالية هذا البحث والأسباب التي دعت إلى الخوض فيه. الحقيقة أن خصوصية العلاقة بين الإغريق وحضارة الهند – والتي تبدو وكأنها علاقة ذات طبيعة خاصة متميزة، مقارنة بعلاقة الإغريق بحضارة "مصر" أو "فينيقيا" أو حتى "الفرس" على أسوء تقدير، كما سبق أن ذكرنا، هي التي أثارت انتباهي، ودفعتني إلى الخوض في هذا الموضوع، محاولا إيجاد تفسير لخصوصيتة تلك العلاقة، والأسباب التي - ربما - دعت الإغريق لتفضيل وتمييز حضارة ما عن أخرى، أو على الأقل الرغبة في إحداث مقارنة فيما بينهما؛ فضلاً عن ذلك، البحث عن إجابة لمحاولات Arora المتكررة في عزل الهند وحجبها عن بقية حضارات الشرق (مصر، بلاد فارس، فينيقيا)، كما حدث - على سبيل المثال – عند حديثه عن إشكالية طبيعة الحاكم والنظام السياسي في بلاد الشرق (أنظر أعلاه)، ولذلك لإضفاء مزيد من الخصوصية والتفرد للحالة الهندية.
 يذكر Arora أن مصر - أو مصر مقرونة بإثيوبيا - تعد المقياس (أو النموذج) الذي تمكن الإغريق من خلاله من تكوين منظور محدد حول حضارة الهند.[88] وقد تشكل هذا التقليد من خلال "رفقاء الإسكندر" الذين أصابتهم حيرة ما من جراء تلك الظواهر الطبيعية غير المألوفة لهم، والتي تختص بها حضارة الهند. الواضح أن مناخ الهند الذي يتميز بشدة حرارته، مع ما تتمتع به الهند من أنهار، ونباتات، وطيور، وحيوانات....الخ، تعد كلها عوامل قد ساهمت بشكل فعلي لكي تذكر الإغريق دائمًا بحضارة "أرض النيل"، فضلاً عن ذلك فقد ساعدت – في نفس الوقت - على إثارة عديد من المقارنات حول الظروف المناخية، والطبوغرافية، والمائية (الهيدروغرافية) لكلتا الحضارتين (المصرية، والهندية)؛ وهو ما يمكن أن يلاحظ – على سبيل المثال - من خلال ما أحدثه أونسيكريتوس من مقارنة للخصائص الطبيعية لكل من منطقة Hyphasis في الهند، ومدينة Syene في مصر، وبالتحديد فيما يتعلق بقضية تعامد الشمس، ومد الظل في فصل الصيف (في منتصف النهار) لتلك المناطق الواقعة على طرفي خط الاستواء. إضافة لما سبق ذكره، فقد سعى المقدونيون وعكفوا على دراسة الأنهار الهندية، آخذين دائمًا في اعتبارهم وفي مخيلتهم نموذج نهر النيل. يذكر نيارخوس أن الإسكندر قد شاهد التماسيح في منطقة Hydaspes، والبقول المصرية في منطقة Akesins، معتقدًا أنه اكتشف بذلك منابع النيل، فضًلا عن ذلك فقد كان الإسكندر على وشك إعداد أسطولا، آملاً من خلاله الوصول إلى مصر عن طريق هذا النهر، إلا أنه أدرك في نهاية الأمر أنه مشروع عقيم لا فائدة منه. على أية حال، الواضح أن المقدونيين أشاروا إلى نقاط عديدة تصلح للمقارنة بين نهر النيل وبين الأنهار الهندية. نيارخوس – على سبيل المثال – ربط بصورة مباشرة بين ارتفاع منسوب أنهار الهند بسبب تساقط الأمطار الصيفية من ناحية، وبين ارتفاع منسوب المياه في نهر النيل لنفس السبب من ناحية أخرى.[89]
على أية حال وبعيداً عن مسألة تشابه أنهار الهند بنهر النيل، فقد لاحظ كتاب الإغريق أيضًا عديد من سمات التشابه بين نباتات وحيوانات الهند، ومثيلها في مصر – وإثيوبيا. ففي جنوب الهند - على سبيل المثال – تتوفر بكثرة وفي شتى أنحائه نباتات كنبات "القرفة" و"العنبر" وغيرها من النباتات العطرية، كما هو الحال في بلاد العرب وإثيوبيا. فضًلا عن ذلك فإن أنهار الهند تعج بكل حيوانات أنهار مصر وإثيوبيا، عدا في ذلك حيوان "فرس النهر"، على الرغم من أن أونسيكريتوس أكد على وجوده هناك. الحقيقة أن الإشكالية لم تقف عند عناصر وسمات التشابه بين الحضارتين (المصرية، والهندية)، فقد ذهب رفقاء الإسكندر إلى أبعد من ذلك، عندما أقروا أن الحيوانات "البرية" و"المائية" في الهند تتميز بضخامة حجمها وكثرة عددها، مقارنة بمثيلتها في مصر. وقد أرجعوا إسناد هذه الظاهرة إلى تفوق عنصر "الخصوبة" في الهند عنه في مصر.[90] يذكر Arora أنه على الرغم من تشابه درجة الحرارة في الهند معها في مصر – وإثيوبيا، باعتبار أن أشعة الشمس مصدرها، إلا أن الهند تتفوق عليهما بغزارة مياهها، التي هيأت الجو بشكل عام لكي يكون رطبًا، وبالتالي أكثر إنتاجًا ونمائًا ووفرة (أنظر ضخامة الحيوانات الهندية ومدى كثرة عددها). على أية حال، أونسيكريتوس من جانبه أشار إلى أبعد من ذلك، وهو أن مياه النيل بينما تسلك - وفي خط مستقيم - مناطق طويلة وضيقة من البلاد، إلا أنها تتعرض لتغيرات مٌناخية وجوية عديدة. أما أنهار الهند – وعلى العكس من ذلك – فهي تفيض في سهول ممتدة أكثر عرضًا وطولاً، متمتعة بمناخ واحد لا يتغير، ومن هنا فهي تتميز بالثراء والنماء والخصوبة مقارنة بما يتميز ويتمتع به نهر النيل.[91]
الواضح، وطبقًا لما سبق ذكره، أن الإغريق اعتمدوا على نظرية "البيئة والمناخ" في تفسير وشرح تفوق الحيوانات الهندية في الحجم مقارنة بتلك التي تعيش في كل من مصر وأثيوبيا، كما ساعدتهم أيضًا في مقارنة الخصائص والملامح الجسدية، بالإضافة إلى لون بشرة شعوب تلك الحضارات. فقد لاحظ الفيلسوف الرواقي بوسيدونيوس – على سبيل المثال - أن الهنود قد كُوّنوا بشكل أفضل جسدياً مقارنة بالإثيوبيين، وهذا يرجع إلى حقيقة أن الهنود أقل ظَمأَ من الإثيوبيين بسبب جفافِ مناخهم...!!![92] أما بالنسبة للون بشرة الهنود مقارنة بالمصريين والإثيوبيين، فيذكر Arora أنها داكنة اللون، فهم يتمتعون بسمرة الوجه، لكنها لا تصل - مع ذلك - إلى الحد الذي عليه الإثيوبيين. هيرودوتوس من ناحيته تحدث عن تطابق وتشابه لون بشرة بعض الهنود  للإثيوبيين Herod. III. 101)). أما رفقاء الإسكندر فقد رأوا أن الهنود هم أكثر سكان المعمورة سمرة، مع استثناء الإثيوبيين في ذلك. يقال أيضًا أن هؤلاء الهنود ساكني أقصى جنوب الهند هم الأقرب إلى الإثيوبيين، وبالتحديد فيما يتعلق بسمرة بشرتهم، وسواد شعرهم، عدا ما كان يتميز به الإثيوبيون من شعورٍ مجعدة، وأنوف فطسة. على أية حال الواضح أن الهند قد قورنت بمصر من قبل الإغريق في شتى المجالات ومعظم شئون الحياة؛ فقد ماثل الإغريق – على سبيل المثال – بين دلتا نهر "إندوس" المعروفة باسم "باتالين" بدلتا نهر النيل في مصر، فضًلا عن ذلك فقد قدرت مساحة مملكة "تاكسيل" على أساس جملة مساحة مصر. نيارخوس أيضا كانت مصر دائمًا في مخيلته، عندما تحدث عن الأطباء والحكماء الهنود الذين لهم القدرة على تطبيب لدغات الثعابين، بالإضافة إلى علاج وشفاء أية أنواع أخرى من الأمراض والآلام.[93]
على أية حال - وطبقًا لما ذكره Arora - فإن الكتاب الكلاسيكيين في تناولهم لموضوع الهند قد حاولوا ترسيخ مبدأ تفوق الهند على مصر، وذلك ربما لمجابهة ومنازلة هؤلاء الكتاب الإغريق الذين فتنوا وولعوا بمصر وحضارتها...!! إن مفهوم "إجهاض الحضارات" (aboriente lux) الذي تردد كثيرًا وبصورة متكررة في الحقبة الهيللينستية، قد جعل بعض اليونانيين من أنصار الحضارة المصرية لكي يؤكدوا علو وتفوق مصر وحضارتها على غيرها، بينما سعى البعض الآخر ممن تعلقوا بالهند وحضارتها لكي يلصقوا بها تلك الحقيقة وينسبوها لها. رفقاء الإسكندر على سبيل المثال – الذين يعدوا أول من أعطوا صورة ونظرة صادقة عن الهند وحضارتها – جعلوا الهند أكثر تفوقًا وعلوًا بسبب – كما سبق أن ذكرنا – مناخها الأكثر إنماءً وتأثيرًا على الحياة. الحقيقة أنه لم يمض وقتًا طويلاً على تلك الرؤية وهذا التصور حتى ظهر عمل ميجاسثينيس حول الهند بعنوان Indika، والذي جاء ردًا مباشرًا وصورة طبق الأصل – من حيث الشكل والمضمون والتوجه – لعمل هيكاتايوس من أبديرا ( B.C.290-360) حول مصر، والذي اتخذ عنوان Aegyptiaka. المعروف أن عمل هيكاتايوس يعد نوعًا من الدعاية الصريحة لمصر وحضارتها من الناحية السياسية والفلسفية إبان الحكم البطلمي. أما Indika ميجاسثينيس – من ناحية أخرى - فقد جاءت ردًا مباشرًا على ما جاء به هيكاتايوس من توجه وولع مفرط بمصر، لكي تثبت لنا – من جانب آخر - أن الهند أفضل مكانة منها؛ فهي دولة نموذجية (تتميز بالمثالية)، يتربع على قمة هرمها طبقة الفلاسفة، فضلاً عن ذلك فإن كل الحضارات الأخرى على أرض المعمورة تنبع وتستمد مقوماتها الحضارية من حضارة الهند وليس من مصر.[94] المدهش وطبقًا لما ذكره Arora فإن الهند في حقبة الإمبراطورية الرومانية، قد وضعت أيضًا في مكانة أعلى وأرفع من مصر، وذلك بسبب حكمة فلاسفتها وثقل مفكريها. يذكر "لوكيانوس" أن الفلسفة حطت أولاً بالهند، ومن هناك قامت بالسير نحو إثيوبيا، ثم بعد ذلك إلى مصر، ومن أرض مصر إلى كافة أقطار المعمورة. فضلاً عن ذلك، والحديث ما زال لـ Arora- فإن النظرية التي تعترف بمصر كمصدر للحكمة والفلسفة قد أُسقطت وتم تكذيبها فيما بعد من خلال فلاسفة مثل بيثاغوراس، وديموكريتوس، وأفلاطون، وليكورغوس، وديمتريوس، الذين أقروا جميعًا أنهم تأثروا فكريًا وفلسفيًا بحكماء الهند (المعروف أن الإغريق قد عرفوا البوذية وتأثروا بها أثناء وجودهم في منطقة قندهار).[95] وهو نفس ما يؤكده Karttunen، حيث يشير إلى وجود قائمة حديثة لأحد عشر فيلسوفًا إغريقيًا من الفترة المبكرة، من المفترض تبنيهم لأفكار فلسفية مشتركة مع نظائرهم الهنود، وهم على النحو التالي: ثاليس، وبيثاغوراس، وكسينوفانيس، وهيراكليتوس، وبارمينيديس، وأناكساغوراس، وإمبيدوكليس، وأفلاطون، وهسيودوس، وأرسطو، ويموكريتوس.[96]  فيلوستراتوس – على سبيل المثال ومن خلال عمله "أسفار أبولونيوس من تيانا" – أشار إلى حوار ممتع وشيق بين فيلسوف مصري من طيبة، وبين أبولونيوس حول المسألة المتعلقة بحكماء وعقلاء الهند وأمثالهم في مصر، وأي منهما يستحق الاستعلاء والتفوق على الآخر. وقد انتهى النقاش فيما بينهما لصالح الهند، إلى درجة أن الفيلسوف "الطيبي" قد اقتنع وقبل حقيقة أن المصريين قد أخذوا معرفتهم بالحكمة من الهنود، وذلك بسبب كونهم أكثر عمقًا وقربًا من الآلهة مقارنة بهم.
