ادعمنا بالإعجاب

دفنتني وأنا حي هلا صبرت حتى أموت ( سيرة الإمام الغزالي)


إسماعيل الهدوي أ. في 
أيها القارئ تعال نسير إلى سيرة الإمام حجة الإسلام ومجتهد القرن السادس الهجري وقدوتنا في العلم وفي الفقه والتصوف العالم العلامة أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الطوسي رحمة الله عليه، جمع أشتات العلوم وبرز فيها وتبحر وأخمد نيران البدع كل ما لا يستطيع لأحد مثلها وطمس على وجوه الفلاسفيين بالرد على دعاويهم وإظهار النور النبوي لديهم حتى جدد الإسلام وأحياها من ظلم الفلاسفة المعوجة وفقا لها قاله الصادق المصدوق صاحب المقام المحمود إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها.



ولادته ونشأته
ولد رحمه الله بطوس سنة خمسين وأربعمائة الهجري استجابة لدعاء والده الصوفي الزاهد البائع والغازل للصوف إلى الله الكريم المنان، فلما حضرته الوفاة أوصى الغزالي وأخيه أحمد إلى صديق له من أهل الخير وقال إن لي لتأسفا عظيما على عدم العلم واشتهي تدارك ما فاتني في ولدي هذين، فأقام بأمرهما من العلم والتربية حتى نفذ ذلك الترر اليسير من الدراهم التي خلفهما أبوهما، فقال لهما قد فني ما خلفه أبوكما وأنا صعلوك لا أقوم بحاجتي فضلا بأمركما فأرى لكما أن تلجأ إلى المدرسة، ففعلا ذلك وكانت ذلك نكتة تحويلية في حياتهما، والغزالي يحكي ذلك القصة ويقول طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله.
سياحته في مجال العلم
في أول قدومه إلى مجال العلم قرأ طرفا من العلم الفقهي في بلده من أمجد بن محمد الراذكاني ثم غادر مسافة طويلة وقطع شواطئ كثيرة حتى ارتحل إلى جرجان إلى الإمام أبي النصر الإسماعيلي ثم رجع إلى مسقط رأسه طوس، وفي ذلك الرجوع وقع له ما وقع واعتبر بذلك وتنبه من غفلته وفي ذلك عبرة لمن شرح الله صدره للعلم ونوره، وذلك أخذه قطاع الطريق وأخذوا جميع بضاعته فتبعهم فالتقى رئيسهم وقال ارجع وإلا هلكت، فقال أسألك بالذي ترجو السلامة منه أن ترد علي تعليقتي فقط فما هي بشيئ تنتفعون به فرده الرئيس بالسخرية والاستهزاء ما تلك التعليقات، فقال المعلومات التي سافرت لها وهاجرت وطني، فضحك وقال كيف تدعي أنك تعوفها وقد أخذناها منك فتجري من معوفتها وبقيت بلا علم، ثم ردها إليه يقول الغزالي هذا مستنطق أنطقه الله يرشدني به في أمري حتى انحنى على صلبه ثلاث سنين لحفط ذلك التعليقات، وأيضا لازم إمام الحرمين حتى تمهر في المذهب والخلاف فالأصول والمنطق وقرأ الحكمة والفلسفة وأتقن كل ذلك حتى تصدى أرباب هذه العلوم.
ميزته الشخصية بين العلماء
ومما تفرد به الغزالي أنه شرب من معين العلوم والفنون كلها خاصة في الحكمة والفلسفة التي اتهمها علماء عصره علوم البدعة والكفرية حتى لم يمسها أحد، ولكن ميزها وميز بين قضها وقضيضها، وهو العمدة الأوثق في الفقه خاصة في المذهب الشافعي وكذلك في علم التصوف حتى صنف في كل منها مصنفات عديدة اشتهرت بالبلدان وسافرت بها الركبان وضربت بها الأمثال، وهو الذي باهى به نبينا صلى الله عليه وسلم على موسى عليه السلام،  يقول ابن السبكي حكى عن الشيخ العارف أبي الحسن الشاذلي كان سيد عصره ولسان وقته أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وقد باهى به صلى الله عليه وسلم وموسى وعيسى عليهما السلام بالإمام الغزالي وقال أفي أمتكما حبر مثل هذا قالا لا، هذا الأمر كاف لمزيد فضله وشرفه، ويروى عن بعضهم أنه قال: الأقطاب ثلاثة قطب العلوم كحجة الإسلام وقطب الأحوال كأبي يزيد البسطامي وقطب المقامات كعبد القادر الجيلاني.
ولم يمت أحد من حساده وأعدائه إلا إذا قهر الله كأس المحن والبلاء وضرب الأسواط ونزع الولاية للحكومة، والتاريخ مملوءة بتلك القصص يترك الكل مخافة الإطالة، كان في أول حاله يبكي الصوفيين ثم رأى مناما تفكر فيه وتعلق بالشيخ يوسف النساج رحمه الله حتى ارتقى إلى أوج المراتب والدرجات.
كتبه المشهورة وتركاته المنثورة
نعم مثل سائر العلماء قد خلف كثيرا من التأليفات والتصنيفات كلها محشوة بالدرر واليواقيت في جميع الفنون، وللعلماء كتب باسم مؤلفات الغزالي تكلم عبد الرحمن البدوي في كتابه عن 457 كتاب، منها البسيط والوسيط والوجيز في الفقه والمستصفي في أصول  الفقه وإحياء علوم الدين ومنهاج العابدين وبداية الهداية والرسالة الولدية (أيها الولد) في علم التصوف، وإلجام العام في علم الكلام وتهافة الفلاسفة والمنقذ من الضلال وغيرها في علوم الحكمة والفلاسفة، وكيمياء السعادة والمنخول وما إليها، ولما ألف كتابه المنخول في علم الأصول وغلب صية على كتاب الحرمين سأله الإمام الحرمين مادحا دفنتني وأنا حي هلا صبرت حتى أموت.
وفاته رحمه الله
كان رحمه الله عابدا موزعا أوقاته على تلاوة القرآن ومجالسة أرباب القلوب وإدامة الصيام والقيام حتى يقول أخوه أحمد رحمه الله لما كان يوم الإثنين سنة خمسة وخمسمائة توضأ وقت الصبح وصلى وقال علي يكفن فأخذه وقبله ووضعه على عينيه وقال سمعا وطاعة للدخول على الملك ومد رجليه واستقبل وانتقل إلى رحمة الله، اللهم وفقنا أن نحيي الإسلام بمطالعة كتبه وأجمع معه في دارك دار السلام آمين. ما أجاد قول القائل:
وكنـز لا تخاف عليه لصا                                    خفيف الحمل يوجد حيث كنت
يزيد بكثـرة الانفاق منـه                                 وينـقص إن بـه كـفا صددت  




مواضيع ذات صلة
أدبيات, الأشعار, الكتب, دراسات, مقالات, نداء الهند،،نداء الهند,

إرسال تعليق

0 تعليقات