ادعمنا بالإعجاب

عبقریة العلامة عبد الحي الفرنجي محلي(عبد الحي الكنوي)


- د. محامد حسین*
الهند قلعة شامخة من قلع الأسلام قحا منذ أن أدركت عناية ربانية محضة فلها صيت لا تُخمد وأهمية لا تُفسد ما دامت الأفلاك، مرّبها غزاة فاتحين، ووفاة مخلصين لدين الله وعلماء صالحين، وعاش في نحرها وصحرها عباقرة تكاثفت بعطاياهم المكتبات الإسلامية والذين كانت لهم الأيادي الطولى في إثراء العلوم الإسلامية، نعم لهم عبق نشمّ رائحتهم حتى الأونة، وحقا أنهم محاسن الدنيا ورياحينها، فمنهم العلامة عبد الحي الفرنجي محلي

إن العلامة الفرنجي محلي كان علما من الأعلام الكبار وعبقریا من عباقرة الإسلام، ولد ونشأ في عصر یُعد من أخطر العصور من حیث السیاسة الملكیة والاقتصادیة والاجتماعیة بالنسبة لأهل الهند عامة وبالنسبة للمسلمین الهنود خاصة، فإن وقعة "الثورة الهندیة - 1857 م" وقعت في هذا العصر حینما كان العلامة الفرنجي محلي ابن عشرة أعوام، كان العلامة الفرنجي محلي كثیر الشغل بالدراسة والمطالعة، دائم الاشتغال بالتعلیم والتدریس، حتى أن الكتب الدرسیة كلها كانت مستحضرة عن ظهر قلبه وجاریة على لسانه بدون النظر إلیها. ولم یكن عنده شئ أحب إلیه من الاشتغال بالدراسة والمطالعة والتعلیم والتدریس حتى آثره على مناصب إداریة عالیة كي لا تعوقه منه علائقها
مما یدل على كرامة أیة أمة ونباهتها ومقدرتها على احتفاظ وج ودها في هذا العالم الفاني هو نبوغ العباقرة فیها في مختلف نواحي الحیاة ومیادینها المتشعبة وأصناف العلوم والفنون، والشعب الإسلامي في الهند من أغنى الشعوب في إنتاج نوابغ الرجال والعباقرة في ضروب الكمال الإنساني.
فلا یخفى على من یمعن النظر في تاریخ أمم العالم وحضارتها أن الهند هي من البلدان السعیدة التي أدركتها العنایة الإلهیة منذ بدء التاریخ الإنساني، وأضاءت أرضها بنور الإسلام في فجر تاریخه كما جذبت لها عددا من أخیار العالم الإسلامي من التجار والدعاة والغزاة والعلماء والصلحاء... ثم أنجبت بفضلهم جیلا ورجالا ذوي الهمة وعلو المرتبة اُعتبِروا محاسن الدنیا ونجوم السماء ومفاخر الأرض كلها فضلا عن الهند فحسب.
ومن بین تلك الطوائف الخیرة والأسر العلمیة المقدسة التي حالفتها العنایة الإلهیة وساقتها إلى الهند من خارجها واستخدمتها لها ولما جاورها استخداما كثیرا هي أسرة فرنجي محل. أما أسرة فرنجي فهي أسرة یرجع إلیها فضل نشر العلوم الإسلامیة والعقلیة في الهند وفي ما جاورها بثلاثة قرون ماضیة متوالیة على طریق الإحسان والإیجاد حیث لایضارعها أحد في العالم كله لا في الكیفیة ولا في الكمیة، وفیضها العلمي لم یحط بجمیع شبه القارة الهندیة وآسیا الشرقیة فحسب بل بجمیع العالم الإسلامي، فالتاریخ العلمي الهندي یشهد بأن في هذه الأسرة نشأ ونبغ – في كل جیل من أجیالها السالفة وفي كل عصر من عصورها الماضیة – رجال نابغون في میادین التدریس والتعلیم وفي مجال التشریع والقضاء وفي سائر العلوم والفنون المتداولة بحیث قلما یوجد نظیرهم وعدیلهم في الأسر والبیوتات العلمیة الأخرى، وخلیتها التي كانت أنسجتها أذهان عباقرتها الفذّة والشجرة التي كانت غرستها الأیادي الكریمة لرجالها المخلصین هي لم تزل ولاتزال تعسل وتثمر وتؤتي أكلها كل حین بإذن ربها على مرّ العصور وكرّ الدهور.
ومن أعظم وأجل النبغاء العباقرة الذین كانوا مفخرة فخمة لأسرة فرنجي محل ودررا متلألأة في سلكها المتین الطویل سماحة العلامة الجلیل النبیل والمحقق المدقق النبیه عدیم المثال في آفاق العلم والفضل ومنقطع النظیر في سماء التحقیق والبحث أبو الحسنات محمد عبدالحي، وهو من آخر دررها النادرة أیضا حیث لایُرى في هذه الأسرة بعده عدیله ومثیله.
مولده واسمه وكنیته:
ولد الشیخ عبد الحي الفرنجي محلي یوم الثلاثاء في السادس والعشرین من ذي القعدة عام أربعة وستین ومأتین وألف من الهجرة النبویة ( 26-11-1264 ه) الموافق: الرابع والعشرین من تشرین الأول عام ثمانیة وأربعین وثماني مئة وألف من المسیحي ( 24 – 11  -1848  م) في بلدة "بانده[1] " حیث كان هناك والده الكریم –  مدرسا في مدرسة النواب (الأمیر) "ذو الفقار الدولة بهادر" [2] وسمي ب"عبد الحي" بعد ولادته بسبعة أیام، سماه به والده العلام رحمه الله، و من الجدیر بالذكر هنا أنه عندما سمع هذا الاسم بعض الظرفاء من أصدقاء والده قالوا له متفائلین به: سبحان الله! سمیت ابنك بعد ما حذفت من اسمك حرف النفي لأن یطول عمره ویحسن عمله، و یوقیه الله عن كل موارد المنكرات والمنهیات... ببركة اسم المضاف [3]
ولما بلغ سن الرشد والتمییز ظهر فیه النبوغ المبكر الذي كان یبشر له بمستقبل مشرق، وأدرك فیه والده الكریم المربي العطوف من صفات حمیدة وعادات حسنة... فكناه متفائلا بالیمن والسعادة – "أبا الحسنات". وفیما بعد أضاف الإمام بنفسه إلى اسمه الكریم كلمة "محمد" تقدسا وتیمنا باسم النبي صلى الله علیه وسلم. وهذا هو دأب شائع بین المسلمین في بلاد الهند من الزمن القدیم، لذلك نجد في بقایا آثاره – رحمه الله – من خواتمه وتوقیعاته وفي أكثر كتبه اسمه الكامل هكذا "أبوالحسنات محمد عبدالحي"[4] ومن الملاحظ هنا أن بعض مت رجمیه قد أخطأوا في ضبط سنة ولادته واسمه ونسبه أیضا، فالأستاذ ألطاف الرحمان ذكر أنه ولد في سنة 1265 ه[5] ، وكذلك الأستاذ فصیح الله سطر هذه السنة نفسها لولادته، ونظم لضبط هذا التاریخ– وفقا لحساب الجمل الأبجدیة – قطعة من البیت في اللغة الفارسیة، فقال: "مهر افلاک حشمت و إقبال" (مهر = 245 + افلاک = 132 + حشمت = 748 + و = 6+  إقبال = 134 ، الحاصل: 1265 ه) [6]
وكذلك وقع بعض الباحثین في مثل هذا الخطأ حین ذكروا اسمه أو نسبوا إلیه بعض مؤلفاته، فقد أخطأ في هذا الصدد المجهز ل"فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهریة" في مجلده الثاني، حیث أنه ذكر اسمه "محمد بن عبد الحي" أو أبالحسنات محمد بن عبد الحلیم" فقال في صفحة 121 من الكتاب المذكور: "تدویر  الفَلك في حصول الجماعة بالجن والمَلك" تألیف الشیخ محمد بن عبد الحي اللكهنوي" وفي صفحة 129 من ذلك: "النافع الكبیر لمن یطالع الجامع الصغیر" للشیخ محمد بن عبد الحي اللكهنوي، وفي صفحة 239 منه: "القول الجازم في
سقوط الحد بنكاح المحارم" تألیف أبي الحسنات محمد بن عبد الحلیم اللكهنوي الأنصاري من علماء القرن الحادي عشر الهجري، فإنه أخطأ أیضا هنا في ذكر القرن الذي تمتع فیه – رحمه الله – بحیاته، وفي صفحته 296 : "الهسهسة في نقض الوضوء بالقهقهة" تألیف أبي الحسنات محمد بن عبد الحي بن عبد الحلیم اللكهنوي المتوفى سنة 1304 ه [7]
وكذلك أخطأ من أعد "فهرس الكتب العربیة الموجودة بدار الكتب المصریة" في صفحته: 76 من مجلده الأول (حیث أنه ذكر: "ظفر الأماني في مختصر الجرجاني" تألیف الشیخ محمد بن عبد الحي اللكنوي)، وفي صفحته: 94 من المجلد نفسه (حیث أنه ذكر: "تحفة الأخیار في إحیاء سنة سید الأب ا رر" تألیف الشیخ محمد بن عبد الحي اللكنوي) وفي صفحته: 262 منمجلده الثامن (حیث أنه ذكر "النافع الكبیر لمن یطالع الجامع الصغیر" هي مقدمة لأبي الحسنات عبد الحي بن محمد بن عبد الحلیم بن أحمد أبي الرحم ابن محمد بن یعقوب[8]). وهكذا أخطأ صاحب إیضاح المكنون في الذیل على كشف الظنون عن آسامي الكتب والفنون" في صفحته: 581 من مجلده الأول (حیث أنه ذكر: "الرفع والتكمیل في الجرح والتعدیل" تألیف محمد ابن عبد الحي بن محمد بن محمد عبد الحلیم اللكنوي الهندي المتوفى  سنة 1304 ه[9]
وأما الأستاذ عمر رضا كحالة فقد وقع في زلة فاحشة مضللة وذهب إلى بعید عن الحق المضبوط حتى لا یمكن إد ا ركه إلا لمن له علم واف به حیث أنه كتب عند ما ذكر ترجمته: "محمد بن محمد بن عبد الكریم بن أحمد بن محمد بن یعقوب اللكنوي الأنصاري الهندي، محدث، مؤرخ، فقیه، من مؤلفاته: الأنوار المرفوعة في الأخبار الموضوعة...[10] " فإنه أخطأ في ذكر اسمه واسم أبیه واسم جده الأول والثاني والثالث وكذلك في ضبط اسم مؤلفه المذكور [11] أیضا. مع أن العلامة عبد الحي الفرنجي محلي قد ذكر نفسه تاریخ ولادته وقصة تسمیته في أكثر كتبه أوائلها أو خواتمها قائلا هكذا: "أنا العبد الراجي رحمة ربه القوي، كنیتي أبو الحسنات، كناني به والدي بعد بلوغي، واسمي عبدالحي، تجاوز الله عن ذنبي الخفي والجلي، سماني به والدي في الیوم السابع من ولادتي، وقد ولدت في بلدة "بانده" حین كان والدي مدرسا بها في مدرسة النواب ذي الفقار الدولة في السادس والعشرین من ذي القعدة یوم الثلاثاء من السنة الرابعة والستین بعد  الألف والمأتین. [12]
نسبته
یقال له: "الأنصاري" أو "الأیوبي" لكونه من قبیلة الأنصار، تنتهي سلسلة نسبه بنحو ثلاث و أربعین واسطة إلى سیدنا أبي أیوب (خالد بن زید بن كلیب) الأنصاري – رضي الله عنه  وهو صحابي شهیر معروف في التاریخ الإسلامي بمضیف الرسول صلى الله علیه وسلم في المدینة.
" ویقال له: "اللكهنوي" نسبة إلى مدینة "لكهنؤ(Lucknow)  ) التي هي موطنه   الأبوي والجدي، وهي الآن عاصمة لولایة أتّرْپَرَدِیْشْ Uttarapradesh (الإقلیم الشمالي للهند) من الهند، كما هي كانت دار الإمارة لإقلیم "أوده" قبل استقلال الهند، وهي منذ القدیم مركز تجاري وصناعي، ولها تاریخ مجید في روایات العلم والحضارة والثقافة.
ویقال له: " الفرنجي محلي" نسبة إلى "فرنجي محل" (قصر للإفرنج) حصلت له هذه النسبة كابر اعن كابر من أجداده لاتخاذهم إیاه مسكنا لهم، و فرنحي محل هو الآن حي من أحیاء مدینة لكهنؤ، وفي القدیم كان قصر ابالاسم المذكور.
