ادعمنا بالإعجاب

غورو نانك وتأسيس الديانة السيخية

ثقافة الھند المجلد ٦٥ ، العدد ٣، ٢٠١٤ م
بقلم: محمد هشام بوتكدان (باحث بمرحلة الدكتوراه في قسم الفلسفة الإسلامية، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة)

المقدمة
إن الهند من الأمم ذات التاريخ العريق الموغل في القدم، فقامت على أرضها كثير من الحضارات والمعتقدات والأفكار، منها ما انتشر في بلدان العالم الأخرى، فتأثرت به حتى بعض الأديان السماوية مثل اليهودية والمسيحية فانتقلت منها عقيدة البنوة والتثليث إليهما وغير ذلك من المعتقدات الأخرى، كماتأثرت بها بعض الفرق المنشقة عن الإسلام فأخذوا بعض أباطيل القوم كوحدة الوجود وتناسخ الأرواح ونسبوها إلى الإسلام ظلما وزور.
إن رجال الديانة الهندوسية أخذوا بعض محاسن الإسلام وزعموا أن كتبهم تأمر بها، ولا سيما في ميدان الأخلاق والقيم وبعض التشريعات التي تتفق مع الفطرة الصحيحة. وكانت الديانة السيخية نتيجةً طبيعيةً لهذا التبادل الثقافي بين الأفكار، فقد نشأت وانتشرت في الهند وجمعت عناصرها من الثقافة الهندوسية ومن الدين الإسلامي. وقد أسس هذه الديانة شخصية بارزة  للتصوف الهندي في الأيام الأخيرة للقرون الوسطى "غورو نانك   GuruNanak 
ونظرا لهذه الأهمية من تبادل الأفكار والمعتقدات بين السيخية وبين كل من الإسلام والهندوسية، حاولت البحث عن هذه الشخصية التي كانت همزة الوصل بين الأفكار الإسلامية والثقافة الهندوسية. وقد اشتملت هذه الدراسة على مقدمة وثلاثة مباحث– الأول في حياة غورو نانك والثاني في تطور الديانة السيخية والأخير في تحليل أفكار غورو نانك– وخاتمة تحتوي على أهم نتائج البحث والمصادر والمراجع. ومن المعلوم أن الأديان مهما اختلفت نرى نقاط التشابه والالتقاء بينها قد تقل وقد تكثر – يمكن أن تشكل أساسا راسخًا لقيام تعاون مشترك بين أتباع هذه الأديان. والإسلام يبين لنا أن واجب أهل الأديان ليس التنافس على المطامع الدنيوية، وإنما التسابق في فعل الخير للناس. وهذا ما يعبر عنه القرآن الكريم بقوله:﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ[1]
وبدلًا من أن يتنازع أتباع الأديان فيما بينهم حول بعض المعتقدات فإن عليهم أن يسعوا في الحوار فيما بينهم على التأكيد على جوانب الاتفاق وأن يكونوا على وعي بذلك أيضا. فهذه الجوانب المشتركة تمثل منطلقًا للتعاون البنّاء بين الإسلام وبين الأديان الهندية، وهذا ما ننشده من خلال هذه الرحلة المتواضعة، والله الموفق والمعين.
المبحث الأول:
حياة غورو نانك (١٤٦٩– ١٥٣٩ م)
ولد غورو نانك في بيت أبيه في قرية تالواندي راي بوي[2]  (Talwandi Rai Bhoi)  التي عرفت فيما بعد ب"نانكانه صاحب (Nankana Sahib) على بعد ٤٠ميلًا من الجنوب الغربي لمدينة لاهور. وتقول بعض  الروايات أنه ولد في بيت جده من الأم في قرية كهنا كاتشا (KahnaKatcha)  أو جاهال  (Chahal) ويؤيد هذا أن تسميته بنانك إشارة إلى أنه ولد في بيت جده لأن الجد من الأم يسمى "نانا" [3](Nana)    كما أن أخته سميت ب"ناناكي(Nanaki) "   على أن نصوص جانم ساكهي [4](Janamsaakhi)  تنكره وتقول ،إنه ولد في تالواندي. واختلفت الروايات من المصادر السيخية في تاريخ ميلاد[5] غورو نانك، غير أن معظمها تتفق على أنه ولد ١٥ إبريل سنة ١٤٦٩ م.
نشأته
كانت نشأته هندوسية تقليدية[6]  لأن أبويه كانا هندوسيين من طبقة كشتريا (Kshatriya) [7]وكان أبوه "ميهتا كاليان داس بيدي Mehta Kalian Das Bedi  محاسبا في قرية تالوندي       
إن المعلومات المتعلقة بنشأته وطفولته غير قابلة التصحيح التاريخي، فقد قيل إنه ضحك عقب ولادته وإن كاهن القرية جاء وبدأ يقدسه ويعظمه، كما أنه في الخامسة من عمره بدأ يتكلم عن الأمور الإلهية وأن المسلمين والهندوس من قريته أثنوا عليه ورفعوا من شأنه. وكانت أيام دراسته الرسمية [8]قليلة وعندما بلغ السابعة أخذه أبوه إلى المدرسة، وبعد أيام قليلة قال لمعلمه في المدرسة إنه يفضل دراسة العلوم الإلهية من العلوم المادية[9].  غير أن أباه حوله مرة ثانية لدراسة اللغة الفارسية التي كانت لغة رسمية آنذاك، ولكن نانك لم يعد يدرسها إلا قليلًا.