يذكر Arora - من ناحيته أيضًا - أن الحقبة الهيللينستية قد أزاحت أية موانع أو حواجز تقيد وتعوق توحد وتواصل الشرق بالغرب، مقارنة بحقبة بيركليس ذات التوجه المركزي والفكر العنصري (قارن أيضًا كتابات أفلاطون وأرسطو)، وحقبة الإمبراطورية الرومانية. وأنه من خلال تلك الحقبة الجديدة - التي يمكن أن تعرف "بالمنظومة الكونية أو العولمة" - فقد لعبت الفلسفة الرواقية دورًا هامًا في نشر ما يعرف بمفهوم "أَخَوية العالم ووحدته"، والذي يمكن أن ندركه من ملاحظة إراتوسثينيس الهامة، التي يرى فيها "أنه من الأفضل أن يُصنف العالم والجنس البشري من معيار أخلاقي يتعلق بالفضيلة والرزيلة، وليس على أساس عرقي في كونه إغريقيًا أو أجنبيًا (barbaros)؛ فعديد من الإغريق قد يُتصفوا بالقبح وسوء الخلق، وقد يُتصف عديد من الأجانب بالتحضر ونبل الأخلاق". ومن تلك الشعوب الأجنبية المتحضرة فقد استشهد إراتوسثينيس بالهنود كأول تلك الشعوب، يأتي من بعدهم الرومان، ثم الفرس، وأخيراً القرطاجيون.[97] على أية حال ما سبق ذكره يمكن تلخيصه على النحو التالي:
أولاً: أن رفقاء الإسكندر الأكبر يعدوا أول من نهجوا هذا التقليد في وضع الهند من ناحية ومصر مقرونة بإثيوبيا من ناحية أخرى في دائرة المقارنة، متأثرين بالاعتقاد بأن البحث في مصادر نهر النيل يبدأ من نهر إندوس؛ فعلى الرغم من أنهم أدركوا خطأ وفشل هذا الظن إلا أن المقارنة بين الحضارتين (مصر والهند) أصبحت أمر حتمي لا رجعة فيه، وذلك بسبب وجود عديد من السمات المشتركة القابلة للمقارنة – كما سبق أن ذكرنا - بين تلك الحضارتين (أنظر على سبيل المثال الخصائص المشتركة لطبيعة أنهار كلتا الحضارتين "إندوس، ونهر النيل"، بالإضافة إلى ما يتميز به كلا البلدين من مناخ حار).
ثانيًا: أن عمل ميجاثينيس حول الهند المعروف بـ  Indikaجاء - في حقيقية الأمر - ردًا على دراسة هيكاتايوس حول "مصر" والتي اتخذت عنوان Aegyptiaka، وذلك لإقناع الآخرين بعلو مكانة حضارة الهند وتفوقها على مصر.
ثالثًا: أن تفوق واستعلاء الهند على مصر، قد أرجعه الإغريق إلى نبوغ الهند في فروع علم الفلسفة، وأن مسألة أن مصر هي مصدر الحكمة والفلسفة، قد تم تكذيبها والعدول عنها من خلال كتاب وفلاسفة الحقبة الرومانية.[98]
على أية حال يبقى الحديث دائمًا وأبدًا وهو ينحصر في تلك التساؤلات التالية: لماذا تم تفضيل الهند على حضارة مصر واستثنائها بتلك الصورة المثالية عن كافة حضارات الشرق، في وقت اعترف فيه Arora مع كثير من كتاب الإغريق من قبل على أن المماثلة والتشابه بين الحضارتين هو أمر – إلى حد ما – حتمي لا يمكن تجاهله أو غض الطرف عنه؛ وعلى الرغم من توجه الإغريق والرومان القائم - في عديد من الفترات - على مبدأ العنصرية والاستعلاء نحو حضارات الشرق. فضلا عن ذلك ما هي الأسباب التي دعت الكتاب الإغريق إلى هذا التناحر وتلك المواجهة التي من المفترض أنها تمت فيما بينهم؟ بمعنى آخر لماذا انقسم الإغريق على أنفسهم بين من هم مولعين بمصر وحضارتها من جانب، وآخرين عاشقين وموالين للهند وحضارتها من جانب آخر؟ الحقيقة أننا مازلنا نتساءل هنا حول الأسباب التي دعت ودفعت هؤلاء الكتاب الإغريق للإيقاع بين تلك الحضارتين ووضعهما في دائرة المفاضلة والمقارنة، ولماذا أشعل هؤلاء الكتاب خيوط الصراع الحضاري بين كل من مصر والهند، في وقت كانت مصر تقبع تحت وطأة الاحتلال الإغريقي لها (ما يسمى بالعصر البطلمي)، وفي وقت كانت تعاني وتأن من شيخوخة وترهل حضاري قد ألم بها؟ صحيح أننا لا نستطيع أن ننكر أن ملامح التشابه بين حضارة مصر والهند هي عديدة وكثيرة، فهما يمثلان – كما هو معروف - الشرق بكل خصائصه وملامحه. على أية حال تجدر الإشارة هنا إلى إننا لا نرغب ولا نسعى من خلال تلك الورقة البحثية – بأي حال من الأحوال - في أن نقلل أو ننكر على الهند ولا على الهنود تلك المكانة العالية المرموقة التي اعتلتها مقارنة بمصر وحضارتها، وتلك "المثالية" بكل توجهاتها التي وصفهم إياها "كتيسياس"، وكسينيفون، ورفقاء الإسكندر، بالإضافة إلى غيرهم من الكتاب الإغريق (راجع نيارخوس، أونسيكريتوس)، ونقلها لنا بصدقArora  الهندي المولد والنشأة فيما بعد. الحقيقة أنني لا أزعم – أيضًا وبشكل مؤكد - أن مشاعر القومية والوطنية، قد أثرت بطريقة غير مباشرة على العالم Arora ذو الأصول الهندية، وبصورة تخالف منطق الأعراف العلمية والأكاديمية. يتعين علينا أن نشير هنا إلى أن الباحث الغربي الفنلندي Klaus Karttunen - ومن خلال دراسته الهامة والتي نشرت عام 1989، والتي سبق الإشارة إليها والتنويه لها أكثر من مرة – تعامل مع تلك المفاضلة بصورة عابرة وبمنهجية مختلفة عن تلك التي تعامل بها Arora، حيث أنه لم يسع إلى إثارتها استنادا إلى طرح قائم على صراع حضاري قديم بين مصر والهند. يذكر  Karttunenأن كتابات ميجاثينيس لم تكن تهدف إلى تحريف وتشويه الحقائق حول الهند، لكن ميجاثينيس - وبفكر إغريقي - نقل لنا خبراته الهندية في إطار أيديولوجي إغريقي، وبتصور يخلص إلى إدراك الهند وكأنها "يوتوبيا إغريقية".[99]
الحقيقة أن الإجابة حول تلك التساؤلات التي سبق ذكرها يمكن تلخيصها على النحو التالي:
أولاً: أن مسألة التباعد بين الهند واليونان على الصعيد الجغرافي، وأيضًا الإنساني قد ساعد على تشكيل وبلورة تلك الصورة النموذجية المثالية التي أفضنا في الحديث عنها من قبل، أما حميمية العلاقة والتفاعل الدائم (بين شد وجذب)، والتلاحم الحاصل بين مصر واليونان بسبب هذا التقارب الجغرافي والإنساني، فقد ساهم في رسم تلك الصورة التي قد تكون أقرب إلى الواقع وإلى الحقيقة عن كونها من وحي الخيال (أنظر على سبيل المثال رؤية هوميروس للفينيقيين من خلال الأوديسيا، والتي اتسمت بالحذر والتشاؤم لدرجة أنه وصفهم وكأنهم لصوص، يقومون دائمًا على خطف الأطفال).[100]
ثانيًا: تأثر الإغريق بصورة واضحة بالفكر الفلسفي الهندي، الذي يرتكز على منطق البساطة وعمق الجوانب الروحية بين جنباته، بعيدًا عن طغيان الفكر المادي بكل توجهاته والذي استشرى بالفعل في ردهات الجسد الإغريقي على مر العصور. الحقيقة أن هذا  التباعد وهذا الصراع بين هذين النقيضين (الروح، المادة) يمكن أن يتجسد من خلال ما أحدثه الإسكندر الأكبر من فتوحات تعتمد على منطق الحرب وإراقة الدماء بهدف تحقيق رغباته، في وقت أبى فيه أي حاكم هندي يؤمن بالعدالة والحق أن يتعدى شبر واحد من حدود بلاده إلى بلد آخر ليغتصب حق من حقوق الآخرين.....!! ما سبق ذكره قد يفرض علينا أن نشير إلى حديث الحكيم الهندي – كما نقله لنا أريانوس - عند رؤيته للإسكندر الأكبر واقفًا أمامه، حيث قال له:
"أيها الملك، يا إسكندر.....، إن كل إنسان يمتلك من هذه الأرض بقدر تلك البقعة التي نقف عليها، وأنت كرجل مثل كل الرجال مفعم بالحيوية والنشاط.... جئت من بلاد بعيدة .... من وطنك ..... وقد ملكت الأرض.... تجوبها طولاً وعرضًا، فأجهدت نفسك وأتعبت الآخرين من حولك من جراء طموحاتك، ولكن اعلم بأنك - وكسائر البشر - ستفنى يومًا ما، ولن تحصل من هذه الحياة إلا على ذلك القدر القليل من الثرى الذي ستوارى فيه....." [101]
  المعروف - من جانب آخر - أن صورة الهند لم تصاغ دراميًا على خشبة المسرح أمام الجمهور الإغريقي، كما حدث لمصر (قارن فينيقيا، الفرس، إثيوبيا) من خلال التراجيديا أو الدراما الإغريقية بصورة عامة، وهذا يؤكد من ناحية أخرى أن التفاعل مع مصر وحضارتها – على سبيل المثال - مقارنة بالهند كان أقوى وأعمق، وأن طبيعة العلاقة بينهما ربما كانت تتصف بالندية والمنافسة (بين شد وجذب)، وربما أيضًا بالصراع من حين إلى آخر، وذلك أكثر من كونها علاقة تقوم على الانبهار لكل ما هو غريب وعجيب.[102] أما صورة الهند لدى الإغريق فقد تشكلت طبقًا لما يسمى بأدب الرحلات، وهو ما أدى بها لكي تأخذ هذا البعد المثالي وتلك الرؤية الخاصة، فضلاً عن ذلك فقد تشكلت هذه الصورة في وقت كانت فيه مصر، وبلاد فارس، وسوريا تقبع تحت السيطرة والحكم الإغريقي...!!