وقد یعرف بحنفي نسبة إلى الإمام أبي حنیفة النعمان بن ثابت بسبب اختیاره مسلَكه، اختار العلامة عبد الحي الفرنجي محلي هذا الاسم لنفسه قصدا – مع أنه  كان متوسعا في المسلك، وقد خالف الأحناف في بعض الأصول – وذلك ردا على من كان ینكر من العلماء في زمانه مثل ذلك النسب ویصرون على ذلك قائلین بلا دلیل – إنه مظهر من مظاهر الشرك، فأراد – رحمه الله – على سبیل ذلك تفنید زعمهم الكاذب، ولقد سطر عن ذلك ملاحظات بلیغة، فقال: "ینسب به (بذلك الاسم المنسوب) لمن یتمذهب بمذهبه، ویسلك مسلكه، كالشافعي لمن یختار أقوال محمد بن إدریس الشافعي، والمالكي لمن یقلد الإمام مالك الأصبحي، والحنبلي لمن تبع الإمام أحمد بن حنبل البغدادي، والظاهري لمن یقلد داؤد الظاهري، وهذه النسب وأمثالها قد شاعت في المتقدمین والمتأخرین، وسطرت في زبر من غیر نكیر وامتراء في جوازها ومن غیر اشتباه في صحة إطلاقها، والعجب كل العجب ممن یستكره إطلاقها ویتنفرعن الانتساب بها، وأعجب منه جعله شركا أو مكروها وممنوعا من غیر حجة و دلیل، ولو كان مظنونا، وقد قلت لبعضهم: لو كان ممنوعا أوشركا لكان الانتساب إلى البلاد كالمدراسي والدهلوي واللكهنوي أیضا ممنوعا وشركا، مع أنه لاقائل به، ولما جازذلك جاز هذا أیضا، فبُهِت ولم یُبدِ شیئا" [13]
وقد یضاف إلى مستهل اسمه بعض ألقاب علمیة، أعطاه إیاها أهل عصره ومن جاء بعده من العلماء لما وجدوا فیه من مؤهلات علمیة وافرة وصفات نابغة سامیة، وشأن عظیم فائق وقبول عام بین العامة والخاصة على حد سواء في دنیا العلم والمعرفة والتحقیق، فمن تلك الألقاب التي كانوا أطلقوها علیه مع توقیر و تقدیر و تحبیبب هي: "المولوي" أو "مولانا" وبعض الأحیان "العلامة" و"الإمام" وغیرها.
نشأته
نشأ هذا الطفل الفرید الوحید في حجر أبویه الكریمین الفاضلین[14]،  ورضع منهما الدین والعلم والصلاح عملا وسلوكا منذ أول أیامه، ونما في أسرة [15] علمیة عریقة ذات فضائل دینیة ومظاهر أدبیة كان له جمیع أفرادها بمثابة دوحة علمیة، وخلیة نشطة للعلم والمعرفة، وبما أنه كان ولدا وحیدا فریدا لأبویه بالطبع كانا یحبانه حبا جما، فربیاه تربیة حسنة ورعیاه رعایة فائقة، ولما بلغ مبلغ الشعور والإدراك كثر حرصهما في إرشاده وتوجیهه إلى ما ینفعه في الدنیا والآخرة، فكانا دائما یحثانه على العمل الصالح و اكتساب العلم النافع، وكذلك یرّغبانه في اجتناب الرذائل والقبائح، فما كانا یسمحان له بأن یلعب في الشوارع والأزقة لكي لاتتسرب إلیه العادات القبیحة، بل كانا یجعلانه یلعب مع أولاد الصلحاء الذین كانت لهم صفات طیبة، وكان والده الكریم العلام یلازمه في معظم الأوقات، فكثيراما كان یشجّعه ویشوّقه إلى الأعمال الصالحة، كما كان یذهب به منذ صغره إلى جلساته ومحاضراته العلمیة، لكي یتعلم العادات الطیبة وتسمع أذنه اللغة الفصیحة ویصون لسانه من الكلمات السوقیة، فإلى ذلك یشیر العلامة عبد الحي نفسه متحدثا عن شخصیته الكریمة وتوجیهه له: " ... وكان شفیقا رحیما وبمقتضى اسمه حلیما ... علمني ما ینفعني في دیني ودنیاي [16]
هذا، وقد هیأت له أیضا الید الربانیة بیئة رائقة وظروفا ملائمة، لایتیسر مثل ذلك إلا للقلائل التي یرید الله بها خیرا، فشاء الله رب الكائنات وما فیها أن ینشأ ویترعرع في حمى النوابین و الأمراء الذین كانوا محبي العلم والعلماء، فمنذ نعومة أظفاره كان یشاهد هذا الطفل الناشئ في ما حوله القصور والبساتین والحدائق الواسعة والمراتع الخصبة وكثیرا ما كان یتمتع بها من التسهیلات والنعم الأخرى.
فنشأ هذا الطفل الذكي الفطین بین مسارح الجمال والجلال والظروف الملائمة والبیئات الرائقة، ملء الصدر بیسر وغبطة، مغمور النفس والقلب بمشاعر السعادة والرضا، على أفق واسع وخیال متین ونظرة رحبة تنفرج لفكر دقیق نیر في المستقبل وتحمل الأفكار العمیقة والنظریات الدقیقة الطریفة، فهذه هي التي جعلته فیما بعد حافلا زاخر بفضائل الأخلاق والشیم الكریمة، فعالا نشیطا بالعلم والعمل إلى مبلغ عیي عنه لاحقوه وسابقوه ومن جاء بعده من العلماء البارزین.
ولقد آتاه الله حظا وافرا من المواهب التي جعلته في الذروة الأولى بین قادة الفكر والعلم وحملة لواء التحقیق والحیاد ... فكان الشیخ بالفطرة غایة في الذكاء والفطنة وسیلان الذهن، بعید المدى في الفهم وقوة الحفظ، حتى قال عن نفسه وهو في (في نهایة الثلاثینات من عمره): "من منح ربي أني رزقت قوة الحفظ من زمن الصبا، حتى إني أحفظ كالعیان جمیع وقائع تقریب قراءة الفاتحة حین كان عمري خمس سنین، بل أحفظ ضربة وقعت بي حین كان عمري ثلاث سنین تقریبا" [17]
دراسته الابتدائیة
اشتغل بالعلم منذ باكورة عمره، فحصل مبادئ العلم في أحضان أبویه الكریمین أثناء نعومته أظفاره، وعندما بلغ الخامسة من عمره تفرس فیه والده الماجد الكریم النبوغ، فعهد به إلى الحافظ قاسم علي اللكهنوي لیعلمه القرآن الكریم، فبدأ القراة علیه القرآن الكریم حفظا من سورة "عمّ یتساءلون"، ولكنه لم یتم هذا الجزء إلا أن أرسل رئیسُ جونفور الحاج محمد إمام بخش إلى والده العلام لیتولى عنده مسؤلیة التدریس في مدرسته (المدرسة الإمامیة الحنفیة)، فذهب به إلیه، فتلمذ هناك على الحافظ إبراهیم – رحمه الله – من سكان مملكة الفورب، وكان والده أیضا یدرسه القرآن،
وبما كان – رحمه الله – غایة من الذكاء والفطنة وقوة الحفظ والإدراك فرغ من حفظه بكل اتقان وٕاحكام حتى استطاع أن یصلي بالناس إماما في التراویح، وهو حدیث السن ما كان یتجاوزعشرسنین من عمره. وفي هذه الأثناء تعلم أیضا الخط والإنشاء والحساب وبعض مبادئ الكتب الفارسیة – التي كانت لغة رسمیة ولغة العلم والثقافة آنذاك – على ید والده العلام وعلى أرشد تلامذته ورفیقه المولوي خادم حسین المظفرپوري العظیم آبادي.
ومن الجدیر بالذكر هنا أن قول الأستاذ الدكتور یونس النجرامي الندوي من "أن صاحب "تذكره علماۓ هند" كتب أن الشیخ عبد الحي أكمل بحفظ القرآن الكریم في السنة الحادیة عشرة من عمره"[18]  لیس بصحیح. لقد حققت ذلك في الكتاب: تذكرهٔ علماۓ هند" للأستاذ رحمان عَلِي فوجدت فیه قول الأستاذ رحمان عَلِي بهذا الصدد مذكورا هكذا: اشتغل (الشیخ عبد الحي الفرنجي محلي) بحفظ القرآن الكریم في الخامسة من عمره، وفي العاشرة من عمره فرغ منه وصلى بالناس إماما في صلوات التراویح أول مرة في المسجد الجامع بجونفور، ثم شرع بتحصیل العلوم المروجة في الحادیة عشرة من عمره على ید والده [19]
تحصیله العلوم المتداولة
بعد الفراغ من حفظ القرآن الكریم مال هذا الغلام النشء إلى العلوم والفنون لدى حضرة أبیه العلام، فاغترف وعب منه كثیرا، وأكثر تحت إشرافه من المطالعة والمراجعة والممارسة متواصلا حتى اتسع أفق معلوماته وحصل له من العلوم والفنون السائرة في عصره حظا وافرا، وتخرج من جمیعها على ید أبیه الكریم في السابعة عشرة من عمره في حین كان معه في "المدرسة النظامیة" بحیدر آباد.
قضى – رحمه الله – من هذه الفترة الدراسیة نحو تسع سنین في المدرسة الإمامیة الحنفیة بجونفور (حین كان والده العلام مدرسا فیها)، وسنة واحدة في وطنه العزیز (حین كان والده مقیما به بعد مغادرة المدرسة المذكورة وذلك سنة 1276 ه)، وحوالي سنتین في المدرسة النظامیة بحیدر آباد (حین كان والده مدرسا فیها وذلك من سنة 1277 ه إلى آخر المدة). ومن العل وم والمعارف التي تزود بها في هذه الفترة هي العلوم العربیة من نحو وصرف ومعان وبیان وأدب وٕانشاء وغیرها، ومن العلوم الشریعة من تفسیر وحدیث وفقه وأصول فقه وكلام ومناظرة، والعلوم العقلیة المعروفة في عصره من منطق وحكمة وطب وریاضیات (علم حساب) وغیرها، وذلك كله وفقا للمنهج الدراسي النظامي الذي كان شائعا آنذاك [20]
وعن ذلك قال العلامة عبد الحي نفسه في مواضع شتى، فهو یقول في التعلیق الممجد على مؤطأ الإمام محمد": "ثم شرعت على حضرة الوالد في تحصیل العلوم، ففرغت من تحصیلها منقولا ومعقولا حین كان عمري سبع عشرة سنة، ولم أقرأ شیئا من كتب العلوم على غیره إلا كتبا عدیدة من العلوم الریاضیة، قرأتها على خال والدي وأستاذه مولانا محمد نعمت الله ابن مولانا نو ا رلله المرحوم" [21]
وقال في "النافع الكبیر لمن یطالع الجامع الصغیر": "ومن بدء السنة الحادیة عشر شرعت في تحصیل العلوم، ففرغت من قراءة الكتب الدرسیة في الفنون الرسمیة: الصرف، والنحو، والمعاني، والبیان، والمنطق، والحكمة، والطب، والفقه، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والحدیث، والتفسیر، وغیر ذلك حین كان عمري سبع عشرة سنة، مع فترات وقعت في أثناء التحصیل، وطفرات واقعة في أوان التكمیل"[22]
وقال فیه أیضا: "... إلا أن علم الریاضي لم أقرأه على حضرة أستاذ إلا شیئا من التشریح، وشرح الچغمیني، تشرفت بملازمة إمام الریاضیین مقدام المحققین خال والدي وأستاذه مولانا محمد نعمت الله المتوفى سنة التسعین فقرأت علیه في سنة ثمان وثمانین "شرح الچغمیني" مع مواضع من "حواشي البرجندي" وٕامام الدین الریاضي، والفصیح وغیرها علیه، و"رسالة الأسطرلاب" للطوسي، وقدرا كثیر امن شرح التذكرة" للسید، وشرحها للخفري وشرحها للبرجندي، و"التحفة" و"زیج ألغ بیك" مع "شرح البرجندي" و"رسائل الأكَر والتسطیح" وغیر ذلك، مع تحقیق تام بحیث كان مولانا الممدوح یثني عليّ كثيرابین أحبابه" [23]
اشتغاله بالتدریس والتألیف
اشتغل الإمام الفرنجي محلي في الممارسة بالتدریس والتألیف مع اشتغاله في الدرس والتحصیل، واستمر على ذلك طول حیاته بكل جد وجهد، فقد ساعدته في ذلك كثیرا مواهبُه الفطریة من ذكاء متوقد وقوة فهم سریع وشوق صادق في الجهد المتواصل والظروفُ التي عاش فیها من معایشة مدرسیة في وسط ثقافي رفیع ممن كانوا حول أبیه وهم لیسوا إلا علماء وأدباء وصلحاء وفقهاء تلامذةً وأساتذةً، وبالإضافة إلى ذلك أنه منح من عند الله فرص متفرغة واسعة للعلم والتحصیل والدرس والتدریس، فهو لم یكن یدْرُس أيّ كتاب إلا وهو كان یمارس فیه بعد الفراغ منه تدریسا بین الطلاب الذین كانوا حول أبیه العلام.
