ادعمنا بالإعجاب

مساهمة مليبار في النحو العربي


مساهمة  مليبار في النحو العربي

إعداد:
الدكتور عبد الغفورالمليباري
مدرّس جامعة إحياء السنة الإسلامية، مخدوماباد، كيرالا، الهند

 _____________________________________________________________
       بسم الله الرحمن الرحيم
         الحمد لله رب العالمين، اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد

ولعلماء مليبار مساهمة جليلة في مجال النحو العربي قديما وحديثا، وقد بدأت دراسة النحو في ربوع مليبار منذ ظهورالإسلام فيها كجزء لا يتجزأ لدراسة اللغة العربية التى هي لغة رسمية لديننا الحنيف، رغم ذلك أنّ صورة دراسته حتى القرن التاسع الهجري مازالت مجهولة حتى الحين، وفي القرن التاسع نشأت المدرسة المخدومية ببلدة فنان، فتطورت دراسة النحو فيها تطورا واسعا، وازدهرت إزدهارا كبيرا، وقد اهتم أبناء مليبار بالنحو العربي اهتماما بالغا، واعتنوا به اعتناء كبيرا، حفظا وتعلما، وتدرّسا وتدريسا، وقد بالغوا بالحفاظ عليه كل المبالغة، وخاصة بالعناية بألفية ابن مالك ومنهجه ومذهبه، وقد أنجبت مليبار جمعا غفيرا من النحاة النابغين، ذاع صيتهم في الآفاق، قد ألفوا في النحو العربي أحسن الكتب وأروعها وأتقنها وأجودها، وكتبوا الشروح والحواشي والتعليقات لعديد من أمهات الكتب النحوية، وفيما يلي نبذة يسيرة عن مساهمة علماء مليبار في هذا المجال.

نشأة دراسة النحو العربي وتطورها في مليبار:  
ولمنطقة مليبار علاقة وطيدة للعرب والعربية من قديم الزمان، وهذه العلاقة بدأت كعلاقة تجارية منذ أمد بعيد لم يعرف تاريخه،  ثم تطورت هذه العلاقة بعد ظهور الإسلام  فيها كعلاقة دينية وثقافية وحضارية.

وقد سجل في تاريخ مليبار أنّ الدين الإسلامي قد انتشر في ربوعها بأيادي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، ولما وصل الصحابة رضي الله عنهم إلى ساحل مليبار بالدين الإسلامي عرف الناس منهم دينا جديدا لم يعرفوا من قبل، ووجدوا عادة طيبة لم تمارسوها من قبل، وكانت بيئتهم الدينية والاجتماعية حينئذ خبيثة جدا وسيئة إلى الغاية، فوجدوا نجاتهم المنشودة في الدين الإسلامي، فكانوا يدخلون في دين الله أفواجا.

إنّ من دخل الإسلام يضطر إلى تعلم بعض الكلمات العربية، ليصح بعض عباداته، كسورة الفاتحة، لأنه يجب تلفظها بالعربية في الصلاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب"[1]،  ومن هنا يبدأ إجباريا تعلم اللغة العربية وتعليمها في منطقة مليبار. وقد تدرج هذا التعليم تدريجيا في ربوع مليبار، ثم تطور تطورا واسعا على مرّ القرون والعصور، حتى توجد اليوم آلاف من المعاهد التى تدرس فيها اللغة العربية.

إنّ العربية هي لغة رسمية لديينا الحنيف، ولغة أمّ لنبينا الكريم، ولغة نزل بها القرآن الكريم، ودوّنت فيها الأحاديث النبوية، وكتبت بها الأحكام الشرعية، فيجب على المسملين تعلم اللغة العربية وتعليمها، والحفاظ عليها.

و لا شك انّ تعلم اللغة العربية لا يتم الا بتعلم النحو حيث إنّ تعلم النحو هو جزء لا يتحزأ من تعلم اللغة، لأنّ النحو له علاقة وثيقة لللغة ودلالتها، والدلالة تختلف كلما يختلف الإعراب والبناء والتركيب، ومن هذا المنطلق بدأت دارسة النحو وتطورها في منطقة مليبار.