على أية حال لا شك أن حالة من الانبهار والإعجاب – كما سبق أن ذكرنا - قد أصابت الإغريق القدماء لكل ما هو جديد وغريب يختلف عن طبيعة حياتهم وأسلوبهم في العيش، فضلاً عن ذلك عادتهم أيضًا في التضخيم والمبالغة في وصف كل ما هو غير مألوف لديهم، وهو ما يمكن أن يطبق على الحالة الهندية التي بين أيدينا والتي وصفت بالمثالية والأنموذج الذي يجب أن يتبع كما سبق أن ذكرنا من قبل. صحيح أن هذا الشعور قد نمى وتشكل بالفعل من قبل نحو الحضارة المصرية القديمة قبل التصاعد المعرفي والاقتراب المباشر من حضارة الهند، في حقبة ما تعرف بأول عولمة في التاريخ الإنساني، لكنني أرى – في نفس الوقت – أن حالة من الندية والتنافس مصحوبة ومغلفة بشيء من العنصرية وإنكار الجميل من المحتمل أنها قد أصابت الإغريق في تعاملهم مع "المسألة المصرية" أو ربما "الفينيقية" مقارنة بالمسألة الهندية. الحقيقة أن ذلك الشعور قد يعود إلى هذا التقارب الجغرافي، والتفاعل على المستويين الثقافي والإنساني بين مصر واليونان مقارنة بالهند التي تبعد نهائيًا عن محيط حوض البحر المتوسط، فضلاً عن ذلك فإن التأثير الحضاري لمصر على اليونان والإغريق والتي هي حقيقة مؤكدة لا تحتاج إلى جدال أو نقاش، قد تحققنا منها الآن وقد اعترفوا بها من قبل، ربما تخلق – وهي عادة الشعوب والحضارات – شعور بالتنصل ومعاداة ذلك المصدر الحضاري المؤثر والمهيمن أو إنكار الجميل له، والذي يتجلى هنا في ثقل مصر الحضاري مقارنة بالهند. خلاصة القول مما سبق ذكره أنه ربما كان من السهل على الإغريق أن يعترفوا بمثالية من هم على بعد من أعينهم وحدودهم بآلاف الأميال، أما هؤلاء (والحديث هنا يخص بالتحديد مصر) الذين على مقربة من حدودهم وتوجههم المركزي في الحياة، فقد عاقبهم الإغريق بتجريدهم من صفة المثالية، وبحجب ثقلهم الحضاري في أي محفل ثقافي.
الحقيقة أن الهند لم تكن في موقع المصدر الحضاري ولا المهيمن الثقافي بالنسبة للإغريق - على الرغم من اتفاقنا في مرور جوانب لا بأس بها من الثقافة والفلسفة الهندية عبر الوسيط الفارسي أو غيره إلى اليونان - بل يبدو أنها كانت بمثابة مصدر لكل ما يبهر الحس الغربي من عجائب وغرائب أو لما يعرف بتلك الخرافات المرتبطة عادة بالشرق، وهي مسألة لا تنفع ولا تضر كثيراً بالعقلية الإغريقية ذات "التوجه المركزي" في الفكر والتصور للعالم. فمن يخرج عن بؤرة هذا التوجه والمنظور المركزي سوف لا يضرها كثيرًا، وهذا واضح في حالة النموذج الهندي، أما النموذج المصري فهو تقريبًا يقترب إن لم يكن يلامس هنا مباشرة نقطة المركزية الإغريقية في تصورها للعالم،[103] فمصر – دون شك - هي جزء كبير من ماضي الإغريق رضوا عن ذلك أم أبوا، وأن الإطاحة بمصر أو إضعافها إما ثقافيًا وحضاريًا أو حتى إجهاض مخزونها الاقتصادي والسيطرة عليه، كما حدث مع بداية حكم الأسرة السادسة والعشرين في مصر أو باحتلالها فعليًا من قبل الإسكندر الأكبر بعد أن أصابها حالة من الترهل الحضاري والشيخوخة، هي مسألة ربما قد أصبحت ملحة من جانب الإغريق لم يعد في الإمكان التأخر عن تنفيذها أو تجاهلها. كان على الإغريق الانقضاض والسيطرة على هذا النموذج المصري الذي عادة ما كان يؤرق دائماً فكرة تفردهم وتفوقهم الحضاري والتي ظهرت وتأكدت بشكل واضح مع النصف الثاني من القرن الرابع ق. م. صحيح أن الإغريق سعوا إلى احتلال الهند مع حملة الإسكندر على قارة آسيا، لكن يبدو أن الهند لا تمثل بالنسبة لليونان بأي حال من الأحوال – كما سبق أن ذكرنا – مصدرًا لقلق حضاري أو منافسة في هذا المضمار في ذلك العالم القديم على العكس بمصر ودورها الحضاري.[104]
إن الهيمنة على الحضارات الشرقية التي سبقت اليونان كمصر والعراق وسوريا والفرس حتى الهند، أصبح يعد مطلب إغريقي لإنهاء هذا الأرق في أية منافسة مستقبلية مع ثقافتها وحضارتها، إلى أن جاء هذا الطوفان الروماني لكي يقضي على هذا الحلم الإغريقي بسيادة العالم لتبقى دائمًا وأبدا تلك النظرية المعروفة والتي تثبتها دائمًا الأحداث والأيام بأن البقاء ليس دائمًا للأصلح ولكن للأقوى....!!
       
bdca
دكتور:  طارق رضوان
كلية:  اللغات والترجمة
جامعة الأزهر
المراجع

أولاً: مراجع بلغات أجنبية

- Arora, U. P. Greeks on India, Skylax to Aristotles, ISGARS (Bareilly, 1996).
                        : “Greek Image of the Indian Society”, Μακεδονικα 12 (1982b), 470-482;
                        : “India vis-à-vis Egypt-Ethiopia in Classical Accounts”, Graeco-    Arabica 1 (1982a), 131-140;
                        : “Understanding Greek Nomenclatures in Classical Accounts of India”, Yavanika, Journal of the Indian Society for Greek and Roman Studies 2 (1992),86 f.
                       : Graeco-Indica: India's Cultural Contacts with the Greek World (New Delhi, 1991).
                       : The Greeks in India: A Survey in Philosophical Understanding /Demetrios Th. Vassilides (New Delhi, 2000).                     
- Banerjee, G. N. Hellenism in Ancient India (New Delhi, 1995).
-Barnett, R. D. “Early Greek and Oriental Ivories”, JHS 68 (1948), 1-25.
-Basham, A. L. The Wonder that was India: A Survey of the Culture of the Indian Sub-Continent before the Coming of the Muslims (New York, 1954).
-Begley, V. & De Puma, R. D. (edits), Rome and India. The Ancient Sea Trade (Wisconsin, 1991).
-Bigwood, J. M. "Ctesias, his Royal Patrons and Indian Swords" JHS 115 (1995), 135 -+-
                  : “Ctesias of Cnidus”, HSCPh 70 (1965), 263-65;
                        : 'Ctesias' Indica and Photius', Phoenix 43 (1989), 302-316.
- Bosworth, A. B. “The Historical Setting of Megasthenes’ INDICA”, CPh 91 (1996), 113-27; espec. 127.
-Brown, T. S. 'The Reliability of Megasthenes', AJPh 76 (1955) 18-33.
                        : “The Merits and Weaknesses of Megasthenes”, Phoenix 11 (1957), 11-24.
                        : “Suggestions for a vita of Ctesias of Cnidus”, Historia 27 (1978a), 1-19.
- Casson, L. “The Sea Route to India: Periplus Maris Erythraei 57”, CQ 34 (1984), 473-79.
               : 'Rome's Trade with the East. The Sea Voyage to Africa and India',   TAPhA CX (1980), 21-36.
                         : "Ptolemy II and the Hunting of African Elephants" TAPhA 123 (1993), 247-260.
-Chapekar, N. M. Ancient India and Greece. A Study of their Cultural Contacts (Delhi, 1977);
-Childe, V. G. “India and the West before Darius”, Antiquity 13 (1939), 3-15.
-Clark, W. E. 'The Importance of Hellenism from the Point of View of Indic-Philology II', CP 15.1 (1920) 1-22.
-Conger, G. P. “Did India Influence Early Greek Philosopher?” Philosophy East & West 2 (1953), 102-128.
-Doshi, S. India and Greece (Bombay, 1985).
-Foley, H. “Choral Identity in Greek Tragedy”, CPh 98 (2003), 1-30.
-Forsdyke, J. Greece before Homer, Ancient Chronology and Mythology (London, 1957).
-Jamison, S. W. “Draupadi on the Walls of Troy: Iliad 3 from an Indic Perspective”, Classical Antiquity 13 (1994), 6
- Karttunen, K. India in Early Greek Literature (Helsinki, 1989), espec. vol.  Studia Orientalia 65 (1989), edited by the Finnish Oriental Society.
-Le Valley, P. “What Did the Gymnosophistes Believe”? Yavanika, Journal of the Indian Society for Greek and Roman Studies 2 (1992), 61-84.
-Majumdar, R. C. The Classical Accounts of India (Calcutta, 1960a, repr. 1981).
-Murray, O. “Herodotus and Hellenistic Culture”, CQ 22 (1972),    
-Nagy, G. “Patroklos, Concepts of Afterlife, and the Indic Triple Fire”, Arethusa 13 (1980), 161f.
- Narain, A. K. “Alexander and India,” G&R 12 (1965), 155-65.
