ادعمنا بالإعجاب

تطور الرواية في المملكة العربية السعودية

زين العابدين ب.ك

قد ظهرت الرواية أكثرها ارتباطا بالبيئة الزمانية والمكانية وأقدرها استيعابا لواقع المجتمع ومعالجة قضاياه ومشكلاته وهمومه وطموحاته. وقد رصدت الرواية العربية أيضا في التحولات الإجتماعية والتغيرات الثقافية والتطورات البيئية وانعكاساتها في حياة الفرد والمجتمع وأنماط التفكير والسلوكيات والتعبير عن المجتمع وقيمه وتقاليده. مرت الرواية السعودية أيضا برحلة طويلة من البداية والتأسيس والتجريب والتجديد إبتداءا من رواية التوأمان في عام 1930م. وصدرت سبع مائة رواية تقريبا في مستوياتها الفنية والجمالاتية والموضوعاتية خلال هذه الفترة الممتدة لثمانين سنة.
 إن هذه الرحلة الطويلة لمسيرة الرواية السعودية تؤدي إلى تقسيم ثلاث مراحل حسب ملامح الفن الروائي في المملكة. وتبتدأ المرحلة الأولى (مرحلة البداية والتأسيس) بصدور أول رواية سعودية لعبد القدوس الأنصاري "التوأمان" 1349 هـ/ 1930 م. والمرحلة الثانية (مرحلة النضج الفني) تبتدأ بصدور أول رواية فنية في السعودية هي "ثمن التضحية" لحامد الدمنهوري عام 1959 م. وفي المرحلة الثالثة الأخيرة (مرحلة التجديد والتحديث) التي تمتد من عام 1980 م إلى وقتنا الحالي، تحمل تطورا فنيا ملحوظا وازدهارا كميا واضحا وحركة إعلامية صاخبة.
مرحلة البداية والتأسيس (1930- 1958م)
تبدأ المرحلة الأولى بظهور أول رواية سعودية "التوأمان" لعبد القدوس الأنصاري في عام 1930 م. وكانت الرواية ضعيفة في بنائها الفني من حيث الحبكة والحدث ووصف الزمان والمكان ورسم الشخصيات وتحليل دواخلها وتجسيد الصراع والحوار إلخ، لكنها قوية في الفكرة ومحافظة في الرؤية، وهي حساسية العلاقة بين الحضارة العربية المتماسكة والحضارة الغربية المادية. ويعدها د.حسن الحازمي البداية التاريخية للرواية السعودية[1]، كما يرى د. منصور الحازمي أنها المرحلة الأولى من مراحل نشأة الرواية السعودية[2] لذلك تسمي بمرحلة النشأة والتأسيس. ثم ظهرت قصص متوسطة الطول، ولكنها لا تعطي أي دلالة فنية، مثل "فتاة البوسفور" لصالح سلام، وقصة "الإنتقام الطبيعي" لمحمد نور الجوهري. ثم أصدر أحمد السباعي رواية "فكرة" عام 1368 هـ/ 1948 م، ومحمد مغربي رواية "البعث" 1368 هـ/ 1948 م، تدعوان إلى إصلاح الواقع الإجتماعي.
مرحلة النضج الفني (1959-1979 م)
شهدت المرحلة الثانية من عمر الرواية السعودية نقلة كبيرة بالموهبة الروائية التي بدأت في التعرف على التقنيات الخاصة بالرواية. ولم تعد الرواية مقصورة على الإصلاح والتهذيب بل انتقلت إلى المرحلة الجديدة التي حاول الروائيون فيها إثبات الوجود وتحقيق الذات للرواية السعودية. وتبدأ مرحلة النضج الفني بظهور رواية "ثمن التضحية" للأستاذ حامد دمنهوري في عام 1959 م، والتي تعد نقطة تحول في مسيرة الرواية السعودية. ويؤكد د/ محمد الشنطي هذه الريادة الفنية لرواية "ثمن التضحية" في اعتبارها منعطفا مهما في تاريخ الرواية السعودية[3]. وهكذا قفز حامد الدمنهوري بالرواية السعودية نحو الفنية بعد ثلاثين عاما من المحاولات المتعثرة، ثم تبعه إبراهيم الناصر، فأصدر (عام 1381 هـ) روايته الأولى "ثقب في رداء الليل"، التي لم تكن تقل في قيمتها الفنية عن رواية "ثمن التضحية". وفي العام نفسه أصدر محمد سعيد دفتر دار محاولته الأولى "الأفندي"، ثم عاد حامد دمنهوري بروايته الثانية "ومرت الأيام" عام 1383هـ.