ولكن صورة التطور لدراسة النحو العربي في مليبار حتى القرن التاسع الهجرى مازالت مجهولة، ولم يعثر عليها حتى الحين، و في القرن التاسع يأتى دور الشيخ زين الدين المخدوم الكبير، هو الذي قد سافر إلى مصر، والتحق بجامع الأزهر، وأخذ واستفاد عن علمائها الأجلاء، ثم رجع إلى مليبار بأمهات كتب النحو وغيرها، وأسس الجامع  الكبير ببلدة فنان، وتصدر فيه للتدريس، فارتحل إليه الطلبة من كل فج عميق، ومن هنا نشأت المدرسة المخدومية بمليبار.

وبعد ظهورالمدرسة المخدومية تطورت في مليبار دراسة النحو- كسائر العلوم والفنون- تطورا واسعا، وازدهرت فيها ازدهارا كبيرا، ثم استمرت مسيرة هذا التطور والازدهار في القرون التالية، وقد تخرج فعلا من المدرسة المخدومية جمع غفير من الأعلام الأجلاء، وقد قدّموا مساهمة جليلة ومشاركة كبيرة في تطوير دراسة علم النحو في منطقة مليبار.

اهتمام مليبار بالنحو العربي :
ولعلم النحو مكانة مرموقة وأهمية كبيرة بالنسبة إلى سائر العلوم العربية، لأنّ الإنسان لا يمكن له من تحصيل العلوم الأخرى الا بعد معرفة علم النحو، ولا يستطيع قراءة الكتب ومطالعتها وفهم ما فيها من العلوم والدرايات الا بمعرفته، وأنشد عمر بن المظفر الوردي في مقدمة أرجوزة التحفة :
وَبعدُ فالجاهلُ بالنحو احتقر      إذ كلّ علم فإليه  يفتقـر

وقد تنبه إلى هذه الحقيقة علماء مليبار قديما وحديثا، ولذا اهتموا بالنحو العربي  أكبر اهتمام واعتنوا به أبلغ اعتناء تعلما وتدريسا، وشجعوا تلاميذهم في تعلم النحو وحفظ قوانينه تشجيعا كبيرا، وقد أدخلوا جملة من أمهات كتب النحو في المنهج الدراسي، حيث يدرّسونها تدريجيا، ومنها مأئة عامل لشيخ عبد القاهر الجرجاني، وتقويم اللسان لمحمد بن أبي القاسم البقالي، وارجوزة التحفة لعمر بن مظفر الوردي، وقطر الندى لجمال الدين عبد الله ابن هشام، خلاصة الألفية لمحمد بن عبد الله بن مالك،  ولا شك انّ هذه الكتب كلها تراثية تعتبر من أمهات الكتب والمراجع الأولية في النحو العربي، حيث إنها من تأليفات أئمة النحاة الأجلاء.

هذا وانّ علماء مليبار لم يُدخِلوا منظومة خلاصة الألفية والتحفة الوردية في المنهج الدراسي الا لحفظ أبياتها، وليس هذا الا بالنظر الى أهمية القواعد النحوية وضرورة استحضارها عند الحاجة، لأنّ حفظ أبياتها يساعد كثيرا لاستحضار القواعد بسهولة عند الحاجة إليها، ولا شك انّ قدرة استحضار القواعد المنطومة أكبر منها في استحضار القواعد المنثورة، وذلك للسهولة التى يتميز بها استحضار النظم مقارنة باستحضار النثر، وانطلاقا من هذه الوجهة النظرية قد حوّل بعض علماء مليبارعديدا من المنثورات النحوية الى المنطومات، كما فعل العلامة القاضي محمد الكاليكوتي حيث حوّل إلى النظم كلاّ من كتاب الأجناس وقطر الندى والعوامل.

هذا وتأثيرا من تشجيع المدرسين في تعلم النحو العربي وحفظه والاهتمام به انّ تلاميذ دروس المساجد والمعاهـد الدينية التقليديـة في منطقة مليبار بالغوا كل المبالغة في العناية والاهتمام بعلم النحو، وينفقون جل أوقاتهم النفيسة في تعلم علم النحو وحفظ قواعده، وتحقيق معاني الكلمات وتركيبها وإعرابها وبنائها، وربما يتركون ما هو أهم منها، وقد أنشد بعضهم:
ومَن طلبَ العلومَ بغيْر نحْو          كعنّين[2] يعالجُ فرْجَ بـكْـر

