ادعمنا بالإعجاب

أروع تصوير الرسول - صلى الله عليه وسلم - لزهرة الدنيا وفتنها

أروع تصوير الرسول - صلى الله عليه وسلم - لزهرة الدنيا وفتنها

الدكتور. محمد مصطفي كامل*[1]


 ملخص البحث
هذه مقالة صغيرة ذكرت فيها مقدمة والهدف المنشود من كتابة هذه المقالة والعناوين التي تحدثت عنها: المعنى الإجمالي للحديث، ثم روائع البيان والفنون البلاغية في الحديث من علم المعاني: أسلوب التوكيد و الإشارة و استخدام اسم الموصول للإبهام والشمول وأسلوب الإنشاء وغيرها وأسلوب الاستفهام وأسلوب القصر واستخدام ضمير الشأن ثم من علم البيان: التشبيهات البديعة والاستعارات الرائعة  استعارة تمثيلية ومجاز عقلي وكنائية ثم من علم البديع: أسلوب الإيغال والتناسب بين الألفاظ والمعاني وأسلوب التضاد والتتميم وحسن استخدام حروف العطف ثم ذكرت التوجيهات التربوية المستفادة من الحديث وفي الأخير ذيلتها  خاتمة ذكرت فيها ثمرة البحث .
المقدمة
الحمد لله رب العالمين الذي جعل فوق كل ذي علم عليما، والصلاة والسلام على سيد المرسلين الذي بعث رحمة للعالمين يعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين: وبعــــد
إن الحديث النبوي الشريف يمثل المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي ولا يمكن لأحد من الناس الادعاء أن الإسلام يكتفي بالقرآن الكريم،  وينسى أن السنة النبوية أساس لا يمكن تحت أي ظرف تجاوزه، إنها جزء أساسي من التشريع، وتفسير له وتفصيله. والحديث الشريف كالقرآن الكريم يجري على سنن العرب في كلامها بحفوله بالأسالــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيب
 والفنون العربية التي وقفنا عليها من خلال مباحث البلاغيين، إلا أن هذه  الأساليب والفنون تأتي في البيان النبوي كما في القرآن الكريم على الصورة التي تتساوق فيها الفكرة مع الفن التعبيري على أدق وجه، فكل لفظة أو جملة أو فقـــــــــــــــرة لا تجدها تنبو عن موضعها، ولا يسع أحداً أن يخيلها عن ذلك الموضع أو يستبدل بها غيرها لتكون أوفي دلالة وأشد إحكاماً. ترقى البلاغة النبوية إلى أعلى مدارج الكمال البشري في حسن التأتي للمعاني بأدق ما يمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــكن أن تـــــــــــــــؤديه.
 المفردات والجمل من دلالات ومعان تقع في النفوس موقعاً بالغاً من التأثير ما لا تنقضي عجائبه ولا يذهب بروائعه ورونقه تقادم العهد وكثرة الترداد. وإذا كان من شأن العرب أن يتكلفوا القول صناعة، يحسنها خطيبهم وحكيمهم، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم -  يرسل الحديث سليقة وإلهاماً، سليماً مما يعتري كلام الناس من خلل أو اضطراب، أو بعوارض محدثهم من عىّ أو حصر. "وليس أحكام الأداء وروعة الفصاحة وعذوبة المنطق وسلاسة النظم، إلا صفات كانت فيه - صلى الله عليه وسلم -  عند أسبابها الطبيعية.... لم يتكلف لها عملاً، ولم يرتض من أجلها رياضة بل خلق مستكمل الأداة فيها، ونشأ موفر الأسباب عليها، كأنه صورة تامة من الطبيعة العربية"[1].
الهدف الذي يرمي إليه البحث
 ينبغي أن لا يخلو عمل ابن آدم عن غرض  ولابد أن يرمي عمله إلى غرض نبيل  فالهدف من هذا المقال الوجيز هو بيان أهمية روائع البيان والفنون البلاغية في الحديث النبوي الشريف وبيان فوائده  ودوره في ترقية اللغة العربية وبناء جيل ناشئ حامل لغة عربية راقية.
متن الحديث :  [روى البخاري قال: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِي اللَّه عَنْهم يُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه و سلم-جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ فَقَالَ: إِنِّي مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا فَقَالَ: رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّر ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -  فَقِيلَ لَهُ مَا شَأْنُكَ؟! تُكَلِّمُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -  وَلا يُكَلِّمُكَ ؟ فَرَأَيْنَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ قَالَ: فَمَسَحَ عَنْهُ الرُّحَضَاءَ فَقَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ فَقَالَ: إِنَّهُ لا يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ إِلا آكِلَةَ الْخَضْرَاءِ أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ فَثَلَطَتْ، وَبَالَتْ ، وَرَتَعَتْ، وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَنِعْمَ صاحِبُ الْمُسْلِمِ مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالىتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ أَوْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -  وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلا يَشْبَعُ وَيَكُونُ شَهِيدًا عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .][2]
المعنى الإجمالي للحديث: الرسول - صلى الله عليه وسلم -  في هذا الحديث يخبر صحابته بأمر غيبي وهو إقبال الدنيا على المسلمين بعد الشدة التي عاشوا فيها وهو ليس تحذيراً من شر كالعادة في التحذير، ولكنه تحذير من خير مما زاد الأمر غرابة مما استدعى توكيد الجملة بأكثر من مؤكد ليمهد تربة القلوب لاستقبال بذور المعنى حتى تنبت شجرة الوعي واليقظة للتغيرات الشاملة لأكثر مناحي الحياة التي ستمر بها الأمة المسلمة من اتساع سلطانها وسعة أرزاقها وتعدد مصادر الخير التي يمكن أن تؤدي بهم إلى الغفلة والتفريط في شيء من شريعتها ومنهجها أو التكاسل في القيام بها. فيه إشارة إلى أن تلك المباهج من أموال وأولاد وسلطان ليست محض كسب الإنسان وإنما هي فتح وعطاء من الله. وهذا الفهم يعالج في النفوس شعورها بالحرمان ويوجهها إلى طلب الفضل من الله مع ضرورة الرضا بقسمته. ويحذرهم من الركون إليها والانشغال بمتعها حتى لا تطغى على آخرتهم، والرسول - صلى الله عليه وسلم- يخاطب في صحابته بهذا الحديث كل الأجيال المسلمة إلى قيام الساعة  
الفنون البلاغية في الحديث: ولتقرير هذا المعنى والتنبيه إلى مصادر الخطر وموضع الانحراف وبيان حجمه استخدم عدة فنون بلاغية منها: أساليب التوكيد والاستعارة و التمثيل والتشبيه والإيغال والتناسب والتضاد والتتميم وإشارات بلاغية مختلفة.وإذا تتبعنا الأسلوب البياني للرسول - صلى الله عليه وسلم -  من بداية الحديث نجده - صلى الله عليه وسلم -  يبدأ بأسلوب التوكيد الذي يمهد النفوس لاستقبال الخبر، ولا سيما إذا كان الخبر من الأمور المستقبلية.