وٕالى جانب ذلك كان یكتب في نفس الوقت تعلیقات وحواشي على بعض الكتب التي كان یتابعها درسا و تدریسا حسب إرشاد والده القویم وتوجیهاته النافعة [24]، فبذلك حصلت له براعة ودقة ومقدرة تامة على سائر العلوم والفنون التي زاولها وجربها وفتح الله علیه أسرارها وأصدافها وسهل له مجالات التحقیق والتدقیق فیها إلى مستوى محمود، حتى استطاع أن یدرس بعض الكتب التي لم یقرأها على حضرة أستاذ. فعن ذلك یقول العلامة نفسه متحدثا بنعمة الله علیه: " وقد ألقى الله في قلبي من عنفوان الشباب بل من زمان الصبا محبة التدریس والتألیف، فلم أقرأ كتابا إلا درّسته بعده"[25]. ویقول في موضع آخر: "كلما فرغت من تحصیل كتاب شرعت في تدریسه فحصل لي الاستعداد التام في جمیع العلوم بعون الله الحي القیوم، ولم یبق علي تعسر أيّ كتاب كان من أيّ فن كان، حتى أني درست مالم أقر أه على حضرة الأستاذ ك "شرح الإشارات" للطوسي و "الأفق المبین" و "قانون الطب" و رسائل العروض وغیر ذلك، ورضیت من درسي طلبةُ العلوم [26]
وبعد الفراغ من التحصیل وقف نفسه كلیا مع الإخلاص وانشراح الصدر لخدمة الدین ونشر العلم، فبذل حیاته كلها مشتغلا بالدراسة والتدریس والتحقیق والتصنیف، حتى آثر ذلك على بعض مناصب عالیة في أمور الدنیا، فإنه – رحمه الله – لما توفي والدُه الكریم الذي كان ناظما للمحكمة العالیة في مدینة "حیدرآباد،" ألح علیه أصحاب الأمور والشؤون والأحباء المخلصون لقبول منصب أبیه، فأبى قائلا: إن ذلك یعقوني عن التدریس والتألیف وخدمة العلم والدین، وكان دائما على هذا التوفیق شاكرا لله تعالى مع أن الأرزاق لاتكون تأتي في نصیبه إلا قدرا مقدورا، وقد ذكر تلك القصة في ترجمته الذاتیة مفتخرا وشاكرا لله تعالى على هذا الصنع، فقال "ومن منحه تعالى عليّ أنه ألقى محبة العلم في قلبي، وأخرج ألفة أمور الریاسة مني، حتى إن الوالد العلام – أدخله الله في دار السلام – لما توفي في حیدر آباد من مملكة الدكن، وكان ناظما للعدالة، أصر مني جمیع الأحباب إیثار عهدة القضاء فتنفرت منها ظنا مني أن إیثاره مع ما فیه من خطر الحساب یعوقني عن الاشتغال  بالتدریس والتصنیف، فقنعت بالیسیر وتركت الكثیر، والله على ما نقول شهید [27]
وقد رزقه الله ذوقا علمیا سلیما وشوقا دراسیا نادرا فكان یجد في نفسه في الاشتغال بالدراسة والتدریس والتصنیف حلاوة ولذة، لذلك نراه كثیر الشغل بالدراسة والمطالعة، دائم الاشتغال بالتعلیم والتدریس، حتى یقال فیه إن الكتب الدرسیة كلها كانت مستحضرة عن ظهر قلبه وجاریة على لسانه بدون النظر إلیها، وهذا هو الشیخ محمد حفیظ الله من أرشد وأقرب تلامیذه یشهد بذلك قائلا: "كان حافظا بالكتب الدرسیة فلایزال درسه من غیر النظر إلى الكتب إلا في كتب الحدیث، فإنها كانت عنده وهو ینظر ویسمعها، وتطبیقه بین الخبرین المتناقضین كان بصورة أعجب مما ت ا ره من غیره [28]
ومن العلوم التي كانت أحب إلیه درسا وتدریسا هي : علم الحدیث وما یتعلق به، فإلى ذلك یشیر نفسه قائلا: "ومن منحه تعالى أني رزقت الاشتغال بالمنقول أكثر من الاشتغال بالمعقول، وما أجد في تدریس المنقول والتصنیف فیه لاسیما في الحدیث وفقه الحدیث من لذة وسرور لاأجده في غیره [29]
الإمام عبد الحيّ الفرنجي محلي وأعماله في الحديث
1-    الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة:
تفرّغ الإمام عبد الحيّ من تأليف هذا الكتاب في رجب سنة 1303 للهجرة، وقد ذكر المؤلف نفسه عن سبب تأليف هذا الكتاب في بدايته، فقال إنه بدأ يدوّن في يوم من الأيام رسالة شاملة في الأحاديث الموضوعة تأييدًا للشريعة المرفوعة، وقصدًا لجمع ما اتفق المحدّثون على الوضع وما اختلفوا فيه، مع ذكر الأسباب والأدلّة خلفه، ولكن لم يتيسّر له إتمام هذه الرسالة مسرعًا بسبب اشتغاله نحو إعداد كتب أخرى[30].
ويبدو من هذا التصريح أن الإمام اللكنوي كان يريد بتأليف كتاب شامل في هذا الباب ولكن أوجزه ببعض الأسباب والعلل المجهولة على الأحاديث المتعلقة بالصلوة، وكذلك كتب في موضع آخر أنه جرت بينه وبين بعض أعزاءه مناقشة ومناظرة لطيفة حول يوم عاشوراء في 1303 للهجرة، ثم سأله بعض الناس عن كمية وكيفية صلوة يوم عاشوراء وما كتب عليها من ثواب وجزاء، فكان جواب الإمام عبد الحيّ أنه لاتوجد في أية رواية محكمة موثوقة كميّة الصلواة المعينة أو كيفيتها في هذا اليوم، وكل ما يذكر إنما هو شائعات وضعية ليست لها حقيقة واضحة في أصول الدين الإسلامي، وفي نفس الحين أراد الإمام أن يؤلّف رسالة خاصة في الأحاديث الموضوعة، فألف هذا الكتاب واقتصره على الأحاديث الموضوعة في صلوات أيام السنة ولياليها موضحًا اختلافها ووضعها ليتنبّه به العلماء والدارسون ويستفيدوا منه استفادة تامة[31].
والآن اتضح وضوح الشمس أن العلامة عبد الحيّ كان يهدف بهذا التأليف إبطال البدع السائدة في المجتمع آنذاك لاسيما في صلاة يوم عاشوراء وغيرها من الأيام السّنوية التي لم تثبت في الآثار والنصوص الإسلامية الأصيلة والصحيحة، وطبع هذا الكتاب في عدّة بلاد أخرى غير الهند منها باكستان وبيروت كما حقّق وعلّق عليه محمد بسيوني زغلول، وطبع بدار الكتب العلمية ببيروت سنة 1404 للهجرة[32].
ويستهلّ المؤلف في هذا الكتاب كعادته في بقية مؤلفاته بالحمد والثناء في أسلوب مؤثّر رصين وها هو ذا نموذجه: «الحمد لله الذي أخرج عباده من شفا حفرة من النار ببعثة خاتم أنبيائه وسيّد أصفيائه الأخيار، وهدى به فرق الباغية والطوائف الطاغية من الكفار والفجار، وفضّل أمته بالأمم الماضية، فيا لهم من عزّ وافتخار، ووهب لهم علمًا غزيرًا وفهماً كبيرًا فاقوا به على من مضى من الصغار والكبار... الخ»[33].
وبعد ذلك يذكر المؤلف سبب تأليفه وما جرى بينه وبين أصدقاءه من المناظرات والمناقشات التي مرّبنا تفصيلها سابقًا، ثم يورد الإمام أجوبة عن الأحاديث التي تظن أنها موضوعة في بعض كتب أئمة الصوفيين مثل الإمام الغزالي والشيخ عبد القادر الجيلاني وغيرهما[34]. ثم يأتي بذكر أقسام الوضّاعين وأنواعهم موجزًا والتي يبلغ عددها إلى السبعة، ثم يستعرض أغراض الوضّاعين ودوافع وضعهم فيوزّع هذه الأسباب في ثمانية أقسام مع تحليل وتوضيح شامل. وما يجدر بالملاحظة هو ما ذكره اللكنوي في مقدمة هذا الكتاب حيث يقول: «نقدّم مقدمة تشتمل على ذكر أحاديث الترهيب عن الكذب على النبي ﷺ، وذكر بعض القصص الموضوعة والحكايات الكذبة ممّا أولع الوعاظ بذكرها في مجالسهم ومحافل وعظهم، والعوام يعتقد صدقها عند سماعها، وكذلك يشتمل على ذكر حكم نقل الأحاديث الموضوعة وروايتها والعمل بها، كما قدمت بعد ذلك الأحاديث المقصودة ذكرها مع مالها وما عليها من الأحكام عند الإيقاظيين، وكذلك تنتهي الرسالة بخاتمة تشتمل على كثير من الصلات المسطورة في كتب المشائخ المستندين مع ما ورد فيها عن الوضع»[35].
ويكشف العلامة عبد الحيّ في هذا الكتاب ثمانية أقسام من الوضّاعين ثم يعرض كل منها منفصلاً بالشرح الوافر على نحو ما يلي:
النوع الأول قوم من الزنادقة وهم يقصدون إفساد الشريعة وإيقاع الفساد في الأمة وقد شبّههم اللكنوي باليهود والنصارى الذين أحرقوا الكتب الإلهية، والنوع الثاني هو قوم يقصدون وضع الأحاديث زهوًا وتأييدًا لمذاهبهم، وقد حلّل ذلك المؤلف بتحليل بسيط وأمثلة وافية، والنوع الثالث قوم يضعون الأحاديث ترهيبًا وترغيبًا ليحثّ بها الناس على الخير والصواب وقد أفهمهم بأمثلة كثيرة، والنوع الرابع قوم استجازوا وضع الأسانيد لكل كلام حسن ظنًا من أن الحسن كله أمر شرعيٌ، ولا حاجة لنسبته إلى الرّسول ﷺ، والنوع الخامس قوم حملهم على الوضع غرض من أغراض الدنيا كالتقرب إلى السلطان أو حصول الثروة أو نيل الشهرة والصيت وغيرها، والنوع السادس قوم حملهم على الوضع التعصب الديني والتجمد التقليدي، والنوع السابع قوم حملهم على الوضع عشق الخلق وجنونه الذي أعماهم وصمّمهم تمامًا، ومن أمثالهم قوم وضعوا الأحاديث عن أهل البيت، والنوع الثامن قوم وضعوا الأحاديث هدفًا منه الإعجاب والإغراب وهذا النوع يحوي كثيرًا من أقسام القصّاصين والوعاظ.
وبالجملة أقول إن هذا الكتاب فريـدٌ في بابه وممتازًا في موضوعه، ولابد لكل من يهتم بالعلوم الإسلامية وخاصة بالحديث أن يطالعه.
2-     التعليق الممجد على مؤطا الإمام محمد:
سمّاه العلامة عبد الحيّ «التعليق الممجد على مؤطأ الإمام محمد» إلا أن الكتّاني صرّح عنوانه «حاشية الإمام اللكنوي على مؤطا الإمام محمد بن الحسن»[36]، ونشر هذا الكتاب غير مرّة في الهند باللغة الفارسية.
تفرّغ العلامة من تأليفه عام 1295 للهجرة، وطبع أوّل مرّة بالمطبع المصطفائي بلكناؤ سنة 1297 للهجرة ثم أعيد طباعته سنة 1306 للهجرة من نفس المطبعة، كما طبع مرة أخرى بالمطبع اليوسفي بلكناؤ سنة 1346 للهجرة كذلك طبع أخيرًا سنة 1412 للهجرة بدار القلم بدمشق مع تحقيق وتحليل الدكتور تقي الدين الندوي الأستاذ الحديث وعلومه بجامعة الإمارات.