-Radwan, T. M. The Image of Egypt in Ancient Greek Tragedy (Ph.D. Diss.  in Greek), unpublished (Athens, 1997), passim espec. Ch. 3; also www.lib.uoa.gr; in www. lib.         cy
-Romm, J. S. The Edges of the Earth in Ancient Thought: Geography, Exploration, and Fiction (Princeton Univ. Press, 1992), Reviewed by T. C. Brennan, in BMCR 3.5.16, 1-4; also www.ccat.sas.upenn.edu/bmcr
-Scullard, H. H. The Elephant in the Greek and Roman World (Cambridge, 1974).  
-Snowden, F. M. Jr. Blacks in Antiquity, Ethiopians in the Greco-Roman Experience (London, ? ), 3-7;
                       : Before Color Prejudice, the Ancient View of Blacks (London, 1997), 1-6.
-Stoneman, R. 'Naked Philosophers', JRS 75 (1995), ****
                  :"Who are the Brahmans? Indian Lore and Cynic Doctrine in Palladius' De bragmanibus and its Models" CQ 44.2 (1994) 500 -+- 
-Tarn, W. W. “Nots on Hellenism in Bactria and India”, JHS XXII (1902), 268-93.
-Vofchuk, R. C. “The Woman of India as Pictured by Greek and Latin Authors”, ABORI 59 (1988), 141-154.

ثانيًا: مراجع بالغة العربية
- د. احمد محمود الساداتي: تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية وحضارتهم، القاهرة 1957.
- أبو الريحان محمد بن احمد البيروني (المتوفي في 440 هـ – 1048م): في تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة، حيدر آباد، الهند 1958.
- د. محمد اسماعيل الندوي: الهند القديمة، حضاراتها ودياناتها، دار الشعب، القاهرة 1970.
-طارق رضوان: "رؤية الذات وقبول الآخر، الفينيقيون في التراجيديا الإغريقية"، ورقة بحث قدمت في المؤتمر الدولي الذي نظمته جامعة الأزهر تحت عنوان: "الدراسات الإنسانية والارتقاء الحضاري في عصر العولمة"، والذي عقد بالقاهرة في الفترة من 13-15 نوفمبر 2000.
                : "وجوه قد إحترقت وحضارات لم تفن بعد، إثيوبيا في النصوص اليونانية القديمة"، ورقة بحث قدمت في المؤتمر الدولي الذي نظمته جامعة الأزهر بالتعاون مع رابطة الجامعات الإسلامية، والذي عقد في القاهرة تحت عنوان "الدراسات الإنسانية والقضايا المعاصرة"، في الفترة من 29-30 أبريل 2003.    
- ول ديورانت: قصة الحضارة: الهند وجيرانها، ترجمة د. زكي نجيب محمود، الجزء الثالث من المجلد الأول، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة 1968. 

ثالثًا: مراجع عامة

Arora, U. P. “Greek Image of the Indian Society”, Μακεδονικα 12 (1982b), 470-482.
                        : “India vis-à-vis Egypt-Ethiopia in Classical Accounts”, Graeco-Arabica 1 (1982a), 131-140.
                         : “The Discovery of India by the Greeks”, Asiatische Studien/Etudes Asiatiques 27 (1973), 115-142.
                        : Graeco-Indica: India's Cultural Contacts with the Greek World (New Delhi 1991).
-Brown, P. 'The Rise and Function of the Holy Man', JRS 61 (1971) 80-101.
-Chapekar, N. M. Ancient India and Greece. A Study of their Cultural Contacts (Delhi 1977).
-Childe, V. G. “India and the West before Darius”, Antiquity 13 (1939), 5-15.
-Clark, W. E. 'The Importance of Hellenism from the Point of View of Indic-Philology I', CP 14.4 (1919) 297-313.
-Dahlquist, A. Megasthenes and Indian Religion (Uppsala 1960).
-de Jong, J. W. 'The Over-burdened Earth in India and Greece', JAOS CV (1985) 397-400.
-Dihle, A. “The Conception of India in Hellenistic and Roman Literature”, Proceedings of the Cambridge Philological Society 190 (1964), 15-23 (repr. in Dihle 1984, 89-97, Nachträge 219)
-Doshi, S. India and Greece (Bombay 1985).
-Fowden, G. 'The Pagan Holy Man in Late Antique Society', JHS 102 (1982) 46-48.
-Hartman, S. S. “Dionysos and Heracles in India according to Megasthenes: a counter-argument”, Temenos 1 (1965), 55-64.
-Karttunen, K. India in Early Greek Literature (Helsinki 1989).
-Kumar, V. “Social Life in Ancient India as Described in the Indika of Ktesias”, ABORI 55 (1974), 239-242.
-Laufer, B. Ancient India as Described in Classical Literature (Westminster 1901).
-Lengyel, E. Asoka the Great: India's Royal Missionary (New York 1969).
-Lesky, A. “Aithiopika”, Hermes 87 (1959), 27-38.
-Majumdar, R. C. The Classical Accounts of India (Calcutta 1960a, repr. 1981).
-McCrindle J. W. (tr. & ed.), Ancient India as Described in Classical Literature: being a Collection of Greek and Latin Texts Relating to India Extracted from Herodotos etc. (1901).
-Nilakanta Sastri, K. A. “ Ancient India Contacts with Western Lands”, Diogenes 28 (1959), 40-62.
-Puskás, I. & Z. Kadár, 'Satyrs in India', ACD XVI (1980) 9-17.
-Puskás, I. 'Herodotus and India', Oikumene IV (1983) 201-207.
-Regenos, G. W. “A Note on Herodotus III, 102”, CJ 34 (1939-38), 425f.
-Robinson, T. R. Knowledge of India among Educated Greeks down to the Time of Arrian, unpublished Ph.D thesis, the Queen’ University (Belfast, 1961).  
-Rutherford, I. "Theoria and Darsan: pilgrimage and vision in Greece and India" CQ 50.1 (2000) 133-146 -+-
-Schmitthenner, W. 'Rome and India. Aspects of Universal History during the Principate', JRS LXIX (1979) 90-106.
-Scott, D. A. 'Ashokan Missionary Expansion of Buddhism among the Greeks (in NW India, Bactria and the Levant)', Religion XV (1985) 131-141.
-Sedlar, J. W. India and the Greek World. A Study in the Transmission of Culture (Totowa 1980).
-Seldeslachts, Erik "Translated Loans and Loan Translations as Evidence of Graeco-Indian Bilingualism in Antiquity" AC 67 (1998) 273-299 -+-
-Stoneman, R. 'Who are the Brahmans?', CQ 44 (1994),
-Tarn, W. W. The Greeks in Bactria and India (Cambridge 1951).
                         The Greeks in India (London 1966).
-Tola F. & Dragonetti, C. “India and Greece before Alexander”, ABORI 67 (1986), 159-194.
-Töttössy, Cs.“The Name of the Greeks in Ancient India”, AAHu 3 (1955), 301-319.
-Treloar, A. 'Ancient Greece and India', Prudentia IX (1977) 81-96.
-Troxell, H. A. 'Greek Accessions. Asia Minor to India', ANSMusN XXII (1977) 9-27.
-Warmington, E. H. 'India' in OCD (Oxford 19722) 544.
-Weerakkoddy, D. P. M.  'Greek and Roman Notices of Sri Lanka and their Historical Context', The Sri Lanka Journal of the Humanities 20.1-2 (1994) 65-86.
-Woodcock, G. 'The Indian Greeks', History Today 12 (1962) 558-567.




*  هذه الورقة قرأت في المؤتمر الدولي حول "حوار الحضارات"، والذي نظمته جامعة جنوب الوادي ( كلية الآداب فرع سوهاج)، بالتعاون مع السفارة اليونانية بالقاهرة تحت عنوان "لقاء الحضارات في صعيد مصر" في الفترة من 9-12 مارس 2002. كما قرأت أيضًا في مركز الدراسات البردية التابع لجامعة عين شمس، ضمن فاعليات النشاط الفكري والثقافي للمركز وذلك للموسم الثقافي لعام 2004-2005.
[1]
[2]  لمزيد من التفاصيل عن هوية الكورس في التراجيديا الإغريقية بصورة عامة وتراجيديات أيسخيلوس بصفة خاصة أنظر الدراسة الحديثة التي صدرت مؤخرًا عام 2003:
H. Foley, “Choral Identity in Greek Tragedy”, CPh 98 (2003), 1-30; espec. 8; 15 f.; 24 f. 
[3]  يتعين علينا أن نشير هنا في البداية إلى وجود بعض الاتجاهات الحديثة التي تسعى مؤخرًا في البحث عن بقايا للتراث الإغريقي في أفغانستان. فقد أشارت أحد تلك الاتجاهات بأنّ هناك قرية في غرب أفغانستان، يعتبر القرويّين بها أنهم أنفسهم أحفاد الإسكندر الأكبر وجيشه. وأن لهجتهم تدمج عدد كبير من كلمات اللغة اليونانيّة القديمة، وأن منطقتهم منثورة ببقايا الثقافة اليونانية. (راجع وقارن نفس الإشكالية في منطقة سيوة بمصر، وأسلوب حياة قبائل وعشائر تلك المنطقة، ومدى علاقتهم بالثقافة اليونانية القديمة).
[4]  لا يسعني هنا وفي هذا المقام إلا أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى أستاذي الجليل الدكتور أحمد عتمان على تفضله بإعارتي بعض المراجع النادرة من مكتبته الخاصة التي أهديت إليه من البروفيسور الهندي U. P. Arora، المتخصص في تاريخ العلاقات اليونانية – الهندية، كما أتقدم أيضًا بجزيل الشكر والعرفان بالجميل إلى أعضاء قسم اللغة الأردية وآدابها بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر، على تعاونهم الصادق لي في هذا المجال، الذي لم أتطرق إليه من قبل، حيث أزاحوا لي عديد من نقاط الغموض فيما يتعلق بتاريخ الهند القديم، وأخص بالشكر والامتنان الأستاذ الدكتور يوسف عامر، والأستاذ الدكتور حازم محفوظ.
[5]  K. Karttunen, India in Early Greek Literature (Helsinki, 1989), espec. vol.  Studia Orientalia 65 (1989), edited by the Finnish Oriental Society.
[6] U. P. Arora, Greeks on India, Skylax to Aristotles, ISGARS (Bareilly, 1996), x-xii; Idem, “Greek Image of the Indian Society”, Μακεδονικα 12 (1982b), 470-482; Idem, “India vis-à-vis Egypt-Ethiopia in Classical Accounts”, Graeco-Arabica 1 (1982a), 131-140; Idem, Graeco-Indica: India's Cultural Contacts with the Greek World (New Delhi, 1991); V. Begley & R. D. De Puma (edits), Rome and India. The Ancient Sea Trade (Wisconsin, 1991); Idem, The Greeks in India: A Survey in Philosophical Understanding/Demetrios Th. Vassilides (New Delhi, 2000).                     