أسلوب التوكيد : جاء في قوله - صلى الله عليه وسلم -  (إن مما أخاف عليكم بعدي ...) مؤكداً بإن مع اسمية الجملة، لأن الخبر غريب منتظر، وهو ليس تحذيراً من شر كالعادة في التحذير، ولكنه تحذير من خير مما زاد الأمر غرابة مما استدعى توكيد الجملة بأكثر من مؤكد ليمهد تربة القلوب لاستقبال بذور المعنى حتى تنبت شجرة الوعي واليقظة للتغيرات الشاملة لأكثر مناحي الحياة التي ستمر بها الأمة المسلمة من اتساع سلطانها وسعة أرزاقها وتعدد مصادر الخير التي يمكن أن تؤدي بهم إلى الغفلة والتفريط في شيء من شريعتها ومنهجها أو التكاسل في القيام بها.
استخدام أسلوب الإشارة: ثم يأتي حرف الجر (من) في قولـه: (ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا) للإشارة إلى كثرة المخاوف وتجددها وأن أشدها الغرور بمباهج الحياة.
استخدام الموصول لإفادة الإبهام والشمول: ثم يأتي استخدام الموصول (ما) وما يفيده من إبهام يحيط بكل المباهج التي يمكن أن يصل إليها الذهن ويتخيلها كل متلق ويمكن أن تشغله عن الآخرة وتحمله على ارتكاب الخطايا ثم تأتي صيغة المبني لما لم يسمَّ فاعله (يُفتح) إشارة إلى أن تلك المباهج من أموال وأولاد وسلطان ليست محض كسب الإنسان وإنما هي فتح وعطاء من الله. وهذا الفهم يعالج في النفوس شعورها بالحرمان ويوجهها إلى طلب الفضل من الله مع ضرورة الرضا بقسمته – تعالى.
أسلوب الاستعارة: ثم جاءت الاستعارة في إطار التحذير من الافتتان بالدنيا، وشهواتها في قوله - صلى الله عليه وسلم - : (من زهرة الدنيا ...) فقد استعير لفظ (الزهرة) وهي مأخوذة من زهرة الأشجار، وهو ما يصغر من أنوارها[3]  لمباهج الدنيا وزينتها بجامع المظهر الخلاب مع قلة بقائه وسرعة فنائه في كل. ثم حذف المشبه به واستعمل لفظ المشبه به "الزهرة" في المشبه على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية وتصريحية لأنه صرح فيها بلفظ المشبه به وأصلية لأن اللفظ المستعار فيها اسم جامد وهو الزهرة. ومن الممكن أن تكون الاستعارة مكنية إذا أجريناها في لفظ "الدنيا" وعلى هذا يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم -  قد شبه الدنيا بالشجرة بجامع التشعب والتلون في كل وحذف المشبه به وهو الشجرة ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو "الزهرة" ثم أسند هذا اللازم وهو "الزهرة" إلى المشبه "الدنيا" على طريق الاستعارة المكنية التخيلية.
دلالات الاستعارة
 لمباهج الدنيا وحسنها بجامع البهجة والنضرة سريعة التحول في كلٍ واستعارة الزهرة لمباهج الحياة وجذبها للنظر مع سرعة تحولها يوحي بعدة دلالات منها:
ا)  أن هذه المباهج سريعة التحول والانتقال بكثرة مكدراتها من هم ومرض أو خوف الزوال أو موت الإنسان أو ذهاب هذه المباهج من مال أو سلطان أو ولد وهذا مفهوم من حال اللفظ المستعار (الزهرة) إذ أن الزهرة سريعة التحول والذبول وهي أقصر أجزاء النبات عمراً وهذه الإشارة تجعل المتلقي لا يتعلق بزينة الدنيا وزخرفها على حساب آخرته؛ لعلمه بتحولها السريع أو تحولـه المريع.
ب) أن هذه المباهج خداعة تخطف الأبصار وتأخذ بالألباب وتسر النفوس وتحدث نوعاً من الانفعال المغري بالانجذاب لها، وهذه الإشارة مفهومة من حال الإنسان أمام سحر الزهور وإعجابه الفطري بلونها وعبقها وارتياح النفوس لها. وفي هذه الإشارة تنبيه للإنسان بعدم الانخداع بظاهر المتاع وعدم التفكير في جوهره.