وفي عام 1385 هـ صدرت أول رواية تاريخية، وهي رواية "أمير الحب" لمحمد زارع عقيل، كما دخلت المرأة ساحة الرواية لأول مرة مثل سميرة خاشقجي- رائدة الرواية العاطفية- وأعمالها هي: ودعت آمالي (1961 م) و ذكريات دامعة (1962 م) وبريق عينيك (1963 م) قطرات من الدموع (1971 م) ومأتم الورود (1973 م). ثم رواية "غدا سيكون الخميس" عام 1977 م لهدى الرشيد التي بدت في روايتها أكثر نضجا من السابقة، وظهرت كذلك رواية "البراءة المفقودة" 1392 هـ لهند باغفار، بالإضافة إلى رواية "غدا أنسى" لأمل شطا التي بدت روايتها أكثر تماسكا فنيا من الروايات النسائية السابقة.
مرحلة التجديد والتحديث (1980- حتى الآن):
وتبدو هذه المرحلة خاصة في الثمانينيات الميلادية امتدادا للمرحلة الثانية في رصد تحولات المجتمع وتقاليده وعاداته ومعاناته. أن مرحلة الثمانينيات التي بدأت الطفرة الإقتصادية هي المنعطف الحقيقي في مسيرة الرواية السعودية، حيث تحسن الوضع السياسي والمعيشي للفرد والمجتمع في كافة أرجاء البلاد، ورافقتها تحولات إجتماعية هامة هزت بناء المجتمع السعودي التقليدي. وظهرت الرواية الحديثة متأثرة بالمتغيرات الكثيرة في حياة المجتمع السعودي، من بينها انفتاح التعليم على فضاءات ثقافية متنوعة عربية وشرقية وغربية.
ويعتبر صدور رواية الدكتور غازي القصيبي "شقة الحرية" التي صدرت في عام 1994م، تأسيس مرحلة جديدة في مسيرة الرواية السعودية.[4] وهي بصفتها الرواية الرائدة لهذه الموجة الجديدة من الروايات المحلية، و تجري أحداثها خارج البلاد، ويدور محورها الأساس حول تاريخ بعض التجمعات والأحزاب العربية. وفي الواقع، فتحت هذه الرواية بابا واسعا من الجرأة التأليفية لمن كتبوا بعدها، وسلطت الأنظار على كثير من القضايا المسكوت عنها، وزرعت بذورا عديدة في أغلب الروايات التي تلتها في مجالات الوعي وحقوق الإنسان والسؤال عن الهوية والنظرة للآخر وقضايا المراكز والأطراف ومصادر الإرهاب الفكري والمادي، ومسائل الغرائر الجسدية...إلخ. وأتيحت هذه الرواية فرصة الكلام بصورة مختلفة، وبدأت تظهر الحكايات المختزنة في المملكة العربية السعودية. ثم جاءت ثلاثية تركي الحمد (أطياف الأزقة المهجورة 1996-1998) بأجزائها الثلاثة (العدامة، الشميسي، الكراديب) وروايات عبده خال فاتحة في القول الروائي المحلي.
الطفرة الروائية السعودية بعد الألفين الميلادية
