ادعمنا بالإعجاب

المقامة الفلسطينية

 

مهدي أحسن
بقلم: مهدي أحسن
طالب جامعة دار الهدى الإسلامية، بنغال الغربية
المقامة الفلسطينية نص سجعي بليغ يروي تيه راوٍ في فلسطين المكلومة، يصادف رجلاً يدعو للمقاومة ضد الظلم. يجمع بين الألم والصمود بصور شعرية، معبراً عن معاناة الشعب وروح النضال..

حكي سميع بن أبي الفضل:

 نشجتُ مذ مِيطتْ عني الطرائب وسجت بي السحائب حتى طلع علي الفجر واعتزل عن الشجر، فتقلّدت رمز العين، أينما شاء للشأن وانضوى للدين، إذا الأرض رجت، والجبال نسفت والسماء فرجت وانشقت النجوم أديمها وطمست حتى اهدتني أحداق العين إلى غبراء فلسطين، كنت ذي مسغبة، على هول المصيبة، فولجتها جزعا باليقين وجوعا بالعجين وما وجبة إلا اليقين، وتقطّعت الطرق بين يدي وإذا تِهتُ زاويتها للطوى فخارت قواي وكشفت الانقلاب بي وناديتُ المختارَ بوجدي أميرا لإنقاذ من الهول وكريما للتشبع من الجوع، ربما أمر ربي سوَّلتْ وظهرتْ لي أيكة، بها زفرة ورنين وأصحابها يبكون على اغتيال وارثهم فدلفتها  لأسبر مجلبة الدمع. 

مذ أن أتلعت العنق سحقا من الازدحام، قام بين ملائها رجل من الكرام، كانت عليه رنة النياحة وعليه أهبة المعركة، والغضب في أوداجه والملأ تتجافى من الرعب وأزال ما من الحجاب حتى سمعته أن يطبع نثافته بدرر كلامه، ممالة بالسيف: 

يا أيها المُضيم، إن الدماء انفجرت والمصابيح خمدت، لا تجزي نفس من نفس ولا تلبس الحق بالباطل، حتام تكتم سختك يا معشر الشهداء، فلا تستر البسالة مثل لمة الجبناء، ومثل لمة الجبن كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، وما الدنيا تظن إلا الشرار، وإلام تزال على مس الشيطان و ازدرائه وتستمر على سيطرة العدوان وجوره، وتأجر على الغي بعد أن لا تجد الرواتب، وتحبط في أساليب الاكتساب، أتظنَ ستنفعك هذا عند زلق قدمك وتربص التبرك بهذا يوم يجمعك ربك.

 هلا سلكت مسلكا ما يجبن، وأزمعت أمانيك ما يسلب، تبا لك وسحقا بأن عانقتَ الهزم بعنقك، وصاحبتَ التبدد ببدنك، فأما والله إني لأرى مغلوبا بين يديك فحسب الإظهار، وحريق الثأر بين عيونك فحسب الانفجار، فاستعد الأصحاب لقتال خصومنا ودربهم التسلح، بأن إسرائيل يتربص بنا الشر ويرتقب لنا الإغارة، فأما والله تتخلل حلقته ونغار وأنشد:

الدنيا لمة الشياطين ومسها
يعدو الناس تلقاها ويركض

 فلبد عجاجته وتأبط رزمته، وضغط اليد إلى سيفه حتى بدأ الرحلة، والناس أتلعوا أيادهم اليه، فردهم قائلا: إن السيب يقبل عند كل غلبة، والدنيا تهوج بكم ريبة، فما لها من قول أن ترمى.

وإذ مشى حثيثا الى الزقاق والناس قفلوا سكنهم أجدادا، فاضطرب وجدي وقفوت آثار قدمه، فظهرت لي الحقيقة، وجدته مشافنا لتلميذ، على أهبة الرحلة، وفرار من هذه العيصة، حتى أغارتهم محاذئا ولا أمهلته للراحة، ولا نبضت لفريصة وأنشدت: 

حكم سيوفك في عنق الظلم

 إذا بليت بظالم كن ظالما

 وقال لي أدن وأسأل ما تشاء، فقلت: أخبرني عن وليك المقنع، فقال: شاعر الهند يقنع الازدهار المنى بين ملاء الناس وأديبها، وهو مهدي بن رضا، فانصرفت من حيث أتيت وكتمت العجب مما رأيت. 


مواضيع ذات صلة
فلسطين, مهدي-أحسن,

إرسال تعليق

0 تعليقات