ادعمنا بالإعجاب

الترجمة العربية في العصر العباسي

علي جعفر سي.أج                                             
(الأستاذ المساعد  في قسم اللغة العربية بكلية الأمل العصري بنيلامبور والباحث في القسم العربي للماجستير والبحوث في اللغة العربية وآدابها ، كلية جمال محمد تروشيرافالي تحت إشراف الدكتور سيدغياث أحمد،الرئيس والأستاذ المشارك في القسم العربي للماجستير والبحوث في اللغة العربية وآدابها ، كلية جمال محمد تروشيرافالي)

 

كان للترجمة دورها الريادي، عبر العصور، في نقل الأدب والفكـر والعلم والمعرفة ولها مساهمة فعالة في إنجاز مهام التنوير والتحديث. وكان المترجمون العرب رواد النهضة والتنوير وطاقاتهما المتوثبة، وعلى أيديهم تواصل الوطن العربي، مع مفاهيم الحرية والديموقراطية والحياة النيابية وتداول السلطة والمواطنة وحرية الصحافة والرأي والتعبير.
عرف العرب الترجمة منذ أقدم عصورهم، كان العرب "يرتحلون للتجارة صيفا وشتاء ويتأثرون بجيرانهم في مختلف نواحي الحياة، لقد عرفوا بلاد الفرس، وانتقلت إليهم ألوان من ثقافتهم. وانتقلت بعض الألفاظ الفارسية إلى اللغة العربية، وظهرت في شعر كبار الشعراء، وكان الأعشى من أشهر من استخدموا في شعرهم كلمات فارسية. كذلك عرف البعض جيرانهم البيزنطيين"0‏ (1)
احتك العرب منذ جاهليتهم بالشعوب الثلاثة المحيطة بهم، وهي الروم في الشمال والفرس في الشرق والأحباش في الجنوب، ومن الصعب قيام مثل هذه الصلات الأدبية والاقتصادية دون وجود ترجمة، وإن كانت في مراحلها البدائية.‏ وفي زمن الدولة الأموية، تمت ترجمة الدواوين، واهتم بحركة الترجمة الأمير خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.‏

وبعد الفتوحات العربيّة، واتساع رقعة الدولة العربيّة نحو الشرق والغرب، واتصال العرب المباشر بغيرهم من الشعوب المجاورة وفي مقدمتهم الفرس واليونان ولا سيما في العصر العباسي، ازدادت الحاجة إلى الترجمة، فقام العرب بترجمة علوم اليونان، وبعض الأعمال الأدبية الفارسية، فترجموا عن اليونانية علوم الطب والفلك والرياضيات والموسيقى والفلسفة والنقد.‏

وبلغت حركة الترجمة مرحلة متطورة في عصر الخليفة هارون الرشيد وابنه المأمون، الذي يروى أنّه كان يمنح بعض المترجمين مثل حنين بن إسحق ما يساوي وزن كتبه إلى العربية ذهبا، ومن المعروف أنّ المأمون أسس دار الحكمة في بغداد بهدف تنشيط عمل الترجمة، وأن حنين بن إسحق ترجم وألف الكثير من الكتب وفي علوم متعددة، وتابع ابنه إسحق بن حنين بن إسحق هذا العمل.‏
قام العرب بترجمة معظم مؤلفات أرسطو في القرن التاسع الميلادي، وهناك مؤلفات كثيرة ترجمت عن اليونانية إلى العربيّة، وضاع أصلها اليوناني فيما بعد، فأعيدت إلى اللغة اليونانية عن طريق اللغة العربية.  والحق الذي لا غبار عليه أنه فيما لو لم تترجم إلى اللغة العربيّة لضاعت نهائيا.‏

وكان المترجمون من أمثال حنين بن إسحق وثابت بن قرة يتقنون اللغة العربية والسريانية وكذلك‏ العلوم التي يترجمونها. وكان حنين بن إسحق قد عاش فترة في اليونان بهدف دراسة اللغة اليونانية، وكان يترجم الجملة بجملة تطابقها في اللغة العربية، ولا يترجم كل مفردة على حدة، كما ترجم يوحنا بن البطريق وابن الحمصي وغيرهما. وكذلك فإن الطريقة التي اتبعها حنين بن إسحق هي الأفضل. من بين الكتب التي ترجمها حنين بن إسحق كتاب "الأخلاق" لأرسطو، وكتاب "الطبيعة" للمؤلف نفسه. وكان العرب في العصر العباسيّ يهتمون بدقة الترجمة ولهذا ظهرت عدة ترجمات لنص واحد، فعلى سبيل المثال ترجم أبو بشر متى بن يونس كتاب "فنّ الشعر" لأرسطو (384-322) ثم ترجمه مرة ثانية يحيى بن عدي. (2) فتكرار الترجمة يدل على الحرص على دقتها.‏وكتاب فن الشعر لأرسطو، مع الترجمة العربية القديمة وشروح الفارابي وابن سينا وابن رشد، ترجمه عن اليونانية وشرحه وحقق نصوصه عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة، بيروت. (3)

ترجمة كتاب "كليلة ودمنة"