ولما بلغ نانك التاسعة من عمره قررت عائلته أن يلبس الزنار، وهو طقس هندوسي شبيه بالمعمودية عند المسيحيين، فرفض نانك ذلك قائلًا: أرفض لبس الزنار مفتول الخيوط، بل ألبس زنار القناعة المفتول من خيوط التقوى والبر والإنسانية [10]
زواجه وتوظيفه
ولما بلغ السادسة عشرة قررت أسرته أن يزوجه من فتاة تسمى سلكاني(Sulkhani)  تنتمي لنفس القرية، فتزوج بها في أول أبريل سنة ١٤٨٥ م.
وقد أنجبت له ولدين، سري جاند (Sri Chand) ولكشمي داس (Laksmidas)[11]
وكان نانك يساعد والده في رعاية أمور الزراعة ورعاية الأراضي لكنه كان شارد الذهن دائم التفكير والتأمل معتزلًا عن الناس، فرغب والده في توجيهه للأعمال التجارية لعل ذلك يصرفه عن انطوائه وعزلته، فأعطاه المجاورة لعقد  بعض النقود وأرسله إلى قرية تشورهركانا (Chuharkana) المجاورة لعقد   بعض الصفقات التجارية، فذهب نانك إلى القرية. وحينما وصل إلى تلك القرية هاله ما رأى فيها من المعدومين والجياع فرقَّ حالُه وأنعم عليهم بالنقود التي حملها معه للتجارة ورجع فورا إلى قريته وأسرته وأخبر والده بما آل إليه أمر النقود بأنه عقد صفقات صادقة مع الله تعالى وسوف تعود عليهما بالثواب الجزيل [12]
   فسخط عليه والده لذلك، وبعد مدة بعثه إلى زوج أخته جي رام Jee Ram الذي كان قاطنًا في سلطانبور   (Sultanpur) وكان له صيت طيب  لدى حاكم البلدة فتوسط جي رام لصهره نانك فعينه الحاكم أمينًا لمخزن الغلال[13] ، وكان يقوم بوظيفته على أحسن وجه في النهار، وقضى لياليه في الذكر والثناء على الله. وكان ينفق بجزء قليل من راتبه على نفقته الخاصة ويتصدق بالباقي على الفقراء والمساكين. وعرف نانك خلال عمله بتوزيعه الكثير من الغلال مجانًا للفقراء فشاع ذكره في أوساط البلدة واتصل خبره بحاكم البلدة فأمر بتفتيش المخازن التي يشرف عليها نانك، لكنه لم يجد ما يدينه به.
انخراطه في الحياة الروحية
وقد صحب نانك خلال تلك الفترة عدد كبير من الأصدقاء المسلمين وتعرف عن طريقهم على الدين الإسلامي، ومن أهم أصدقائه في تلك الفترة المسمى مردانا (Mardana)[14] الذي كان صوفيا وموسيقيا بارعا أيضا، ويرد  اسم مردانا في كثير من القصص التي يرويها السيخ عن نانك. ويحكي جانم ساكي حياتهم في سلطانبور: "وكانوا يستغرقون في الذكر والأناشيد في الليالي ويطعمون كل من جاؤوا إليهم. وكان نانك يذهب قبل الفجر إلى النهر للاستحمام، وبعد طلوع الشمس يذهبون لعملهم الرسمي"[15]
وخلال استحمامه في النهر وقت الفجر كانت له تجربته الروحي الأولى. وفي يوم من الأيام غاب نانك بعد استحمامه اليومي عن أعين الناس في إحدى الغابات القريبة. ونُقل إلى الحضرة الإلهية وسقاه اللهُ كوبا من نكتار(Amrit)  وفوضه مسؤولية الدعوة إلى الحق، فقال: "يا نانك، أنا معك، يذكر اسمي بك، وسوف أنقذ من تبعك، اذهب إلى الناس وعلمهم كيفيةالعبادة، ولا تغتر بالعالم الذي حولك، واجعل حياتك بالذكر( (Nam والصدقة (Dan) والطهارة (Isnan)  والخدمة   (Seva) والصلاة ) .(Simaran يا نانك، أعطيك عهدي أن هذا مهمتك في الحياة "[16]
 وتذكر بعض الروايات: "...... وفي ذلك الوقت شعر نانك بدافع روحي قوي في نفسه لإعلان الحق الذي أوحي إليه والدعوة إليه[17]". تلفظ نانك ببعض الأذكار ورجع إلى سلطانبور بعد ثلاثة أيام حيث رحبه أهاليها وفرحوا بقدومه لأنهم كانوا يظنون أنه غرق في النهر ومات.
وقد انتقد بعض المؤرخين قصة نانك في الحضرة الإلهية غير أن التراث الهندي الروحي لا ينكر اجتماع الروح الزكية بالحضرة الإلهية في منتهى صفائها وجلائها. وأن ما حدث لنانك لو جرد من التفاصيل المبالغة لا يبقى أمرا عجيبا، لأن الروح الصافية المتعمقة في الذكر الإلهي التقت مع الجانب الإلهي في عالم خارج عن القوانين البشرية المادية. وعلى كل حال، كانت هذه الحادثة نقطة بداية جديدة بصفة عامة في تاريخ السيخية وبصفة خاصة في حياة نانك.