ج) الزهرة دائماً تبشر بالثمرة لأنها أول مراحل الإثمار وهذا التبشير في حال الزهرة يشبه تبشير الرسول - صلى الله عليه وسلم -  بإقبال الدنيا على أمته.
د) في الزهرة إشارة رقيقة إلى أهم مباهج الحياة ومادة التجدد وعنصر الاستمرار وهو الأولاد؛ لأن الزهرة تحمل البذور التي هي مادة تجدد النبات واستمراره.
هـ)يؤخذ من سرعة التحول والذبول المفهوم من حال الزهرة ضرورة الإسراع في استغلال هذه المباهج من مختلف الخيرات بالنفقة فيما يرض الله من المال وغيره والتنشئة الصالحة للولد حتى ينشأ جيل صالح يحمي الأمة وأن التواني في ذلك ضياع لهذه النعم أو تحول.
أسلوب التمثيل: ثم تأتي صورة أخرى من صور البيان النبوي في ثوب التمثيل لتقرر بشيء من التفصيل أوجه الخطر في مباهج الدنيا وكيف يمكن اتقاء هذا الخطر وذلك في الرد على الصحابي المسترشد الذي سأله: (أو يأتي الخير بالشر ... فقال إنه لا يأتي الخير بالشر وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطاً[4]  أو يلمُّ إلا آكلة الخضر، أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت[5]،وبالت،ورتعت..).
أسلوب الاستفهام: والهمزة في قول الصحابي (أو) للاستفهام، والواو للعطف على مقدر بعد الهمزة، وقال الطيبي الاستفهام فيه استرشاد منهم ومن ثم حمد ص السائل وقيل الاستفهام للاستبعاد لما سماه الرسول - صلى الله عليه وسلم -  بركة وسماه الله خيراً: }وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ{( سورة العاديات:8) فأجيب بأن هذا الخير قد يعرض له ما يجعله شراً إذا أسرف فيه ومنع حقه .[6]
وقوله - صلى الله عليه وسلم - (إنه لا يأتي الخير بالشر) أي: إن ما قضى الله أن يكون خيراً يكون خيراً، وما قضاه أن يكون شراً يكون شراً وأن الذي خفت عليكم تضييعكم نعم الله، وصرفكم إياها في غير ما أمر الله، ولا يتعلق ذلك بنفس النعمة ولا ينسب إليها، ثم ضرب لذلك مثلاً فقال: (وإن مما ينبت الربيع ...)
 استخدام ضمير الشأن للتشويق: واستخدام الرسول - صلى الله عليه وسلم -  لضمير الشأن في قوله (ص) (إنه لا يأتي الخير بالشر)  تعظيــــــــــــــــــــــــــــم
للأمر وتشويق له بذكره مبهماً ثم تفسيره.[7]
استعارة تمثيلية: في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وإن مما ينبت الربيع ... إلخ) استعارة تمثيلية حيث مثل الرسول - صلى الله عليه وسلم -  حال المفرط في جمع المال وتحصيله من حله وحرامه غير مبال بما جمع وبما حصل يستكثر منه فوق حاجته أو يحبسه عن مستحقيه ولا يؤدي حق الله فيه المال يغريه بزينته وجماله.
هذه الحال صورها الرسول - صلى الله عليه وسلم -  ومثلها بحال دابة يغريها جمال النبات فتقبل على الأكل منه تسرف في ذلك حتى تصاب بالتخمة فتهلك أو تشرف على الهلاك فاستعيرت الحال الثانية المشبه بها للحال الأولى المشبهة على سبيل الاستعارة التمثيلية ووجه الشبه: مجاوزة الحد في جمع الغث والسمين حتى الهلاك. يوضح مفهوم عبارته السابقة (إنه لا يأتي الخير بالشر) ويشرح أبعاد المسألة قال الإمام العيني أن هذا الحديث يتضمن أربعة أمثال:
الأول: الذي قتل حبطاً وهو الكافر، وقد لفت العلماء إلى أن كلمة (حبط) تستدعي ذكر الكافر، لأنه موصوف في القرآن بأنه حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين وكأن الكلمة في كلام النبي - صلى الله عليه و سلم-تستدعي موقفها في القرآن ويراعى هذا الموقف عند تفسيرها ما دام السياق يأذن بذلك.
الثاني: الذي ألم بالحبط. أعني اقترب منه، وهو المسلم الظالم لنفسه.
الثالث: المقتصد.
الرابع: الزاهد في الدنيا والراغب في الآخرة، قال: (وهذا الوجه يفهم من الحديث، وإن لم يصرح به)[8] .
فالأمثال نموذجات الحكمة لما غاب عن الأسماع والأبصار لتهدي النفوس بما أدركت عياناً .. فمن تدبير الله لعباده أن ضرب لهم الأمثال من أنفسهم لحاجتهم إليها ليعقلوا بها فيدركوا ما غاب عن أبصارهم وأسماعهم الظاهرة.[9]
مجاز عقلي : ونسبة الإنبات للربيع في قولـه (مما ينبت الربيع) مجاز عقلي لاعتقاد الرسول - صلى الله عليه وسلم -  بان الله هو المنبت.
وأسلوب التوكيد: ثم جاءت عبارته (وإن هذا المال حلوة خضرة) لتجلي أبعاد أكثر مباهج الدنيا خطورة وهو المال وتبين وجه الانتفاع به فبدأ العبارة بأسلوب التوكيد بإن مع اسمية الجملة ولعل السبب في هذا التوكيد يرجع إلى تمكن الرغبة للمال وحبه في نفوس الناس وانشغالهم عن خطره فجاءت هذه المؤكدات عناية بالأمر وتنبيها إلى خطره.
