ادعمنا بالإعجاب

مخاطر العولمة على الهوية الثقافية للعالم


سماحة الشيخ السيد عمر علي شهاب (رئيس شؤون الأوقاف بولاية كيرالا)
بسم الله الرحمان الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

                        التمهيد
إن الإسلام قد تواجه من ظهوره تحديات عنيفة وأزمات قد عتمت القرون أن تلد مثلها، ولكن من حيث إنه دين الله القويم أنه أظهره على الدين كله، رغم الظلم والظلام خرج من ساتر الأزمات والتحديات سالما آمنا، وأهمها ثلاث نكبات أفشت مضاجع المسلمين وما زالت جراحا لا تندمل على كر الأزمان ومر الدهور، أحدها نكبة الستار وثانيها سقوط الأندلس الحبيبة وثاثها استيلاء الغرب على أفكار العالم الإسلامي حتى صارت كلمة الغرب هي الكلمة الأولى والأخرى، وصار المسلم كأنه شاة حلوب في يديه، وهذه أدق خطورة مما قبلها، وقد وصفها الداعي الإسلامي الرحيل السيد أبوالحسن علي الحسن الندوي بقوله: فكان تحدي هذه الحضارة (أي الحضارة العربية) المادية الآلية للعالم الإسلامي أعظم من تحديها لأي أمة ولأي حضارة  ولأي مجتمع بطبيعة الحال، والعولمة التي نحن بصدد البحث عن مخاطرها من أهم وسائل التغريب والغزو الثقافي ـ فلا بد من التنبه لهذه الحقيقة لا سيما وقد نشأ هناك كثير من المثقفين يدعون الناس إلى تقليد دعاتها.
التعريف
أولا وبالذات لا بد من صياغة تعريف جامع ومانع للعولمة حتى تكون خطرها واضحا بالنظرة الأولى, يعرفها البعض بأنها ترجمة لكلمة GLOBALISATION, وهي مشتقة من كلمة GLOBE أي الكرة الأرضية, وهو مصطلح لاتيني يدل على مشروع لمركزة العالم في حضارة واحدة, ويري تعريف آخر أن العولمة في الحقيقة نظام عالمي جديد, له أدوات وعناصر وأساليب خاصة به ومختلفة عن سائر الأدوات والعناصر الأخرى، ولكن التعريف الذي استحسنه بل يستحسنه كل من يتفطن لما يقع فى العالم الجديد: "أن العولمة نوع جديد من الاستعمار متخذا شعارات براقة وتكنولوجيا تفوق العقل, ولكنه استعمار يريد اعتصاب المكان والزمان والتاريخ والهوية والمصير.
مجالات العولمة ومشروعاتها
للعولمة مشروعات متنوعة فى عدة مراحل الحياة البشرية أهمها المجال الاقتصادي ثم الثقافي والسياسي والتقني, والذي نحن بصدد البحث عنه هو المجال الثقافي, وهو الذي لا يلتفت اليه الباحثون والمفكرون اكثر مما يلتفتون الى الإقتصادي أو السياسي وغيرهما, مع أنه أخطر وأدق وأصعب على الإطلاق, فإن الثقافة مجموعة من قيم وموروثات وعادات وتقاليد وأرض وتاريخ وجغرافية, ومن هذه الأشياء تتكون حضارة الأمة وهويتها وخصوصيتها.
 وهناك بعض الناس يظنون أن العولمة الثقافية إنما هي تبادل حضاري وحوار بين الكتل البشرية المختلفة ولكن يتضح لنا بعد النظر العميق في هذه الظاهرة الجديدة وبعد مطالعة أحوال العالم الجديد لا سيما العالم الإسلامى أنها ليست بتبادل فقط ولكنها هيمنة ثقافة على أخرى وبتعبير أصدق هيمنة الثقافة التى تملك التقنيات الحديثة على الثقافة المتخلفة فى تلك المجالات.
مخاطرها على الهوية الثقافية للعالم الإسلامي
قبل الخوض فى البحث عن مخاطر العولمة لا بد من إشارة الى الهوية الإسلامية, ما الذي يراد بها وما خصائصها الى غير ذلك من التفصيلات, فمن الواضح أن الإسلام صالح لكل زمان وكل مكان, فلا حياة للمسلم بغير إسلام, حركاته وسكناته وتبادلاته ومعاملاته كلها لا بد أن تكون وفق شريعة الإسلامية وإليه الإشارة في قوله سبحانه وتعالى: "ولا تموتن الا وأنتم مسلمون".