وبعد هذه الحادثة ترك نانك كل ما كان لديه إلا الثياب الذي كان يلبسه، ولازم السكوت حتى أبى أن يتكلم مع دولة خان لودي[18]  نفسه. وقضى أوقاته مع الفقراء، وكان صديقه مردانا فقط يصاحبه فيها. وبعد صمت طال يوما تلفظ ولكن بكلمة واحدة رددها مرارا كلما يفتح فاه: " لا هندوس ولا مسلمين".
وكلامه هذا أغضب قاضي البلدة واشتكى إلى دولة خان لودي عن نانك، وطلب دولة خان من نانك أن يبين موقفه. فأجابه نانك ببعض الأبيات، وكان يريد أن يشرح ما يريد بالمسلم الحقيقي، فقال: المسلم هو الصادق المخلص في نفسه، ويحمل الخير والرضى لغيره، ولا يمس ولا يأكل الحرام، وهذا المسلم سوف يدخل الجنة". وقد اقتنع الجميع ببيان نانك.
ولعل هذا وقع في سنة ١٤٩٩ م حينما كان نانك في الثلاثين من عمره، وهذه هي نهاية المرحلة الأولى من حياة نانك التي كانت مرحلة البحث عن الحقيقة. والآن في نهاية بحثه وصل إلى الحقيقة وصار مستعدا لإعلانها أمام الناس ودعوتهم إليها [19]
المبحث الثاني:
تطورالسيخية في أيام نانك
ويظهر جليا في بعض الروايات أن نانك ترك عمله في سلطانبور، وتحمل مسؤوليته بصفة المعلم الروحي ليرشد الناس إلى الحق والخير. ولكي يؤدي هذه المهمة طفق يجوب القرى والمدن الهندية واحدةً بعد الأخرى ثم إلى البلدان المجاورة في آسيا الغربية بصحبة رفيقه مردانا. وكان يزور أماكن الاحتفالات المقدسة والطقوس الدينية، ويرى أن الناس يؤدون هذه العبادات من غير أن يعرفوا معناها ومغزاها، وكانت عباداتهم وطقوسهم قد جردت عن المحبة والإخلاص والصدق والصفاء القلبي. وكان يلبس لباسا غريبا لا يلفت الأنظار في التجمعات الشعبية.
الرحلة الأولى
وقد بدأ رحلته الأولى حوالي ١٥٠٠ م واستغرقت ١٢ سنة رجع في نهايته إلى قريته تالوندي. وقد اتجه من سلطانبور في جهة الغرب إلى الغابات المجاورة. وعندما وصل في سيدبور (Sayyidpur) [20]أقام هناك  واسغرق في ذكر الله والاعتكاف (Tapasya) لمدة أيام قليلة[21]. ثم دخل مع صديقه مردانا إلى المدينة والتجأ إلى بيت نجارٍ يسمى لالو (Lalo) وسر ،  نانك بإكرامه وضيافته رغم أن المضيف من الطبقة السفلى حسب نظام الطبقات الهندوسي.
ورد دعوة إلى مأدبة كبيرة أقامها مالك باكو (Malik Bhago) الموظف الحكومي، ولم يجبها، فأحضره مالك باكو في حضرته، فأخذ نانك في يده اليمنى الخبز الغليظ الذي وجده في بيت لالو وفي يده اليسرى الثريد اللذيذ الذي وجده في بيت مالك باكو وعصرهما معا، فسال من خبز اليمنى اللبن ومن اليسرى الدم. فعلم نانك من خلال ذلك الفرق بين هذين الطعامين  لأن الأولى من الكسب الحلال والثاني من الفساد والباطل [22]
وفي الأيام التي أقام في سيدبور، حبس والي المدينة جميع العلماء والنساك المسلمين بما فيهم نانك في السجن، وأمر الجميع أن يعالجوا ابنه المريض. وعندئذ ألف غورو نانك قصيدة تكهن فيها بسقوط سلطانبور على يد الإمبراطور المغولي بابر.
بعدما أخرج من سجن سلطانبور واصل هو وصديقه مسيرتهما من دون أن يدخلا القرى أو شواطئ الأنهار، وهذا السفر أدى بهم إلى بيت شيخ سجان الذي أعد للضيوف المسافرين المسلمين مسجدا والهندوس معبدا، ولكنه بعدما نام الضيوف يلقيهم إلى بئر قريبة وينهب كل ما كان لديهم من الأموال. وعندما دخل غورو نانك إلى بيته واطلع على غدره في حق ضيوفه اعترف أمامه جميع ذنوبه وصار من مريديه وتلامذته [23]
ثم ذهب نانك إلى كورو كشيترا (Kurukshetra) ووصل هناك في  يوم خسوف الشمس حيث يفد إليها الهندوس ليقدموا قرابينهم، فدعاهم إلى والتقى دعوته فأجابه الكثير من الهندوس[24]. واتجه إلى بانيبت ) (Panippattوالتقى فيها بالشيخ شرف[25] ، فسأله الشيخ بعض الأسئلة وأجابه نانك وصار معجبا بجوابه وصفائه القلبي فعانقه وقبل رجله [26].
ثم ذهب إلى دلهي (Delhi) وزار هرِيدوار   (Haridwar) نانك متا (  (Nanakmata  بنارس (Banaras) باتنا (Patna) أيودهيا (Ayodhya) كيا (Gaya) كَوْرُو (Cauru) دكَّا (Dacca)  بُرِي (Puri) بلاسبور (Bilaspur) باك بتان (Pak Pattan) دِبَلْبور  (Dipalpur) كَنَكَنْبُور (Kanganpur) كاسور (Kasur) بَتي  (Patti) كوئندوال  (Goindwal) جلالاباد (Jalalabad) كاري بتندي .(Kari Patandi) ثم اتجه إلى الشمال ووصل مرة ثانية في سيدبور حيث شهد هناك لسقوط المدينة على يد بابر[27]. وهذا كان نهاية المرحلة الأولى من سفره.