أسلوب الإشارة : وتعريف الرسول - صلى الله عليه وسلم -  للمسند إليه بالإشارة (هذا المال) لكمال العناية وتمييزه أكمل تمييز أو للتنبيه على أن المشار إليه المعقب بأوصاف جدير لأجل تلك الأوصاف التي وصفه بها من خضرة وحلاوة تبعثان الرغبة فيه.[10] وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (المال خضرة حلوة) (ليس هو صفة المال، وإنما هو للتشبيه كأنه قال: المال كالبقلة الخضراء الحلوة) [11] ووجه الشبه إقبال النفس عليه وسرورها به، وهو تشبيه بليغ حذف منه الوجه والأداة مما أعطى المعنى تأكيداً يفيد شدة التشابه في الصفة بين المشبه والمشبه به.
وأسلوب إنشائي : في قوله - صلى الله عليه وسلم - (فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل). وهو أسلوب إنشائي غير طلبي لا يستدعي مطلوباً بل هو تصوير لذات المتكلم عموماً يدور في أعماقه مما له علاقة بالموقف ونظم الكلام[12]  وقول الرسول صلى الله عليه و سلم: (فنعم صاحب المسلم ...) يحكي تصوره عن الوجه الأمثل لاستغلال الثروات والإنفاق منها في وجوه الخير حتى لا تكون دولة في يدي قلة ويحرم منها أهل الحاجة من القاعدة العريضة للمجتمع المسلم، فإن من أعطى مالاً وسلطه على هلكته في الحق فأعطى من فضله المسكين وغيره، فهذا المال المرغوب)[13]  الذي يحقق سعادة الفرد ورخاء المجتمع والتواصل بين أفراده.
واستخدام ضمير الشأن : في قوله - صلى الله عليه وسلم - : (وإنه من يأخذه بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع ويكون شهيداً عليه يوم القيامة) واستخدام ضمير الشأن مع الجملة بمؤكداتها يوحي بعظم الأمر وخطره مع تهاون الناس فيه.
وتشبيه حال بحال : قولـه: (كالذي يأكل ولا يشبع) تشبيه لحال من يأخذ المال من غير حقه بحال جائع نهم لا يشبع والوجه عدم الفائدة بتحصيل مالا ينفع.
وأسلوب الإيغال: ثم يأتي إيغال في قوله - صلى الله عليه وسلم - (ويكون شهيداً عليه يوم القيامة)[14] حيث استوفي المعنى قبل بلوغ مقطعه ثم أتى بالمقطع فزاد معنىً آخر أكد به خطأ أخذ المال بغير حقه وبين خطره في الدنيا والآخرة.
و التناسب بين الألفاظ والمعاني : من بديعيات الحديث أيضا ذلك التناسب بين الألفاظ والمعاني فمنها (ثلطت، بالت، رتعت) وأيضا (المسكين واليتيم وابن السبيل)
وأسلوب التضاد: وهذا التضاد الذي يوضح المعنى ويؤكده بين الخير والشر
وأسلوب التتميم: في قولـه (بغير حقه) بعد قولـه (وإن من يأخذه)
ومن أروع التشبيهات في هذا الحديث:
من أجمل ما أحصي في الحديث من تشبيهات ما يلي:
أولها: تشبيه المال ونموه بالنبات وظهوره.
ثانيها: تشبيه المنهمك في الاكتساب والأسباب بالبهائم المنهمكة في الأعشاب.
ثالثها: تشبيه الاستكثار منه والادخار له بالشره في الأكل، والامتلاء منه.
رابعها: تشبيه الاستكثار من المال مع عظمته في النفوس حتى أدى إلى المبالغة في البخل به، بما تطرحه البهيمة من السَّلح، ففيه إشارة إلى استقذاره شرعاً.
خامسها: تشبيه المنقاد عن جمعه وضمه، بالشاة إذا استراحت وحطت جانبها مستقبلة عين الشمس، فإنها من أحسن حالاتها سكوناً وسكينة، وفيه إشارة إلى إدراكها لمصالحها.
سادسها: تشبيه موت الجامع المانع بموت البهيمة.
سابعها: تشبيه المال بالصحاب الذي لا يؤمن أن ينقلب عدواً فإن المال من شأنه أن يحرز ويشد وثاقه بحباله فيكون وبالاً.
ثامنها: تشبيه آخذه بغير حق بالذي يأكل ولا يشبع.[15]
و استعارة تبعية: في قوله - صلى الله عليه وسلم - (قاتلت فيك) استعارة تبعية في الحرف أي قاتلت لرضاك حيث شبه التعليل الكلي بالظرفية الكلية وسرى التشبيه إلى التعليل الجزئي المستفاد من لام التعليل والظرفية المستفادة من (في) الموضوعية للظرفية الجزئية للتعليل الجزئي، والجامع مطلق الملابسة في كلٍ. وهذه الاستعارة تفيد المبالغة في التفاني في مرضاة الله مع الإيجاز وتركيز المعنى دفعاً لشبهة الرياء وإظهاراً للإخلاص من جانب المرائي.  وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (فعرفه نعمه فعرفها. قال فما عملت فيها) فصل جملة (قال فما عملت فيها؟) عن التي قبلها لوقوع الثانية جواباً لسؤال نتج عن الأولى مفاده فماذا فُعل به؟ أو ماذا قال له؟ فجاء الجواب (فال فما عملت فيها) وهو ما يسمى شنه كمال الاتصال وعلى ذلك ما ورد في قصة العالم والمنفق.