وهكذا جميع الأنبياء الذين أرسلهم الله تعالى ما علمو الناس الا الدين الإسلامي, وهو أن تؤمن بذات الله سبحانه وتعالى وصفاته واليوم الآخر على الوجه الذي هدى إليه هؤلاء الأنبياء وأن تؤمن بكتب الله وتصدق بها, ولا تتبع الا ذلك الطريق المستقيم الذي قد اوضحته هذه الكتب, وأن تتبع رسل الله الصادقين ولا تتبع غيرهم, وأن توحد الله ولا تشرك بعبادته احدا.
            فأهم خصائص الإسلام أو هويتها- بتعبير أصدق – هو العمران الروحي قبل عمران المادي, إذا عمرنا قلوبنا صلحت الدنيا كلها لنا وإذا افسدنا قلوبنا كان الخراب والدمار والشقاء حليفنا, فعلينا عمارة القلب بأنواع الفضائل واشرف العواطف والكشف عما فيه من ينابيع الحكمة والرحمة والمواساة والإيثار ونحو ذلك بما تصلح به الحياة النفسية والإجتماعية. وهل فى العولمة أهمية ما لجانب الروح؟ كلا, بل إنما تهدف تحرير التجارة الخارجية والتجارات الإقليمية وتحويلها الى تجارة عالمية وجعل العالم كله سوقا واحدة, الربح فيها للأقوي, فهوية العولمة هي عمران المادة, وهوية الإسلامي هي عمران الروح, فبينهما بعد المشرقين.
فلا بد من أن تكون أعمال المسلم كلها مما يذكي قوته الروحية, ولا بد أن تكون مجالاته تعليميا واقتصاديا وسياسيا وما إليها مما تستهدف السعادة الأخروية وما متاع الدنيا فى الآخرة الا قليل، والتجارة ليست لذاتها أهمية ولكن إذا كانت موجهة الى الله صارت عبادة حيث اشار إليه الحديث النبوي المشهور: إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرؤ ما نوى, فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله إلى آخر الحديث.وفي هذه العجالة نبحث عن المخاطير الوخيمة للعولمة على المجالات التالية.
التعليم (اللغة والدين )    الإعلام        السينما والمسرح      ثورة المعلومات والاتصالات     استنـزاف العقول.
التعليم
وأنا كعضو من أعضاء الإسلام أرى أن المجال التعليمي هو أكثر نفوذا لأخبطوط العولمة، فإن العلم في المنظور الإسلامي هو أهم وسيلة لإبعاد جنود الشياطين وتخويفهم، ولكن العلم في عصر العولمة قد صارت مهبطا للشياطين وسائر الأعمال السيئة والرذائل البشرية يتندى لها الجبين.
أكثر الجامعات قد تحولت إلى مراكز الأخلاق السيئة والرذائل والشذوذ الجنسي والفواحش، لا احتشام ولا مروءة بين الرجال والنساء، الحرية الكاملة والانحلال الجنسي الكامل، هذا هو أهم مظاهر الميدان التعليمي حاليا، التعليم لا يقصد به العمران الروحي بل إنما هو وسيلة لنيل وظائف عالية، فالعلم المادي قد غلب على العلم الديني، هذه حقيقة لا تحتاج إلى الأدلة، فإننا نرى طلا ب الجامعات والمدارس يقلدون الثقافة الغربية وينظرون إليها بعين العزة والفخر والاعتبار ويرمون بالثقافة الإسلامية وينظرون إليها بعين الذلة والاحتقار، اللغة لغة الغرب والدين دينه والتاريخ تاريخه الذي شوهه وفق انطباعاته  ومكنوناته القلبية.
ذهاب هوية اللغة
 أما إذا سامحنا دخول العولمة ثم سيطرتها على العالم الإسلامي، فطبعا تذهب هوية اللغة العربية وتحل الإنجليزية محلها ويحدث لللغة العربية ما حدث لللغة التركية أيام مصطفى كمال أتاتورك، ومع ذلك تشوه الصورة العربية عبر الإنترنت والآلات الحديثة المتطورة، ومن الجدير بالذكر أن هناك جمعيات للدفاع عن لغتنا وفصاحتها وبلاغتها مثل مجامع اللغة العربية المشهورة وجمعية حماية اللغة العربية بالإمارات العربية المتحدة، ومن الملاحظ أن الأولا د الصغار الذين يذهبون إلى روضة الأطفال الإنجليزية ينطقون بألفاظ اللغة العربية مثل نطق الألفاظ الإنجليزية حتى لا يستطيعون النطق بالآيات القرآنية كما أداها إلينا رسول الله ÷.