ويعتبر عام 2000م/ 1420 هـ عام التحول في مسيرة الرواية السعودية، حيث تزايدت الإهتمام النقدي والإعلامي لهذا الفن، ونمت عدة ظواهر في عالم الرواية السعودية لتبرزها على باقي الفنون الأدبية. وكانت طبيعة السياق في هذه المرحلة تتحكم في درجة الجرأة والصراحة لدى الروائيين، وكان للضغوط والعوامل الخارجية المتنوعة دورا أكبر مما تحدده العوامل الداخلية، لأن طبيعة الخطاب الداخلي تميل إلى الدعة والسكون، وتقوم على المعتاد والمكرر من الأمور. فارتبطت الرواية المحلية بمؤثرات عديدة، بعضها يعود إلى طبيعة الخطاب المحافظ الموروث، والبعض الآخر يدخل في نطاق العوامل والأحداث المستجدة. كانت هناك عوامل مباشر أسهمت في تغيير المناخ الإجتماعي والثقافي. ومن أهمها، ظهور نتائج الطفرة الإقتصادية الأولى في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات الميلادية، وقيام حرب الخليج الثانية باحتلال العراق للكويت في عام 1990م، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عام 2001 م من الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي هذه المرحلة، كانت الرواية أقدر على الإستجابة لحركة الأحداث والتحولات، والتفاعل المباشر معها، ولهذا ترتبط دلالاتها وتأثيراتها إرتباطا وثيقا بالبيئة التي أنتجت فيها. ولذلك أن الأعمال التي بدأها غازي القصيبي وعبده خال وتركي الحمد وليلى الجهني في آخر سنوات الألفية السابقة، وجدت صدى مناسبا فحدثت طفرة في الكم الإنتاج وزيادة ملحوظة في مستوى الجرأة والصراحة، مع بداية سنوات الألفية الجديدة. ويعد  حسن النعمي أن التسعينات من القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة، هي مرحلة التحولات الكبرى في مسيرة الرواية السعودية.[5] إضافة إلى ذلك، وفي عام 2005 م ظهرت الروائية الشابة رجاء الصانع بروايتها "بنات الرياض" التي أحدثت ضجيجا عاليا في المجتمع السعودي على الرغم من ضعف البناء الفني. فقد أثارت الرواية لكاتبتها رجاء الصانع كثيرا من الجدل حول مضمونها الفني والموضوعي. وقد عالجت الكاتبة صورة جلية للخطابي الليبرالي حيث تقوم على أساس أنها تعرض فضائح صديقات الكاتبة مخالفة من المفهومات الإسلامية مثل الزواج واختلاط الرجال بالنساء وإلى ذلك. وترجمت هذه الرواية إلى ستة وعشرين لغة في العالم، وحصلت على المركز الثامن في أكثر الكتب مبيعا في العالم. وفي هذا الصدد قامت عدد من الروائيات الشابات بالسير على نهجها وكثرت نتاجهن بين القوة والضعف في الطرح والإستخفاف بقواعد النص الأدبي.
وقد صدرت خلال الفترة من 2000-2011 م 578  رواية، وهو رقم يتضاعف من الفترة السابقة التي تمتد من 1930-1999 م والذي بلغ عددها إلى 208 روايات. وأشار الدكتور حسن حجاب الحازمي والأستاذ خالد اليوسف إلى "أن عدد الروايات التي نشرت في السعودية تقارب ستمائة رواية خلال  الفترة (1990-2011م) مقارنة بنحو 120 رواية صدرت بين عامي 1930م و1989 م، تؤكد أن الرواية السعودية شهدت طفرة إنتاجية هائلة، وأثارت إهتمام النقاد في العالم العربي". [6]