ولمزيد من التفاصيل حول نشاط الباحثين الهنود في هذا المجال انظر:
G. N. Banerjee, Hellenism in Ancient India (New Delhi,1995); N. M. Chapekar, Ancient India and Greece. A Study of their Cultural Contacts (Delhi, 1977); S. Doshi, India and Greece (Bombay, 1985); R. C. Majumdar, The Classical Accounts of India (Calcutta, 1960a, repr. 1981).
[7]  ولمزيد من التفاصيل انظر:
أبو الريحان محمد بن احمد البيروني (المتوفى في 440 هـ – 1048م): في تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة، حيدر آباد، الهند 1958؛ د. محمد إسماعيل الندوي: الهند القديمة، حضاراتها ودياناتها، دار الشعب، القاهرة 1970؛ د. احمد محمود الساداتي: تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية وحضارتهم، القاهرة 1957؛ ول ديورانت، قصة الحضارة: الهند وجيرانها، ترجمة د. زكي نجيب محمود، الجزء الثالث من المجلد الأول، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة 1968. 
[8]   ولمزيد من التفاصيل حول تلك الإشكالية انظر:
G. Nagy, “Patroklos, Concepts of Afterlife, and the Indic Triple Fire”, Arethusa 13 (1980), 161f.
وحول عادة حرق جسد المتوفى كما لاحظها الإغريق وتناولها الهنود أنظر أيضًا:
البيروني: في تحقيق ما للهند، باب "في حق الميت في جسده والأحياء في أجسادهم"، ص، 477-481. يذكر البيروني "والصقالبة في زماننا يحرقون الموتى ويتخيل من جهة اليونانيين أنهم كانوا فيهم بين الإحراق وبين الدفن، قال "سقراط" في كتاب "فادن" لما سأله "اقريطن" على اي نوع يقبره فقال: كيف ما شئتم ان انتم قدرتم على ولم افر منكم، ثم قال لمن حوله: تكفلوا بي عند اقريطن ضد الكفالة التي تكفل هو بي عند القضاة فغنه تكفل على ان اقيم وأنتم فتكفلوا على ان لا اقيم بعد الموت، بل اذهب ليهون على اقريطن اذا رأي جسدي وهو يحرق او يدفن فلا يجزع ولا يقول: ان سقراط يخرج او يحرق او يدفن، وأنت يا اقريطن فاطمئن في دفن جسدي، وافعل ذلك كما تحب ولا سيما بموجب النواميس، وقال "جالينوس" في تفسيره لعهود "بقراط": ان من المشهور من امر "اسقليبيوس" انه وقع الى الملائكة في عمود من نار كما يقال في "ديونوسوس" و "ايرقلس" وسائر من عنى بنفع الناس واجتهد، ويقال ان الله فعل بهم ذلك كيما يفنى منهم الجزؤ الميت الأرضي بالنار ثم يجتذب بعد ذلك جزءهم الذي لا يقبل الموت ويرفع انفسهم الى السماء، وهذه اشارة الى الاحراق وكأنه لم يكن إلا للكبار؛ وكذلك يقول الهند ان في الإنسان نقطة بها الإنسان إنسان، وهي التي تتخلص عند انحلال الأمشاج بالاحراق وتبددها، ورأوا في هذا الرجوع ان بعضه يكون بشعاع الشمس تتعلق به الروح وتصعد وأن بعضه يكون بلهيب النار ورفعها اياها كما كان يدعو بعضهم أن يجعل الله طريقه اليه على خط مستقيم لأنه اقرب المسافات ولا يوجد الى العلو الا النار او الشعاع؛ أنظر أيضًا د. احمد محمود الساداتي: المرجع السابق، ص 40. يذكر د. الساداتي أن المرأة الهندوكية لا تتوانى في الغالب، ما أتيحت لها الفرصة حتى اليوم، في أن تحرق نفسها مع جثمان زوجها عن إيمان وشعور بالزهو والشرف بين دعاء القوم وهتافهم.      
Banerjee 1919, repr. 1995, 198-201.
[9]   يتعين علينا أن نشير هنا إلى أن الكتاب الثالث – وكما هو معروف – يعد أول نقطة التقاء في الإلياذة - والتي تتركز أحداثها في السنة العاشرة من الحرب- بين الإغريق والطرواديين وجهًا لوجه.    
[10]  المعروف أن كًلا منهما كان يأمل أن يفوز بهيلين ويسترد بذلك محبوبته لينهي شراسة وضراوة الصراع بين الإغريق والطرواديين.
[11]  المعروف أن "المهابهاراتا" تعد ملحمة هندية كتبت باللغة السنسكريتية، ومن المحتمل أنها جمعت بين 400 قبل الميلاد و 400 ميلاديًا. تحتوي "المهابهاراتا" على أكثر من 90 ألف بيت (couplets)، مقسمة على 18 كتابًا، وهي بذلك تعد أطول قصيدة من الشعر الفردي في موسوعة الأدب العالمي، حيث تفوقت أيضًا على قصيدة Ramayana. وهي تعتبر المصدر الأول للحضارة الهندية القديمة وأهم نموذج للفكر الهندوسي، فقد احتوت على فقرات مطولة من التعاليم الدينية، والأخلاقية، والفلسفية. عالجت الملحمة إشكالية الحرب الأهلية متمثلة في الصراع بين عائلتين نبيلتين، للسيطرة والاستيلاء على مملكة في شمال الهند، حيث لعبت فيها الأميرة "دروبادي" دورًا محوريًا لا يقل أهمية عن الدور الذي لعبته "هيلين" من خلال الإلياذة. قارن أيضًا العلاقة بين كل من "هيلين" الإغريقية، و "دروبادي" الهندية، وبالتحديد فيما يتعلق بإشكالية اختطاف كلاً منهما، وما يسمى بالاختطاف الشرعي وغير الشرعي. ولمزيد من التفاصيل حول تلك الملحمتين أنظر أيضًا:
Banerjee 1919, repr. 1995, 227-233; Cf. also Karttunen 1989, 147-50.
د. احمد محمود الساداتي: المرجع السابق، ص 15 وما بعدها.
[12]  S. W. Jamison, “Draupadi on the Walls of Troy: Iliad 3 from an Indic Perspective”, Classical Antiquity 13 (1994), 6.
[13]  Banerjee 1919, repr. 1995, 223; 237.
[14]  Ibid, 230.
[15] Arora 1996, 1-2; 101; cf. also R. D. Barnett, “Early Greek and Oriental Ivories”, JHS 68 (1948), 1-25.
يتعين علينا أن نشير هنا إلى أن كلاً من لفظ،  قد كثر تواجدهما بشكل ملحوظ للغاية في النصوص الإغريقية مع القرن الأول قبل الميلاد، والقرن الأول الميلادي، إلى أن وصلا إلى أعلى نسبة لهما في القرن الثاني الميلادي، حيث رصد أكثر من 641 إشارة للفظ ، وأكثر من 23 إشارة للفظ  في هذا القرن مقارنة بالفترات الأخرى، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن العلاقات اليونانية أو الرومانية – الهندية قد شهدت تطورًا ملحوظًا في تلك الفترة إلى أن وصلت إلى ذروتها في القرن الثاني الميلادي، وهو ما تؤكده لنا تلك النصوص الإغريقية. ولمزيد من التفاصيل حول كلمة "الفيل" أو "العاج" عند هوميروس والأدب الإغريقي بصورة عامة انظر أيضا:
Hom. Il. 4. 141; 5. 583; Od. 4. 73; 8. 404; 18. 196; 19. 56; 19. 563; 19. 564; 21. 7; 23. 200;
Search authors in the first century they wrote allowable interval between words: Exact phrase  Century: 8 B.C.  Homerus Epic.: 10Hesiodus Epic.: 1Matches in this century:  11 Century: 7 B.C.  Sappho Lyr.: 1Matches in this century:  3  Century: 6 B.C.  Pindarus Lyr.: 2Aesopus Scr. Fab. et Aesopi: 4Anacreon Lyr.: 1Ibycus Lyr.: 1Hecataeus Milesius Hist.: 1[Pythagoras] Phil.: 1Matches in this century:  10  Century: 5 B.C.  Euripides Trag.: 1Sophocles Trag.: 1Herodotus Hist.: 19Aristophanes Comic.: 5Plato Phil.: 9Bacchylides Lyr.: 1Hermippus Comic.: 2Crates Comic.: 2Plato Comic.: 2Theopompus Comic.: 2Ctesias Hist. et Med.: 21 Democritus Phil.: 4Matches in this century:  69  Century: 4 B.C.  Theocritus Bucol.: 4Demosthenes Orat.: 9Aristoteles Phil. et Corpus: 31Theophrastus Phil.: 7Philodamus Lyr.: 1Antiphanes Comic.: 2Damoxenus Comic.: 2Demades Orat. et Rhet.: 1Menander Comic.: 4Philochorus Hist.: 2Hecataeus Abderita Hist.: 5Mamercus Eleg.: 1Timaeus Hist.: 1Aristodemus Hist.: 1Matches in this century:  71 Century: 3 B.C.  Asclepiades Epigr.: 1Epinicus Comic.: 4Polybius Hist.: 46Aristophanes Gramm.: 59Chrysippus Phil.: 1Phylarchus Hist.: 3Matches in this century:  114 Century: 2 B.C.  Agatharchides Geogr.: 1Posidonius Phil.: 10Oracula Sibyllina: 6Matches in this century:  17  
[16]  Karttunen 1989, 107; and 103 ff.; cf. also Arora 1996, 1-2; 101.
وهو نفس ما خلُص إليه Arora في ختام دراسته الفريدة والهامة، حيث يؤكد على أنه رغم وجود تماثل تركيبي بين اللغة اليونانية والسنسكريتية، بالإضافة إلى وجود تشابهات - تلفت النظر - بين الأساطير الهومرية وغيرها من الأساطير الهندية (Vedic)، نضف إلى ذلك بعض عناصر التماثل بين الإلياذة من ناحية، وملحمتي “الرامايانا"، و"المهابهاراتا" من ناحية أخرى، إلا أن كل ذلك لا يعد دليلاً واضحًا ومحددًا لوجود اتصال مباشر بين الهند وبلاد اليونان في تلك الحقبة. فضًلا عن ذلك فإن ما يقال عن وجود علاقات تجارية بين إغريقي الحقبة الهومرية وبين الهند، متمثلة في جلب منتجات "كالقصدير" و"العاج" إلى بلاد الإغريق، هو أمر ضعيف يحتاج أيضًا إلى فحص ومراجعة.       
[17]  Cf. Karttunen 1989, 69-73.
[18] Arora 1996, 1-10; Cf. J. Forsdyke, Greece before Homer, Ancient Chronology and Mythology (London, 1957), 98 f; Karttunen 1989, 134-38.
[19]   قارن البيروني: المرجع السابق، ص 163؛ يقول البيروني حول تلك الإشكالية: "ويوجد التماسيح في أنهار الهند كما هي بالنيل حتى ظن الجاحظ بسلامة قلبه وبعده عن معرفة مجاري الأنهار وصور البحار أن نهر "مهران" شعبة من "النيل"، ولقد يوجد فيها أيضًا حيوانات عجيبة من التماسيح و"مكر" وصنوف السمك المستغربة وحيوان كالزق يظهر للسفن ويعوم ويلعب يسمونه "برلو" وأظنه الدلفين أو نوعًا منه فقد قيل إن على رأسه شق للتنفس كما للدلفين". 