وهذا الكتاب حقًا شرح رائع يتجاوز مقداره من المتن الأصلي أضعافًا مضاعفًا، ومن اللافت للنظر هو أن المؤلف أوضح فيه اختلاف المذاهب وتضادها بتقديم الأدلة القوية والشهادات القيمة، وقد تلقى هذا الكتاب قبولاً فائقًا بين الدارسين والقرّاء والعلماء حتى طبع بعد ذلك مع المؤطا الأصلي للإمام محمد غير مرة بشبه القارة الهندية.
فالكتاب يتناول ببدايته بعض الأمور والملاحظات الهامة التي تمثل غاية أهمية هذا الكتاب، ولاشك أن الكتاب ينفرد ويمتاز بكثرة فوائده التي يحتاج إليها العلماء والدارسون ليتيسر لهم توضيح معاني الحديث وحلّ مشكلاته وضبط مصطلحاته المعقدة الغامضة، وعلم أسماء الرجال، وتراجم الرواة وما يتعلق بذلك من التوثيق والتضعيف وغيرها، فهذا الكتاب يحوي فوائد جمة[37]. وكذلك يلاحظ الإمام عبد الحيّ أمورًا كثيرة في شرح هذا الكتاب النبيل وذكر بعضها نفسه في مقدمة الكتاب، والأول منها أنه لم يبال بتكرار بعض المطالب والأهداف المفيدة التي وردت في مواضع متعددة فيه ظنًا منه أن الإعادة لا تخلو من الإفادة غير أنه كلّما أعاد أمرًا أضاف فيه فائدة بطريق ما، والثاني أنه التزم بشرح مذاهب الأئمة المختلفة مع الإشارة إلى دلائلهم بقدر الضرورة، وترجيح بعضهم على البعض، وهذه الطريقة طريقة إبداعية تحقيقية دقيقة قلّما توجد عند بقية معاصريه، والثالث أنه أسند على البلاغات والأحاديث المرسلة و شيد الموقوفة بالمرفوعة، والرابع أنه أكثر من ذكر مذاهب الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم من الأئمة والمجتهدين والفضلاء، والخامس أنه ذكر تراجم الرواة وأحوالهم وما يتعلق بثقتهم وضعفهم دون أي تعصب مذهبي أو حمية جاهلية، وربما يوجد فيها التكرار ولكن هذا التكرار لا يخلو من فائدة متزايدة، والسادس أنه وجد بين نسخ المؤطا اختلافًا كثيرًا، فعالج هذه الاختلافات حازمًا وشرّحها مفصلة، ثم قام بتمييز بين الصحيح والقبيح دون أي اعتساف. والسابع أنه نبّه على السهو والمزلات التي يرتكبها الدارسون أثناء شرح المقصود ونقد الرواة خوفًا من أن يرتكبها أحد ممن ليس له حظ في هذه الفنون.
فاتضح الآن أن هذا الكتاب لا يخلو من كثرة الفوائد الغالية ربما يحتاج إليها العلماء والدارسون وكل من يهتم بهذه الفنون، كما تلقى هذا الكتاب تقديرًا كاملاً وتبجيلاً كبيرًا وقبولاً جيدًا بين الأوساط العلمية وحلقات العلماء واستفاد منه كثير من العلماء البارعين مثل الشيخ خليل أحمد السهارنفوري (ت 1346هـ) والشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف والشيخ محمد يوسف البنوري والشيخ محمد زكريا الكاندهلوي وغيرهم الذين استفادوا منه في إعداد كتبهم[38]، ومن ثم حين رأى الشاذلي هذا الكتاب فاقترح أن هذا الشرح من أحفل الشروح، مسحون بعيون المسائل وقدّم فيها مقدمة أودع فيها فوائد عديدة للكتاب[39].

3-     الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة:
     هذا الكتاب للعلامة عبد الحيّ وألّفه في ذي الحجة من سنة 1291 للهجرة، وقد نشر عدّة مرات في الهند، كما طبع أولاً بالمطبع المصطفائ بلكناؤ سنة 1299 للهجرة، ثم حقّق وعلّق عليه الشيخ عبد الفتاح أبوغدة ونشر بمكتب المطبوعات الإسلامية بحلب سنة 1386 للهجرة، وقد أضاف هذا التحقيق والتعليق أهمية الكتاب.
     يشتمل هذا الكتاب على مباحث علمية عميقة هامة، والأسلوب الذي اختار فيه المؤلف هو أسلوب سهل لطيف جاذب، كما يقول نفسه في مستهل الكتاب أنه أعدّها لنفائس غريبة، فتناول فيه الأجوبة عن الأسئلة العشرة التي سأله عنهابعض العلماء الكبار من أفاضل الدهر، و أماثل العصر المنتمين إلى المدينة المعروفة «لاهور» وكان نفسه حينئذ مقيمًا ببلدة «حيدر آباد»، وهذه الأجوبة العشرة أفادت الموضوع غاية الإفادة من متعدد النواحي، ومن جهة أخرى إنها تمثّل وتضيء شخصية العلامة عبد الحيّ وبراعته وتبحّره وسعة نظره في العلوم ولاسيما في الحديث أما الأسئلة التي أجابها العلامة فهي تتعلق عن مثل درجة الأحاديث الواردة في السنن وغيره من الكتب المشهورة، والعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، وموقف العلماء عند تعارض الأحاديث وهل يقدم النسخ على الجمع؟، وهل يقدم الجمع على الترجيح أم يقدم الترجيح على الجمع؟، وما هي أوجه الترجيح؟ وموقف العلماء من رواية الراوي إذا ترك العمل بظاهر روايته، وهل يتوقف عن قبول الحديث الصحيح إذا عارض قول الصحابي أو فعله؟
     والباحث الكبير الشيخ عبد الفتاح أبو غدة يقول إن هذا الكتاب يتضمن أبحاثًا جامعة محررة شاملة متفقة لم ينهض لكتابتها أحد من قبله، فهذا الكتاب في طليعة كتب العلامة عبد الحيّ المثالية النادرة وقد سدّ هذا الكتاب شاغرًا كان الزمان ينتظر لمسدّها
4-     الرفع والتكميل في الجرح والتعديل:
     ألّفه العلامة عبد الحيّ، وهو كتاب موجز متداول يتناول الجهات المختلفة في أصول الحديث، وقد ألفه العلامة في ذي القعدة سنة 1301 للهجرة، وطبع عدة مرات في الهند وخارجها من البلدان العربية، كما طبع أخيرًا بـ«حلب» سنة 1383 للهجرة بعد أن حقّق وعلق عليه الباحث السوري الشيخ عبد الفتاح أبوغدة ثم طُبع مرة ثانية بنفس البلاد سنة 1380 للهجرة.
     استهل المؤلف في مقدمة الكتاب ببيان سبب تأليفه وصرّح أنه إذ رأى كثيرًا من علماء عصره يمشون في متن النص خبط عشواء كأنهم الحباري في الصحارى والسكارى في الصحارى، فدفعه هذا الشيء إلى تأليف هذا الكتاب ردًا لهم وتنبيهًا لما يهاونون بهذا الأمر، ثم أراد المؤلّف أن يدوّن بهذا الصدد رسالة شاملة يعالج فيها المسائل المختلفة التي تتعلق بالجرح والتعديل والمناهل المربوطة بأئمة الجرح والتعديل لتكون هذه رسالة هادية رائدة إلى الطريق النقي الصافي الصواب.
     فالكتاب طبعًا ذو أهمية قصوى وقد تلقّى قبولاً مشكورًا بين الأوساط العلمية واعترف بفضله وأهميته علماء كبار، يعدّ هذا الكتاب من جهة أخرى من أهم المراجع والمصادر الموجودة في علم الجرح والتعديل، ولا نبالغ إذا نقول إن هذا الكتاب در باهر من درر الإمام عبد الحيّ العلمية، ويمتاز بميزات متعددة من بقية إنتاجاته العلمية، والمنهج التحقيقي الذي التزمه فيه المؤلف منقطع المثال ما لابد لكل من يهم بالعلوم الإسلامية أن يلاحظه كل الملاحظة، فالكتاب حقًا يسدّ الحاجة المسيسة في وقت ملائم؛ لأن المؤلف دوّنه عندما رأى كثيرًا من الناس حتى العلماء يناقشون ويتكلمون في الجرح والتعديل غافلين عن الكثير من مصطلحاته ومبادئه الأساسية المعروفة عند أئمة هذا الشأن حتى أنهم لايعلمون الفروق بين الجرح المبهم والجرح غير المبهم وبين ما هو مقبول وما هو غير مقبول عند الفقهاء المعتمدين، ولايعلمون مراتب الأئمة، وتشتمل مقدمة الكتاب على ثلاثة إيقاظات يذكر فيها المؤلف ملاحظات وتجارب هامة في هذا المجال، ثم يعالج مشروعية الجرح وعلله حيث أثبت بالأدلة القيمة أن الجرح ضرورة شرعية مالابد منه ثم يذكر شروط الجارح والمعدل وآدابه وما يجب له بالاهتمام، ثم يعرض أربعة مراصد، والمرصد الأول يضيء الجرح والتعديل وما يقبل فيهما وما لايقبل ويتناول المؤلف هناك أقوالاً وآراءًا كثيرة في قبول الجرح، والمرصد الثاني يتناول مسئلة تقديم الجرح والتعديل والتعارض بينهما بالتفصيل، والمرصد الثالث يشرح ألفاظ الجرح والتعديل ومصطلحاتها ودرجتهما عند المحدثين والنقاد، والمرصد الرابع يعرض فيه المؤلف فوائد مهمة حول كتب أسماء الرجال وأخبارهم وغيرها من الاصطلاحات الحديثة وبسط فيها الكلام وقسّمها في واحد وعشرين إيقاظاً.
     بالجملة أقول أن الكتاب يحوي حقّا فوائد جيدة مهمة ما لا غنى عنها لكل باحث أو محقق من يهتم بأصول الحديث وأنه طبعًا يشفى غليل الدارسين والقراء بكل المعنى، ومن ثَم اقترح الباحث الشامي الكبير عبد الفتاح أبو غدة عن هذا الكتاب نحو:
     «هو أول كتاب في موضوعه ولم يطرق هذا الباب أحد من قبله على تمادى العصور ووفرة الحفاظ والنقاد والمؤلفين في علوم الحديث».
5-     زجر الناس على إنكار أثر ابن عباس:
     هذه الرسالة ملحقة بمجموعة الرسائل الخمس للعلامة عبد الحيّ من رقم الصفحة 100 إلى الآخر، وطبعت لأول مرة في المطبع اليوسفي بلكناؤ في ذي الحجة سنة 1337 للهجرة، وتفرغ المؤلف من تسويدها في 27 ذي القعدة 1292 للهجرة، وكان في مكة المكرمة حينئذ، وتشتمل الرسالة على تحقيق أثر من آثار عبد الله بن عباس التي ذكرها في تفسير الآية التالية من سورة الطلاق:
     «اَللهُ الذي خَلَقَ سَبْعَ سَموَاتِ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ».
     أما أثر ابن عباس الذي ورد بهذا الصدد هو نحو:
     «سبع أرضين، في كل أرض نبيٌ كنبيّكم، وآدم كآدمكم، ونوح كنوحكم، وإبراهيم كإبراهيم وعيسى كعيسى».
     يطلق بعض العلماء على هذا الأثر بالضعف والوضع، ويعدّونه ضعيفًا موضوعًا، وبعضهم يعدّونه منقولاً من الإسرائيليات، والبعض يعترضون عليه بطرق أخرى؛ ولكن المؤلف نفسه يعدّ هذا الأثر صحيحًا، وبذلك نراه يدافع عن أسناده وروايته في الباب الأول حيث يحاول إزالة الشبهات والشكوك المتعلقة عن أسناده ورواته، والباب الثاني من الكتاب يحوي معنى الأثر والنقاط الملحوظة فيها، أما الخاتمة فيُتمّ فيها المؤلف كلامه على النحو التالي:
     «هذا آخر الكلام من هذا المقام وكان الاختتام يوم الثلثاء التاسع والعشرين من ذي القعدة من أشهر السنة الثانية وتسعين بعد الألف والمأتين من الهجرة بمكة المكرمة».
     وبالجملة يمكن لنا بالقول إن المؤلف حاول في هذه الرسالة النادرة بإثبات أثر ابن عباس المذكور صحيحًا من ناحية المتن والسند واللفظ والمعنى بل من كل النواحي المطلوبة.
