ادعمنا بالإعجاب

الوسطية في القرآن الكريم


فضيلة الدكتور عثمان محمد الصديقي-
مكة المكرمة
إعداد: زين العابدين محمد فتنـزي
الإسلام دين التوسط والسلام ويمر نحو الأمن والسلوان حيث يقول الله تعالى في محكم تنـزيله ’كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا‘( سورة البقرة)

يقال وسط الشيء وسطا أي صار في وسطه ووسط فيهم وساطة  إذا توسط بينهم بالحق والعدل وتوسط فلان أي أخذ الوسط بين الجيد والرديئ, فأما ضده مجاوزة الحدود والثغور.
وأفضل الأمم هي أمة محمد ÷، ولم تكن ولا تكون أمة أفضل وأوسط من أمة سيدنا محمد ÷، وكانت هذه الأمة بهذه الصفة كما أشار إليها قرآن رب العالمين خيارا وعدلا, وليس في الكون دين أقر الله به إلا هذا الدين الحنيف وقال الله تعالى "إن الدين عند الله الإسلام فمن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين", فهذه الرسالة المحمدية قد ختمت بنبيها ÷  وهو رسول الله ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين, فشريعة الإسلام ناسخة لما قبله من الديانات وتدعو الناس إلى نهج البر والسداد, لأن رسول الله ÷ بعث والعالم قد أصيب بزلزال شديد هزه هزا عنيفا, فإذا كل شيئ في غير محله، فنظر إلى الكون بعين الأنبياء فرأى إنسانا قد هانت عليه الإنسانية رآه يسجد للحجر والشجر والنهر وكل ما لا يملك لنفسه النفع والضرر.
والمجتمع البشري قد أجمع فيه الذئب راعيا والخصم الجائر قاضيا والمجرم فيه سعيدا حظيا والصالح محروما وشقيا، لا يعرف المعروف ولا ينكر المنكر, ورأى عادات فاسدة تطفح الإنسانية وتشيع الجاهلية البكماء، والأفراد البشرية والهيئات الاجتماعية كخامات لم تحظ بصانع حاذق, ينتفع بها في هيكل الحضارة, ومحمد ÷  تهيج قلوبهم بكلمة الحق والعدل والوسطية والطمأنينة, وكان ذلك أغرب انقلاب وقع في تاريخ العالم حتى صاروا قادة الأمم.
وقد حدثنا المؤرخون الثقات في ذلك بطرائق لم يحدث نظيرها إلا في التاريخ الإسلامي الديني, فمنها مارواه مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح سنده عن عبد الله بن بريدة أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول الله ÷ فقال: يا رسول الله إني ظلمت نفسي وزنيت وإني أريد أن تطهرني فرده ÷ فلما كان من الغد أتاه فقال: يا رسول الله إني قد زنيت فرده الثانية فأرسل رسول الله ÷ إلى قومه فقال: أتعلمون بعقله بأسا تذكرون منه شيئا؟ فقالوا: ما نعلم به بأسا, فأتاه الثالثة فأرسل إليهم أيضا فسأل عنه فأخبروه أنه لا بأس به ولا بعقله, فلما كانت الرابعة حفر له حفرة ثم أمر فرجم.
وأصبحت الطبقات الإنسانية في المجتمع الإسلامي  متعاونة متعاضدة لا يبغي بعضها على بعض, فالرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم, والمرأة راعية في بيت زوجها ووضع رسول الله ÷ مفاتح النبوة على قفل الطبيعة البشرية, فانفتح ما فيها من كنوز وعجائب وقوى ومواهب.
عزل الأمم المريضة:
ظهرت قوة المسلمين على الكون وعزلت الأمم المريضة من زعامة الإنسانية التي أساءت عملها وساروا بالإنسانية سيرا حثيثا, وذلك لأسباب:أولا: أنهم أصحاب كتاب منـزل وشريعة إلـهية ثانيا: أنهم لم يتولوا الحكم والقيادة بغير تربية خلقية وتزكية نفسية ثالثا: أنهم لم يكونوا خدمة جنس ورسل شعب أو وطنه يسعون لرفاهيته ومصلحته وحده.
وتحت حكمهم استطاعت الأمم والشعوب أن تنال نصيبها من الدين والعلم والتهذيب والسيطرة بالوسطية والاعتدال، وتدل على ذلك الآيات الربانية "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"