الرحلة الثانية
وكانت رحلته الثانية في سنة ١٥١٠ م إلى الجنوب حيث زار تامل نادو(Tamilnadu)  ومليبار (Malabar) وسيلان (Srilanka) وكونكن (Konkan) وممباي(Mumbai)  وراجستان .(Rajastan)  وكان يرافقه في هذه الرحلة اثنان من قبيلة جات  (Jatts) ( سَيْدو (Saido) وكيهو (Gheho) وفي هذه الرحلة التقى نانك بخواجه خضر كما حاور مع  راهب جيني. وفي جنام ساكهي بيانات عن زيارته أماكن كثيرةً في جنوب الهند غير أن أكثرها لا توافق مع الوثائق التاريخية.
ومن أهم الأماكن التي زارها في الجنوب سيلان المعروفة الآن بسريلنكا  ((Srilanka  فقبلما يأتي نانك ذهب واحد من أتباعه التجار إلى  سيلان وجعل مقره هناك وترجم بعض أشعاره إلى ملك سيلان، وتقول ولكن الوثائق الوثائق السيخية إن اسم هذا الملك هو شيو ناب (Shivnab)   ولكن الوثائق التاريخية تنفيها وتؤكد أن اسم الملك آنذاك كاندرمابراكرماباو(Darmaparakramabhavu)   الذي تولى العرش سنة ١٤٩٣ م[28]. ومن سيلان رجع نانك إلى بنجاب، وفي طريق عودته ترك الآثار الدينية والتجمعات السيخية في بعض الأماكن من السواحل الغربية.
الرحلة الثالثة
وكانت رحلته الثالثة إلى الشمال، وكان يصاحبه فيها حداد اسمه حسو (Hassu)  ونساج اسمه سيحان ،(Sihan)وقد بدأ سفره هذا سنة ١٥١٥  وانتهى في سنة ١٥١٧ م. وكانت إقامته الأولى في بتالا[29](Battala) حيث  ناظر مع بعض النساك وألَّف بعض أبياته، ثم اتجه إلى سري نجر (Srinagar) في كشمير ومكث هناك أياما وأقدم كثير من الناس إلى  دعوته. ثم غادر سري نجر وتوجه إلى جبال همالايا. والوثائق التاريخية تقول إنه زار لداك (Ladakh) وتبت (Tibet) وجبال كيلاسا ( Kailasa Mount) وبركة ماناسا Lake Manasa ثم رجع إلى بلده بنجاب، وأقام هناك إقامة وجيزة حيث جهز نفسه للسفر الأخير في الناحية الغربية لزيارة الدول العربية والشيوخ المسلمين الصوفية القاطنين لهذه البلاد [30]
الرحلة الرابعة
ثم اتجه في سنة ١٥١٨ م إلى الشمال الغربي حتى وصل إلى حسن العبدالي (HasanAbdal)  وقندهار.(Kandahar)  وكان يصاحبه فيها مردانا وباي بالا، وزيارته إلى البلدان العربية موضوع اختلفت فيه الآراء منذ قرن، فبعض تلامذته وكتاب سيرته يلقون الضوء على زيارته وأعماله في مكة المكرمة وبغداد كما يقول البعض بأنه زار المدينة النبوية أيضا [31] ولم يتعرض بورتان جانم ساكي (Puratan Janam Sakhi) ومهربان جانم ساكي (Miharban Janam Sakhi)  لزيارته المدينة، ولكنهما اتفقا على زيارته مكة المكرمة. وقد عثر على بعض الوثائق التاريخية أثناء الحرب العالمية الأولى تقول بزيارته بغداد وحضوره هناك في سنةهـ ( ٩٢٧ – ١٥٢١م) وبعض الوثائق الأخرى تقول زيارته سنة ٩١٢ – هـ [32]
للطريق التي اتخذها  لم يتعرض تلميذه باي غورداس(BhaiGurdas) نانك في رحلته إلى مكة، ويظن أنه ركب سفينة لبعض التجار العرب تتجه إلى الأرض المباركة. إنه لبس ثياب الصوفية وأخذ عكازةً في يده، وكتابا في إبطه، وسجادةً للصلاة فيها وجرةً من الماء. ولما وصل في مكة استقبله أهلها من العلماء والعباد والتفّوا حوله بالأسئلة والاستفسارات، فسأله بعضهم: من الأفضل؟ المسلمون أو الهندوس؟، فأجاب قائلا: "لم يجد المسلمون والهندوس ملجأ عند الله بدون الأعمال الصالحة". ويبدو من دراسة بعض الكتب السيخية أنه وصل هناك في أيام الحج لأنه لبس لبس  الإحرام وزار بيت الله حتى شبع [33]
ومن أعجب الحوادث التي حدثت معه في الحرم المكي والتي ذكرها كل من كتب عن أسفار نانك من السيخ وغيرهم أنه لما وصل إلى الحرم المكي نام نانك من أجل التعب الذي أصابه مادا رجليه إلى الكعبة المشرفة فجاء أحد أصحاب النظافة وغضب عليه قائلًا: ارتكب َ ت سوء الأدب ومدد َ ت رجليك إلى الكعبة. فقال نانك: فقراء ومساكين! نحن حديثو العهد بنزول البلد وأصابتنا مشقة السفر الطويل، فحول رجله إلى الناحية التي ليست فيها الكعبة، ويذكر مؤرخو نانك أن اسمه كان ركن الدين[34] ، فسأله هل أنت مسلم أم هندوسي. فأجابه نانك بأن الله تعالى خلق الهندوسي والمسلم من العناصر الأربعة، ولا فرق في صنعهما، وخالقهما واحد وكلاهما يساويان، ولا فرق بينهما، فتركوه ظانين أنه من عباد الله الصالحين من ظاهر كلامه [35]