وحسن استخدام حروف العطف: المتأمل لأسلوب الرسول - صلى الله عليه وسلم -  في الربط بين الجمل والمفردات في إطار بيان خطر الرياء والتحذير منه وتقويمه يجد أنه استخدم (الفاء، والواو، وثم). فقد استخدم الفاء في الربط بين الجمل والمفردات لإلغاء الفاصل الزمني أو المكاني بين الأحداث ففي قوله - صلى الله عليه وسلم - (... استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها ...) وهذه الفاء في قولـه (استشهد فأتي به) أفادت الترتيب والتعقيب دون مهلة. قال سيبويه: (والفاء وهي تضم الشيء إلى الشيء كما فعلت الواو غير أنها تجعل ذلك متسقاً بعضه في إثر بعض)[16]  وقولـه في إثر بعض أي متتابعاً دون مهلة وهي في عبارة الرسول - صلى الله عليه وسلم -  تشير إلى انعدام الفترة الزمنية بين الاستشهاد الذي هو حدث من أحداث الدنيا وبين قولـه (فأتي به) وهو حدث من أحداث القيامة في إشارة إلى انعدام الفترة الزمنية بين الذنب وعقابه تنبيهاً على عظم خطره. وفيها إشارة إلى أن الأمر جد قريب وأن الدنيا وإن طالت – فهي قصيرة، وأنه ليس هناك فاصل زمني يذكر بين المرائي الفخور بعمله المدل به وبين عقابه وفضيحته على رؤوس الأشهاد حين يكشف زيف عمله وتعظم حسرته. وهذا مما يقوي حذر المخاطب من هذا الخلق السيئ، ويقوي الوازع الديني الذي يمنعه من التردي في هذا الفعل القبيح. والفاء في قوله - صلى الله عليه وسلم - (فعرفه نعمه فعرفها ...) ألغت الفاصل الزمني بين الإتيان به وتعريفه بالنعم وبين إقراره بها في إشارة إلى سرعة الأحداث وتواليها فيما ينذر بسرعة العقاب الذي لا يترك للمرائي فرصة يدل فيها به ويزهو به.
وهو شعور نفسي يوحي بالوجل من هذا التتابع السريع للأحداث يبثه هذا الربط الدقيق للأحداث بالفاء فيمنع في نفس المخاطب الرغبة في الافتخار والرياء بالعمل مما يساعد على منع هذا الخطأ من الحدوث أو تقويمه بعد الحدوث. أما قولـه (فما عملت فيها) فالفاء عاطفة على محذوف يدل عليه السابق تقديره: عرفت نعمنا، وأقررت بها فما عملت فيها، وهذه الفاء تصل بالمرائي إلى نقطة التوقف بعد هذا التتابع السريع للأحداث، وقد توقفت به هذه الفاء على رأس استفهامة. قصد منها تقرير المخاطب بما يعرفه من مضمون الحكم بقصد إحراجه والتضييق عليه.
والأمر في قصة العالم المرائي، والمنفق المرائي على ما هي عليه في قصة الشهيد فتتابع الفاءات يحكي تتابع الأحداث السريع الذي يلغي الفارق الزمني بين فعل المرائي بأعظم الأعمال المدل الفخور بها وبين عقاب الله له، مما يبين خطر الرياء وسوء عاقبته في صورة حية تختلط بوجدان المخاطبين حتى تكون بمثابة الواقي لهم من التردي فيه.
وإذا نظرنا إلى استخدام الرسول - صلى الله عليه وسلم -  لـ (ثم) في إطار تقويم خطأ الرياء في هذا الحديث نجد أنها وردت في قوله - صلى الله عليه وسلم - : (ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار) مكررة مع كل نموذج من نماذج الأعمال العظام التي قلبها الرياء لضدها.
والمتأمل لمواضع استخدام (ثم) في الحديث في القصص الثلاث في قولـه (ثم أمر به فسحب على وجهه) بعد جملة (فقد قيل) وما سبقها من فضيحة المرائي بكذبه وبطلان عمله، وتوبيخه على رؤوس الأشهاد في النماذج الثلاثة يرى أنها توحي بفترة زمنية لا يعلم مداها إلا الله، وقفها هذا العبد في موقف الخزي والعار أمام الله في الموقف العظيم تمزقه الحسرة حين تتقاذفه أمواج العذاب، بعمل بلغ به غيره من المخلصين أعلى درجات الجنة حيث مأوى الشهيد في الوقت الذي ألبسه فيه الرياء بنفس هذا العمل ثوب الخزي وأسكنه قعر جهنم أول هالك ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقولـه (ثم ألقي في النار) بعد قولـه (فسحب على وجهه) حيث ينبأ استخدام (ثم) عن طول الفترة التي استغرقها سحبه على وجهه إمعاناً في عذابه عذاباً معنوياً يحدوه ويتلوه عذاباً حسياً.
بينما ألغت (الفاء) التي استخدمت للربط بين الأمر بالسحب وبين تنفيذه الفاصل الزمني وكأن ملائكة العذاب كانت فوق رأسه تنتظر الحكم عليه فتخطفته في لمحة عين.
أما استخدام (الواو)[17]  في إطار تقويم خطأ الرياء وبيان خطره في هذا الحديث فقد جاءت في عطف قصة المنفق رياءً على قصة الشهيد والعالم وكل منهم وارد تحت حكم (أول الناس) يقضى عليه يوم القيامة.