الدين ينظر إلى الروح والعولمة إلى المادة
 ولا شك أن الدين ليس له اعتبار ما في عصر العولمة، فإن الدين ينظر إلى الروح بينما العولمة إلى المادة، فالمسلم في التعليم الغربي يبقى اسمه وتذهب صورته، فلباسه غربي واتجاهه غربي وفكرته غربية، وهو يعتز بها ويفتخر بها ولكن اسمه مسلم، ومن الجانب الملا حظ أن العولمة تفصل بين الدين والحضارة، يقول ضياء الدين  كوك ألب الذي غرب تركيا وخربها في كتابه turkish nationalism&western civilization. إن شعوبا تدين بديانات مختلفة يمكن أن تدين بحضارة واحدة، إن اليابانيين واليهود يشاركون الأوروبيون في حضارة واحدة. وبعبارة أخرى تقول العولمة أن الدين والحضارة شيئان مختلفان، لذلك من المغالطة أن تسمى حضارة إسلامية كما لا يصح أن تسمى حضارة مسيحية، الدين محدود في العقيدة والطقوس التي لا صلة للفنون والعلوم بها، يقول ضياء كوك ألب:"ليست هناك مؤسسة مشتركة بين الأحزاب والجماعات التي ترتبط بالأديان المختلفة، فما كان الواقع أن الدين اسم لمجموع من المؤسسات المقدسة، والعقائد والتقاليد فحسب، فالمؤسسات التي لا تحمل قدسا وتمجيدا دينيا كالأفكار العلمية التطبيقية والأدوات الصناعية ومثل الجمال تؤلف نظاما مستقلا خارجا عن نطاق الدين.
التقنية المدهشة والانفجار المعلوماتي
نحن نعيش في عصر التقنية المدهشة والإنفجار المعلوماتي, وهذه كلها وليد فكرة مركزة العالم في حضارة واحدة, فالرجل الذي في غرفة بيت صغير من مصر يخاطب الرجل او المرأة التي في غرفة مظلمة من الهند, كأن العالم قد تقلص الى زر صغير, فالإعلام إنما يعني به في الإسلام أو في الحضارة الإنسانية إلقاء الخبر الى كل جاهل به, ولكن ماذا يقع في العالم الحديث؟ الإعلام قد تحول الى التنـزه وإلى كل ما حرمه الله عز وجل ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم, الإنترنت والحاسب الآلي من أهم انجازات عصر العولمة ولكنهما منبران حران بدون رقيب وبدون قيود.
ينشر عبر شبكته أفلام وإعلانات تثير الشهوات وتروج الفحش والرذائل مما تنادى بإباحة العلاقات الجنسية خارج إطار الأسرة وتقليل قيمة الزواج وكذلك الحرية الجنسية والشذود الجنسي.
وقد بلغ هذ النوع من الإعلانات والأفلام من الكثرة لدرجة أن هناك أكثر من مليون موقع على الإنترنت تتعاول مع الصور المخلة بالآداب, تعرض العمليات الجنسية وتشرح طرق استعمال المخدرات ووسائل العنف. وهذا يمثل خطرا جسيما على عقول الأجيال القادمة من الأطفال والشباب على حد سواء, الذين أصبحوا مستهدفين من قبل أعداء الإسلام ومروجي العولمة.
            وقد أفادت دراسة نشرت في لوس أنجلوس, كالفورنيا أن مشاهدة التلفزيون الذي هو من اهم وسائل الإعلام لا ترفه عن المشاهدين بل هي على العكس لها تأثير سلبي على معنوياتهم, وأكد عالمان نفسيان هما روبرت كوبي من جامعة روتجز وميهالي شيكتر نتيهالي من جامعة شيكاغو أن بقدر ما يمضي المشاهدون وقتا أمام أجهزة التلفزيون يشعرون بالحزن والوحدة ويزداد ضجرهم.       لم ينته


مواضيع ذات صلة
أدبيات, الأشعار, الكتب, دراسات, مقالات, نداء الهند،،نداء الهند,

إرسال تعليق

0 تعليقات