ثم توجه نانك من مكة إلى بغداد، وقيل إنه قبلما يذهب إلى بغداد توجه إلى المدينة المنورة، مع الحجاج الآخرين والتقى بعلمائها[36]. وذلك لأنه لا يوجد مبرر أو مقتضى لكي يخص نانك بإحدى الحرمين بالزيارة والإقامة فيه ويترك الآخر. وفي بغداد كان يسكن خارج المدينة وينادي بالأذان الإسلامي. ومكث أياما عند ضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني [37] والتقى برجال التصوف الموجودين في ذلك الوقت. يقول المؤرخون السيخ إن الناس في بغداد طلب من نانك أن يظهر لهم بعض خوارق العادات(Miracles) لكي يتأكدوا من صحة رسالته وأجابهم ما طلب منهم [38]، ولكن هذه الأحداث لا نجد لها توثيقا من المؤرخين والمستشرقين، ولعل هذه من مبالغات أتباعه في نسبة المعجزات والكرامات إليه
. ثم ذهب إلى تركيا ومكث في إستنبول ثم سافر إلى مصر، ويقول بعض المصادر السيخية إن نانك مكث في القاهرة بضعة أيام كما أن هناك بعض الآثار والذكريات خارج القاهرة في شكل لوحة حجرية مكتوبة عليها اسم نانك وذكرياته[39]،  ولكن هذا لم يثبت تاريخيا حتى الآن. ولعله يراد من هذه الروايات تأكيد العلاقة بين نانك والبلدان العربية من دون تعريضها للوثائق التاريخية، غير أننا لم نعثر على شيء من هذا القبيل من المصريين وتاريخهم مع أنهم احتفظوا قديما وحديثا على ذكريات الملوك والصالحين الوافدين عليهم من البلدان الأخرى حتى ولو مرت عليها مئات بل آلاف السنين، أما نانك فلم يبلغ قِدمه أكثر من ٥٠٠ سنة.
الرجوع من السفر
ولما فرغ نانك من مهمته في البلدان العربية قرر العودة إلى بلده فسافر إلى خوارزم وكابول وجلال آباد (Jalalabad) حتى دخل في باكستان الحالية فزار بيشاور  .(Peshavar)ولما وصل إلى ملتان قدم له إحدى  رهبانها كأسا مملوءة باللبن، وكان يرمز بذلك إلى أن المدينة مملوءة بالقداسة الدينية وأنه لا مكان فيها لرسالة جديدة، ولكن نانك أخذ الكأس وألقى فيها زهرة ياسمين ولم يسل اللبن من الكأس ولم يخرج، رمزا إلى أن المدينة ما زال فيها مكان يسع رسالة نانك الجديدة[40]. ثم توجه نحو بنجاب، وكان أثناء سفره هذا يدعو الناس إلى أفكاره ويمنعهم من الشرك بالله تعالى.
ثم انتهى نانك من سفره الذي استغرق حوالي أربعين سنة، وكانت رحلته هذه فرصة لنشر دعوته ولمعرفة أحوال الناس في الدنيا وأحاسيسهم وعواطفهم، وكان يلبس الزي المختلط بين الهندوس والمسلمين. وكان يصاحبه في هذه الرحلات المسلمون والهندوس وأصحاب الطبقات السفلى. وحينما يزور الأماكن الهندوسية كان يناظر علماءها ورهبانها في المسائل الدينية، كما أنه التقى مع بعض الصوفية المسلمين، وقد تضمن كتاب السيخ المقدس كلامه مع هؤلاء رجال الدين.
وكان يترك وراءه في الأماكن التي زارها أتباعا منحدرين من  المسلمين والهندوس، ومراكز دينيةً ممتدة في الشرق من آسام (Assam)إلى العراق في الغرب، غير أن معظمها لم يكتب لها البقاء بعد أيام نانك لأنه كان يتكلم معهم في اللغة البنجابية، فاندرست هذه المراكز بمضي حياة  أصحابها المتكلمين باللغة البنجابية [41]
حياته في كرتاربور
وبعد عودته من سفره لزيارة البلدان العربية أقام مع أقاربه في تالوندي بلاد مولده لبضعة أيام، ثم أخذ أسرته وسافر إلى كرتاربور (Kartarpur) وعمر هذه البلدة التي على شاطئ النهر راوي (Ravi)وجعلها مقرا له حتى وفاته. وفي أثناء ذلك توفيت والدته في سنة ١٥٣٣ م وبعد عشرين يوم من وفاتها توفي أبوه أيضا[42]. وكان يزور في هذه المدة المدن والقرى القريبة ولكنه كان سفرا قصيرا يستغرق بضعة أيام فقط.