يقول الإمام عبد القاهر عن هذا النوع  من العطف بعد أن عرض لنصوص من القرآن والشعر بين من خلالها أن المقصود من هذا العطف عطف مجموع الكلام على مجموع كلام آخر قال: (فأمر العطف إذن، موضوع على أنك تعطف تارة جملة على جملة، وتعمد أخرى إلى جملتين أو جمل فتعطف بعضاً على بعض، ثم تعطف مجموع هذه على مجموع تلك)[18]
دلالات العطف بين القصص الثلاث
وقد عطف الرسول - صلى الله عليه وسلم -  قصة العالم على مجموع قصة الشهيد في قوله - صلى الله عليه وسلم - (ورجل تعلم العلم ...) عطفاً على قولـه (رجل استشهد فأتي به ...)، وعطف قصة الغني المنفق رياءً في وجوه الخير على جملة ما سبقه. وعطف الرسول - صلى الله عليه وسلم -  لهذه القصص الثلاث له عدة دلالات:
1-      أن هذه النماذج المختارة تتفق في كونها النماذج العلى في الأعمال لأن فيها بذل الروح والوقت والمال.
2-       تتفق هذه النماذج أيضا في وحدة المآل والعاقبة وهي انقلاب الخير المرجو منها – وأصحابها في أمس الحاجة إليها – إلى سوء العذاب مع ما يتبع ذلك من حسرات لا تنقضي.
3-      تتفق هذه النماذج في وجود عنصر إفساد واحد فيها جميعاً حقق فسادها وهو الرياء، وهذا مما يبين خطر الرياء ويلح على ضرورة تنقية العمل منه.
4-   من الملاحظ في استخدام الرسول - صلى الله عليه وسلم -  للربط بالواو في الحديث أنه استخدمها في المواضع التي لم يكن فيها الزمن عنصراً من عناصر تقويم الخطأ بمعنى أن يكون تحديد الزمن في الحدث مقصوداً من المعنى فهي لمطلق الجمع على ما هي عليه عند أهل اللغة.[19]
وأسلوب الاستفهام للتقرير: قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -  في قصة المنفق وتقرير الله له (فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك).
والاستفهام في قولـه (فما عملت فيها؟) بغرض التقرير لإحراج المخاطب والتضييق عليه في الموقف العظيم وعقاباً وعذاباً نفسياً يقابل شعـــــــــــــــــــــــــــــــــور
المرائي بالزهو والعجب بعمله وثناء الناس عليه. ويتمثل دور الاستفهام في تقويم الخطأ بأنه يخلق في نفس المخاطب شعوراً بالرهبة ينتج عن استشعاره لموقف المسئول – لأنه يعلم أن الكل يحاسب ويقف هذا الموقف إذا فعل هذا الفعل، وهذا الشعور يطرد الرغبة في الرياء عندما ينوي عملاً أو أثناءه أو بعد تمامه لعلمه بسرعة افتضاح هذا المرائي على رؤوس من كان يرائيهم وغيرهم – كما تبين من دقة الربط وتتابع الأحداث.
والمتأمل لإجابة هذا الرجل المنفق رياءً يجد أنه أوردها في ثوب القصر بطريق النفي والاستثناء (ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك) ومن الملاحظ أن أسلوب القصر لم يرد في القصتين السابقتين للشهيد والعالم.
ولعل السر في ذلك يرجع إلى أن الشهادة والعلم وتعليمه وقراءة القرآن، من الأعمال العظام التي لا يحتاج فيها العامل إلى استغراق جميع سبلها كما هو الحال في الإنفاق.
ولما كان مجرد الإنفاق لا يصل إلى مرتبة الشهادة وتعليم العلم والقرآن كان لا بد أن يكون إنفاقاً مخصوصاً يستغرق كل سبيل يحب الله أن ينفق العبد فيه.
وأسلوب القصر : لذلك جاء بأسلوب القصر بالنفي والاستثناء ولاختيار هذا الطريق دون غيره من أسالىب القصر بعد نفسي عند هذا المرائي، لما هو معلوم عن طبيعة هذا الطريق للقصر من أنه يستخدم في الأمر الذي ينكره المخاطب[20]، وهذا المرائي في قرارة نفسه يعلم أن الله – تعالى – محيط بحقيقة عمله فيعتريه هذا الشعور، فيدافعه بهذا التوكيد عن طريق النفي والاستثناء و(من) الزائدة بقصد التوكيد في قولـه (ما تركت من سبيل ليستغرق كل ما صغر أو كبر من سبل الإنفاق مبالغة في تعظيم عمله. والمتأمل – بعد – لمفردات هذا الحديث – وورودها في بيان أثر الرياء وخطره والتحذير منه – يجد أنها تميزت بعدة مميزات. منها:
أ‌-     كثرة استخدام الفعل المبني لما لم يسم فاعله فقد استخدم الأفعال (يُقضى – اُستشهد – أُتي – يُقال – سُحب ـ يُلقى – أُمر – أُلقي – قيل) وترك ذكر الفاعل إما لدلالة الحال عليه أو لأن الغرض الإخبار بوقوع الفعل على المفعول لا وقوعه من الفاعل وهو في هذه المواضع للإخبار بوقوعه على المفعول.[21]  وهذا البناء على هذه الصيغة يزيد الموقف هولاً على المرائي لشعوره بالهلاك مع جهله بمصدره وعدم ذكر الفاعل يجعل العقول تذهب في تصوّره كل مذهب.