منهج النحاة في مليبار:
النحو العربي ينقسم رئيسيا إلى مذهب بصري وكوفي، ولكلّ من هذين المذهبين ميزات وآراء خاصة في بعض المسائل النحوية، وقد جرت بين أصحاب هذين المذهبين مناظرات نحوية طويلة ومشاجرات كثيرة، وكان البصريون يعتمدون في المسائل النحوية على السماع دون القياس، وأما الكوفيون فكانوا بالعكس حيث يعتمدون على القياس ويرجحون القياس على السماع،  ثم تفرع من هذين المذهبين مذاهب أخرى تنتخب من هذا وذاك، وتمزج وتخلط فيما بينهما، وكان أول ظهور هذا المذهب في بغداد، ثم تبع عديد من النحاة هذا المذهب البغدادي، وانتهجوا نهجه.

ثم لما فتح المسلمون الأندلس انتقل إليها جمع غفير من العلماء، وأسسوا هناك جامعة شامخة يدرس فيها جميع أنواع العلوم،  و كان علماء الأندلس يهتمون بعلم النحو اهتماما كبيرا،  وقد تخرج من مدارس الأندلس عديد من النحاة النابغين المجدين، الذين قدموا في النحو بحثا دقيقا ، وصنفوا فيه أحسن الكتب واتقنها.

وكان أجل نحاة الأندلس هو الإمام العلامة محمد بن عبد الله ابن مالك،  وقد صنف ابن مالك في النحو التصانيف الممتعة الرائعة، واشتهر كل مؤلفاته شهرة واسعة، وأشهرها خلاصة الألفية، والتسهيل، ولامية الأفعال، فسارت في الآفاق مسير الشمس المضيئة، وتقبلها الناس قبولا حسنا، وعكفوا عليها تعلما وتعليما، وتدرسا وتدريسا، وحفظا ومذاكرة، وشرحا وتفسيرا وتعليقا، وأدخلوها في المناهج الدراسية حتى أصبح تعلم النحو هو تعلم الألفية أو التسهيل.

أكثر النحاء الذين جاءوا بعد ابن مالك لم يتقيدوا إلا بمذهبه، ولم ينتهجوا الا نهجه،  ولم يشتغلوا ولم يدارسوا في النحو إلا كتبه. والنحاة الأجلاء بعده كأبي حيان وابن هشام، والسيوطي كلهم نصروا مذهبه وساعدوا نهجه بشرح كتبه وتدريسها، ولهذه الأسباب كلها انتشر مذهب ابن مالك في الآفاق، حتى أصبح الناس يتقيدون بمذهبه وآرائه في النحو العربي شرقا وغربا. 

وكذلك قد انتشر مذهب ابن مالك في ربوع مليبار أيضا،  فالنحاة في مليبار لم ينتهجوا الا نهجه. ولم يتقيدوا الا بمذهبه، وآراء ابن مالك واختياراته هو المتبع الوحيد في المسائل النحوية في منطقة مليبار،  والفيصل الفذ  فيها هو ما قاله ابن مالك في الفيته فقط لا غير، حتى أنّ دراسة النحو في مليبار في الحقيقة هي دراسة الألفية فقط، فاما دارسة الكتب الأخري التي تدرس قبل الألفية ليست الا تمهيدا وتوطية لدراسة الألفية.

ويبدو أنّ أول من عرّف كتاب الألفية لهذه المنطقة هو العلامة الشيخ زين الدين المخدوم الكبير، لأنه هو الذي أتي بهذا الكتاب من مصر الى مليبار، ولما أسس المسجد الجامع الكبير ببلدة فنان، وتصدر فيه للتدريس -كما أسلفناه - أعد منهجا خاصا لدروسه، فأدخل فيه كتاب الألفية لابن مالك وشرحه لتلاميذه شرحا موجزا متينا ممتعا، ووصل إلى باب الإضافة ثم كمله ابنه عبد العزيز.