وقد اشتغل نانك في كرتاربور في الزراعة والفلاحة، وكان يحث أتباعه على الكسب الحلال والإنفاق على الأسرة. وكان نانك يقوم بأذكار الصباح والمساء مع المزامير، كما كان يقضي أوقاته الخالية في تبليغ دعوته ونشر أفكاره. وكانت قريته كرتاربور مركزا روحيا يفد إليه كثير من أتباعه، وعندما يحين وقت الطعام كانت الأسرة وكل الحاضرين من الفقراء والمساكين والأمراء يجتمعون حول مائدة واحدة بدون التفرقة بين الصغار والكبار والسادة والبسطاء، ويتناولون الطعام من مطعم واحد عمومي،  ويسمون هذا المطعم لنكار( (Lankar[43]
 تخليفه المعلم الثاني                                            
وفي آخر حياته أصابه الضعف من مرض طويل، فجمع أتباعه حوله.وكان من تلامذته المقيمين معه في كارتابور لهنا (Lehna) الذي أخلص لنانك في متابعته وامتثال أوامره، فاعترف به نانك ووجد فيه مواصفات خليفة له من بعده. وقد امتحنه نانك، وفي كل مرة كان يجد فيه ما يؤهله لنيابته وكان ابنه الكبير سري جاند (Sri Chand) يحب العزلة  من الناس ويبتعد عنهم ولا يشترك معهم في أمورهم، وكان نانك لا يحب منه ذلك. وابنه الصغير لكشمي داس (Lakshmi Das) أخذ اتجاها آخر ولم يظهر رغبة في الأمور الدينية والروحية البتة.
 فاختار نانك تلميذه لهنا خليفة له يتحمل عنه مسؤولية القيادة الروحية والدينية، وأسماه أَنْكَدْ  (Angad)[44] إنه أبلغ وصيه أنكد بأن روحه ستحل فيه بعد وفاته وسيكون هو الغورو أو المعلم وسيقود الطائفة السيخية من خلفه. ومن هنا نشأ الاعتقاد السائد لدى السيخ بأن روح نانك بقيت حية تحل في كل من يخلفه من سلسلة خلفائه الذين تولوا قيادة أتباعه وقد بلغوا تسعة رؤساء رسميين. وتذكر بعض الروايات أن ابنيه لم يعترف بنيابة لهنا عن نانك، ولم يطيعا له في الأمور، ولما يئسوا من الوصول إلى الخلافة خرجا  من كرتاربور ولم يرجعا إليه أبداً [45]
وفاته
وتوفي نانك في ٢٢ من سبتمبر سنة ١٥٣٩ م في الساعات الأولى من الفجر، وذكر في بعض الروايات أنه مات في سنة ١٥٣٨ م[46]. وقد اختلف أتباعه قبل وفاته في كيفية دفن جثمانه، فقال المسلمون يدفن كما يدفن المسلمون وقال الهندوس يحرق جسده ثم نرمي الرماد في الأنهار، فطلب نانك من الهندوس أن يضعوا باقة من الأزهار عن يمينه ومن المسلمين أن يضعوا باقة من الأزهار عن شماله وأيهما وجد أزهاره كما تركه سوف يتولى أمور تجهيز جنازته، وطلب منهم أن يدعوا جميعا، فلما فرغوا من ذلك جعل نانك لحافه على جسده ودخل إلى النوم الطويل. ولما أصبحوا رفعوا اللحاف فلم يجدوا تحته شيئا، وأدى الجميع تحيتهم الأخيرة لنانك ورجعوا إلى بيوتهم [47]
وقد كرست هذه الحادثة في نفوس أتباعه أهمية نبذ الخلافات بينهم ووجهتهم صوب تقديس كتابهم كرانت صاحب بدلا من تقديس جثمان صاحبهم والطواف حوله وعبادته. وهكذا توفي نانك في عمر السبعين تاركًا جماعة لا يستهان بها من المريدين، وكل من السيخ والمسلمين بنوا تذكارا لهم على شاطئ نهر راوي (Ravi) ولكن هذا التذكار غرق في النهر بعد مرور الزمن.
 السيخية بعد غورو نانك
 إن السيخية اليوم تتمتع بهوية ذاتية تنفرد بها بين أديان العالم، فهي إذن على زعم أبنائها - تعترف بالكتب الدينية القديمة إلا أنها تنقد الكتب أو الأفكار غير القادرة على توجيه المجتمع إلى التقدم الروحي، وقد تم هذا التطور في السيخية في أيام المعلمين الذين جاؤوا بعد المعلم نانك، ولا سيما في عهد المعلم التاسع غوبند سنغ حيث حاول بكل جهوده ليصبغ أفكار نانك صبغة دين جديد مستقل متكامل الجوانب.
المبحث الثالث:
أفكار غورو نانك في الميزان العلمي
 لم يكن نانك من أولئك المفكرين الذين هم أصحاب البناء الفكري المنظم، بل إن فكره مستمد من عناصر عديدة يخلو من التناسق، غير أن أهم الأفكار التي كانت عنده الدعوة إلى وحدانية الله والتقرب إليه من خلال الخضوع والحب. وكان يعتقد أنه بدون الحب والتكريس تصبح كل الشعائر باطلة وبلا معنى، كما تحدث عن غرور الحياة وباطلها وفنائها. وخلاصة كلام نانك تتبلور في أن الله وعبادته أهم من خلاص الإنسان وأن الله لا تدركه الأفهام وهو الباطن والحق المطلق وهناك إله واحد فقط اسمه الخالق الحق.