ترجمه عبد الله بن المقفع حوالي750م، ألف كتاب "كليلة ودمنة" باللغة السنسكريتية الفيلسوف الهندي بيدبا وقدمه هدية لملك الهند دبشليم الذي حكم الهند بعد مرور فترة من فتح الإسكندر المقدوني لها، وكان ظالما ومستبدا، فألف الحكيم بيدبا الكتاب من أجل إقناعه بالابتعاد عن الظلم والاستبداد، وبهدف إسداء النصيحة الأخلاقية. والكتاب مجموعة من القصص والأمثال على ألسنة الحيوانات.‏

وقام الطبيب الفارسي برزويه بنقل الكتاب من بلاد الهند وساهم بترجمته من السنسكريتية إلى الفارسية في عهد كسرى أنو شروان ووزيره بزرجمهر، الذي له دور كبير في تأليف وترجمة الكتاب.‏

وقام عبد الله بن المقفع وهو فارسي الأصل في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور بترجمته من الفارسية إلى العربية وأضاف إليه بعض الأشياء، وكان هدف عبد الله بن المقفع من ترجمة "كليلة ودمنة" تقديم النصيحة للمنصور للكف عن ظلم العباد، فأراد ابن المقفع من كتابه الإصلاح الاجتماعي، والتوجيه السياسي، والنصح الأخلاقي. ولكنه نفسه لم ينج من الظلم فقتله الخليفة.‏
ولقد حدث أن أعيدت ترجمة كتاب "كليلة ودمنة" إلى اللغة الفارسية عن النص العربي، لضياع الترجمة الفارسية وهو الأمر نفسه الذي حدث لبعض النصوص الإغريقية وكانت لغة عبد الله ابن المقفع جميلة بعيدة عن الابتذال وتمت الترجمة، كما هو معروف عن لغة وسيطة، لأن الكتاب بالأصل كتب باللغة الهندية القديمة، وليس باللغة الفارسية.‏

قام الطبيب الفارسي برزويه ببعض التعديلات على الكتاب أثناء الترجمة إلى الفارسية وكذلك أضاف الوزير الفارسي بزرجمهر بعض الأشياء إلى الكتاب مثل ما يخص بعثة برزويه إلى بلاد الهند، وأثناء الترجمة من الفارسية إلى العربية أضاف عبد الله بن المقفع بعض الأشياء، ولقد أشار إلى هذه الأمور فاروق سعد في مقدمته لكتاب كليلة ودمنة.

وبالوقت ذاته بدأت الترجمة في العصر العباسي من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية، ولقد أشار المستشرقون إلى دور العرب في الحضارة الأوروبية، في هذه الفترة. وأشار بعض الأدباء الغربيين إلى فضل علوم العرب على الغرب ومنهم الأديب الألماني غوته (1749-1832).‏

آراء الجاحظ حول الترجمة

 وظهرت في العصر العباسي دراسات نقدية عن الترجمة ، وأهمها آراء الجاحظ (780-868) الذي كان يرى أنّ المترجم الجيد يجب أن يكون من مستوى فكري لا يقل عن مستوى المؤلف المترجم عنه وأن تكون معرفته بالموضوع جيدة، وإلا فقد تكون الترجمة غير دقيقة.‏

ويؤكد الجاحظ على ضرورة معرفة المترجم اللغتين المترجم عنها، والمترجم إليها معرفة تامة.‏

ويرى الجاحظ أن الذين يمزجون في كلامهم بين لغتين، ليسوا أهلا للثقة، لأنهم لا يتقنون أيّا منهما إتقانا تاما. ويشدد الجاحظ على ضرورة سبك المضمون بأسلوب عربيّ سليم. (4) ‏

وعلى الرغم من أنّ آراء الجاحظ عن الترجمة، جاءت في القرن التاسع الميلادي، إلا أنها مازالت صالحة إلى العصر الحاضر. فبعد مرور عشرة قرون عليها وضع المفكر الروسيّ بليخانوف (1856-1918) شروطا للمترجم الجيد وللترجمة الجيدة، تتطابق مع الشروط التي وضعها الجاحظ، كما أكد الدكتور سامي الدروبي (1921-1976) في النصف الثاني من القرن العشرين على الشروط ذاتها.‏
آراء الجاحظ في ترجمة الشعر

يرى الجاحظ أنّ ترجمة الشعر تفقده الكثير من جماله ومحاسنه. وهذا لا يعني أنّ الجاحظ كان ضد الترجمة، بوجه عام، ولكنه كان يضع شروطا مشددة للترجمة الجيدة. لكي لا يتوهم المترجم ولكي لا يوهم الآخرين أن النص المترجم معادل للنص الأصلي من الناحيتين الدلالية والجمالية، إلا إذا كان المترجم عبقريا ومبدعا ومؤهلا.‏

وفي القرن الثالث عشر الميلادي قام الفتح بن علي البنداري بترجمة ملحمة "الشاهنامة" للفردوسي من الفارسية إلى العربية. وهو عمل جليل.‏



المراجع
(1) الدكتور عبد السلام كفافي في كتابه "في الأدب المقارن"
(2) فن الشعر،هوراس،ترجمة لويس عوض،الهيئة المصرية العامة للكتاب،القاهرة،ط.3،1988، ص 118.

(3) كتاب فن الشعر لأرسطو، مع الترجمة العربية القديمة وشروح الفارابي وابن سينا وابن رشد، ترجمه عن اليونانية وشرحه وحقق نصوصه: عبد الرحمان بدوي، دار الثقافة، بيروت، بدون تاريخ.

مواضيع ذات صلة
أدبيات, شأون الخارجية,

إرسال تعليق

0 تعليقات