6-     شرح الحصن الحصين للكنوي:
     ألف الإمام عبد الحيّ هذا الشرح أيضًا واسم الكتاب الأصلي الكامل هو «الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين» وهو من أشهر مؤلفات الشيخ شمس الدين محمد بن الجزري، وشرحه الإمام عبد الحيّ اللكنوي مباشرة دون أي تمهيد أو تقديم، ولم يذكر فيه سبب تأليفه كما كان ذلك عادته في جميع مصنفاته، إلا أنه أورد سيرة الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن الجزري في آخر الكتاب، ثم عرض عقبها هامش المراجع والمصادر، ويشتمل هذا الشرح على 252 صفحة بالتقطيع الكبير.
     طبع الكتاب أول مرة بمطبعة «نجم العلوم» بلكناؤ سنة 1278 للهجرة، ثم أعيدت طباعته بنفس المطبع سنة 1306 للهجرة، شرح الإمام عبد الحيّ اللكنوي فيه الألفاظ ومعانيها من الناحيتين اللغوية والشرعية، وحاول إزالة الشبهات المتعلقة بكلمات الحديث ومصطلحاته كما قارن من جهة ثانية بين الآراء لمن سبقه من العلماء ولاحظ العلامة عبد الحيّ في هذا الشرح النقاط التالية.
Ø      الأولى: شرح الألفاظ ومعانيها لغة وشرعًا.
Ø      والثانية: جمع نسخ الكتاب المذكور ثم المقارنة بينها.
Ø      والثالثة: عزو الأحاديث إلى مصادرها إذا استدعى إليها الأمر.
Ø      الرابعة: إزالة بعض الشبهات المتعلقة بكلمات الحديث واصطلاحاته.
Ø      الخامسة: نقل الآراء لمن سبقه من العلماء في شرح الكتاب.
     ومن أهم ما يحكى عن هذا الكتاب هو أن العلامة اللكنوي كان يقدم المراجع والمصادر لكل ما ينقله من آراء العلماء وأقوالهم واقتراحاتهم، فهذا يدل دلالة واضحة على أمانته العلمية، غير أن شرحه هذا يمتاز بين بقية سائر شروح هذا الكتاب بما أضاف فيه المؤلف من الفوائد القيمة الغالية الوافية التي لاتوجد في غيره من الشروح، والمنهج الإبداعي الذي اختار فيه العلامة هو حقًا جديد وتحقيقي جدير بالثناء.
7-     ظفر الأماني في مختصر الجرجاني:
     كان السيد شريف من أعلام القرن الثامن للهجرة، وألف كتابًا مختصرًا في أصول الحديث سمّاه «المختصر في علوم الأثر»، فتناوله بعد ذلك الشيخ أبوالحسنات محمد عبد الحيّ الشرح القيم بعد خمسة قرون من زمانه، وسمّاه «ظفر الأماني في مختصر الجرجاني» واستكمل إعداد هذا الشرح قبل وفاته بقليل سنة 1304 للهجرة.
     يذكر المؤلف اسمًا آخر لهذا الكتاب في تأليفه الآخر «مقدمة عمدة الرعاية» وهو «ظفر الأماني بشرح المختصر المنسوب إلى الجرجاني»، والذي أتبعه بعد ذلك تلميذه محمد عبد الباقي الفرنجي محلي والمؤرّخ الشهير عبد الحيّ الحسني.
     وطبع هذا الكتاب سنة 1304 للهجرة بمطبعة جشمة فيض في لكناؤ، ومخطوطته موجودة بقلم المؤلف في مكتبة آزاد بجامعة عليكره الإسلامية.
     يستهل المؤلف في مقدمة الكتاب بسبب تأليفه فيقول:
     «إن أجلّ ما صُنّف في علم أصول الحديث من المختصرات هو المختصر المنسوب إلى الفاضل النبيل والعالم الجليل، الجامع بين المنقول والمعقول، الحاوي على الفروع والأصول، سيد فضلاء دهره وسند علماء عصره الشيخ السيد علي الشريف الجرجاني، تروح روحه بالكرم الرباني، لذلك تراه اشتهر كاشتهار الشمس في رابعة النهار وطار صيته في الأمصار كالطائر في الأقطار ورأيت الناس في هذا الزمان قد اشتغلوا بدرسه وتدريسه ولم أر له شرحاً يكفي لحل جليه وخفيه، فألهمني الله تعالى أن أكتب له شرحاً حاويًا لأصول المطالب، وافيًا بتحقيق المآرب، وذلك حين جاء بعض المتردّدين إلى قراءة المختصر المذكور علىّ»
     فاتضح لنا مما سبق وضوحاً تاماً أن العلامة عبدالحيّ ألف هذا الكتاب بالسببين الرئيسين، والأول أن الكتاب «مختصر الجرجاني» كان بحاجة ماسّة إلى حلّ الغوامض والأسرار، والثاني أن العلامة اللكنوي كان يحسّ ويشعر مدى الاختصار في كتاب «نزهة النظر» لابن حجر العسقلاني، ومع أن الكتاب يُعتبر من أهمّ الكتب المؤلّفة في أصول الحديث، ولكن غليل الطلبة لا يروى بسبب إيجازه الأكيد، فأراد العلامة عبد الحيّ أن يشرح متن الجرجاني ليكون حاويًا على التحقيقات النفيسة، وجامعًا لفوائد علم أصول الحديث من دون تطويل مملٍّ ليعمّ النفع به.
    
أبو غدة
ومع أن الإمام عبد الحيّ قام في هذا الكتاب بشرح قيّم متداول ممتاز لـ«المختصر في علوم الأثر» فكان الكتاب بمسيس الحاجة إلى المزيد من التحقيق والتعليق والتصحيح وكل ما كتبه العلامة عبد الحيّ فيه، فقام بأداء هذه المسؤولية سعادة الشيخ المحدث العلامة تقي الدين الندوي وأدّاها بأحسن أسلوب ما يجدر بالمدح والثناء نظرًا إلى ما وفّق إليه النظر العميق والاعتناء البالغ، وجاء تحقيقه في أحسن أوانه وأفضل زمانه، تلقاه الناس بقبول حسن، وقامت بطباعته ونشره مؤسّسة الريان في بيروت فطبعتـه بطبعـة أنيقـة، ولمـا استلم هذا الكتاب معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، كتب إلى سعادة الشيخ العلامة تقي الدين الندوي رسالة جاء فيها:
     «سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
     أما بعد:
     «فقد تلقّيت نسخة من كتاب ظفر الأماني في مختصر الجرجاني للإمام أبي الحسنات محمد عبد الحيّ اللكنوي، وإذ أشكر لكم هذا الإهداء، أقدر ما بذل في التحقيق والتخريج والتعليق من جهد متميز وأسأل الله للجميع للعون والتوفيق».
     وكذلك جاء في رسالة أخرى لمعالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي نائب الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة:
     «فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور تقي الدين الندوي حفظه الله تعالى،
     سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
     فقد تسلّمت كتاب «ظفر الأماني في مختصر الجرجاني» للإمام أبي الحسنات محمد عبد الحيّ اللكنوي، أشكركم على إرساله وقد تصفّحته واستعرضت تحقيقكم له وما علقّتم به عليه من فوائد وفرائد علمية مهمة، أثابكم الله وزادكم من التوفيق إذ وجدت عملكم فيه بارزًا».
مؤلفاته
·         الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة
·         الفوائد البهية في تراجم الحنفية
·         التعليقات السنية على الفوائد البهية
·         الإفادة الخطيرة
·         التحقيق العجيب
·         التعليق الممجد
·         الرفع والتكميل في الجرح والتعديل
·         ظفر الأماني في مختصر الجرجاني
·         نفع المفتي والسائل بجمع متفرقات المسائل
·         فرحة المدرسين بأسماء المؤلفات والمؤلفين
·         طرب الأماثل بتراجم الأفاضل
·         إنباء الخلان بأنباء علماء هندستان
سفره إلى الحجاز للحج والاستفادة من علمائها
لقد شرفه الله تبارك وتعالى بزیارة الحرمین الشریفین مرتین، مرة في 1279 ه مع والده الكریم حین كان یتمتع بالربیع الخامس عشر من عمره، ومرة ثانیة في 1292 ه\ بمفرد نفسه، فتشرف في كل مرة بأداء مناسك الحج وزیارة الحرمین، ومكث هناك عدة شهور، قضاها مطفئا حُمم أمانیه وشدة شوقه بعبادة الله وحده في الحرم المكي والمسجد النبوي – صلى الله علیه وسلم – متضرعا مبتهلا إلى الله، كما جمع في هاتین الحجتین الشيء الكثیر من الفوائد العلمیة من علماء الحرمین الشریفین، واقتنى كثیرا من الكتب النادرة المخطوطة والمطبوعة من البلاد التي مر بها في السفر ذهابا وٕایابا. وقد سطر العلامة الفرنجي محلي قصة هذه الأسفار المباركة في سیرته الذاتیة شاكرا لله تعالى على هذا التوفیق السعید وسائلا منه أن یرزقه هذا التوفیق السعید مرارا وتكرارا، هو یقول بنفسه متحدثا عن ذلك في "الفوائد البهیة في تراجم الحنفیة مع التعلیقات السنیة علیها":
"رزقت حجَّ البیت الحرام وزیارة قبر النبي علیه الصلاة والسلام مرتین، مَرَّةً مع الوالد المرحوم سنة 1279 ه، سافرنا في رجب من حیدرآباد، وركبنا المركب الهوائي (السفینة الشراعیة) من بمبئ في شعبان، ووصلنا غُرة رمضان إلى "الحدیدة" وأقمنا هناك عشرة أیام، واشترى الوالد المرحوم من هناك الكتب النفیسة، ثم ارتحلنا منها، وخالفت الهواء، ووقع المركب في الطوفان، فلم یمكن النزول في جدَّة بل نزلنا في لیس" وارتحلنا منه برً افي أربعة أیام إلى مكة، حتَّى دخلنا فیها في آخر العشرة من رمضان، وأقمنا هناك إلى أداء الحجِّ، ثم ذهبنا في العشرة الأخیرة من ذي الحجّة إلى المدینة الطیبة، ووصلنا ثاني المحرم ( 1280 ه)، وأقمنا هناك ثمانیة أیام، ثم سافرنا في یوم عاشوراء، ودخلنا مكة، وأقمنا هناك إلى عاشر صفر، ثم ارتحلنا إلى جدَّة وركبنا المركب الهوائي، فوصلنا في بمبئ في العشرة الوسطى من ربیع الأوَّل، ووصلنا في حیدرآباد في أوائل جمادى الأولى ومرةً أُخرى في السَّنة الماضیة (1292 ه) سافرنا إلى حیدر آباد خامس عشر شوال، وركبنا المركب الدخاني في الحادي والعشرین، ودخلنا جدَّة في خامس ذي القَعْدة، ومكة في عاشرها، وبعد أداء الحجّ وكان یوم الجمعة سافرنا إلى المدینة في الحادي والعشرین من ذي الحجَّة، ووصلناها في خامس المحرم، وأقمنا هناك عشرة أیام، ثمَّ ارتحلنا منها إلى مكةَ في خامس عشر، وبعد دخول مكةَ أقمنا أیاماً قلیلة وسافرنا إلى جدَّة، وركبنا المركب ثامن صفر، ووصل المركب مع السَّلامة إلى بمبئ في الحادي والعشرین، وقد كنت تَرخصت مِن حیدر آباد للقیامِ بالوطن قدر سنتین فارتحلت من بمبئ، ودخلت إلى الوطن خامس ربیع الأول، وأرجو من الله تعالى أن یرزقنا العود إلى الحرمین مرَّةً بعد مرَّة، إلى أن یرزقنا الوفاة في المدینة" [40]
ومن الجدیر بالذكر هنا أن العلامة عبد الحي الحسني قد أخطأ في ضبط السنة التي تشرف فیها الشیخ بأداء مناسك الحج في المرة الثانیة حیث أنه قال: ووفقه الله سبحانه وتعالى للحج والزیارة مرتین: مرة في سنة تسع وسبعین مع والده، ومرة في سنة ثلاث وتسعین بعد وفاته" [41] ، وكذلك وقع الأستاذ الدكتور یونس النجرامي الندوي في الخطأ، ولم یستطع أن یقول قولا صائبا عند ماتتبع أحوال حیاة العلامة عبد الحي الفرنجي محلي بل مضى قائلا: "على ما ذكره صاحب "نزهة الخواطر" تشرف العلامة بسفر الحج مرتین ففي المرة الأولى تشرف به في سنة 1279 ه، وفي المرة الثانیة تشرف به في 1293 ه. و الأقوال في تاریخ المرة الثانیة تختلف، فصاحب "نزهة الخواطر" یذكر ذلك في سنة 1293 ه، ومؤلف "تذکرهٔ علماۓ هند" (التذكرة عن العلماء الهنود) یذكر سنة 1296 ه، ومصنف "كنز البركات في ترجمة أبي الحسنات" یذكر 1292 ه
لقد راجعت (الباحث) بنفسي هذه المصادر فوجدت في"تذکرهٔ علماۓ هند" التذكرة عن العلماء الهنود) قولا مختلفا عن ما كتبه الأستاذ الدكتور یونس النجرامي الندوي في هذا الخصوص، فإنما وكله المؤلف فیه في هذا الصدد هو: "تشرف بزیارة الحرمین الشریفین – ازدهما الله عظمة وشرفا – مرتین، مرة في 1279 ه مع والده الكریم، ومرة ثانیة في 1292 ه [42]
واغتنم العلامة فرصة بقائه في تلك الأرض المقدسة ومهبط الوحي والأنوار، فلقي في أثناء ذلك عدیدا من أكابر العلماء والصلحاء وأخیار الحجاز والبلاد الإسلامیة الأخرى للاستفادة والإفادة، فصحبهم وشارك معهم في المجالس والمحافل العلمیة، وتكلم وناقش معهم في الموضوعات العلمیة الدقیقة ففاز في غالبها بالحق وأفحم الكبار بالأدلة والبراهین وأتى بما تحیر منه أعیان العلم والفضل، فأعجبوا بسعة اطلاعه واستقامة فكره وحسن بیانه وتطببیق كلامه وأقروا له بكونه بحرا علمیا متلاطما، واعترفوا بعظمته وفضله في حل المسائل الدقیقة للدین والإسلام، وارتسمت له على قلوبهم منزلة سامیة، تشهد بذلك إجا ا زتهم العلمیة التي منحوها إیاه.