ونجد في تلك التعاليم تأثيرا إسلاميا واضحا، وعلى الرغم من أن تعاليم نانك خضعت لكثير من التأثيرات الإسلامية إلا أن الأساس الفكري لدى نانك كما كان لدى كبير Kabir يظل هندوسيا. فإننا نعثر في كتابات نانك على  فكرة الحلول، فالله يحل في كل الأشياء وهي فكرة هندوسية خالصة، كما يقبل الأفكار الهندوسية المتعلقة بالتناسخ وكارما رغم أن نانك وضع تلك الأفكار في شكل خاص جعلها قريبة من الفكر الإسلامي.
وفي الوقت الذي يحث فيه نانك أتباعه على الاستسلام المطلق لله المنزه نراه يؤكد على ضعف الإنسان وعلى وعيه بإثمه وفشله، ومن ث  الخوف من الله الناتج عن ذلك. ولكن الله – كما يرى نانك – رؤوف رحيم يحرس الإنسان ليل نهار ويبقيه في السعادة. والإنسان عند نانك ليس كائنًا سلبيا تماما، وذلك أن الإنسان إذا اختار الدنيا والجسد والشر فهو مسؤول عن هذا الاختيار.
ويصف لنا نانك كيف يجب على الإنسان المسؤول أن يسلك في هذا العالم حتى يتمكن من الركون إلى النقاء بين فواحش العالم. وعند ذلك فليس هناك يقين ثابت ودائم بالإرادة الإنسانية الحرة، فحتى عندما يختار الإنسان الخير والحياة الطيبة فهو في هذا الاختيار يعتمد كلية على المشيئة الإلهية، كما أن العبادة والتفاني في تأدية الطقوس الدينية إن هي إلا وسائل للتقرب من الخالق.
ومن أهم الأفكار التي عالجها نانك أيضا فكرة الواسطة بين الله والإنسان، فالله لا يتجلى للإنسان مباشرة، كما لا يمكن للإنسان أن يتصل بالله دون عون. ومن ثم ضرورة وجود واسطة بين الله والإنسان. هذه الواسطة هي غورو أو المعلم. أما بالنسبة لنانك شخصيا فلم يكن له غورو، فبالتالي فإن كلمة غورو فيما يتصل بنانك كانت تعني الله نفسه أو الروح المقدس. ويتضح لنا مدى تأثر نانك بالفكر الهندوسي القديم من حيث اعتماد الإنسان الكلي على معلمه كما يتضح أيضا تأثره بالفكرة الصوفية في العلاق  بين الشيخ والمريد. ويتضح احتمال تأثره بالفكرة الشيعية المتعلقة بالإمام. ولسوف تتطور فكرة غورو وتزداد أهميتها في السيخية فيما بعد عقيدة وشعبا.
وتتصل أبعاد السلوك البشري السليم في كتابات نانك بفكرة الإله الواحد الحق، فإذا كان الله هو الحق وهو الصدق فإن الزيف والكذب نقيضان له، والسلوك غير الصادق لا يؤذي فقط في الآخرين بل هو سلوك لاديني. والسيخي الحق لا يؤمن فقط أن الله واحد منزه وحق بل يسلك كذلك سلوكًا لا يضر بالغير. ذلك أن السلوك الضار والفاسد مثل الكذب والخداع والزنى والاستيلاء على حقوق الغير لا يتفق ولا يتناسب مع الحق الذي هو الله. وقد عبر نانك عن هذا المبدأ في عبارات جابجي (Japjee) التي يعزى إليه وضعها، وهذا المبدأ اعتقاد أساسي في السيخية.
لقد وصلت إلينا تعاليم نانك من خلال كتاب غورو غرانت صاحب الذي اكتمل سنة ١٦٠٤ م في عهد المعلم الخامس أدجن ديو ( ١٥٨٦ ١٦٠٦ ) . والكتاب نفسه عبارة عن مختارات من أعمال المعلم نانك وثلاثة من خلفائه، كما يتضمن أيضا مختارات من أعمال كتبها لا فلاسفة هندوسية ومتصوفة مسلمون وغيرهم. تأخذ كتابات نانك في الكتاب شكل الترانيم والأقوال، وهي غالبا قصيرة ومختصرة وبالتالي أصبحت سهلة على الذاكرة.
وهذه ملامح عامة مختصرة لحياة نانك وتعاليمه وأفكاره. وقد ثار خلاف لدى الباحثين حول نية نانك بالفعل في تأسيس عقيدة جديدة وهل تعمد نانك بالفعل تأسيس تلك العقيدة أم لا؟ وهناك على كل حال من يؤكد أن نانك  عمد بالفعل إلى ذلك وهناك من ينفي. كذلك يبدو أن نانك لم يحاول مزج الهندوسية والإسلام معا، بل كان الشعار آنذك وكما فهمه أتباعه.
ورغم أن نانك لم يصف لمريديه طريقًا مميزا أو شكلًا محددا من أشكال العبادة إلا أن تأثير نانك لم يندثر. فقد ظهرت السيخية كعقيدة مميزة واضحة المعالم بعد وقت غير طويل من وفاته.