[20]  لمزيد من التفاصيل حول تلك الإشكالية وهذا الإلتباس والخلط بين كلاً من الهند من ناحية وإثيوبيا داخل إفريقيا من ناحية أخرى أو ما يسمى بإثيوبيا الشرقية وإثيوبيا الغربية انظر:   
Arora 1996, 167-76; Karttunen 1989, 106 ff.; F. M. Snowden, Jr. Blacks in Antiquity, Ethiopians in the Greco-Roman Experience (London, ? ), 3-7; Cf. also Idem, Before Color Prejudice, the Ancient View of Blacks (London, 1997), 1-6.
يتعين علينا أن نشير هنا إلى أن كلا من فيرجيليوس وأوفيديوس قد استخدما أيضًا لفظ "Indi" للدلالة عن الإثيوبيين، ولمزيد من التفاصيل أنظر:
Virgil. Georgics, IV, 293; Ovid. Ars Amatoria, I, 53.    
[21]  Cf. Karttunen 1989, 121.
[22]  Karttunen 1989, 86 f.
[23]  Arora 1996, 102-105; 9, 14, 19, 22, 88, 91, 97.
[24]  Karttunen 1989, 87; cf. also Aesch. Pers. 12 ff.; 320 ff., Aesch. Prom. 786 ff., 805; Euripides, Bacchae, 13 ff.; 15; Io, 217. 
[25]  Banerjee 1919, repr. 1995, 243ff.
[26]  كالدراما الإغريقية والرومانية، فقد قسمت المسرحيات الهندية إلى فصول ومشاهد، يسبق تلك الفصول دائمًا ما يعرف "بالبرولوج"، فضلاً عن ذلك فإن "قصة الحب" وتطورها - والتي تعد الموضوع الرئيسي للكوميديا اليونانية والرومانية - لا تختلف كثيرًا عن مثيلتها في الدراما الهندية.         
[27]  Banerjee 1919, repr. 1995 , 244-252. 
[28]  Ibid., 264-5.
[29]  Arora 1996, 7-9.
[30]  Karttunen 1989, 78 f.
المعروف - كما يذكر Karttunen – أن كلاً من هيكانايوس وهيرودوتوس قد ولدوا وعاشوا على الساحل الشرقي لبحر إيجه (أنظر ميلتوس، هاليكارناسوس)، حيث كان من اليسير عليهم أن يحتكوا مع هؤلاء العائدون من الهند. 
[31]  Cf. Karttunen 1989, 65-68; 121.   
يذكر Karttunen أن معلوماتنا حول حياة سكيلاكس وحول عمله تعد ضئيلة للغاية، إن لم تكن تتميز بالغموض الشديد، فضلا عن ذلك فقد عنى سكيلاكس – كأحد الرواد الأيونيين في علم الأعراق والأجناس البشرية - بتلك الموضوعات التي تتعلق بهذا الموضوع، مستعينًا في ذلك على الأساليب والطرق التقليدية التي تعتمد على العناصر التالية:  .    
[32]  T.S. Brown, “Suggestions for a vita of Ctesias of Cnidus”, Historia 27 (1978a), 1-19.

[33]  Karttunen 1989, 90-94; Arora 1996, 7-9.
[34]  د. محمد إسماعيل الندوي: المرجع السابق، ص 167؛ انظر أيضا البيروني: المرجع السابق، ص 189 وما بعدها. يذكر البيروني:"وقال "أرسطوطالس" في رسالة له إلى "الإسكندر": إن العالم هو نظام الخلق كله وأما ما علاه وأحاط به من أقطاره فهو محل الآلهة والسماء مليئ من أجسادهم التي نسميها للعبارة كواكب، ويقول في موضع آخر منها: الأرض محصورة بالماء والماء بالهواء والهواء بالنار والنار بالأثير ولهذا صارت البلدة العليا محل الآلهة وقدرت السفلى محل الدواب المائية، وفي "باج بران" ما يشبه وهو: ان الأرض يمسكها الماء والماء يمسكه النار المحض والنار يمسكها الريح والريح يمسكها السماء والسماء يمسكها ربها، ولم يخالف إلا في الترتيب، ولم يقع في أسامي "اللوكات" من الخلاف مثل ما كان وقع في الأرضين ونحن نضع أيضًا أسماءها في جدول كالأول".
 [35]  أنظر د. احمد محمود الساداتي: المرجع السابق، ص 28 وما بعدها؛ يشير د. الساداتي إلى أن صيت هذا الملك الهندي قد ذاع بصورة واضحة حتى بعث إليه نيكاتور السلوقي – الذي ملك بعد وفاة الاسكندر سورية وبابل – سفيره ميغاستين فاطلع إطلاعا واسعا على أحوال هذه البلاد وطباع أهلها وعاداتها، حتى ليعد ما وصل إلينا من مذكراته من أهم مصادر الهند التاريخية القديمة. وقد أشاد هذا المبعوث الإغريقي بما كان عليه قصر الملك من الروعة والفخامة وما كان يزينه من نقوش وجواهر وعمد طليت بالذهب. كما وصف الحضارة الهندية التي كانت قائمة إذ ذاك بأنها تساوي أختها اليونانية مساواة تامة. وأثنى الثناء الكثير على شيوع الفضائل ونصرة الحق بين السكان عموما، وانعدام الرق عندهم برغم نظام الطبقات فيما بينهم. وكان من أهداف هذا السفير العمل على تحويل مجرى التجارة الهندية إلى بلاد الشام، عبر مملكة السلوقيين، بدلا من الطريق البحري الذي ينتهي بها إلى مصر فتثرى من ورائه.       
[36] Arora, 1996, 7-9; Cf. A. B. Bosworth, “The Historical Setting of Megasthenes’ INDICA”, CPh 91 (1996), 113-27; espec. 127; cf. Karttunen 1989, 96- 101.
يرى Bosworth من ناحيته أن رواية ميجاسثينيس حول الهند لا تعد بالضرورة ذات قيمة حقيقية، حيث أنها ليست أكثر من أن تكون شاهد عيان على فترة الانتقال، وبالتحديد فترة ما قبل التوسع الكامل لإمبراطورية "الماوريان". لقد استطاع ميجاسثينيس توثيق القوة العسكرية والثروات التي حققها كاندراجوبتا من خلال فتوحاته. ولكن بقت صورة الهند التي وصفها ليست ببعيد عن تلك التي ارتبطت بفترة الإسكندر الأكبر.        
[37] Arora, 1996, 7-9; Cf. L. Casson, “The Sea Route to India: Periplus Maris Erythraei 57”, CQ 34 (1984), 473-79; Idem, “Rome's Trade with the East: The Sea Voyage to Africa and India”, TAPhA CX (1980) 21-36.
أنظر أيضًا د. محمد إسماعيل الندوي: المرجع السابق، ص 204-206؛ 212 وما بعدها؛ يذكر د. الندوي أن السفراء من ملوك الهند العديدين قد توافدوا في أنحاء البلاد إلى بلاط ملوك الرومان منذ القرن الأول قبل الميلاد. وكذلك كثرت الرحلات والأسفار المتبادلة بين الروم والهند.وقد تزاحم التجار في كلا البلدين لنقل البضائع إلى بلادهم. كان سفراء الهند يحملون إلى ملوك الروم هدايا غالية باهظة الثمن، وأحيانا لا تقدر قيمتها. إن الهدايا التي قدمت للملك أغسطوس كانت تتضمن الأسد (الثعبان الكبير) وغلام مقطوع الكتفين يطلق السهم من أصابع رجليه بكل دقة ومهارة، والقوس في رجليه. ويضيف الدكتور الندوي أنه لما بلغت الهند قمة الحضارة والتقدم منذ القرن الثالث الميلادي، تدهورت الأمور في الإمبراطورية الرومانية من جراء الحروب والأمراض الوبائية وغارات القبائل البدوية من الشمال. ولذلك فقدت الروم سيطرتها على الملاحة العالمية في البحر الأحمر، الأمر الذي أدى إلى تدهور التجارة العالمية في الشرق الأوسط وضعف الإسكندرية وفقدانها مكانتها العظيمة في هذا المجال.  
[38] Arora 1996, 9.
[39]  Arora,  1996, 16-19.                                                                                             
[40]  J. S. Romm, The Edges of the Earth in Ancient Thought: Geography, Exploration, and Fiction (Princeton Univ. Press, 1992), Reviewed by T. C. Brennan, in BMCR 3.5.16, 1-4; also www.ccat.sas. upenn.edu/bmcr        
[41] Arora 1996, 18ff.
[42]   ولمزيد من التفاصيل حول مصادر هيرودوتوس حول الهند، وعلاقته بكل من هيكاتايوس وسكيلاكس أنظر:
Karttunen 1989, 75-79.
[43] Arora 1996, 20ff.
[44]  Arora,  1996, 20-23; 
ولمزيد من التفاصيل حول كتيسياس أنظر:
J. M. Bigwood, “Ctesias of Cnidus”, HSCPh 70 (1965), 263-65; also Idem, 'Ctesias' Indica and Photius', Phoenix 43 (1989) 302-316; Idem, "Ctesias, his Royal Patrons and Indian Swords" JHS 115 (1995) 135 -+-; Karttunen 1989, 80-85.
[45]  Arora,  1996, 20ff.
[46]  Arora 1996, 26-31
[47]  H. H. Scullard, The Elephant in the Greek and Roman World (Cambridge, 1974), 32 ff.  
[48]  Arora 1996, 27.                                                                                             
[49]  Scullard 1974, 49.                                                                                                             
[50]  L. Casson, "Ptolemy II and the Hunting of African Elephants" TAPhA 123 (1993), 247-260.
ولمزيد من التفاصيل حول وصف أرسطو الدقيق وملاحظاته حول حيوان الفيل انظر الدراسة المتخصصة لـ:
Scullard, 1974, 37-49.
[51]  Hdt. IV, 44; II, 103-5; VII, 86; Karttunen 1989, 163-67.                                                                                   
يتعين علينا أن نشير هنا إلى أن الفيلة أتُخذت كأداة حربية هامة وبالتحديد في المناطق الشرقية من الهند، أما المناطق الغربية والتي تشمل باكستان وأفغانستان فقد كان للخيول الدور الرئيسي في المهام القتالية.       
[52]  Arora,  1996, 28ff.; cf. Karttunen 1989, 167f.
[53] Cf. Areist.Ornithes. 102 , 169, 707; also Arist. Acharneis, 63; for more details also see Romm, Bryn Mawr Classical Review 3.5.16, reviewed by T. C. Brennan, 4.
[54]  Arora 1996, 30f.
[55]  Arora 1996, 43f.