زواجه وسلالته
ولما اكتملت أمنیات والِده الكریم التلیدةُ من سعادة الحج وزیارة الحرمین الشریفین ومن فراغ ولده الفرید البار من التحصیل توجه إلى تحصین حیاة ولده وٕاراحة باله واسطیانة نفسه بعقد القران، وذلك حین كان هو في سن شباب مبكر لایتجاوز التاسعة عشرة من عمره، لكي یستقر دینه وأخلاقه ویتمتع ببركته ومنافعه ولكي تكون حیاته متبعة لأوامر الله ورسوله ومحتذیة لهدى مرسلیه السائرین، فلأجل هذا العمل الجلیل حصل على الإجازة من المحكمة العدلیة العالیة النظامیة في جمادي الثانیة سنة 1283 ه وجاء مع أهله وعیاله وابنه – وهو كان یدرّس أیضا بعد الفراغ من التحصیل في المدرسة النظامیة – إلى وطنه "لكهنؤ" لكي یقوم بعقد قران ابنه العزیز في حضرة أقاربه وأحبائه، وتم ذلك العقد المبارك في نفس السنة مع ابنة عمه المولوي الحافظ محمد مهدي بن مولانا یوسف. یقول العلامة بنفسه في هذا الخصوص: "وفي الجمادي الآخرة سنة 1283 ه ترخص (والدي) من المدار المهام، وسافر معنا إلى الوطن الأصلي، فأقام هناك سنة واحدة، وفرغ من عقد نكاحي مع بنت عمي المولوي الحافظ محمد مهدي بن مولانا محمد ی وسف مدظله العالي" [43]
عقب هذا الزواج رزقه الله تعالى أولادا عدیدین، ولكنه تبارك وتعالى ما أراد أن یحیوا، فكلهم ماتوا في حیاته إلا بنتا واحدة، نشأت وتربت في أحضان العلم والأدب تحت إشراف والدیها الكریمین، تزوَّجها فیما بعد ابن خالها المُلَّا محمَّد یوسف، فانطلقت منهما سلالته وجیله.
مغادرته ا لمدرسة النظامیة وٕاقامته في لكهنؤ
بعد الفراغ من عقد الزواج عاد هو ووالده الكریم من وطنه العزیز إلى حیدر آباد في شهر شعبان من سنة 1284 ه لیتولیا مناصبهما التي كانا یقومان بمسئولیاتها، ویستأنفا أشغالهما من الإفادة والتدریس والتألیف والتصنیف ... وغیرها، وظلا یستمران بهذه المهام بكل حُسن وجَوْدَة إذ وافت المنیة والده بعد ما قضى عدة شهور في حالة المرض وذلك في 29 شعبان المعظم من سنة 1285 ه.
ومن الجدیر بالذكر هنا أن والده – رحمه الله – منحه الإجازة العلمیة بعدما طلبها منه قبل أیام بوفاته كما هو بایعه على یده حینذاك، إلى ذلك یشیر العلامة الفرنجي محلي – رحمه الله – قائلا: " ثم ودع – رحمه الله – هذا العبد، وأوصاني بما ینفع دیني وٕایماني، جزاه الله عني وعن جمیع المسلمین... وطلبت منه  یجیزني بما أجازه به شیوخه، فأجابني، وكتب لي ورقة إجازة بهذه العبارة: "... فقد قرأ مني ولدي وقرة عیني المولوي الحافظ الحاج أبو الحسنات محمد عبد الحي، جعله الله من ناشري الشرع المبین، وأیده بالأید المتین، جمیع العلوم العقلیة والنقلیة، وطلب مني أن أجیزه بكل ما یجوز لي روایته ودرایته من كتب المعقول والمنقول، والفروع والأصول... إلخ. وكان ذلك في یوم الأربعاء، ثالث شهر شعبان، من شهور سنة 1285 ه" [44]
إيثاره خدمة العلم والدين على المناصب العالية
بعد وفاة أبیه المرحوم شغر منصب القضاء في المحكمة العدلیة، فبما أن الحكومة قد وجدت في العلامة الفرنجي محلي مقدرة تامة على العلوم وسعة كافیة في الثقافة أردت أن تسند إلیه ذلك المنصب، ولكن العلامة الفرنجي محلي لم یقبل هذا المنصب مع أن الأمیر وأصحاب الأمور وأحباءه ألحوا علیه إلحاحا كثيراكما أسلفت الذكر عن ذلك، والسبب كان من وراء ذلك رغبته الملحة في الدراسة والمطالعة وشغفه بخدمة العلم والدین عن طریق التدریس والتألیف والتصنیف بجعل نفسه مستقلا متفرغا عن كل مسؤلیة خارجیة، فكأنه أبى قائلا بلسان حاله:
ما تطعّمت لذة العیش حتى                صرت للبیت والكتاب جلیسا
لیس شیئ أعز عندي من الطلب        اء ، فلم أبتغي سواهم أنیسا
إنما الذلّ في مخالطة الأمر                 اء ، فدعهم، وعش عزیزا رئیسا
هذا هو ما یتفق علیه تلمیذه الرشید المولوي محمد عبد الباقي قائلا: "لما توفي والده الناظم للعدالة العالیة ببلدة حیدرآباد المحمیة، فمع إصرار الأحباب لم یقبل عهدة القضاء واعتذر، وتجنب عن متاع الدنیا الدنیئة وتنفر، واكتفى بالقلیل دون الكثیر متوكلا على میسّر كل العسیر كیلا تعوق علائقها من الاشتغال بالتصنیف والتدریس والإنهماك في العلوم والتحقیق والتدقیق والترصیص" [45]
ثم لم یزل یقیم في المدرسة النظامیة مشتغلا بالتدریس والإفادة وباذلا جهوده في التألیف والتصنیف، إذ نزعت نفسه إلى زیارة الحرمین الشریفین مرة ثانیة فطلب الإذن من الأمیر للحج وللقیام في الوطن لمدة سنتین، فتشرف بالحج الثاني ثم عاد إلى وطنه العزیز في ربیع الأول سنة 1292 ه.
وما إن حل ونزل في وطنه العزیز ببلدة لكهنؤ حتى اجتمع حوله جماعة من العلماء والفضلاء، ووفد إلیه الناس من كل حدب وصوب للاستفادة والأخذ عنه وحضر لدیه الطلاب من أطراف البلاد لتلقي العلوم والمعارف والاستفادة من فیوضه وثقافته، فما ان لبث حتى عجّ فرنجي محل بالعلماء والطلبة المشتغلین بالدراسة والتحصیل، فبذلك وجد العلامة في نفس وطنه مجالا أوسع وجوا أهدأ وبیئة أصلح للاشتغال بالتدریس والإنهماك في التألیف والتصنیف والتحقیق مما كان یجده في المدرسة النظامیة بحیدرآباد، فلم تستقر إرادته للعود إلى حیدرآباد، فلأجل ذلك أخذ من الولاة الإذن لطول حیاته، وأقام بقیة حیاته ببلدته العزیزة باذلا جهوده المضنیة في خدمة العلم والدین تدریسا وتألیفا وتحقیقا، وما توجهت رغبته إلى أي شیئ لا إلى أیة وظیفة ولا إلى أیة تجارة، بل اقتنع حتى آواخر أیام حیاته بالمخصصات التي أجریت له من عند أمیر حیدرآباد، وهي ما كانت إلا مأتین وخمسین روبیة شهریا، یقول الشیخ قیام الدین عبد الباري الفرنجي محلي في هذا الصدد: "وأقام في الوطن یدرس ویفید ویصنف ویفتي..." [46]ویؤیده العلامة عبد الحي الحسني قائلا: "أخذ الرخصة من الولاة بحیدرآباد وقنع بمأتین وخمسین روبیة بدون شرط الخدمة، وقدم بلدة "لكهنؤ" فأقام بها مدة عمره ودرس وأفاد وصنف وذكر[47]"  
تنظیمه للعمل واستغلال الوقت
كان – رحمه الله – یمتاز بالجد والحرص الشدید على الانتفاع بالوقت، فكان محافظا على أوقات حیاته، كما كان یتجنب الوقوع في العبائث من الكلام والطعام والمجالسة التي لاتعنیه، كان یقوم دائما بكل عمل من أعماله في الوقت الذي یناسب له، ویحسن الاستفادة منه مشتغلا بالدراسة والتعلیم والكتابة والتألیف..، فإلى عبقرية العلامة عبد الحي الفرنجي محلي ذلك یشیر العلامة بنفسه قائلا: "لست ممن یضیع أوقاته النفیسة في ما لایعني ولا ممن یكثر بإیراد مالا یجدي نفعا ولایغني" [48] ، ولعل هذا الإدراك لقیمة وقته والانتفاعَ بجمیع لحظاته هو أهم وأكبر العوامل التي تسببت عن إسهاماته في العلوم والفنون بحظ وافر.
لقد كانت حیاته حیاة منظمة، وأوقاته مخصصة محددة لكل عمل من الأعمال التي وقف نفسه لأجلها، لاتثنیه عن ذلك حَمَارة القیظ ولایؤخره عنه قَرْس الشتاء، فكل یوم من حیاته كان یقضیه مرك ا ز في الخطة التالیة:
·         العبادة.
·         ا لتدریس.
·         الاشتغال بالتألیف والتحقیق.
·         وأحیانا في إصلاح الناس بالإرشاد والتذكیر.
یقول تلمیذه الرشید عبد الباقي عن تنظیم أوقاته والانتفاع بها: "كان من عادته - رحمه الله – أن یصلي الصبح، ثم یشتغل بالوظائف (الأوراد) إلى طلوع الشمس، ثم یدّرس ستة أسباق من المتوسِّطات والمطوَّلات إلى الضحوة الكبرى، ویأتي بتحقیقات مبتكرة، ثم یَقیل، ثم یصلي الظهر ویؤلف إلى العصر، ثم یزور الإخوان، ثم یصلي المغرب ویطالع ویصنف إلي قریب نصف اللیل" [49]
وفاته
في 29 من شهر ربیع الأول سنة 1304 ه كان یوم حفلة المیلاد في بیت المولوي عنایة الله الفرنجي محلي (وهو كان أحدا من أقربائه) فشارك فیها العلامة الفرنجي محلي مع فرح وسرور مع أنه كان علیلا، وشارك الأصدقاء والأقرباء والعلماء الآخرین في الطعام والكلام وفي المزاح المباح والمحادثة الفكاهیة مبتهجا ومسرورا، وكان من كلامه بینهم في إحدى الجلسات: "الصحبة غنیمة لایعلم أحد من یبقي بعد هذه الجلسة" ثم دخل اللیل وحان وقت العشاء، فقام – رحمه الله للصلاة فصرع في حالة الصلاة، فسانده من كان عنده من الخدام ولكنه ظل یضطرب ویختلج وازدادت حالته تدهورا حتى قارب اللیل منتصفه فأصیب بنوبة بعد نوبة من الصرع إلى أن استأثرت به رحمة الله في الساعة الثالثة من اللیل،(إنا لله وٕانا إلیه راجعون) فقد فارق الحیاة بعد أن طوي فیها تسعة وثلاثین عاما وبضعة شهور، بذل كلها في نشر العلم وٕاحیاء السنة وسطر صفحات لامعة كموسوعة علمیة تحقیقیة كلها تشهد بفضله ومجده.