 وكان من ميزة منهج ابن مالك كثرة الاستشهاد بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وعن منهجه في الاستشهاد يقول الإمام السيوطي في كتابه بغية الوعاة: "فكان أكثر ما يستشهد به القرآن، فإن لم يكن فيه شاهد عدل إلى الحديث فإن لم يكن فيه شاهد عدل إلى أشعار العرب"[3]، وقد انتهج نحاة مليبار أيضا هذا المنهج مع ابن مالك، حيث يستشهدون في مؤلفاتهم أولا بالقرآن الكريم وثانيا بالأحاديث النبوية وثالثا بأشعار العرب، وهذا المنهج في الاستشهاد واضح جدا في شرح الألفية للمخدوم وشرح القطر للشيخ عثمان وشرح التحفة وغيرها من كتب النحو التى ألفها علماء مليبار.  

وكان لابن مالك أقوال وأراء ينفرد بها في النحو والعربية حيث لم يكن يتقيد بمذهب من مذاهب النحوية السابقة واللاحقة، ولكنه كان يميل إلى المذهب البصري، ومع ذلك يرجح بعض أراء المذهب الكوفي، وقد يترك كلا المذهبين فيأخذ لغة أهل الحجاز وغيرها، فكان ابن مالك مجتهدا في النحو العربي وان كان مقلدا في الفقه الإسلامي حيث كان يقلد مذهب الإمام الشافعي في الفقه، قال الإمام السيوطي: "وأما الاجتهاد في العربية فلم يكن بعد ابن هشام من يصلح أن يوصف به غيري الا ما بلغني عن العمادي، وقبل ابن هشام خلائق لا يحصون كأبي حيان والآمدي وابن الصائع وابن مالك، وغالب الناس لا يعرفون الاجتهاد في الحديث والعربية وانما يعرفون الاجتهاد في الشريعة فقط".[4]

واذا كان ابن مالك مجتهدا في النحو فحقا انّ الملبباريين مقلدون له، لأنهم لا يخرجون عن أراء ابن مالك وأقواله واختياراته وترجيحاته في النحو، بل يأخذون بغضّ النظر ما قاله ابن مالك في خلاصة الألفية، ولذا، لنا ان نقول بكل وضوح وصراحة إنّ المليباريين يقلدون مذهب ابن مالك في النحو كما يقلدون مذهب الإمام الشافعي في الفقه، ومذهب الإمام أبي الحسن الأشعري في العقيدة.

نحاة مليبار وآثارهم:
وقد انجبت مليبار عديدا من العلماء النابغين، ذاع صيتهم  في الآفاق وسارت كتبهم إلى البلاد العربية، وفيهم النحاة الذين قدّموا خدمة جليلة للنحو العربي بالتدريس وشرح الكتب، وألفوا أحسن الكتب وأروعها وأجودها واتقنها في النحو العربي، وجلهم بل كلهم تخرجوا من المدرسة المخدومية بفنان، وجدير بالذكر أنّ أكبر نحوي شهتدته مليبار بالاطلاق هو الشيخ زين الدين المخدوم الكبير لا غير، لأنّ كتابه شرح الالفية اشتهر شهرة واسعة، وليس في مليبار أيّ كتاب نحوي آخر نال مثل هذه الشهرة، حيث تقبله الناس قبولا حسنا، وعكف عليه التلاميذ دراسة ومذاكرة،  ومازال هذا الكتاب يدرّس في مليبار والبلاد المجاورة منذ أن جاء إلى حيّز الوجود، ولا يوجد في مليبار أيّ عالم بعده الا تعلم الألفية بواسطة هذا الشرح المليح، فللجميع منة عليه. وشرح قطر الندى للشيخ عثمان وشرح التحفة للمخدوم أيضا اشتهرا شهرة واسعة، حيث أدخلا في المنهج الدراسي، وتقبلهما الناس قبولا حسنا، وكلاهما يتميز بالجودة والاتقان. وفيما يلى ترجمة بعض النحاة المليبارين بالإضافة ألى مؤلفاتهم بإيجاز.