[56]   وحول سلطة الدولة والحياة السياسية في الهند، تحدث كتيسياس من خلال عمله Indika على أن الهنود يحكمهم دائمًا ملك واحد، وربما يعود ذلك إلى عدم قدرة كتيسياس على تذكر أسماء الممالك الهندية المتفرقة في شبه أرجاء القارة الهندية. فضًلا عن ذلك فقد أطرى كتيسياس على ولاء الهنود بصفة عامة حيال ملكهم، وذكر أن الملك في الهند لا يسمح له على الإطلاق أن يصبح مخمورًا أو في حالة سكر، وهو ما أكده ميجاثينيس من خلال ما ذكره حول مقتل أحد الملوك على يد امرأة وهو في حالة سكر، وقد كان مكافأتها على فعلتها هذه، أنها أصبحت زوجة وريثه. هذا بلا شك يؤكد مدى قيمة حياة الملك لدى الثقافة الهندية، ومدى أهمية العمل دائمًا على صونه وحمايته من أية مخاطر أو كوارث تحدق به وبحياته. ولمزيد من التفاصيل أنظر:
Arora 1996, 82-84.           
 [57] يؤكد James Mill طبقًا لما ذكره Arora أن الحضارة الهندية لم تعبأ بشكل كبير بقيمة وأهمية العمل السياسي، فشعوب الهند حكمت دائمًا بسلسة من الحكام والملوك ذوي السطوة والاستبداد حتى الاحتلال البريطاني. ولمزيد من التفاصيل أنظر:
Arora 1996, 44-5; cf. also Karttunen 1989, 87 f.   
[58] A. L. Basham, The Wonder That Was India: A Survey of the Culture of the Indian Sub-Continent before the Coming of the Muslims (New York, 1954), Passim; espec. Ch. IV, 79ff.   
[59]  Arora 1996, 45.
وحول ماهية نظام الحكم الفردي في مصر القديمة (Monarchy) ورؤية كلاً من أيسخيلوس (الضارعات) ويوريبيديس (هيلين)  والإغريق (Democracy)  بصورة عامة - من هذا التوجه الفردي في الحكم والمتمثل في مصر القديمة انظر:
Tarek M. Radwan, The Image of Egypt in Ancient Greek Tragedy (Ph.D. Diss.  in Greek), unpublished (Athens, 1997), passim espec. Ch. 3; also  www.lib.uoa.gr.
[60]  Hdt. IV. 26.                                                                                                             
[61]  Hdt. I. 216.                                                                                             
[62]  Arora 1996, 46; Plout, Moralia, 328c.                                                                          
[63]  Arora 1996, 47f.; Karttunen 1989, 179-202.
[64]   أنظر أيضًا، البيروني: في تحقيق ما للهند، المرجع السابق، ص 477 وما بعدها. يقول البيروني " كانت أجساد الموتى فيما مضى من الأزمنة الأولى تدفع الى السماء بأن تلقى في الصحاري مكشوفة لها ويخرج المرضى إليها وإلى الجبال ويتركون فيها، فان ماتوا كما قلنا وإن ابلوا رجعوا بأنفسهم إلى منازلهم، ثم جاء بعد ذلك من تولى وضع السنن وأمرهم بدفعها إلى الريح، فأقبلوا على بناء بيوت لها مسقفة بحيطان مشبكة يهب الريح منها عليها على مثال الحال في نواويس المجوس، ومكثوا على ذلك برهة إلى ان رسم لهم "ناراين" دفعها الى النار فمنذ ذلك الوقت يحرقونها فلا يبقى منها شئ من وضر او عفونة أو رائحة الا ويتلاشى بسرعة ولا يكاد يتذكر".       
[65]   قارن أيضا البيروني: المرجع السابق، باب "في المباح والمحظور من المطاعم والمشارب"، ص. 467-469.
Cf. also Karttunen 1989, 73; 74-79.
[66]  Arora,  1996, 49f.
بالإضافة إلى ذلك تحدث هيرودوتوس أيضًا عن أسلوب تلك القبائل الهندية في ممارستهم لحياتهم الجنسية، والتي كانت تمارس في العراء كما يفعل القطيع والغنم (Hdt. III, 101)، وهو نفس الأسلوب أيضا الذي اتبعه سكان منطقة القوقاز على حد قوله (Hdt. I, 203)، ولمزيد من التفاصيل حول تلك القضية أنظر أيضًا ما ذكره كلاً من كتيسياس، وميجاسثينيس، وكسينوفون، وأبولونيوس الرودي، وثيوبومبوس:
Cf. Ktes., Jac. No. 688, F. 45 (33); Meg., Jac. No. 715, F. 27b (Strab, XV, 1, 56); Xen., Anab., V, 4, 33; Apoll. Rhod., ii, 1025; Theop., Jac. No. 115, F. 204.
[67]  من المدهش أن يصف سترابون الشخص الأيرلندي بنفس الطريقة التي اتبعها هيرودوتوس من قبل مع نظيره الهندي، حيث أعتبره هو أيضًا من آكلي لحوم البشر (وبالتحديد والديه وأقربائه)، كما أعتبره أيضًا من الأشخاص النباتيين (Cf. Strabon, IV, 5, 4).  
[68]  كتيسياس نفسه أكد ذلك من خلال ما ذكره من أنه كان لديه سبعة هنود بيض البشرة: امرأتان وخمسة رجال، ولمزيد من التفاصيل انظر:
Ktes., F. 45 (19).
[69] Arora 1996, 48f.
يتعين علينا أيضا أن نشير هنا إلى أن أيسخيلوس في مسرحية "الضارعات" اتبع نفس الأسلوب. فمع رؤية بلاسيجوس لبنات دناؤوس ذات البشرة الداكنة، أرجع بيلاسجوس المصنف "إغريقيا" سواد بشرة بنات دناؤوس المصنفات "مصريات" إلى حرقة شمس النيل، ولمزيد من التفصيل انظر:
Aesch. Supp. 155-157
[70] Cf. Romm, Bryn Mawr Classical Review 3.5.16, reviewed by T. C. Brennan, 3; Karttunen 1989, 180-85.
[71]   أنظر في هذا الصدد، البيروني: المرجع السابق، باب "في المناكح والحيض وأحوال الأجنة والنفاس"، ص. 469-472. وأيضًا أنظر د. احمد محمود الساداتي: المرجع السابق، ص 39 وما بعدها:   
Arora 1996, 50; Cf. also Ktes., F. 45 (42-43); R. C. Vofchuk, “The Woman of India as Pictured by Greek and Latin Authors”, ABORI 59 (1988), 141-154.
يجدر بنا الإشارة هنا إلى أن سلوك قبيلة Kynokephaloi كما أشرنا إليه (أنظر عالياً)، قد رصد من قبل هيرودوتوس وعديد من الكتاب الإغريق في تناولهم لموضوع الهند.   
[72]  Arora 1996, 51.
ولمزيد من التفاصيل حول تلك المواجهة بين "شراب البيرة المصرية" من ناحية والنبيذ الإغريقي من ناحية أخرى، وأثر كلاً منهما في تفعيل مفهوم الجندية والحمية العسكرية، وذلك من خلال المشادة الكلامية بين بيلاسجوس والرسول المصري، أنظر تراجيديا الضارعات لأيسخيلوس:
Aesh. Supp. 952-4.  
[73]  Arora 1996, 55ff.
المعروف أن أنسجة وألياف القطن القادمة من الهند كانت دائمًا موضع اهتمام كبير من قبل الإمبراطورية الفارسية، فطبقًا لما ذكره هيرودوتوس فإن الجنود المرتزقة من الهنود في جيش كسيركيس قد عرف عنهم ارتدائهم بزاتهم العسكرية من نفس المادة (القطن)،  فضًلا عن ذلك فقد وجدت في كتابات هيرودوتوس لفظ "سيندون" Sindon التي تعني "الشاش من القطن"، والتي من المفترض أنها قد اشتقت من كلمة Sindhu وهي الأراضي الواقعة على ضفاف نهر السند والتي تعد المكان الأصلي لزراعة القطن كما هو مثبت. ولمزيد من التفاصيل انظر:
Hdt. VII, 65.      
[74]  Karttunen 1989, 127-34.
[75]  Arora 1996, 80f.; Karttunen 1989, 219-223.
[76]  Arora 1996, 85-87.
[77]  V. G. Childe, “India and the West before Darius”, Antiquity 13 (1939), 15.
[78]  W. W. Tarn, “Nots on Hellenism in Bactria and India”, JHS XXII (1902), 268-93; W. E Clark, '"The Importance of Hellenism from the Point of View of Indic-Philology II", CP 15.1 (1920) 1-22.
[79]   راجع في هذا الصدد أيضًا ما ذكره د. محمد إسماعيل الندوى: المرجع السابق، ص 165؛ يقول د. الندوي: "إن القصص الهندية التي تحدث عنها هيرودوتوس في كتابه يتضمن الكثير منها كتاب "كليلة ودمنة" أشهر مجموعة قصصية نقلت إلى الفارسية، ومنها إلى العربية فيما بعد. وقد اشتهرت في عصره في اليونان مجموعة قصصية تسمى "قصص أيسوب". كان أيسوب عبدًا إغريقيًا. ومع أن كتاب "كليلة ودمنة" قد دون في القرن الثاني قبل الميلاد، إلا أن جذوره ترجع إلى مئات السنين قبلها كما يرى الباحثون الإفرنج، وكانت قصصه تتناقلها الألسن وتحفظها الصدور حينذاك. ولذلك أخذت طريقها إلى اليونان مبكرًا. ويصرح هيرودوت وغيره بأن الهند هي مهد القصص. ومنها انتقلت القصص إلى معظم بلدان العالم، ولاسيما تلك القصص التي تروى على لسان التمساح والطاءوس والثعلب والأسد والحيوانات الأخرى.
[80]  Banerjee 1919, repr. 1995, 26.
[81]  Cf. also Karttunen 1989, 207-210.
يذكر Karttunen إلى أن كتيسياس قد أشار إلى مسألة الجبن والنبيذ الهندي، وأنه قام بنفسه بتذوق كلا المنتجين، وأثنى ثناءً حسنًا على جودتهما. ولمزيد من التفاصيل أنظر:
Ctesias F 45, 48. 
[82]  Arora 1996, 103ff.  