لقد رفض نانك حياة التقشف والزهد كما رفض الخلافة من بعده لابن  لأنه طائفة صوفية، وربما كان هذا الموقف من مؤسس السيخية من العوامل الرئيسية التي أسهمت في خلق طريقة سيخية مميزة للحياة. كذلك كان اختيار نانك خليفة له من بعده اعتبروه غورو لأتباعه عاملًا مهما سمح بظهور السيخ كجماعة وكيان منفصل من غيره من الكيانات العديدة التي ملأت أرض شبه القارة الهندية. ومن ثم يرى بعض الدارسين السيخ في نانك "أول زعيم شعبي في بنجاب" في إطار الشعار الذي رفعه نانك " لا هندوس ولا مسلمين". لقد كان هذا الشعار – كما يرى البعض – هو الذي ولد الوعي البنجابي والقومية البنجابية.
وهكذا نرى أن غورو نانك لم يكن سوى زعيما روحيا همه الأساسي هداية أتباعه تبعا لما  مهمة التنظيم السياسي والعسكري لأتباعهم حيث تورطوا في السياسة وفي الأوضاع السياسية في وقتهم. إلا أن تلك المهمة السياسية لم تكن في كل الأوقات والظروف على وتيرة واحدة من الظهور والوضوح، فقد كانت تزداد بخلافة غورو لآخر [48]
 الخاتمة
 وفي نهاية المطاف عن شخصية غورو نانك نصل إلى النتائج الآتية
1.     ولد المرشد نانك ونشأفي جو مضطرب دينيا واجتماعيا وثقافيا فشمر عن ساقه للتقريب بين الهندوسية والإسلام آخذًا من كليهما ما يطيب له من الأفكار والمعتقدات والشعائر ونبذ كل ما يخالفه منهما.
2.     تأثر المرشد نانك بالأفكار والتعاليم الإسلامية كما تأثر بالأفكار الهندية الدينية والثقافية السائدة آنذك حيث اقتبس في فلسفته ومصطلحاته من الإسلام والهندوسية بيد أن تأثره بالأفكار الإسلامية كان أكثر ويتجلى ذلك من خلال تحليل أفكاره.
3.      إن نانك أخذت معظم أفكاره في العقيدة من الأفكار الإسلام حيث نرى في العقائد السيخية التناسق التام مع العقائد الإسلامية، إلا أنها تخالف الإسلام في عقيدتها في التناسخ والكارما المأخوذتين من الأفكار الهندوسية.
4.     دعا نانك إلى القيم والفضائل التي تدنو كثيرا مما دعا إليه الإسلام كما اقتبس أفكار المصلحين الهندوس مثل كبير ورامانندا وشنكرا ورامانجا.
5.      ثار على الكثير من المفاهيم الاجتماعية الهندوسية، فرفض نظام الطبقات الهندوسية التي تميز بين الناس بالولادة وتحقر طائفة من المجتمع وتجعلهم عبيدا للطبقات العليا، الأمر الذي أدى كثيرا من الهندوس من الطبقات الدنيا للإقبال على الديانة السيخية.
6.      لم يدع إقامة ديانة جديدة علنًا بل كان جل اهتمامه في التوحيد والألوهية والقضاء على النظام الطبقي السائد في المجتمع الذي نشأ فيه والدعوة إلى المساواة بين بني البشر.
7.      إن الحركة التي أقامها نانك لم تبق بعد موته على حالتها الأولى، فإن  كلامه كان مليئًا بالأخلاق الفاضلة كما كان يميل إلى الصوفية المسلمين، غير أن المعلمين المتأخرين غيروا أوضاع الحركة الدينية إلى حركة عسكرية وازداد البعد بينهم وبين المسلمين شيئًا فشيئًا.
المصادر والمراجع:
1.     عبد العال، د. خليل عبد الحميد: تاريخ السيخ الديني والسياسي من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية.
2.     خورشيد، أحمد إبراهيم زكي وعبد الحميد: دائرة المعارف الإسلامية باللغة العربية، تيونس، بيروت، د.ت.
3.     عماد الحسن: الأديان الكبرى العالمية، بيروت، د.ت.
4.      غيان سيغ كياني: تاريخ غورو خالصة، مطبعة وزير هند أمرتسار، الهند، د ت.
5.      الزركلي، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس:  الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، ١٩٨٠

6) Khushwant Singh: A History of the Sikhs, 2 Volumes, Oxford University Press, New Delhi, India, 2010.
7) Dilgeer, Dr. Harjinder Singh: Dictionary of Sikh Philosophy, Sikh University Press, India, 2005.
8) Cole: William Owen &Piar Singh: The Sikhs Their Beliefs and Practices, Vikas Publishing House, New Delhi, India, 1980.
9) Macauliffe, Max Arther: The Sikh Religion Its Gurus Sacred Writings and Authors, Six Volumes, The Clarendon Press, England, 1909.
10) Banerjee, Anil Chandra: Guru Nanak and His Times, Punjabi University Publishing Bureau, Patiala, India, 2000.
11) Banerjee, Indubhushan: Evolution of Khalsa, University of Culcutta, India, 1936.
12) Trilochan Singh: Guru Nanak Founder of Sikhism, United India Press, New Delhi, India, 1969.
13) Ganda Singh: The Panjab Past and Present, Punjabi University, Patiala, India.
14) Dr. Gopal Singh: A History of the Sikh People, World Sikh Unifersity Press, New Delhi, 1979.
15) Dr. Ganda Singh: A Brief Account of the Sikh, Orient

المراجع




مواضيع ذات صلة
الأعلام،, الديانات الهندية،, السيخية, تراث الهند،,

إرسال تعليق

0 تعليقات