        هو الإمام العلامة الشيخ أبو يحيى زين الدين المخدوم بن علي بن أحمد المعبري ، ولد ببلدة كوشين، ثم انتقل مع عمه إلى فنان، وبها تعلم العلوم الدينية والأدبية، وأخذ عن قاضي كاليكوت فخر الدين أبي بكر، ثم سافر إلى البلاد العربية، فأخذ عن شيخ الإسلام زكريا الانصاري، واستفاد من الحافظ جلال الدين السيوطي والحافظ محمد السخاوي،  والعلامة عبد الرحمن المكودي وغيرهم من الأعلام النبلاء.
وكان من العلماء العاملين، انتشر به العلم في الديار المليبارية، وكان عالما محققا في الفقه وشاعرا موهوبا في التصوف، وشارحا مدققا للنحو العربي، وله شرح على ألفية ابن مالك، وهو شرح متين وصل إلى باب الإضافة، وكمله ابنه عبد العزيز، وشرح على كافية ابن الحاجب، وله شرحان – كبير وصغير-  على التحفة الوردية. وله مصنفات عديدة في الفقه والتصوف والتاريخ، منها: مرشد الطلاب، وهداية الأذكياء، وشعب الايمان، وسراج القلوب، والمسعد في ذكر الموت،  وإرشاد القاصدين، وكفاية الفرائض، وقصص الأنبياء، وسيرة النبي وغيرها من المؤلفات النافعة، وتوفي رحمه الله سنة 928هــ

2- عبد العزيز المخدوم:
هو العالم العلامة عبد العزيز بن زين الدين المخدوم، كان نحويا كبيرا وشاعرا موهوبا، ومتبحرا في العلم والأدب، وورعا تقيا، وزاهدا صوفيا، وتعلم مبادئ العلوم من والده، ثم من القاضي شهاب الدين الكاليكوتي، قد أتم شرح والده على ألفية ابن مالك، وله مصنفات عديدة، منها: مسالك الأتقياء، وتحفة الأدباء، ومرقات القلوب، والمتفرد، وباب معرفة الصغرى، وباب معرفة الكبرى وغير ذلك، وتوفي رحمه الله سنة 994هــ 

3- الشيخ عثمان:
            هو العالم العلامة الشيخ عثمان بن جمال الدين المعبري الفناني، وكان من مشاهر العلماء، أخذ العلم عن الشيخ زين الدين المخدوم الكبير، وهو ختنه، وكان ماهرا ومتقنا في علم النحو، ويشهد بذلك كتابه عين الهدى شرح قطر الندى، حيث انتشر هذا الكتاب على نطاق واسع، وتلقاه العلماء بالقبول ووضعوه في مناهج التدريس في ديار مليبار، وهو شرح مفيد متقن،  وتوفي رحمه الله سنة 991هــ

4- القاضي محمد الكاليكوتي:
هو الشيخ القاضي محمد بن عبد العزيز الكاليكوتي،  وكان عالما ماهرا، ومشاركا في كثير من العلوم والفنون، وكان من أبرز قضاة كاليكوت، وله مؤلفات كثيرة حتى قيل إنها تبلغ خمسمائة كتاب، وكان نظم الشعر عليه سهلا جدا،  وله منظومات  في عديد من الفنون، وقد نظم في النحو قطر الندى لابن هشام، والعوامل للجرجاني، والأجناس وغيرها، ومن مؤلفاته: قصيدة إلى كم أيها الانسان، وملتقط الفرائض، ومنطومة في تجويد القرآن، ومنطومة في علم الحساب، ومنظومة في علم الأفلاك، ومنظومة في الرسائل والخطوط، ومولد في مناقب الشيخ عبد القادر الجيلاني، ونصيحة المؤمنين وإرشاد الضالين، وفتح المبين، والدرة النصيحة، وقصيدة مقاصد النكاح، ومنتخبات الفرائض، مدخل الجنان وغير ذلك.  وتوفي رحمه الله سنة 1025هــ

5- زين الدين الأخير:
هو العالم العلامة زين الدين بن ماحين حسن المخدوم، نحوي زمانه بالإطلاق، وكان متبحرا في ثمانية عشر فنونا، وكان عابدا ورعا تقيا، تدرس مبادئ العلوم من والده، وأخذ عن العلماء الأجلاء في عصره، مثل الشيخ أحمد المخدوم، والقاضي عمر البلنكوتي، ثم سافر إلى مكة المكرمة، وأخذ عن علمائها، وهم أخذوا عنه كثيرا، حتى عيّن مدرسا في الحرم الشريف،  فاشتغل هناك خمس سنوات، ثم رحع إلى مليبار، واشتغل بالتدريس في المسجد الجامع بفنان لمدة أربيعن سنة، وله عديد من المصنفات، ومنها رسالة في النحو، وتعليقات على فتح المعين، وفتاوى في الفقه وغيرذلك،  وتوفي رحمه الله سنة 1305هــ