ولمزيد من التفاصيل أنظر أيضا حديث الدنائيدس "المصريات" إلى بيلاسجوس ملك أرجوس من خلال تراجيديا الضارعات:
Aesh. Supp
[83]  Cf. Karttunen 1989, 111; R. Stoneman, "Who are the Brahmans? Indian Lore and Cynic Doctrine in Palladius' De bragmanibus and its Models" CQ 44.2 (1994) 500 -+- 
[84] Arora 1996, 177-80; cf. also P. Le Valley, “What Did the Gymnosophistes Believe”? Yavanika, Journal of the Indian Society for Greek and Roman Studies (ISGARS) 2 (1992), 61-84; espec.77 ff.; R. Stoneman, 'Naked Philosophers', JRS 75 (1995), **** 
قارن أيضًا: ول ديورانت، المرجع السابق، ص 93؛ يذكر ديورانت أن ميجاسثينيس وصف لنا الحياة الهندية في عصره وصفًا رائعًا وممتعًا، وربما مال فيه نحو التهاون في الدقة ليكون في صالح الهنود؛ وأول ما استوقف نظره هناك هو ألا رق في الهند على خلاف ما عهده في أمته، وهو اختلاف يجعل الأولى أعلى من الثانية منزلة في هذه الناحية، وأنه على الرغم من انقسام السكان إلى طبقات حسب ما يؤدونه من أعمال، فقد قبل الناس هذه الأقسام على أنها طبيعية ومقبولة؛ ويقول السفير الإغريقي عنهم في تقريره إنهم كانوا "يعيشون عيشًا سعيدًَا" لأنهم: " في سلوكهم يتصفون بالبساطة، وهم كذلك مقتصدون فهم لا يشربون الخمر قط إلا في الاحتفال بتقديم القرابين......والدليل على بساطة قوانينهم ومواثيقهم هو أنهم قلما يلجأون إلى القانون، فهم لا يتقدمون إلى محاكمهم بقضايا عن خرق العهود أو نهب الودائع، بل هم لا يحتاجون إلى أختام أو شهود، لكنهم يودعون أشيائهم على ثقة بعضهم ببعض....إنهم يقدرون الحق والفضيلة قدرًا عظيمًا....والجزء الأعظم من أرضهم يزرع بالري، ولذلك ينتج محصولين في العام....ولهذا كان من الثابت أن الهند لم تعرف المجاعة قط، ولم يكن بها قحط عام في موارد الطعام اللازم للتغذية".     
[85]   يتعين علينا أن نشير هنا إلى أنه على الرغم من أن ذروة التفاعل التجاري بين الهند واليونان قد وصلت إلى غايتها في تلك الفترة الرومانية، إلا أن هؤلاء الكتاب لم يعيروا أية اهتمام لتلك المعلومات التي تناقلها الملاحون والبحارة البسطاء حول الهند من خلال علاقتهم الوطيدة بها، وبقت الصورة المثالية للهند كما هي كما كانت في الماضي دون أدنى تغيير، لدرجة أن سترابون – على سبيل المثال - اعتبرهم "أغبياء" لا يمكن أن يُنتظر منهم شيئًا ذو قيمة، ولمزيد من التفاصيل أنظر:
Arora 1996, 182.       
[86] Arora 1996, 103.
[87]   أنظر في هذا الصدد الأبحاث التالية:
طارق رضوان: "رؤية الذات وقبول الآخر، الفينيقيون في التراجيديا الإغريقية"، ورقة بحث قدمت في المؤتمر الدولي الذي نظمته جامعة الأزهر تحت عنوان: "الدراسات الإنسانية والارتقاء الحضاري في عصر العولمة"، والذي عقد بالقاهرة في الفترة من 13-15 نوفمبر 2000، وأيضًا نفس الباحث: "وجوه قد احترقت وحضارات لم تفن بعد، إثيوبيا في النصوص اليونانية القديمة"، ورقة بحث قدمت في المؤتمر الدولي الذي نظمته جامعة الأزهر بالتعاون مع رابطة الجامعات الإسلامية، والذي عقد في القاهرة تحت عنوان "الدراسات الإنسانية والقضايا المعاصرة"، في الفترة من 29-30 أبريل 2003.    
Tarek M. Radwan, The Image of Egypt in Ancient Greek Tragedy (Ph.D. Diss. in Greek, unpublished), (Athens, 1997), passim espec. Ch. 3; also in: www.lib.uoa.gr, also in www. Lib.         cy
[88]   لا شك أن ذلك يعود، وكما هو معروف، إلى أسبقية تواصل مصر مع اليونان حضاريًا وتجاريًا وعلى كافة الأصعدة.
[89]   أريستوبولوس – من ناحيته - يرى أنه كما تفيض أنهار الهند من تلك الأمطار التي تتساقط من الشمال، فإن نهر النيل تتجمع مياهه من تلك الأمطار التي تتساقط من الجنوب؛ ولمزيد من التفاصيل أنظر:
Arora 1996, 168-171.
Aristobulos, Jacoby No. 139, F.35 (Strabon, XV, 1, 19).                    
[90]  Strabon, XV, 1, 20; 22.
[91]  Arora 1996,  171.
[92]   تجدر الإشارة هنا إلى إلى وجود حالة من التناقض بين حديث Arora حول غزارة المياه في الهند والتي أثرت بالتالي في تشكيل المناخ العام لكي يكون مائلا للرطوبة من ناحية، وبين مقولة بوسيدونيوس التي أشارت إلى جفاف المناخ في الهند، والذي بالتالي ساعد على تقوية بنية الهنود من ناحية أخرى، ولمزيد من التفاصيل أنظر:
Arora 1996, 172.
[93]   المعروف وكما ذكر هيرودوتوس عن أحوال مصر القديمة، فإن كل طبيب مصري كان متخصصًا فقط في أحد فروع علم الطب.                                              Herod. II, 167.                                                                                   
[94]  Arora 1996, 171-73; also O. Murray, “Herodotus and Hellenistic Culture”, CQ 22 (1972), ??   
[95]  Arora 1996, 172f.
[96] Karttunen 1989, 109; 108-119; G. P. Conger, “Did India Influence, Early Greek Philosopher?,” Philosophy East & West 2 (1953), 102-128.
[97]  Arora 1996, 178f.
[98]  Arora 1996, 173.
أنظر أيضًا في هذا الصدد د. محمد إسماعيل الندوي: المرجع السابق، ص 165 وما بعدها؛ يقول د. الندوي:" كان هيرودوتوس على علم بعقيدة التناسخ. وقد عبر عنها الفيلسوف اليوناني فيثاغورس 582-507 ق.م من قبله. ويعتقد الباحثون الإفرنج أن هيرودوت قد أخطأ في عزوه هذه العقيدة إلى المصريين، لأن الهند هي التي خلقتها لتثبيت نظريتها الكهنوتية المبنية على الطائفية العنصرية كما وصفنا بدقة من قبل. ومن الهند انتقلت هذه النظرية إلى إيران في عهد زرادشت وكذلك إلى مصر وكثير من بلدان العالم ومن بينها اليونان. ويؤكد الأستاذ راوليسون: إن ما أخذه فيثاغورث فيثاغورس من النظريات الهندية في الهندسة والديانات والفلسفة والرياضات أكثر بكثير مما أخذه من مصر. وقد تأثر فيثاغورس هو الآخر من الحينية حينما امتنع عن أكل اللحوم وإيذاء الحيوانات وانتهاج طريقة النباتيين. وكذلك يرى راوليسون أن عقيدتي التناسخ وكارما الآرية – المذكورة فيما سبق – كانتا عماد فلسفة أفلاطون (424-347 ق.م). كما أن أفلاطون قسم الإنسان إلى أربع طبقات من قبل. إن قصة خلق الكون التي يرويها سقراط شبية بالقصص الواردة في كتب الفيدا الأخيرة. ويذكر أن سقراط لما شرح الفلسفة – بناء على سؤال وجه إليه بعض تلاميذه – انفجر واحد من الهنود الحاضرين في مجلسه ضحكا. وهذا يدل على أن اليونان – مهد الفلسفة والمنطق – كانت متصلة بالهند – مهد الحكمة والتصوف؛ قارن أيضًا د. احمد محمود الساداتي: المرجع السابق، ص 43؛ يذكر د. الساداتي أن الفلسفة الهندية قد ذاع صيتها قبل أن يشتهر أمر الفلسفة اليونانية بزمان طويل. والمعروف أن فيثاغورس الفيلسوف اليوناني، الذي عاصر بوذا قد شغل بعلوم الهند في القرن السادس قبل الميلاد، أي قبل أن يغزو الاسكندر الهند بأكثر من قرنين. ويروى أن فلاسفة من الهنود زاروا أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد وناظروا سقراط فسخروا منه.
[99]  Karttunen 1989, 97 ff.; also T. S. Brown, 'The Reliability of Megasthenes', AJPh 76 (1955) 18-33; T. S. Brown, “The Merits and Weaknesses of Megasthenes”, Phoenix 11 (1957), 11-24.
[100]  Homer. Odyss. XIII, 272 ff.; XIV, 288 ff.
[101]  ولمزيد من التفاصيل حول ردود أفعال الفلاسفة والحكماء الهنود عند لقاءهم بالإسكندر الأكبر، وموقفهم من غزوه لبلادهم، أنظر الدراسة الهامة والشيقة لـ:
A. K. Narain, “Alexander and India,” G&R 12 (1965), 155-65; and espec. 159; see also, Arrianus, Ana 7.1.6.1  to Ana 7.1.6.6; Karttunen 1989, 108.

[102]   المعروف أن مفهوم الصراع والمنافسة والندية هي بالطبع عناصر أساسية تقوم عليها التراجيديا الإغريقية، وعلى ذلك فإن الحالة المصرية أو الفارسية أو الفينيقية هي الأقرب لجوهر التراجيديا مقارنة بالحالة الهندية. 
[103] Cf. U. P. Arora, “Understanding Greek Nomenclatures in Classical Accounts of India”, Yavanika, Journal of the Indian Society for Greek and Roman Studies (ISGARS) 2 (1992), 86 f.
يشير Arora – من ناحية أخرى - إلى أن الاستخدام العريض والواسع لكلمة في اللغة اليونانية (أنظر أيضًا كلمة Polis) - على سبيل المثال - تعكس لنا سمات الشخصية الإغريقية في نظرتها الكلية للأشياء، وكأنها نسق متكامل ذات وحدة عضوية (من الناحية الجمالية، والفكرية، والأخلاقية، والعملية). أن الإحساس بشمولية الأشياء (wholeness of things) - والحديث ما زال لـ Arora - ربما كان السمة الغالبة في بلورة العقل الإغريقي، والذي قد لوحظ من خلال مظاهر عديدة في حياة الإغريق، منها على سبيل المثال اللغة.
[104]  قارن د. احمد محمود الساداتي: المرجع السابق، ص 44 وما بعدها. يذكر د. الساداتي في معرض حديثه عن مدى تأثير الإسلام على حضارة الهند، مقارنة بما أحدثه الإغريق والرومان من تأثير حضاري عليها من ناحية وعلى مصر من ناحية أخرى ما يلي: "ولقد وهم كثير من أهل الرأي في الهند – حين أقبل عليهم المسلمون فاتحين – أن هؤلاء الغزاة سينتهي أمرهم إلى ما انتهى إليه مصير من سبقهم من اليونان والهون وغيرهم من الأمم التي وفدت إلى هذه البلاد فانصهرت جميعًا في بوتقة شبه القارة. فما لبث هؤلاء المسلمون أن بلغ نفوذهم بالهند نفس الأثر العميق الذي وصله في جميع الأقطار التي فتحوها، وهو ما لم يرق إليه اليونان والرومان من قبل أو يبلغوه. فتم لهم بهذه البلاد نظير ما تم لهم بوادي النيل حيث حولوا شعبًا – كانت له أقدم الحضارات – عن دينه ولغته وفنونه وثقافته غلى دينهم ولغتهم وثقافتهم وفنونهم".


مواضيع ذات صلة

إرسال تعليق

0 تعليقات