الوسطية في العقيدة:
أما أهل السنة والجماعة هم وسط في اعتقادهم, يقول الشافعي رضي الله عنه "إذا رأيتم من يطير في السماء لا تصدقوه حتى يعلم من الكتاب والسنة" فتعلم الكتاب والسنة واجب على كل فرد وإلا لا يكون ناجيا ولا يكون وليا.
 وهناك أيضا خلافات بين المعتزلة والخوارج وأهل السنة والجماعة في عقائدهم, ويقول المعتزلة: إذا مات الذي يزني أنه بين الجنة والنار, ويقول الخوارج: أنه كافر ويقول أهل السنة والجماعة: هو في رحمة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له فأمره إلى الله. ونحن نؤمن بعيسى عليه الصلاة والسلام أنه نبي من أنبياء الله ولكن لا نعتقد كما اعتقد النصارى أنه الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة ولا يليق ذلك بعقيدتنا الغراء، فذلك صوت الوسطية.
 والصلاة مثل ذلك، وقد شرط لها الوضوء وإن لم يجد ماء فعليه التيمم شفقة به لمشقته, ومن فرض الصلاة القيام لقادر وإن أصابته مشقة فعليه الجلوس وإن لم يقدر فله الاضطجاع فمستلقيا فالصلاة بالتفكر.
الوسطية في الأعمال
ويبين القرآن عن الحج  ’من استطاع إليه سبيلا‘- فليس ذلك على من ليس له وسعة المال أو البدن والسبيل, فأمور سائر العبادات على هذا النمط الخاص طريق الوسطية لا إفراط فيها ولا تفريط, قد تهيأتها الشريعة لائقة لجميع المجتمع في أي حال من الأحوال وأي زمن من الأزمان، وهذه هي خصوصية هذا الدين الحنيف وليس على وجه الأرض دين يشابه ويماثل هذا الدين في التحكيم والتشريع.
الوسطية في الجنايات
العمد هو قصد فعل وشخص بما يقتل غالبا, فلا يكون القصاص إلا في عمد بخلاف شبه العمد والخطأ إذ لو قصد شخصا ظنه ظبيا فبان إنسانا كان ذلك خطأ, وأما قصد الفعل والشخص بغير ما يقتل غالبا شبه عمد سواء في ذلك قتل كثيرا أم نادرا كضربة يمكن عادة إحالة الهلاك عليها.
وهناك مسائل عديدة يتبين فيها وسطية الإسلام ومنها أنه لو حبس شخصا كأن أغلق بابا عليه ومنعه الطعام والشراب أو أحدهما والطلب لذلك حتى مات جوعا فإن مضت مدة يموت مثله فيها غالبا جوعا أو عطشا فعمد لظهور قصد الإهلاك, فإن لم يكن به جوع أو عطش سابق فشبه عمد, فيجب ديته لحصول الهلاك بالأمرين, وأما عدم قصد أحدهما بأن لم يقصد كأن زلق فوقع على غيره فقتله أو قصده فقط كأن رمى الهدف فأصاب إنسانا ومات فخطأ.
ففي الإسلام لا يقتل صبي ولا مجنون حال القتل ولكن المذهب وجوبه على السكران المتعدي بتناول مسكر فلا قود على غير معتد به، ويقتل جمع بواحد، فيما إذا جرحوه جراحات لها دخل في الزهق وإن فحش بعضها أو تفاوتوا في عددها وإن لم يتواطئوا، وقدروى الشافعي رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه قتل خمسة أو سبعة قتلوا واحدا غيلة أي خديعة بموضع خال، وقال: ولو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلهم به جميعا ولم ينكر عليه فصار إجماعا.
ويجب قصاص في أعضاء يمكن من غير ظلم كيد ورجل وأصابع وأنامل وذكر وأنثيين وأذن وسن ولسان وشفة وعين وجفف ومارن أنف، فأما وسطية الإسلام في ذلك من الملحوظات، وذلك أنه يشترط لقصاص الطرف والجرح ما شرط للنفس ولا يؤخذ يمين بيسار وأعلى بأسفل ولا قصاص في كسر عظم، ولو قطع يد من وسط ذراع اقتص في الكف.فالقرآن والسنة يتكلمان عن الوسطية وليس هناك دين يتكلم بها مثل ما تكلم به الإسلام وذلك صوت الوسطية.



مواضيع ذات صلة
أدبيات, دراسات, مقالات, نداء الهند،،نداء الهند,

إرسال تعليق

0 تعليقات