6- محمد بن علي الفناني:
            هو العلامة محمد بن علي الفناني المعروف بتونام ويتيل محمد مسليار، متخرج من المدرسة المخدومية الفنانية، نحوي زمانه، وكان صوفيا وواعظا كبيرا، وكتب حاشية مفيدة على شرح العلامة زين الدين المخدوم الكبير على تحفة الإمام عمر بن المظفر الوردي، ومن مصنفاته: رسالة في التصريف، وشرح البسملة، وحاشية إرشاد اليافعي (3 أجزاء) وغيرها، وتوفي رحمه الله 1343هــ

7- أحمد الشيرازي:
            هوالعالم الفاضل أحمد الشيرازي منسوب إلى بلدة شيريات من منطقة مليبار، وكان عالما كبيرا ومحققا في النحو والتصريف، وعارفا بالفقه والتصوف والتفسير والبيان والبديع والعروض والقوافي، تعلم مبادئ العلوم من مسقط رأسه شيرات، ثم ارتحل إلى بلدة فنان، فأخذ العلم والأدب عن الشيخ زين الدين المخدوم الأخير المذكور أعلاه وغيره من أعيان مليبار، ودرّس في مسجد نادافورام عدة سنوات، وتخرج على يده جمع غفير من العلماء، وله تصنايف عديدة في النحو وغيره، ومنها: حاشية على شرح المخدوم على ألفية ابن مالك، وحاشية على شرح التفتازاني، وفتاوى في الفقه، وغير ذلك، وتوفي سنة 1326هــ

وكان ابنه محمد بن أحمد الشيرازي أيضا ماهرا في النحو والتصريف، وشاعرا موهوبا، وله حاشية على شرح القطر للشيخ عثمان.

8- شاليلاكات كنج أحمد حاجي:
            هو العالم الفاضل شاليلاكات كنج أحمد حاجي بن محي الدين حاجي، وكان محققا في النحو والتصريف، وله عدة مصنفات فيه، وكان ماهرا في علم الفلك والهيئة والميقات والحساب واستخراج جهة القبلة، تلقى العلوم من أعيان مليبار، وتدرس في كلية الباقيات الصالحات بويلور، وتخرج من  كلية اللطيفية بويلور، واشتغل بالتدريس  بكلية دار العلوم بوازاكاد، وكلية معدن العلوم بمناركاد.  ومن مصنفاته: كتاب النحو، وكتاب الصرف، وكتاب النحو الكبير، وكتاب اللغة العربية، وحاشية على رسالة الماردين، وكتاب الحساب في علم الميقات، ورسالة الدعوى في القبلة، وتعليم القرآن، وكتاب العمليات، وكتاب الدينيات، وغيرها، وتوفي رحمه الله سنة 1338هــ

8 عبد القادر الفضفري:
هوالعالم الفاضل عبد القادر بن يوسف بن الفضفري، نسبة الى بلدة فضفرم بمنطقة مليبار، وكان نحويا كبيرا، وشاعرا موهوبا، وفقيها ماهرا، وواعظا مفكرا، وعارفا بعديد من اللغات الأجنبية، تعلم مبادئ العلوم من والده ثم أخذ عن الشيخ بانغيل أحمد كوتي مسليار وغيره من أعيان عصره، وتخرج من كلية الباقيات الصالحات بويلور، وأخذ عنه شمس العلماء إي كي أبو بكر مسليار وغيره من علماء مليبار، وكتب حاشية على شرح الشيخ عثمان على قطر الندى لابن هشام، ومن مصنفاته: جواهر الأشعار، ومجمع الفوائد، وتحفة الصبيان، ومجموع الفتاوى، حاشية على تخميس بانت سعاد، وديوان الأشعار الغريبة، وخير الدارين، وقصيدة لامية وعيرها. وتوفي سنة 1363هــ