ب‌-   من الملاحظ في مجموعة الأفعال الواردة في القصص الثلاث كثرة المفردات التي تدل على الإهانة والإذلال مثل (سحب – ألقي – أتي – أمر به – كذبت) وهذه المفردات تحكي بظلالها وإشعاعها ومعانيها صورة الهلاك والمهانة التي تلحق بالمرائي في الموقف العظيم وتحذر من عاقبة الرياء.  أيضا كثر التعبير بالفعل الماضي دلالة على تحقق الوقوع في الإخبار عن ما يستقبل وهو عند البيانيين على سبيل الاستعارة في الفعل فقوله - صلى الله عليه وسلم - (فأتي به فعرفه نعمه فعرفها) شبه بالإتيان في الماضي بالإتيان في المستقبل بجامع تحقق الوقوع في كلٍ منهما ثم استعير الإتيان في الماضي للإتيان في المستقبل واشتق منه (أُتي) بمعنى يؤتى على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية، والقرينة هنا أن الفعل (أتي) من أحداث القيامة.
وقيل إن التعبير بالماضي وعكسه يحتمل أن يكون من المجاز المرسل كما قال ابن السبكي[22]  والعلاقة بينهما التضاد، لأن الضد أقرب حضوراً إلى الذهن عند ذكر ضده، إلا أن هذا الاحتمال لا يفيد المبالغة المطلوبة وهي الإشعار بتحقق الوقوع، لأن الدلالة في المجاز المرسل انتقالية وهي لا تفيد أبلغية. وقيل من قبيل إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر وتعليله كسابقه والأوجه أن يكون جميع ذلك من قبيل الاستعارة التصريحية التبعية في الفعل باعتبار حدثه وزمانه.[23]
وعلى ذلك يحمل ما ورد في الحديث من أفعال ماضية تحكي مستقبـــــــــــــــــــل
هذا المرائي مما يلقى في نفسه أن هذه الأحداث وقعت وهو يحياها حال روايتها وكأن الزمان قد استدار به، وها هو المخاطب يقف هذه المواقف، وتمر به هذه الأحداث[24]  مما يقذف في نفسه من هول الموقف ما يطرد من نفسه شبح الرياء فيحل بقلبه برد الإخلاص.
 التوجيهات التربوية المستفادة من الحديث 1-  إن المباهج من أموال وأولاد وسلطان ليست محض كسب الإنسان وإنما هي فتح وعطاء من الله. وهذا الفهم يعالج في النفوس شعورها بالحرمان ويوجهها إلى طلب الفضل من الله مع ضرورة الرضا بقسمته – تعالى.
2-  فيه خطأ أخذ المال بغير حقه وبين خطره في الدنيا والآخرة.
3-  في هذا الحديث بيان أثر الرياء وخطره والتحذير منه و تقويم خطأ الرياء .
4-   أن الشهادة والعلم وتعليمه وقراءة القرآن، من الأعمال العظام التي لا يحتاج فيها العامل إلى استغراق جميع سبلها كما هو الحال في الإنفاق.
5-  فيه أبعاد أكثر مباهج الدنيا خطورة وهو المال وتبين وجه الانتفاع به.
6-    أن هذه المباهج سريعة التحول والانتقال بكثرة مكدراتها من هم ومرض أو خوف الزوال أو موت الإنسان أو ذهاب هذه المباهج من مال أو سلطان أو ولد .
7-  أن هذه المباهج خداعة تخطف الأبصار وتأخذ بالألباب وتسر النفوس وتحدث نوعاً من الانفعال المغري بالانجذاب لها. وهذه الإشارة مفهومة من حال الإنسان أمام سحر الزهور وإعجابه الفطري بلونها وعبقها وارتياح النفوس لها.
8-  وفيه تنبيه للإنسان بعدم الانخداع بظاهر المتاع وعدم التفكير في جوهره.
9-الزهرة دائماً تبشر بالثمرة لأنها أول مراحل الإثمار وهذا التبشير في حال الزهرة يشبه تبشير الرسول (ص) بإقبال الدنيا على أمته.
10- في الزهرة إشارة رقيقة إلى أهم مباهج الحياة ومادة التجدد وعنصر الاستمرار وهو الأولاد؛ لأن الزهرة تحمل البذور التي هي مادة تجدد النبات
 واستمراره.
11-يؤخذ من سرعة التحول والذبول المفهوم من حال الزهرة ضرورة الإسراع في استغلال هذه المباهج من مختلف الجهات.[25]
الخاتمة
فقراءة الحديث الشريف وفقا لمنهج بلاغي ضرورة، ترد على من رفعوا – بحق أرادوا به باطلا – راية القرآن الكريم ، ليهدموا الإسلام جميعه ، ومن قصروا في فهم السنة النبوية فهما صحيحا ، بسبب ضعفهم اللغوي والأدبي والعلمي .
إن هذا البحث يسعى إلى مخاطبة القارئ عامة، والقارئ الشاب الذي لم تتح له دراسة الحديث النبوي الشريف خاصة، و تقديمه إليه بصورة متكاملة تشير إلى جوانبه البلاغية المتعددة، فيه دراسة تناول لطبيعة البلاغة النبوية وأبعادها التي تُعرف بها وفيه دراسة تطبيقية للأسالىب النبوية دارت حول الأساليب الخبرية والأساليب الإنشائية، والتشبيه والتمثيل، والكناية والتعريض، والطباق والمقابلة وفيه دراسة لفنون الحديث النبوي الشريف وهي صور وألوان وفنون كان لها دورها المهم في نشر الدعوة الإسلامية ، وقد تعرض السياق لطبيعة هذه الفنون.
ومن هنا كان هذا البيان وذلك الأسلوب أولى الأساليب بالدراسة والبحث عنه.
الهوامش
1.     الرافعي، مصطفي صادق، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، ضبط وتحقيق محمد سعيد العريان،(مصر: مطبعة الاستقامة، ط.1945م، ط.د) ، ص329.