وسرى خبر وفاته صباح یوم الإثنین في مدینة لكهنؤ وخارجها بموته فما كان أحد من أهلها سمع إلا بكى علیه وتحسر ودعا له بالخیر والمغفرة، وصلى علیه بعد الظهر جم غفیر وجمع كثیر جماعةً بعد جماعةٍ بثلاث مرات، أولهم صلى علیه إماما المولوي محمد عبد الرزاق الأنصاري الفرنجي محلي المتوفى 1307 ه وذاك في "فرنحي محل"، وثانیهم صلى علیه إماما مولانا محمد عبد الوهاب الفرنحي محلي في قاع قریب من مقبرة الشیخ محمد الصدیقي المشهور ب"شاه مینا"، وثالثهم صلى علیه إماما المولوي محمد عبد المجید الفرنجي محلي المتوفي 1340 ه في بستان أنوار الحق وقد دفن هناك.
یقول الأستاذ أبو الفضل محمد حفیظ الله البندوي: "فوالله ما رأیت جنازة بهذه العظمة والكثرة وما مرّ أحد إلا انكب رأسه إلى جنابه الأقدس، فقیل في الكثرة إنها بلغت إلى عشرین ألف من الرجال وقیل إنها أزید" [50]
وجاء العلامة عبدالحي الحسني بذكر وفاته قائلا: "وكانت وفاته للیلة بقیت من ربیع الأول [51] سنة أربع وثلاثمائة وألف، وله من العمر تسع وثلاثون سنة، ودفن بمقبرة أسلافه، وكنت حاضرا في ذلك المشهد، وكان ذلك الیوم من أنحس الأیام، اجتمع الناس في المدفن من كل طائفة وفرقة أكثر من أن یحصروا، وقد صلوا علیه  ثلاث مرات [52]
یقع ضریحه في "باغ أنوار الحق" (بستان أنوار الحق) في جانب متصل بسوره المغربي، وضع قبره من تراب إلا أن العلامة عبدالباري أحاطه فیما بعد بالرخام الأبیض المسوّج لإبقاء ذكراه [53] ، نصب في جانب رأسه لوح من الرخام منحوت فیه  اسمه وتاریخ وفاته، كما نحت فیه أیضا قوله تبارك وتعالى: "سلام على عباده الذین اصطفى" [54] ثم بعض الأبیات من قصیدة تلمیذه الرشید عبدالعلي المدراسي التي قالها في رثائه وهي:
أیّها الزوار قف واقرأ على هذا المزار               سورة الإخلاص والسبع المثاني والقنوت
فیه عبد الحي مولانا إمام العالمین                              إنه علامة في كل علم بالثبوت
أرّخ الآسي أسیّا آسیاً في فوته                                     مات عبد الحي والقیوم حي لایموت
الرثاء علیه
لم تكن حادثة وفاة العلامة الفرنجي محلي كحادثة وفاة عامة العلماء والأساتذة، بل إنها كانت كارثة عظیمة صدمت آلاف القلوب التي كانت تتعلق به حبا وٕاعجابا وتقدیرا لعبقریته ونبوغه في العلوم والفنون وٕاثرائه في الدراسات الإسلامیة وتخریجه أفواجا من العلماء البارعین ..... لذلك نجد أنه قد رثا علیه كثیر من الكتاب والمفكرین والشعراء وتأسفوا على موته تأسفا شدیدا، من أشهرهم نِدّه في العلم والبحث العلامة النواب صدیق حسن خان القنوجي أمیر مملكة "بهوپال". فإنه لما سمع عن موته تأسف تأسفا شدیدا حتى ما أكل الطعام في تلك اللیلة، وصلى علیه صلاة الغائب وأمر بإغلاق مدینة بهوپال لثلاثة أیام نظر إلى سعة اطلاعه في العلوم و المسائل [55] ، یقول الشیخ عبد الفتاح أبو غدة في هذا الصدد: "لقیت في رحلتي إلى الهند و باكستان في العام الماضي سنة 1382 ه حفید صدیق حسن خاں: الشیخ رشید الحسن حفظه الله تعالى ونفع به، فحدثني: أن السید أمر بإغلاق بلدة بهوپال التي هو ملكها ثلاثة أیام حزنا على الشیخ أبي الحسنات، وقال الیوم مات ذوق العلم وما كان بیننا من منافسات إنما كان للوقوف على المزید من العلم والتحقیق" [56] وكذلك رثا علیه تلمیذه عبد العلي المدراسي، في قصیدة طویلة مطلعها:
إنما الدنیا فناء لیس للدنیا بقاء
 إنما الدنیا وما فیها كنسج العنكبوت
 وقد رثى علیه أیضا في قصیدة طویلة باللغة الفارسیة ، مطلعها
 هیهات آن خورشید دین فریاد آن ماه مبین
 شد ناكهان زیر زیمن أنه انقلاب جرخ شوم [57]
وقال تلمیذه الآخر ا رثیا علیه وهو المولوي محمد عبد الباقي اللكهنوي
: لوشئت أن أبكي دما لبكیته
علیه لكن ساحة الصبر أوسع[58]
قضى العلامة عبد الحي الفرنجي محلي جُلَّ حیاته بل كل حیاته سوى المدة الطفولیة في التدریس والتألیف حیث بدأ بهما منذ سن الشعور، وكان الاشتغال في عمل التدریس والتألیف من الأعمال المحببة عنده منذ زمن الصبا [59] واستمر بهما طوال حیاته إلى أن استأثرت به رحمة الله تبارك وتعالى، وقد تمكن من ذلك لأنه رُزق له القبول العام فیهما، فالطلبة كانوا یتسابقون للدراسة لدیه، والعلماء والباحثون كانوا یتبادرون إلى مطالعة مؤلفاته، یشهد بذلك تلمیذه الرشید الشیخ محمد عبد ، الباقي قائلا: "رزقه الله القبول فرضي بتحقیقاته المهرة، ومَهَرَ بتصانیفه الطلبة" [60] وبفضل هذا القبول العام انتشرت مؤلفاته في أكثر أنحاء العالم الإسلامي في حیاته، وحرص الناس على اقتنائها، یقول العلامة الفرنجي محلي حامدا وشاكرا لِله تعالى: بأيّ لسان أحمدك، وبأيّ جنان أشكرك، على أن جعلتني من العلماء الممیّزین، والفضلاء المعززین، وشهّرت تصانیفي في العالمین، ووقّرت تآلیفي عند العالمین، ونصبتني في مقام إحقاق الحق الصریح، وأقمتني في مقام إبطال الباطل الواهي، وٕاضلال العاطل الساهي، ووفقتني لإزاحة الخطأ، وٕاظهار الصواب وبلّغت رسائلي ودفاتري إلى بلاد واسعة وأمصار شاسعة العبور" [61]
خلاصة البحث
من خلال دراستي الطویلة المتأنیة الرزینة لحیاة العلامة الفرنجي یمكنني أن أوجز أهم النتائج التي توصلت إلیها في العبارات التالیة:
بعد دراسة طویلة متأنیة لحیاة العلامة الفرنجي محلي ولإنتاجاته العلمیة یمكنني أن أوجز أهم النتائج التي توصلت إلیها في العبارات التالیة:
v     إن العلامة الفرنجي محلي كان علَما من الأعلام الكبار وعبقریا من عباقرة الإسلام، ولد ونشأ في عصر یُعد من أخطر العصور من حیث السیاسة الملكیة والاقتصادیة والاجتماعیة بالنسبة لأهل الهند عامة وبالنسبة للمسلمین الهنود خاصة، فإن وقعة "الثورة الهندیة - 1857 م" وقعت في هذا العصر حینما كان العلامة الفرنجي محلي ابن عشرة أعوام.
v     ومع ذلك كله كانت له فرص بسیطة متاحة لتحصیل العلم وتثقیف النفس لوجود الظروف الو ا رثیة صالحةً طیبةً حسنةً، فقد تیسر له أن تربى في أسرة علمیة عریقة كلها كانت مظهر علم وفضل و دین وصلاح، وكانت أحوالهم الاقتصادیة جیدة، وكان لوالده العلام أكبر الأثر والدور الهام في تثقیفه وتعلیمه وتكوین شخصیته.
v     أن اسمه الكامل هو "أبو الحسنات محمد عبد الحي"، أضاف العلامة إلى اسمه الكریم كلمة "محمد" بنفسه تقدسا وتیمنا باسم النبي صلى الله علیه وسلم، وهذا هو دأب شائع بین المسلمین في بلاد الهند منذ زمن قدیم، وقد أخطأ بعض إخواننا العرب في ضبط اسمه الصحیح لعدم معرفتهم بطریقة المسلمین الهنود في التسمیة لأنفسهم ولأولادهم.
v     وقد رزقه الله غایة من الذكاء والفطنة وقوة الحفظ والإدراك، حتى فرغ من حفظ القرآن الكریم في السنة العاشرة من عمره، ومن العلوم والفنون المتداولة في السابعة عشر من عمره.
v     وقد لوحظ أن شیوخه كانوا قلیلین معدودین ولكن ذلك لم یؤثر في  مكانته العلمیة، وذلك لأن الله تعالى قد كان آتاه ذوقا علمیا سلیما وشوقا دراسیا قویما و مواهب نادرة فذة وقدرة عجیبة باهرة على احتواء العلم والتحقیق.
v     كان العلامة الفرنجي محلي كثیر الشغل بالدراسة والمطالعة، دائم  الاشتغال بالتعلیم والتدریس، حتى أن الكتب الدرسیة كلها كانت مستحضرة عن ظهر قلبه وجاریة على لسانه بدون النظر إلیها. ولم یكن عنده شئ أحب إلیه من الاشتغال بالدراسة والمطالعة والتعلیم والتدریس حتى آثره على مناصب إداریة عالیة كي لا تعوقه منه علائقها.
v     من غضون هذه البواعث والدوافع تحصلت له علوم جمة ومعارف واسعة وثقافة موسوعیة وسمات بارزة لاتوجد عامة إلا في القلائل المعدودین. سقى الله ث ا ره وجعل الجنة مثواه وجزاه الله عنا وعن المسلمین وعن العلم والدین خیر الجزاء.





[1]  هي بلدة ومدیریة مشهورة بولایة أُتَّرْپَرْدِیْشْ حالیا، وهي كانت عاصمة للنوابین (الأمراء) لإقلیم"بندیل كهند" قبل الاستعمار الإنجلیزي سنة 1905 م.
[2] یكتب الشیخ عبد الحي في كتابه "حسرة العالم بوفاة مرجع العالم" قائلا: سافر (والدي) من وطنه سنة 1260 ه إلى البلدة المعروفة ببانده – حفظها الله عن شر الأعداء، فعظمه رئیسها النواب ذو الفقار الدولة المرحوم، وجعله مدرسا للمدرسة، وكانت ودلادتي في تلك البلدة..." ص: 2
[3] یعني ذلك أن كلمة "عبدالحلیم" إذا حذف منها حرفا اللام والمیم تتكون منها كلمة عبدالحي" ومن المركب باللام والمیم یتكون الحرف "لم" الذي یفید نفي المصدر إذا دخل على المضارع، فمن خلال هذا استخرج الظرفاء نكتة لطیفة ظریفة، وهي: أن الله تبارك وتعالى سیحفظه من كل ما جاء فیه النهي والنفي في الشریعة الإسلامیة، وأن یطیل عمره ببركة صفته "الحي"، ولكن الله تبارك وتعالى قبل هذاالفأل من الناحیة الأخرى، وهو أنه رحمه الله وٕان توفي في تسع وثلاثین من عمره فقط، ولكن اسمه حي في مجال العلم والتحقیق، فحیاته العلمیة لم تزل ولاتزال تدوم بإذن الله تبارك وتعالى.