تحقق هذا التطور في فترة زمنية قصيرة نسبيا (حوالي عشرون عاما)، ففي عام 1994 م الذي صدرت فيه رواية "شقة الحرية"، لم ينشر سوى أربع روايات منها رواية واحدة كتبتها امرأة، وفي عام 2006 م الذي يعتبر عام الطفرة الروائية للمرأة السعودية، صدرت 48 رواية منها 23 رواية كتبتها المرأة، ومنها روايات مؤثرة مثل:"بنات الرياض" لرجاء عبد الله الصانع و"البحريات " لأميمة الخميس، و"جاهلية" لليلى الجهني و"الآخرون" لصبا الحرز و"هند والعسكر" لبدرية البشر و"الجنية" لغازي القصيبي و "نزهة الدلفين" ليوسف المحيمد و" الإرهابي 20" لعبد الله ثابت. كما صدر في العام ذاته عدد من الروايات المثيرة مثل "حب في السعودية" لإبراهيم البادي، و"ملامح" لزينب الحفني و "الأوبة" لوردة عبد الملك و"سعوديات" لسارة العليوي و"عرق بلدي" لمحمد المزيني. وما زالت الطفرة الروائية تستمر إلى العصر الراهن حتى صدرت مائة رواية في عام 2011 م، منها 37 رواية كتبها أسماء جديدة من الرجال و24 رواية من النساء. ويشير هذا العدد إلى طفرة الروائية في السعودية التي تصدر أكثر من مائة رواية سنويا، أصبحت محورا لعناية مانحي الجوائز العربية والعالمية منافسة في سائر البلدان العربية كمصر وسوريا ولبنان. ويؤكد ذلك فوز رواية عبده خال "ترمي بشرر" بجائزة البوكر لعام 2010م وتبعها في السنة التالية 2011 م فوز رواية رجاء عالم "طوق الحمام" بالجائزة نفسها مناصفة مع الروائي المغربي محمد الأشعري.
المراجع
      ×          د/ سحمي الهاجري: جدلية المتن والتشكيل- الطفرة الروائية في السعودية، الطبعة الأولى، مؤسسة الإنتشار العربي، بيروت، لبنان، عام 2009 م.
      ×          د/ حفظ الرحمن الإصلاحي: النزعة الاجتماعية في الرواية السعودية، الطبعة الأولى، جداول للنشر والتوزيع، عام 2011 م.
      ×           حسن حجاب الحازمي: "البطل في الرواية السعودية"، الطبعة الأولى، 2001م، نادي الجازان الأدبي.
      ×          د/ منصور الحازمي: فن القصة في الأدب السعودي، الطبعة الأولى، 1999 م، دار ابن سينا للنشر.
      ×          د/ محمد الشنطي، فن الرواية في الأدب السعودي المعاصر، الطبعة الثانية، دار الأندلس للنشر والتوزيع، حائل، 2003 م.
      ×          د/ سيد محمد ديب: فن الرواية السعودية بين النشأة والتطور، الطبعة الثانية، المكتبة الأزهرية للتراث، عام 1995 م.
      ×          مجلة الجوبة، العدد 35، ربيع 1433 هـ، 2012 م.





[1]. د/ حسن الحازمي، البطل في الرواية اسعودية"، ص 14.
[2]. د/ منصور الحازمي، فن القصة في الأدب السعودي، ص 15.
[3]. د/ محمد الشنطي، فن الرواية في الأدب السعودي المعاصر، ص 68.
[4]. د/ سحمي الهاجري: الطفرة الروائية السعودية- جدلية المتن والتشكيل، ص 38.
[5]. حسن حجاب الحازمي، البطل في الرواية السعودية، الطبعة الأولى، نادي الجازان الأدبية، 1421 هـ، ص 11-12
[6]. في كتابهما " الرواية مدخل تاريخي ودراسة ببلوجرافية ببلومترية " نادي الباحة الأدبي "، الطبعة الأولى 2009 م. (نقلا عن مجلة الجوبة، ربيع 1433 هـ.)

مواضيع ذات صلة
الأدب العربي العالمي,

إرسال تعليق

0 تعليقات