2.     - الإمام البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، الرياض: بيت الأفكار الدولية للنشر، 1419هـ،1998م.صحيح البخاري ، ضج  6 ، صب  419 ، كتاب  الزكاة ، باب الصدقة ، حديث رقم  1465.
3.     - ينظر أساس البلاغة للزمخشري، جارالله محمود بن عمر، مصر: دار الكتب المصرية، ط1341هـ1922م، جـ 1 ، صـ 413 ، مادة (زهر) والعيني، الإمام بدر الدين ، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، مراجعة : صدقي جميل العطار ، طبعة أولى، بيروت: ط.دار الفكر، 1418هـ 1998م، ج6 ، صـ 480.
4.     (حيطا) الحيط: انتفاخ للبطن في الماشية وهو مهلك (ينظر: أساس البلاغة ، جـ 1 ، صـ 150).
5.     - (ثلطت) أخرجت فضلاتها الضارة. (ينظر: أساس البلاغة ، جـ 1 ، صـ 98).
6.     - عمدة القارئ ، جـ 6 ، صـ 480.
7.     - ينظر الطراز للعلوى، تحقيق. محمد عبد السلام شاهين ،ص170 ، ط.دار الكتب العلمية .
8.     - ينظر عمدة القارئ ، جـ  6 ، صـ  483وشرح أحاديث من صحيح البخاري د، محمد أبو موسى ص350.
9.     - ينظر الأمثال من الكتاب والسنة لأبي عبد الله محمد بن علي الحكيم الترمذي، تحقيق د، السيد الجميلي  الطبعة الأولي دار ابن زيدون بيروت 1985م ص13 :14  .
10.                        - ينظر أغراض تعريف المسند إليه بالإشارة في المطول لسعد الدين التفتازاني ، وبهامشه حاشية السيد الشريف، ط.المكتبة الأزهرية للتراث، ص78: 79.
11.                        - كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا البخاري ، للعلامة الشيخ محمد الخضر الشنقيطي ، ط. مؤسسة الرسالة، طبعة أولى 1415هـ 1995م، جـ13 ، صـ 368.
12.                        - د، صباح عبيد دراز ، الأساليب الإنشائية وأسرارها البلاغية في القرآن الكريم ، طبعة أولى 1406هـ 1986م ، ط.مطبعة الأمانة، صـ14..
13.                        - عمدة القارئ ، جـ  6 ، صـ 483.
14.                        - ينظر تعريف الإيغال في الصناعتين  لأبي هلال ، تحقيق: د.مفيد قميحة ، بيروت لبنان: ط.دار الكتب العلمية ، طبعة ثانية ، 1409هـ 1989م.ص432.
15.                        - ينظر كوثر المعاني الدراري ج13 ، 370.
16.                        - سيبويه ، الكتاب جـ4 ، صـ317 ، تحقيق.محمد عبد السلام هارون ، ط.الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1977م.
17.                        - "الواو على قسمين أصلية وزائدة والزائدة على ثلاثة أضرب زائدة في بناء الكلمة تلزم حروفها غالبا  وزائدة بمعنى مقصود تزول الواو عن حروف الكلمة الأصول بزوال ذلك المعنى وزائدة في أول الكلمة لا تعد من حروفها كواو العطف وواو الحال ونحوهما مما سيأتي بيانه " الفصول المفيدة في الواو المزيدة ، لصلاح الدين أبو سعيد بن كيلكدى بن عبد الله العلائي الدمشقي الشافعي ت 761هـ ، صـ37 ، ط.دار البشري ، عمان ، طبعة أولى ، 1990م ، تحقيق.حسن موسى الشاعي.
18.                        - جرجاني، عبد القاهر، دلائل الإعجاز في علم المعاني، مصر: طبعة شركة الطباعة الفنية المتحدة ، ط1381هـ 1961م، صـ 245.
19.                        - ينظر الفصول المفيدة في الواو المزيدة لصلاح الدين، أبو سعيد بن كيلكدي بن عبد الله العلائي الدمشقي الشافعي (ت 761هـ) ، تحقيق:حسن موسى الشاعي، ط.دار البشري، عمان ، طبعة أولى ، 1990م  ، صـ73.
20.                        - ينظر  مختصر سعد الدين ومواهب الفتاح وعروس الأفراح، ضمن شروح التلخيص ، شرح تلخيص مفتاح العلوم ، العصام ،تحقيق.عبد الحميد هنداوي ، ط.دار الكتب العلمية بيروت لبنان، د.ت. جـ2 ، صـ191: 193.
21.                        - ينظر البلاغة في القراءات الشاذة عند ابن جني ، د.عبد المنعم سيد عبد السلام الأشقر ، صـ102 ، طبعة أولى ، 1410هـ 1990م ، ط.مطبعة الأمانة.
22.                        - ينظر عروس الأفراح ضمن شروح التلخيص ، جـ4 ، صـ111.
23.                        - ينظر  علم البيان في الدراسات البلاغية ، د.على البدري ، صـ192، 193.
24.                        - ينظر أبو موسى، محمد محمد ، التصوير البياني ، طبعة رابعة ، 1418هـ 1997م ، ط.مكتبة وهبة ، صـ239.
25.                        - عمدة القارئ ، جـ 6 ، صـ 480.





[1] * الأستاذ المشارك بقسم علوم القرآن والدراسات الإسلامية،الجامعة الإسلامية العالمية شيتاغونغ بنغلاديش.

مواضيع ذات صلة
أدبيات,

إرسال تعليق

0 تعليقات