[4]  یراجع مقدمة "الرفع والتكمیل في الجرح والتعدیل" للأستاذ عبد الفتاح أبوغدة" ص: 26
[5] احوال علماء فرنگی محل" (الأحوال لعلماء فرنجی محل) باللغة الأردیة، ص: 63
[6]  لاحظ:"تذکره علماء فرنگی محل" (التذكرة عن علماء فرنحي محل) للأستاذ عنایة الله الفرنجي محلي (في اللغة الأردیة)، ص: 131 ، ("مهر افلاک حشمت و إقبال" معناه: هو مظهر نیر وكوكب لامع على سماء الحشمة والإقبال)
[7] فهرس الكتب الموجودة بالمكتبة الأزهریة" إلى 1364 ه/ 1945 م، الناشر: مطبعة الأزهر- 1365 ه/ 1946 م.
[8]  یراجع "فهرس الكتب العربیة الموجودة بدار الكتب المصریة" ج 1، الناشر: مطبعة دار الكتب المصریة بالقاهرة- 1342 ه/ 1924 ، و ج 8، الطبعة الثانیة- 1361 ه/ 1942 م.
[9] لاحظ الكتاب المذكور للعلامة إسماعیل باشا بن محمد أمین البغدادي.
[10] لاحظ "معجم المؤلفین" ج 3، ص: 653 ، الطبعة الأ ولى – 1414 ه / 1993 م.
[11] الأسم الصحیح لهذا الكتاب هو: "الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة".
[12] من"مقدمة السعایة" ص: 17 - 18 - و "النافع الكبیر لمن یطالع الجامع الصغیر" ص: 25 . و "التعلیق الممجد على مؤطا الإمام محمد" (مع التحقیق والتعلیق للدكتور تقي الدین الندوي) ج 1، ص: 109-.110-
[13] مقدمة "إمام الكلام مع غیث الغمام" ص: 4
[14] كان والده الكریم العلامة محمد عبد الحلیم بن محمد أمین بن محمد أكبر الأنصاري اللكهنوي، واحدا من أبرز الشخصیات العلمیة والفكریة، وأكبر علماء الشریعة الإسلامیة في عصره، لم یكن في زمانه مثله في المنطق والكلام وأصول الفقه.عالما متبحرا في العلوم معقولة ومنقولة، مطلعا على دقائق الشرع وغوامضه، مرجع الأنام في زمانه، ومطلب الأعلام في أوانه، وكان أیضا ثاقب الذهن، كریم اللسان، عفیف الید، قوي الجنان، قائما بالسنة الطاهرة المحمدیة، وكانت أمه الحنون أیضا عالمة فاضلة متدینة ذكیة بصیرة حلیمة ذات خلق كریم عظیم ابنة عالم وفاضل كبیر ینتهي نسبها أیضا إلى قطب الدین الشهید الأنصاري.
[15] أسرة الشیخ عبد الحي الفرنجي محلي معروفة باسم "أسرة فرنجي محل" – نسبة إلى القصر الذي یعرف بهذا الاسم – بسبب إقامتهم فیه، وهي من إحدى أعرق الأسر الكریمة التي توارثت العلم والفضل والنبوغ والرسوخ والمناصب الدینیة كابرا عن كابر، وبفضلها شهدت الهند العزیزة نهضة علمیة وثقافة إسلامیة طبقت الآفاق شهرتها.
[16] حسرة العالم بوفاة مرجع العالم" ص: 24
[17] النافع الكبیر لمن یطالع الجامع الصغیر" ص: 27 ، و مقدمة "الرفع والتكمیل في الجرح والتعدیل" (تحقیق وتخریج: العلامة عبد الفتاح أبوغدة) ص: 20
[18]. وكلماته في اللغة الأردیة هي: تذکره علماے ◌ٔ هند کے مصنف نے لکھا ◌ٔ  ہے که مولانانے گیاره سال کی عمر میں حفظ ختم کیاَ ("عربی علوم و فنون کے علماء" (علماء العربیة وفنونها) ص: 154 ، باللغة الأردیة، وهذاالكتاب موجود في مكتبة العلامة شبلي النعماني بندوة العلماء، لكهنؤ
[19]  تذكره تذکره علماے ◌ٔ هند هند" للأستاذ رحمان عَلِي ص: 114 وكلماته في اللغة الفارسیة هي: "از عمر پنج سالگی بحفظ قرآن مجید مشغول شده، بده سالگیازاں فارغ گشت و بجامع مسجد جون پور اولا امامت تراویح کرده، د ریازده سالگی بخدمت والد خود تحصیل علوم متعارفه آغاز نمود ..."
[20]  والكتب التي كانت تدرّس في المنهج الدراسي النظامي آنذاك هي:
§        في الصرف: "المیزان" و"المنشعب" و"پنج گنج" و"زبدة" و"صرف میر" و"الفصول الأكبریة" و"الشافیة".
§        في النحو: "النحو میر" و"شرح المائة" و"هدایة النحو" و"الكافیة" و"شرح الكافیة" للجامي إلى مبحث الحال.
§        في البلاغة: "المختصر" و"المطوَّل" إلى ما أنا قلت.
§        في المنطق: "الصغرى" و"الكبرى" و"الإیساغوجي" و"التهذیب" و"شرح التهذیب" و"قطبي" و"میر قطبي" و"سلم العلوم" و"میر ا زهد رسالة" و"میر ا زهد ملا جلال".
§        في الحكمة: "شرح هدایة الحكمة" للمیذي، وشرحها للصدر الشی ا رزي إلى مبحث المكان،
§        و"الشمس البازغة" للجونبوري.
§        في الریاضیة: "خلاصة الحساب" باب التصحیح، والمقالة الأولى من "تحریر الإقلیدس" و"تشریح الأفلاك)" و"القوشجیة" والباب الأول من "شرح الچغمیني".
§        في الفقه: النصف الأول من "شرح الوقایة" والنصف الثاني من "هدایة الفقه".
§        في أصول الفقه: "نور الأنوار" و"التلویح" إلى المقدمات الأربع، و"مسلم الثبوت" إلى المبادئ الكلامیة.
§        في الكلام: "شرح العقائد" للتفتازاني إلى السمعیات، والجزء الأول من "شرح العقائد" للدوّاني، و"میرزاهد شرح المواقف" مبحث الأمور العامة.
§        في التفسیر: "الجلالین" و"البیضاوي" إلى آخر سورة البقرة.
§        في الحدیث: "مشكاة المصابیح" إلى كتاب الجمعة.
§        في المناظرة: "الرشیدیة".(لاحظ: "الثقافة الإسلامیة في الهند" للعلامة عبد الحي الحسني، الطبعة الثانیة – 1403 ه/ 1983 م، الناشر: مجمع اللغة العربیة، دمشق.
[21] التعلیق الممجد على مؤطأ الإمام محمد" ص: 110 ، ج 1، (تحقیق وتعلیق الدكتور تقي الدین الندوي)
[22] النافع الكبیر لمن یطالع الجامع الصغیر" - ص: 25 . و "الرفع والتكمیل في الجرح والتعدیل" (تحقیق وتعلیق: عبد الفتاح أبو غدة) ص: 15 . "فترات وطفرات وقعت في أثناء التحصیل": أراد بذلك – رحمه الله – الرحلتین المعوقتین: إحداهما الرحلة من الوطن إلى حید آباد الدكن، وثانیتهما الرحلة من حیدر آباد إلى الحرمین الشریفین ("مقدمة عمدة الرعایة"ج 1، ص: 29 - 30-)
[23] نفس المصدر.
[24] فمن مؤلفاته التي ألفها في زمنه الدراسیة هي: "إمتحان الطلبة في الصیغ المشكلة" و التبیان في شرح المیزان" و "چهارگل" و "حسن الولایة بحل شرح الوقایة" وغیرها.
[25]  . مقدمة السعایة" ص: 41
[26] النافع الكبیر لمن یطالع الجامع الصغیر" ص: 25
[27] - نفس المصدر، ص: 27
[28] كنز البركات في سیرة أبي الحسنات" ص: 32
[29] النافع الكبیر لمن یطالع الجامع الصغیر" ص: 27
[30] عبد الحيّ الحسني: نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر، دائرة المعارف الهند، الطبعة الأولى 1390هـ، ج:8، ص: 234.
[31] العلامة عبد الحيّ: مقدمة السعاية في كشف ما فيالشرح الوقاية، المطبع المصطفائي بلكناؤ، 1307هـ، ص:41، وانظر: النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير للعلامة عبد الحيّ، ص: 150
[32] الشيخ محمد عبد الباقي: حسرة الفحول بوفاة نائب الرسول ص:3.
[33] علامة عبد الحيّ: مقدمة السعاية في كشف ما في شرح الوقاية، ص:41.
[34] محمد حفيظ الله البندوي: كنز البركات في سيرة مولانا أبي الحسنات، ص:33.
[35] محمد حفيظ الله البندوي: كنز البركات، ص:36، وانظر: نزهة الخواطر للعلامة عبد الحيّ، ص:239.
[36] الشيخ عبد الفتاح أبوغدة: مقدمة التعليقات الحافلة على الأجوبة الفاضلة 1384هـ، ص:16.
[37] السيد سليمان الندوي: علم الحديث بالهند، ص:63.
[38] العلامة عبد الحيّ: النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير ص:151.
[39] الشيخ عبد الفتاح أبوغدة: مقدمة التعليقات الحافلة الأسئلة الكاملة، ص:13
[40] "الفوائد البهیة في ت ا رجم الحنفیة" ص: 248
[41] الإعلام بمن في تاریخ الهند من الأعلام" ج 8، ص: 1268
[42]  "تذکره ◌ٔ علماے ◌ٔ هند"  (التذكرة عن العلماء الهنود) للأستاذ رحمان علي
[43] حسرة العالم بوفاة مرجع العالم" ص: 15
[44] حسرة العالم بوفاة مرجع العالم" ص: 17-.18
[45] حسرة الفحول بوفاة نائب الرسول" ص: 5
[46] آثار الأول من علماء فرنحي محل" ص: 23
[47] الإعلام بمن في تاریخ الهند من الأعلام" (نزهة الخواطر..) ج 8، ص: 1268
[48] تذكرة الراشد برد تبصرة الناقد" ص: 95
[49] تحفة الأخیار" ص: 46 ، نقلا عن "المنهج الفقهي للإمام اللكنوي" للأستاذ الدكتور صلاح محمد سالم أبو الحاج، ص: 34
[50] كنز البركات في سیرة أبي الحسنات"، أبو الفضل محمد حفیظ الله البندوي، ص 36 المطبع العلوي، لكهنؤ، 1305 ه
[51] الملاحظة: لقد عثر هنا العلامة الحسني في ضبط هذا التاریخ، وذلك لأنه وقعت وفاته في اللیلة الأولى من ربیع الثاني كما یظهر من قول تلمیذه الرشید محمد حفیظ الله البندوي: "وكان الفراغ من دفنه في یوم الاثنین غرة ربیع الثاني..." وكذلك ضُبطت سنة وفاته خطأً على غلاف "الهدایة شرح بدایة المبتدي للمرغیناني مع شرح العلامة عبد الحي اللكهنوي" 1303 ه.(یلاحظ ذلك الكتاب الذي قامت بطبعه "إدارة القرآن والعلوم الإسلامیة" كراتشي، باكستان، الطبعة الأولى – 1417 ه.
[52] الإعلام بمن في تاریخ الهند من الأعلام" (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر)، . للعلامة عبد الحي الحسني، ج 8، ص: 1268
[53] مولانا عبد الحی فرنگی محلی _ حیات ا ور خدمات" (مولانا عبد الحي الفرنجي محلي حیاته وخدماته العلمیة) للأستاذ غلام مرسلین، ص: 28
[54] سورة النمل، الآیة: 59
[55] الإعلام بمن في تاریخ الهند من الأعلام" (نزهة الخواطر) ج 8، ص: 1269
[56] الرفع والتكمیل في الجرح التعدیل" (تحقیق وتخریج: عبدالفتاح أبو غدة) ص: 31
[57] الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة" للعلامة عبد الحي الفرنجي محلي (تحقیق: أبوهاجر محمد السعید بن بسیوني زغلول) ص: 145
[58] حسرة الفحول بوفاة نائب الرسول" ص: 14
[59] الرفع والتكمیل في الجرح والتعدیل" (تحقیق: الشیخ عبد الفتاح أبو غدة) ص: 15
[60] تحفة الأخیار في إحیاء سنة الأبرار" (تحقیق: الشیخ عبد الفتاح أبو غدة) ص: 37
[61] تذكرة الراشد برد تبصرة الناقد" للعلامة الفرنجي محلي، ص: 2

مواضيع ذات صلة
الأعلام،, دراسات,

إرسال تعليق

0 تعليقات