9- أبو محمد باوا مسليار:
            هو الشيخ أبو محمد سيد على باوا مسيار الويلتوري، مدرس جامعة إحياء السنة الإسلامية بمخدوماباد، كيرالا، الهند، عضو من هيئة علماء أهل السنة والجماعة بكيرالا، عالم متواضع، نحوي ماهر، فقيه متبحر، شاعر مقبول، متكاثر في التأليف على نهج التراث الإسلامي، وقدّم خدمة جليلة للنحو العربي بالتدريس والتأليف، ومن مؤلفاته المطبوعة في علم النحو: تلميح الفوائد النحوية في بيان الحواشي الألفية، والفتوحات العربية، والرزق الرغد في شرح أما بعد، ولمح الشواهد، واجازة الفوائد، ومن مؤلفاته الأخرى المطبوعة: الأضواء السواطع لتحقيق جمع الحوامع، والعرائس الرضية على النفائس الارتضية، هدي البيان على تحفة الإخوان، والتبيين الشافي على المتن الكافي في علمي العروض والقوافي، والمفاتيح الوهبية على الفرائض المحمدية، هداية الموفقين إلى الصراط المستقيم، وغارة النصر في التوسل بأهل بدر، ابتغاء الوصول لحب الله بمدح الرسول، تذكار اللبيب بمناقب أويس الأريب، وترياق السقيم في مدح داود الحكيم، تنقية الخاطر في مناقب الشيخ عبد القادر، تنويل الأنام بمناقب الشافعي الإمام، والعذب المعين في مدح الشيخ زين الدين، ورثاء على أستاذ الأساتيذ، والبدرية الستينية، والأدلة القواطع، الفلسفة الغريبة، كشف الشواهد، احتذاء النصوص، وقطع الأوهام في ميراث ذوي الأرحام، والرياضة المجازية بشرح العقود السمرقندية، وتحذيرة الطلبة عن ترجمة الخطبة، العقائد السنية في الطريقة الأشعرية، وتنوير المسرات بشرح دلائل الخيرات، عكازة المعاد بشرح راتب الحداد، الذخيرة الصفية على القصيدة القطبية، عظمة الصلاة وعزة المناجاة، الأوجز المختصر في الكلام المعتبر، تمرين الأدب بإنشاء العرب  وغيرها.  

وهناك كثير من النحاة النابغين الذين لم استوعبهم في هذه المقالة، ولكني تركت ذكرهم تجنبا للإطالة والإطناب، وإنما أنا ذكرت منهم يسيرا فقط على سبيل المثال لا على الحصر، وجذير بالإشارة إلى أنه قد حاول بعض العلماء الناشئين أيضا لتقديم بعض المساهمات في هذا المجال كالمدرس محمد مسليار الباقوي الفوكوتري، حيث صنف في النحو وغيره عديدا من  الكتب النافعة على أسلوب قديم ومتصنع.  


* * * *

            وقد اتضح لنا مما ذكرناه انّ لعلماء مليبار مساهمة جليلة  ومشاركة كبيرة في مجال النحو العربي،  قد نشأت دراسة النحو في مليبار بصورة حتمية منذ ظهور الإسلام فيها كجزء لا يتجزأ لدراسة اللغة العربية التى هي لغة رسمية لديينا الحنيف، وقد تطورت دارسة النحو فيها تطورا واسعا بعد ظهور المدرسة المخدومية التى أسسها الشيخ زين الدين المخدوم الكبير في القرن التاسع الهجري، وقد اهتم أبناء مليبار بالنحو العربي اهتماما بالغا، واعتناء كبيرا، وقد أكبوا على دراسة ألفية ابن مالك مع شرحها للمخدوم، وتقلدوا في النحو مذهب ابن مالك كما يقلدون مذهب الإمام الشافعي في الفقه، وقد شهدت مليبار جمعا غفيرا من النحاة النابغين المجدين، الذين صنفوا كتبا نافعة كثيرة، وذاع صيتهم وسارت شهرتهم في الآفاق، وكان أكبرهم وأجلهم بالإطلاق هو الشيخ زين الدين المخدوم الكبير لاغير، وانّ مساهمة مليبار ومشاركتها في هذا المجال مازالت مستمرة حتى الحين.

******

















[1]  حديث متفق عليه
[2]   العنّين: هو أشل الذكر، لا يقدر على إتيان النساء
[3]  السيوطي، بغية الوعاة: 1/134
[4]  نقله الشعراني في الطبقات  الصغرى: ص 32

مواضيع ذات صلة
أدب كيرالا, الأدب العربي الهندي, تراث الهند،, كيرالا,

إرسال تعليق

0 تعليقات